مع احتدام المعارك في أوكرانيا بين القوات الروسية والجيش الروسي، كان للدعم الغربي دورا واضحا، في تفوق أوكرانيا برّيا ما ساهم في تراجع القوات الروسية في العديد من المناطق، إلا أن الهجمات الصاروخية الروسية الاخيرة، أظهرت ربما ضعف في منظومة الدفاع الجوية لأوكرانيا، فكيف ساهم الدعم الغربي في قلب موازين القوى على أرض المعركة.

نقطة تحول

يمكن القول إن الهجمات الصاروخية الانتقامية التي نفذتها روسيا مؤخرا على العديد من المناطق الأوكرانية بينها العاصمة كييف، رسمت معالم مرحلة جديدة من المواجهة العسكرية في أوكرانيا، إذ ربما تشكل هذه الهجمات ضغطا إضافيا على حلفاء أوكرانيا لتقديم الدعم العسكري اللازم لمواجهة هجمات مماثلة في المستقبل.

منذ بدء الدعم الغربي بكثافة للجيش الأوكراني، كان واضحا التفوق العسكري للقوات الأوكرانية في بعض المناطق، فكان للدعم الاستخباراتي دورا مهما في استهداف النقاط العسكرية الروسية، ما شل حركة الجنود الروس ومنع عنهم الإمدادات، ذلك ما اعترفت به القيادة الروسية نفسها.

كما ساهم هذا الدعم باستعادة أوكرانيا للعديد من المناطق التي استولت عليها روسيا، وتحول الجيش الأوكراني من حالة الدفاع إلى الهجوم، ووفقا لتقرير “معهد دراسة الحرب” ومقره واشنطن، فإن الجيش الأوكراني، استعاد منذ بدء الهجوم المضاد شرقي البلاد مطلع أيلول/سبتمبر الجاري، مناطق واسعة وهي أكثر مما استولى عليه الروس في جميع عملياتهم منذ نيسان/أبريل الماضي.

لكن نقطة الضعف في المواجهة العسكري حاليا، هي منظومة الدفاع الجوي الأوكرانية، إذ تستخدم الآن كييف، مزيج من أنظمة الدفاع الجوي المتوافرة لديها، ضد سلاح الجو الروسي، وهي خليط من أنظمة قديمة طويلة المدى سوفييتية الأصل مثل نظام إس 300 الذي ورثته كييف عن الاتحاد السوفييتي، أو تلك التي قدمها أعضاء بـ “الناتو” كانوا جزءا من الكتلة الشرقية.

ضابط الاتصال السابق في حلف “الناتو” الدكتور أيمن سلامة، يرى أن الصراع المسلح الذي يجري في أوكرانيا، يمثل نقطة تحول تاريخية للأمن الأوروبي، بالتالي فإن أوروبا مهتمة بدعم أوكرانيا على كافة الأصعدة في هذه المرحلة، مشيرا إلى أن روسيا فشلت في إملاء شروطها على أوكرانيا والغرب، نتيجة الفشل بإحداث نصر عسكري سريع كما كان يخطط له بوتين.

سلامة قال في حديث خاص مع “الحل نت“، “هذا الصراع المسلح الآن يمثل نقطة تحول تاريخية للأمن الأوروبي، وتحديدا للدول الأوروبية الأعضاء في حلف الناتو المتاخمة للحدود الروسية ومنها مثلا بولندا“.

إخفاق روسي

روسيا أخفقت منذ بدء غزوها لأوكرانيا في شباط/فبراير الماضي، عن طريق استخدام القبضة العسكرية الخشنة والمكثفة، في إملاء شروطها، فلم تنجح حسابات المعركة التي حسبها بوتين، على ما حصل في الميدان، لا سيما بعد أن باغت الأوكرانيون الجيش الروسي، وشنوا هجمات معاكسة خلال الأسابيع الماضية، ما عقد من حسابات القيادة الروسية.

تسعى روسيا من خلال غزو أوكرانيا وفق سلامة، إلى إعادة الهندسة الأمنية في أوروبا، حيث تريد روسيا تطويع وإعادة هيكلة هندسة الأمن الأوروبي، بما يحقق مصالحها التي تتبنى نظرية المجال الحيوي وهي النظرية التي أسدلت عليها ستائر النسيان في القانون الدولي.

فيما يخص أهمية استمرار الدعم الغربي لأوكرانيا، لتحقيق التوازن العسكري في أرض المعركة، يعتقد سلامة، أن الضربات الصاروخية الأخيرة من قِبل موسكو، ستزيد الضغط بالتأكيد على حلفاء أوكرانيا الغربيين، لا سيما بعد أن شملت الضربات المرافق الحيوية ومواقع في كييف وغيرها من المدن.

حول ذلك يضيف، “الهجمات الروسية الأخيرة، أظهرت وكشفت، هشاشة في النظام الدفاعي الجوي الأوكراني، الغرب سيتجه بالتأكيد لحل هذه الثغرة، لكنهم ربما يواجهون مشكلة، في مدى قدرة الضباط الأوكران على التأقلم مع الأنظمة الغربية، المسألة تحتاج بعض الوقت، لا يزال القادة والضباط في أوكرانيا في معظم الأحوال يتبنون عقيدة القتال السوفييتية الشرقية كما الحال في بعض الدول العربية، لذلك مسألة تطويع هذه القيادات وخبراء الدفاع الجوي الأوكراني على هذه الوسائل الغربية، مسألة تأخذ وقت، رغم استقدام دول أوروبية في حلف الناتو، ضباط أوكران لتدريبهم على أنواع الأسلحة المختلفة وأنظمة الدفاع الجوي الغربية“.

