مع انسحاب البنوك من تمويل عمليات النفط والغاز ومصادر التمويل التقليدية الأخرى مثل الاستثمار في الأسهم أو الإقراض القائم على الاحتياطي، يتطلع منتجو النفط والغاز في الولايات المتحدة إلى سوق مزدهرة للتمويل البديل، المعروفة باسم توريق أصول الطاقة.

شركات النفط والغاز التي تسعى للحصول على السيولة لتشغيل أعمالها وجدت نفسها غير قادرة على الوصول إلى السيولة من المصادر التي كانت متاحة تقليديا لصناعة النفط والغاز، مثل القروض والديون ذات العائد المرتفع واستثمارات الأسهم العادية، ففي الوقت الذي تكون فيه الصناعة في حاجة ماسة إلى الأموال، فإن هذه الشركات تدرس نظرة فاحصة على التوريق، والذي كان حتى وقت قريب غير مألوف بشكل عام لسوق النفط والغاز.

يتمتع توريق الأصول بمزايا تنشيط أصول الأوراق المالية، وتعزيز الائتمان، وعزل المخاطر، وبالتالي فهو طريقة تمويل محتملة لمؤسسات الطاقة حول العالم التي عاصرت منذ عام 2020 ركود وكساد اقتصادي. لكن هل تمويل توريق الأصول ينطبق على شركات الطاقة، وما التوقعات حول نجاح الفكرة في المستقبل القريب.

ابتكار في تمويل الطاقة

حدث أول توريق من هذا النوع لأصول الطاقة في عام 2019، لكنه سرعان ما اكتسب رواجا على مدار العام الماضي حيث يتطلع العديد من المنتجين من القطاع الخاص إلى تنويع مصادر تمويلهم. 

وكالة “فيتش” قالت في أوائل عام 2020، إن “عمليات التوريق المدعومة بأصول النفط والغاز تساعد على تنويع مصادر التمويل للشركات التي يمكنها الوصول إلى رأس المال من مصادر تقليدية أكثر، مثل تسهيلات الإقراض القائم على الاحتياطي، أو إصدار السندات ذات العائد المرتفع أو الاستثمار في الأسهم”. 

أشارت وكالة التصنيف في شباط/فبراير 2020، إلى أن “المعاملات الصادرة حديثا توفر تدفقا نقديا مستقرا حيث يمكن التنبؤ بمعدلات النضوب إلى حد ما اعتمادا على عمر الآبار والتنويع الشامل”. 

الخبير في اقتصاديات الطاقة الدولية، مايكل تايلور، أوضح لـ”الحل نت”، أن تمويل التوريق يفيد شركات النفط والغاز بإنتاج ممتلكات لها تاريخ إنتاج طويل وثابت، مثل الاحتياطيات المنتجة المطورة والمؤكدة. ومع ذلك، يتطلب توريق الأصول عزل الأصول المعينة عن الشركة الأم أو الراعي، من خلال بيع حقيقي أو نقل مطلق للأصول. 

وفقا لذلك، يجب على الشركات النظر فيما إذا كان نقل هذه الأصول مسموحا به بموجب مستندات الدين الحالية أو ما إذا كان هذا التحويل قد يؤدي إلى تخفيض قاعدة الاقتراض التي من شأنها أن تفوق فوائد التوريق.

يتمثل أحد التطورات المثيرة في تمويل مشاريع الطاقة في تطبيق التوريق على محافظ أنظمة الطاقة، إذ يشير التوريق بحسب تايلور، إلى عملية تحويل مجموعة من الأصول غير السائلة إلى أوراق مالية قابلة للتداول. ويتم تجميع محفظة من أنظمة الطاقة وإصدار الأوراق المالية المدعومة بالأصول وتصنيفها بناء على محفظة التدفقات النقدية الأساسية. 

بحسب حديث تايلور، يعمل تجميع الأصول على تقليل مخاطر الائتمان حيث أن السندات المصنفة مرتبطة بأداء المجمع وليس بمخاطر أصل واحد. ومع تقدم تكنولوجيا الطاقة وقدرات التصنيع، تتطور آليات التمويل أيضا لدعم النمو العالمي السريع للمنشآت.

سندات التوريق تجربة ناجحة؟

العديد من الشركات في عام 2008 وفي ذروة الأزمة المالية، عملت على إصدار سندات توريق فيما أعلن البعض الآخر عزمه إصدار هذا النوع من السندات لتمويل مشاريع توسعية جديدة تضيف إلى أنشطته الاستثمارية، ويأتي ذلك علي خلفية نجاح شركات عديدة ومنها شركة “كونتاكت” لتجارة السيارات في تمويل أنشطتها من خلال إصدار سندات توريق.

