في خطوة لم تُعرف بعد، إذا ما كانت ستنتهي بإخراج لبنان من أزمته السياسية التي يعاني منها بالإضافة إلى أزمته الاقتصادية، بسبب الشغور الرئاسي، منذ انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون، نتيجة لانقسام القوى السياسية فيما بينها حول المنصب، حيث يصرّ “حزب الله” على تعطيل انتخاب رئيس جديد للجمهورية، إلا إذا كان مرشحه.

إذ يجري الحديث عن توصل قادة الأحزاب المسيحية الرئيسية في لبنان، وقوى المعارضة، إلى اتفاق بشأن مرشح جديد لرئاسة الجمهورية، وذلك بينما يُفترض أن تجري الانتخابات البرلمانية في أوائل حزيران/يونيو المقبل، وبحسب مصادر من حزب “القوات اللبنانية”، فإن جهاد أزعور يحظى بدعم غالبية النواب المسيحيين والمعارضة.

أزعور يتولى منصب مدير فرع “صندوق النقد” الدولي في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، كما شغل منصب وزير المالية في الحكومة اللبنانية في الفترة ما بين 2005-2008، وخلال الـ 48 ساعة المقبلة، سيتم ترشيحه رسميا لمنصب رئيس الدولة.

من القوى المتفقة على مرشح رئاسة جمهورية لبنان؟

القوى التي اتفقت على أزعور، هي 19 نائبا من حزب “القوات اللبنانية”، و15 من “التيار الوطني الحر”، وأربعة من كتلتي “الكتائب” و”الاتحاد”، فضلا عن ستة أشخاص على الأقل من الفصيل الإصلاحي، ووفقا لهذه الأرقام، فإن المرشح أزعور سيحصل على 48 صوتا، ليبقى بحاجة 17 صوتا ليصل إلى عتبة 65 من أصل 128 نائبا للفوز، في حين أن ستة نواب أرمن لم يحددوا موقفهم بعد، فيما قال تحالف “اللقاء الديمقراطي” الوسطي الذي يملك 11 صوتا، الذي يرأسه “الحزب التقدمي الاشتراكي”، إنه سيصوت لصالح أزعور إذا لم يكن هناك مرشح منافس.

هذا وبحسب النظام السياسي ينتخب أعضاء “مجلس النواب” البالغ عددهم 128 عضوا رئيس الجمهورية في اقتراع سري، حيث يتم تقسيم المقاعد بالتساوي بين الطوائف الإسلامية والمسيحية، لكن الحد اللازم لتأمين النصاب القانوني والفوز يعني أنه لا يوجد فصيل أو تحالف لديه بمفرده مقاعد كافية لفرض خياره مما يؤدي إلى مقايضة الأصوات بمزايا سياسية أخرى.

بينما سارع الثنائي “حزب الله” و”حركة أمل”، برئاسة بري، إلى رفض أزعور، بذريعة أنه مرشح تحد، وهو المنطلق نفسه الذي اعتمد للإطاحة بمرشح المعارضة الأول النائب ميشال معوض، باستثناء “التيار الوطني الحر” برئاسة النائب جبران باسيل، الذي كان يتمسك بالورقة البيضاء، ما يجعل التشاؤم بقرب انتخاب رئيس سيد المشهد، مع تمسك الفريق الأول بفرنجية، وبحث الطرف المعارض بوسائل قطع الطريق أمام وصول الأخير، منها تطيير نصاب الجلسة المرتقبة عند الدعوة إليها.

كان أزعور قد أعلن، في وقت سابق، أنه يرفض أن يكون مرشحا للمواجهة أو الاستفزاز أو الحرق، وذلك بينما كان الخلاف قائما بين “التيار الوطني الحر” و”حزب القوات اللبنانية” حوله، لاسيما وأن الفريقين يُعدّان أبرز خصمين على الساحة السياسية والمسيحية، وأنهما كانا عرابا وصول الرئيس السابق ميشال عون إلى سدة الرئاسة.

تعليقا على ذلك، وإذا ما كانت خطوة الأحزاب المسيحية والمعارضة، بإمكانها إنهاء أزمة الشغور الرئاسي، وما تداعياتها على واقع البلاد، قال المحلل السياسي اللبناني جاد يتيم، إن الحديث عن توافقات بين المعارضة والأحزاب المسيحية حول مرشح رئاسة الجمهورية، هو في الأساس يعني حديث المعارضة، على اعتبار أن حزبي “الكتائب” و”القوات” المسيحيان هما في الأصل معارضة، مشيرا إلى أن ذلك يأتي لإسقاط مرشح “حزب الله”.

تعطيل “حزب الله” للاستحقاق الرئاسي

يتيم، وفي حديث لموقع “الحل نت”، أوضح أن، توصل القوى المسيحية والمعارضة لاتفاق حول مشرح رئاسة الجمهورية ليس بالأمر الخاطئ، لكن كلفة ذلك كبيرة، إذ إن التحالف مع جبران باسيل أمرٌ خاطئ تماما، لافتا في الوقت ذاته، أن ذلك ليس كافية لإنهاء الشغور الرئاسي، ذلك لأن المشكلة في لبنان ليست تقنية، بل تكمن في أن هناك من يملك السلاح ويفرض إرادته على جميع القوى السياسية، ويمنع الخيارات الديمقراطية، لأنه لا يريد سوى مرشحه، بإشارة إلى “حزب الله”.