محللون توقعوا في وقت سابق لـ“الحل نت” أن الهجمات الروسية المتصاعدة، ستساهم في مضي أوروبا في دعم القوات الأوكرانية، في محاولة لاستنزاف روسيا على الصعيدين الاقتصادي والعسكري

مسؤولون أميركيون، أعلنوا عن حزمة أسلحة جديدة بقيمة 1,1 مليار دولار، ستعلن عنها واشنطن لأوكرانيا، في إطار برنامج “مبادرة المساعدة الأمنية لأوكرانيا“، الذي صادق عليه الكونغرس، ليتيح للإدارة الأميركية تزويد كييف بالأسلحة من الصّناع، وليس من الترسانات الأميركية.

مصادر أميركية ذكرت بحسب ما نقل موقع “سكاي نيوز عربية” الأربعاء، أن المساعدات ستشمل راجمات “هيمارس” وصواريخ، ومختلف الأنظمة المضادة للطائرات المسيرة والرادارات، وقطع غيار، وأجهزة دعم تقني وغير ذلك، تلبية لنداءات الرئيس الأوكراني المستمرة بتزويده بالأسلحة، لا سيما صواريخ هاربون المضادة للسفن، وأنظمة الصواريخ المحمولة المضادة للطائرات “ناساماس“.

والمنظومة المذكورة، هي منظومة دفاع جوي الأكثر تطورا من بين جميع المنظومات التي يمكن أن تتسلمها أوكرانيا، وتأثيرها متوسط يصل إلى نحو 40-50 كيلومترا مع ارتفاع 15 كيلومترا.

تتميز هذه المنظومة بأن الرادار المرتبط بها منفصل عن منصة الإطلاق، لذلك عند كشفها سيتمكن العدو من تدمير منصة الإطلاق فقط.

لكن في المقابل يتخوف مراقبون لمراحل الغزو الروسي لأوكرانيا، من إقدام بوتين على التوجه للخيارات النووية، لاسيما مع تدهور الجيش الروسي، حيث أن التعبئة الجزئية الحالية للقوات المسلحة هي الخطوة الأولى في المرحلة الجديدة من الحرب الروسية في أوكرانيا. وقد تصل تدابير بوتين، لكسب الحرب بأي ثمن، بحسب محللين غربيين، إلى استخدام أسلحة نووية، وقد تصل تهديداته إلى ما وراء أوكرانيا.

يقول لاشا تشانتوريدزي، مدير برامج الدراسات العليا في الدبلوماسية والعلاقات الدولية في جامعة نورويتش العسكرية الأميركية، إن لدى روسيا ثلاثة خيارات لتنفيذ هجمات نووية، الأول، هو الهجوم الكهرومغناطيسي، وإذا لجأ الروس إلى هذا الخيار، سيفجرون رأسا نوويا عاليا فوق أوروبا أو أوكرانيا، لتوليد نبضات كهرومغناطيسية، يمكن أن تقضي على معظم البنية التحتية الاقتصادية في أوروبا.

والثاني، هو الهجوم النووي التكتيكي، وإذا قررت روسيا إطلاق طلقات نووية تحذيرية تجاه أوروبا بهذه الصواريخ، فقد تطلق رأسا أو رأسين حربيين مستهدفين غابة أو منطقة ريفية. ردا على ذلك، يمكن للولايات المتحدة أن تنتقم، بشرط أن يكون لديها القدرة على الانتقام المتماثل في مكان ما في أوروبا.

أما الخيار الثالث، فهو الهجوم النووي السري، لم يتم تصنيف الطريقة الثالثة والأكثر خطورة لإيصال الرؤوس الحربية النووية التي يمتلكها الروس رسميا، ولكنها تمثل بشكل أساسي ضربة سرية. بادئ ذي بدء، فإن جميع أنظمة الصواريخ التي يزيد مداها عن 50 كيلومترا المصنعة في أواخر الحقبة السوفيتية وروسيا المعاصرة، قادرة على حمل رؤوس حربية نووية، ويمكن للمدفعية بعيدة المدى إطلاق قذائف برؤوس نووية أيضا.

لكن بحسب تقرير تشانتوريدزي، فإن إقدام روسيا على واحد من هذه الخطوات سيجعل الرد قاسيا من قِبل “الناتو“، لا سيما وأن حلف شمال الأطلسي سيفقد كل مصداقيته إذا لم تدافع الولايات المتحدة عن أحد حلفائها في “الناتو” من مثل هذا الهجوم المدمر.

استمرار المعارك ينذر بالتأكيد بشتاء ساخن بين روسيا وأوكرانيا، في حين تؤكد المعطيات أن روسيا ستواصل غرقها في المستنقع الأوكراني، لا سيما مع إبداء معظم الدول الغربية استعدادها لدعم الجيش الأوكراني، في مواجهة روسيا، ما يعني مزيد من الاستنزاف العسكري والاقتصادي للأخيرة، فضلا عن المشاكل الداخلية الناجمة عن قرارات القيادة الروسية

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.