أستاذ المحاسبة بالجامعة الأميركية وخبير سوق المال، الدكتور حازم ياسين، ذكر لصحيفة “المال” أن سندات التوريق هي عبارة عن سندات تم تقييم الجدارة المالية لها في شركة متخصصة في تقييم الجدارة الائتمانية، وتعتمد علي جهات لديها أموال مستحقة لدي أفراد باعت لهم أشياء كعقارات، وسيارات، وغيرها بالتقسيط وبدلا من الانتظار للانتهاء من عمليات التحصيل من العملاء يمكن لهذه الجهات إذا أرادت أن تكرر عملية البيع لسلع أخرى، بيعها من مرحلة سابقة على أن يكون العملاء ملتزمين بالسداد في المواعيد المحددة لهم.

بالتالي فإن تكرار العملية سيتطلب الحصول على أموال جديدة وبذلك تنتقل الديون المستحقة لهذه الشركة إلى جهة أخرى متخصصة في التوريق تقوم بإصدار سندات تعرف باسم سندات التوريق وتدفع أصل المبلغ الذي سيتم تحصيله من العملاء، وهذه السندات مضمونة بأصل الدين المملوك للشركة المصدرة.

ياسين، أشار إلى أن سندات التوريق تزيد حركة الاقتصاد، موضحا أن شركة عقارات بوسعها بدلا من بناء مدينة وبيع ما بها من وحدات، أن تبني مدينتين الواحدة تلو الأخرى، وتتمكن من بيعهما على التوالي كما تستطيع تكرار البناء والبيع عن طريق سندات التوريق التي تتيح لها توفير السيولة المادية اللازمة لتمويل عملية البناء والتعمير.

كذلك يمكن اللجوء لنفس هذا الأسلوب في أنشطة أخرى، ويمكن كذلك أن يستفيد العملاء من ذلك النشاط الذي يتيح عمليات البيع بالتقسيط من خلال توافر العديد من الشركات التي تمارس نشاط التوريق في ظل توافر السلع بما لا يحدث أزمة نتيجة عجز السلع.

هذه السندات قابلة للتداول بالبورصة وغير قابلة للتحويل إلى أسهم، بالإضافة إلى قابليتها للاستدعاء المعجل. ويبلغ التصنيف الائتماني لهذه السندات إذا قامت به إحدى الشركات المتخصصة في ذلك تقييما قدره “AA”.

ازدهار لسوق الطاقة 

في عام 2022، ازدهر سوق توريق أصول النفط والغاز، حيث تضاعفت قيمة الصفقات في الطاقة ثلاث مرات اعتبارا من عام 2021، وفقا لبيانات من “غوغنهايم” للأوراق المالية. حتى الآن هذا العام، باعت الشركات الخاصة للمستثمرين 3.9 مليار دولار عبر التوريق، ارتفاعا من 1.2 مليار دولار فقط في العام الماضي. 

من جهته يرى الخبير في اقتصاديات الطاقة الدولية، أن فجوة التمويل تشكل عقبة أمام التنمية المستدامة لمؤسسات الطاقة المتجددة. فالأموال الحكومية وطرق التمويل التقليدية الأخرى لا يمكن أن تلبي الحاجة. لكن توريق الأصول هو أداة تمويل فعالة ذات إمكانات كبيرة لتوفير تمويل موثوق به لتطوير صناعة الطاقة المتجددة.

في الوقت الحالي، يتم تعزيز ودعم الطاقة المتجددة بقوة. ويشتمل دخل مشاريع توليد الطاقة المتجددة عموما على رسوم الكهرباء والإعانات الحكومية. لذلك، تتمتع مشاريع الطاقة المتجددة بتدفقات نقدية للدخل يمكن التنبؤ بها ومستقرة، والتي يمكن استخدامها كأصول أساسية موثوقة لتمويل التوريق. 

ووفقا لحديث تايلور، تساعد تكاليف التمويل المنخفضة التي يسهلها التوريق بشكل مباشر على خفض التكاليف المتوازنة للطاقة وجعل الكهرباء المولدة من الخلايا الكهروضوئية أكثر قدرة على المنافسة مع المصادر الأخرى. تولد الطاقة التي ينتجها كل نظام في المحفظة تدفقات نقدية تدعم عوائد الاستثمار المورق. 

قد تكون عروض توريق النفط والغاز مفيدة لكل من المستثمرين والمنتجين، كما كتب دانييل أليسون، الشريك في تمويل الطاقة مع شركة “سيدلي أوستن إل إل بي”، العام الماضي. لذا فهم ووكالات التصنيف للمتغيرات المقبولة يمكن للمنتجين استخدام توريق أصول الطاقة إما لتنويع هيكل رأس المال الخاص بهم أو الاستفادة من هذا السوق البديل.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.