جهاد أزعور المرشح لرئاسة لبنان/ إنترنت + وكالات

الباحث في الشأن اللبناني، أشار إلى أن، “حزب الله”، يمتنع عن حضور جلسة انتخاب رئيس الجمهورية، لأنه لا يريد أن تكون هناك منافسة على المنصب، ولا يريد أي مفاجأت، بل يريد حضور الجلسة مع الاتفاق المسبق على اسم المرشح، وذلك ما يعيق انتخاب رئيس للبنان حتى الآن، مبينا أن، “حزب الله” يرفض المنافسة ولا يريد سوى مرشحا من طرفه، إذ إن الأمين العام لـ “حزب الله” حسن نصر الله، كان واضحا في خطابه، بأنه يريد الاتفاق على اسم معين لا غير.

بالتالي إن، الاتفاق يختلف عن الانتخاب، وعمليا يُعدّ تعطيلا للعمل الديمقراطي بشكل عام، بحسب يتيم، الذي لفت إلى أن انتخاب رئيس للبنان له تأثيرات كبيرة على واقع البلاد، ففي حال المجيء برئيس موالي لإيران و”حزب الله”، سينعكس بالمزيد من التأزم، لأن هذا المحور لا يريد التفاوض مع “صندوق النقد” الدولي، ولا يمتلك رغبة القيام بأي إصلاحات، كما لا يرغب بإعادة لبنان إلى الحضن العربي والعالم، مشيرا إلى أن هذا المحور، يريد إخراج لبنان من النظام العالمي، لذلك في حال المجيء برئيس يمكنه تحقيق التوازن، سيكون لذلك تأثير إيجابي على واقع لبنان.

بدورها، علّقت الباحثة في العلاقات الدولية، ميراي زيادة، أن اتفاق القوى المسيحية والمعارضة على مرشح لا يمكن أن ينهي قضية الشغور الرئاسي، لسبب أن المادة 49 من الدستور اللبناني، تعتبر أن رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن، والساهر على احترام الدستور، كذلك يجب أن ينطبق على مرشح الرئاسة الشروط التي تؤهله للمنصب وفقا لشروط ذات المادة الدستورية.

بالتالي، انطلاقا من ذلك، أنه لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك، وأيضا لا شرعية لأي سلطة تناقض ذلك الميثاق، فالثنائي الشيعي اليوم يعتبر مكون رئيسي وأساسي في المجتمع اللبناني، ولذلك لن تنجح المعارضة والأحزاب اللبنانية، في تمرير مرشح لرئاسة الجمهورية، بمعزل عن قبول الثنائي الشيعي.

مضيعة وقت

زيادة وفي حديث لموقع “الحل نت”، لفت إلى أن، ما يجري بين الفرقاء السياسيين هو مضيعة للوقت، كون أن الحل لأزمة الشغور الرئاسي سيكون خارجيا، مشيرة إلى أن هناك تسوية قادمة من قمة جدة أو ما بعدها.

شغور المواقع الرئيسية في لبنان يهدد مصالح البلاد/ إنترنت + وكالات

الأزمة المركبة التي تمرّ بها لبنان حاليا ليس لها مثيل، ففي الوقت الذي تنهار فيه العملة المحلية والبنوك إلى أدنى مستوياتها، يتقاذف الفرقاء السياسيون في لبنان مسؤولية تعطيل الانتخابات الرئاسية بعد حوالي سبعة أشهر على الفراغ، فيما يبدو أن التوافق أو حتى قدرة أي فريق على إيصال مرشحه شبه مستحيلة حتى اللحظة نتيجة الانقسام العمودي في مقاربة الموضوع وعدم امتلاك أي فريق للأكثرية النيابية.

“حزب الله” يعطّل مسألة انجاز الاستحقاق الرئاسي، ويصرّ على أن يكون المرشح لمنصب رئاسة الجمهورية من ضمن فريقه، تاركا البلاد ترزح تحت الأزمة الاقتصادية، بالرغم من يقينه أن إنجاز الاستحقاق الرئاسي هو المدخل الأساس لإعادة تشكيل السلطة التنفيذية وللجم السعر السياسي لليرة، وإجراء الإصلاحات المطلوبة للخروج من الانهيار.

هذا السيناريو قائم منذ انتهاء مدة الرئيس ميشال عون، في 31 تشرين الأول/أكتوبر 2022، حيث دخل لبنان مرحلة من الشغور الرئاسي، وأخفق “مجلس النواب” لأكثر من مرة في انتخاب رئيس الجمهورية، وكان آخرها في 19 كانون الثاني/يناير 2023.

بناء على ذلك، فإن الحديث عن التوصل إلى مرشح لرئاسة الجمهورية اللبنانية، قد لن يتجاوز حدود الضغط على “حزب الله”، لكنه مع ذلك ربما سيشكل ضاغطة شديدة الوقع، ما يدفع “حزب الله” وحلفائه إلى إعادة النظر بمواقفهم، إبداء المرونة مع باقي الأطراف، في الوقت الذي يصرّون فيه على أن يكون الرئيس تابعا لهم ولإيران.


هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات