بينما يكثّف الاتحاد الأوروبي دعمه لكييف بإقراره، يوم أمس الإثنين، ضخ 2.1 مليار دولار إضافية إلى الصندوق المخصص لتسليح أوكرانيا، ومناقشة فرض حزمة تاسعة من العقوبات المشددة ضد روسيا، على خلفية غزوها لأوكرانيا، بجانب الإعلان الأخير لـ “مجموعة الدول السبع”، مواصلة العمل معا لتعزيز القدرات العسكرية الأوكرانية، من المقرر أن تستضيف باريس اليوم الثلاثاء، مؤتمرا دوليا لحشد المساعدات في سبيل تقديم الدعم لأوكرانيا، وقد أكد قصر الإليزيه في تعميم له أنه سيضم سبعين مشاركا يمثلون 47 دولة، هي الدول الرئيسية الداعمة لكييف إضافة إلى المنظمات الدولية والمؤسسات المالية.

المؤتمر الدولي يهدف بشكل أساسي إلى تقديم الدعم لأوكرانيا وبنيتها التحتية، التي لحق بها الدمار جرّاء الغزو الروسي. كذلك، يهدف المؤتمر إلى تنسيق مساعدات الإغاثة في مجالات الطاقة والنقل والزراعة والمياه والرعاية الصحية. ويعقب المؤتمر الدولي الصباحي بعنوان “متضامنون مع الشعب الأوكراني”، عقد اجتماع منفصل لتحديد مسار مشاركة الشركات الفرنسية في إعادة إعمار أوكرانيا، وهذا الاجتماع تستضيفه وزارة الاقتصاد الفرنسية التي دعت 500 شركة ومؤسسة فرنسية لحضوره.

على إثر كل ذلك، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو ما أهداف هذا المؤتمر، وما سر توقيته في وقت يحتدم فيه الصراع الروسي الأوكراني، وكذلك تأثيره على تغيير مجريات الحرب هناك، وهل ستكون هناك استراتيجية غربية جديدة تجاه الصراع بين موسكو وكييف، وأخيرا النتائج المتوقعة من هذا المؤتمر، خصوصا الاقتصادية منها.

استمرارية دعم أوكرانيا

مصادر قصر الإليزيه تؤكد أن فكرة المؤتمرين برزت منذ تموز/ يوليو الماضي من خلال التشاور المنتظم بين الرئيسين الفرنسي إيمانويل ماكرون والأوكراني فولوديمير زيلينسكي. ومن المقرر أن يفتتح ماكرون المؤتمر الدولي في مقر لوزارة الخارجية الفرنسية، يليه زيلينسكي بكلمة عن بعد كما سيرأسان معا المؤتمرين. والأمر نفسه سيتكرر بخصوص المؤتمر الثنائي الذي تريده باريس دليلا على عزمها المشاركة في إعادة النهوض بأوكرانيا وتمكين الشركات الفرنسية من لعب دور رئيسي في هذه المهمة.

صورة تجمع أولينا زيلينسكي وماكرون وشميهال وكولونا لدى وصولهم لحضور المؤتمر الدولي “الوقوف مع الشعب الأوكراني” في باريس “رويترز”

تعليقا حول هذا الأمر، يرى الأكاديمي والباحث في العلاقات الدولية والمتخصص بالشأن الروسي، إسماعيل تركي، أن الهدف الأساسي لهذا المؤتمر، هو ضمان توفير المساعدات اللازمة لأوكرانيا من ‏أجل دعم الشعب الأوكراني لتجاوز الشتاء الصعب بعد الضربات الروسية على البنية التحتية ‏ومحطات الطاقة والنقل والزراعة والمياه والرعاية الصحية، والتأكيد على استمرار دعم أوكرانيا.

طبقا لتقدير تركي الذي تحدث لموقع “الحل نت”، يريد الرئيس الفرنسي ماكرون، من خلال هذا المؤتمر، إيصال رسالة من أن أوروبا لا تزال متّحدة ضد روسيا في مساعدة أوكرانيا وأن الإصرار الغربي على مساعدة أوكرانيا لا يزال موجودا، بعد كل ما قيل عن الانقسامات داخل دول الاتحاد الأوروبي بشأن العقوبات ضد روسيا وقدرة الدول الغربية على الاستمرار في تقديم الدعم العسكري والمالي لأوكرانيا بعد نضوب مخزونات الأسلحة في المخازن الأوروبية.

قد يهمك: قمة “كوب 28”.. تحديات التحوّل للطاقة النظيفة و“العدالة المناخية“؟

تركي يعتقد أن فكرة المؤتمر تم الاتفاق عليها بين الرئيسين الفرنسي والأميركي في زيارته ‏الأخيرة للولايات المتحدة الأميركية، وكأنها رسالة بأن “العالم متحد ضد روسيا في غزوها ‏لأوكرانيا”. وهذا ربما تثبيت لموقف واستراتيجية الغرب ضد روسيا.

هذا وبعد انعقاد مؤتمرات لوغانو ووارسو وبرلين، خلال الأشهر الأخيرة، يهدف هذا المؤتمر الدولي إلى تحييد الاستراتيجية التي تنفذها روسيا منذ تشرين الأول/ أكتوبر الفائت، والمتمثلة في مهاجمة البنية التحتية المدنية للتسبب بمعاناة الأوكرانيين وإضعاف المقاومة.

المتحدثون في المؤتمر سيركزون على خمسة مجالات أساسية؛ الطاقة والمياه والغذاء والصحة والنقل، لتمكين أوكرانيا من الحفاظ على تشغيل البنية التحتية الأساسية.

بحسب بيان مقتضب أُصدر من الإليزيه، فإن هذا المؤتمر هو الأول من نوعه ويهدف إلى “جمع داعمي أوكرانيا الدوليين للاستجابة بشكل ملموس وعلى المدى القصير للحاجات المُلحّة للشعب الأوكراني وتمكينه من تخطي فصل الشتاء خصوصا في مجالات الكهرباء والتدفئة والمياه والصحة والنقل”. كما أن غاية المؤتمر الثنائي هي مساعدة أوكرانيا على الصمود وإعادة الإعمار، وأن الشركات الفرنسية العديدة المشاركة سيكون المطلوب منها الاستجابة للحاجات الأوكرانية الطارئة، والمساهمة في إعادة إعمار البلاد والاستثمار في قدرات وإمكانيات الاقتصاد الأوكراني على المدى الطويل.

مدى تأثير المؤتمر

في سياق مدى تأثير نتائج هذا المؤتمر على مجريات الحرب الروسية الأوكرانية، فإن تركي يعتقد أنها ليست بهذا المستوى الكبير. ويرى أن الوقت قد حان وهو ضروري لوقف هذه الحرب بالجلوس على طاولة المفاوضات، حيث أن روسيا أُنهكت واستُنزفت، ولم يكن هذا واردا في تخطيطها لما أسمته عملية عسكرية محدودة في أوكرانيا، والتي تحولت رغما عنها إلى حرب شاملة ذات محاور وجبهات متعددة. والتي تتطلب الآن التوقف لمراجعتها وإعادة تقييمها من الجانب الروسي، على الرغم من أنها يبدو قد تتخذ حتى قرارا باستحالة ‏هزيمتها في أوكرانيا.

أما الجانب الأوكراني فهو ثابت في الدفاع عن أراضيه، وعدم الاستسلام للجانب الروسي لإضفاء الشرعية عليه ولإفقاد أوكرانيا لأراضيها، بحسب تقدير تركي.

قد يهمك: تصاعد التوتر بين صربيا وكوسفو.. حرب جديدة في البلقان؟

أما فرص التفاوض بين موسكو وكييف فهي تبدو “ضعيفة” ولا يمكن تصورها في الوقت الحاضر، في ظل تمسك الجانب الروسي بشروطه التفاوضية الصعبة، بل وعدم جديته في هذا الأمر، بالإضافة إلى عدم رغبته في إعادة الأراضي التي احتلها من أوكرانيا، وهو أحد الشروط الأساسية لكييف، وفقا للمراقبين.

نتائج المؤتمر

مصادر في الإليزيه والخارجية الفرنسية، قالت إن “الهدف المباشر هو عدم انهيار شبكة الكهرباء الأوكرانية، وألا تحصل عتمة لعدة أسابيع وألا تتجمد المياه في الأنابيب”، لأن هذه الأخيرة ستكون حينذاك خارجة عن الخدمة حتى الصيف.

كما وستتركز الجهود على إصلاح البنية التحتية بعد كل ضربة روسية لكي يتمكن السكان من تجاوز فصل الشتاء وإبقاء معنوياتهم عالية. من المرتقب أن تصدر إعلانات بالأرقام من الرئيس الفرنسي. وأشار مصدر دبلوماسي إلى أن الصين ستكون الغائب الأكبر عن المؤتمر. في المقابل سيحضر سفراء دول الخليج والهند كرمز للتضامن الذي يتم التعبير عنه خارج حدود أوروبا أو أميركا الشمالية. كما وسيكون صندوق “النقد الدولي” حاضرا وكذلك “البنك الدولي” من خلال مسؤولين إقليميين مع عدم توقع أي إعلانات جديدة منهم.

الرئيسين الفرنسي والأوكراني “إنترنت”

بالعودة إلى الأكاديمي السياسي، إسماعيل تركي، يُتوقع أن تقتصر النتائج الاقتصادية للمؤتمر على تقديم مساعدة مالية فورية للشعب الأوكراني حتى يتمكن من مواجهة الشتاء الصعب الذي وصفه بأنه أحد أسلحة روسيا في غزوها ضد أوكرانيا، والضغط عليها لتجنب مهاجمة البنية التحتية المدنية في أوكرانيا التي ‏تحيل حياة الشعب الأوكراني الي جحيم، حتى وإن ظلت التداعيات الاقتصادية الناتجة عن نقص ‏إمدادات الطاقة وزيادة نسب التضخم وانخفاض القوة الشرائية للمواطن الأوروبي موجودة ‏لحين وقف هذه الحرب.

يُشار إلى أن أعمال المؤتمر ستتواصل بعد ذلك في مركز المؤتمرات “بيار منديز – فرانس” في وزارة الاقتصاد، وستأخذ طابع محادثات ثنائية من أجل صمود أوكرانيا وإعادة إعمارها، بهدف حشد الشركات الفرنسية لإعادة الإعمار. كما وبعد كلمة جديدة للرئيس الأوكراني وخطاب لماكرون بحضور رئيس الوزراء الأوكراني، تنظم طاولات مستديرة لمناقشة قطاعات البنى التحتية والتكنولوجيا والرقمنة والصحة والطاقة والغذاء الزراعي.

بيان قصر الإليزيه بيّن أنه رغم عدم التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، وعدم وجود أي أفق لإنهاء الحرب، طلب الأوكرانيون البحث في إعادة الإعمار، لأن مناطق معينة من البلاد التي تعرضت لأضرار منذ بدء الحرب هي الآن في وضع إعادة إعمار.

بدورها، أفادت آنا بيرد نائبة رئيس “البنك الدولي” لأوروبا وآسيا الوسطى لـ”وكالة الصحافة الفرنسية”، “أبلغنا في مطلع أيلول/ سبتمبر الماضي أن الكلفة ستكون حوالي 350 مليار دولار لكن ذلك لا يشمل سوى الفترة الممتدة من بداية الحرب حتى بداية حزيران/ يونيو الماضي”.

كما أكدت بيرد أن تقديرات جديدة لتكاليف إعادة الإعمار ستنشر في مطلع العام المقبل 2023، ستكون بدون شك أعلى بكثير، مشيرة إلى أنه مع الهجمات الأخيرة في البلاد سيكون الانكماش أقوى، ويمكن أن نتوقع أن يقترب من 40 بالمئة.

في العموم، يعتبر هذا المؤتمر هو الأول من نوعه في تقديم الدعم لأوكرانيا. ولعل إدراك الأطراف للحجم الهائل من الخسائر والأضرار نتيجة استمرار الحرب سيوفر فرصة لهم للتخلي عن مبدأ الحرب والذهاب إلى طاولة المفاوضات أو وضع حلول، ولو مؤقتة، لوقف هذه الحرب التي باتت تظهر نتائجها تدريجيا على العالم ككل، وخصوصا الدول الهشّة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة