تراجع الدور الأميركي في القارة الإفريقية خلال السنوات الماضية، استغلته كل من روسيا والصين لتوسيع نفوذها في القارة السمراء، وهو أمر نجحتا فيه إلى حدّ كبير في تلك الفترة.

ذات الفترة التي شهدت فيها المنطقة تصاعدا لأحداث العنف وتراجع الاستقرار بشكل كبير، تزامنا مع التنافس من قبل القوى العالمية على المصالح العسكرية والتجارية والدبلوماسية في إفريقيا، فما هي أبرز ملامح الدور السلبي لكل من موسكو وبكين في زعزعة الاستقرار في إفريقيا.

زعزعة الاستقرار

تزامنا مع استضافة بلاده القمة “الأميركية الإفريقية” الثانية، حذّر وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن، من الدور السلبي الذي تلعبه كلّ من روسيا والصين، في زعزعة أمن واستقرار القارة الإفريقية، خاصة مع تنامي نفوذهما في المنطقة.

أوستن قال خلال اجتماع مع عدد من القادة الإفريقيين على هامش القمة، إن الجميع بين أنشطة روسيا والصين يستحق المراقبة، لافتا إلى أن “تأثيرهما قد يكون مزعزعا للاستقرار“.

أوستن اعتبر أن الحزب “الشيوعي” الصيني، يعزز تواجده في القارة “بشكل يومي” من خلال تنامي نفوذه الاقتصادي، وأضاف “ما يثير القلق هو عدم تصرفهم دائما بشفافية فيما يتعلق بما يقومون به، وهذا يخلق مشاكل ستؤدي في نهاية المطاف إلى زعزعة الاستقرار إن لم يكن قد قاموا بذلك بالفعل“.

حول تنامي النفوذ الروسي في إفريقيا، أشار أوستن إلى أن روسيا تواصل بيع أسلحة رخيصة ونشر “مرتزقة في أنحاء القارة“، معتبرا أن هذه التصرفات تساهم في زعزعة أمن واستقرار المنطقة.

الخبير في الشؤون الإفريقية رامي زهدي، رأى أن هناك تنافس واضح في القارة الإفريقية من قِبل أكثر من دولة أو تكتل مجموعة من الدول، ذلك ما يمكن له أن يسبب تراجعا في نفوذ كل من روسيا والصين، ويمكّن إفريقيا من التعامل مع القوى المتنافسة بقدر جيد من الندية.

زهدي قال في حديث خاص مع “الحل نت“، “الصين طرف قديم في إفريقيا تنامى دورها عبر ثلاثة عقود مضت، وروسيا دخلت خلال السنوات الماضية على صراع النفوذ في إفريقيا، وملف الاستقرار في إفريقيا، هو ملف معقّد تداخلت فيه عوامل عديدة“.

التنافس كان حاضرا طوال العقود الماضية في القارة الإفريقية، لكن حدته بالتأكيد ارتفعت خلال الفترة الماضية، مع وضع العديد من التكتلات الدولية والحكومات، جهود كبيرة لوضع موطئ قدم في إفريقيا لأهداف مختلفة.

حول ذلك أضاف زهدي، “الآن يحدث تراجع في القوى الدولية الفردية لصالح صعود لقوى التكتلات، وبالتالي إفريقيا ككتلة واحدة يرجّح لها دورا أكثر تأثيرا في صنع الأحداث في العالم، وهكذا تستطيع إفريقيا أن تتعامل مع القوى المتنافسة على التواجد في القارة الإفريقية بقدر كبير من النّدية والتكافؤ والمصالح المشتركة، وإدارة جيدة للتنافس الدولي لصالح القارة الإفريقية طالما أن التنافس واقع لامحالة ولا يمكن لأي طرف توقيفه في هذه المرحلة“.

قد يهمك: قوة “حفظ السلام” الإفريقية.. مآلات إعادة هيكلة البنية الأمنية في القارة السمراء

 ساحة التنافس تشمل كرّاَ وفرّاَ، بالتوازي مع صعود لقوى إقليمية تمتلك خطوط تأثير في إفريقيا، منها مجموعة دول الخليج مجتمعة أو كل دولة على حِدا، وأيضا تركيا ومصر وإسرائيل، إضافة إلى ما يبدو من أنه إعادة هيكلة إستراتيجية الولايات المتحدة تجاه القارة الإفريقية، كل هذه العوامل بالتأكيد تسحب من أرصدة روسيا والصين في إفريقيا، لكن زهدي توقّع ردود فعل من بكين وموسكو خلال الفترة المقبلة نتيجة هذا التراجع.

اضطرابات داخلية وحالة عدم استقرار، مشاهد باتت في تزايد ملحوظ في دول غرب إفريقيا، وسط سيناريوهات مختلفة تلف المستقبل القريب لتلك المنطقة المهددة باتساع رقعة الفوضى والتهديدات، لاسيما في ظل الأزمات السياسية الطاحنة التي تعيشها، وغياب الحكم الرشيد في عدد من دول الأقاليم، إضافة لانتشار الجهاديين، ما كان عاملا أساسيا لتكرار الانقلابات العسكرية.

الدور الروسي

روسيا لعبت دورا بارزا في زعزعة أمن واستقرار العديد من الدول الإفريقية، تجلى ذلك بنشر مجموعة “فاغنر” الروسية، وهي مجموعة من المرتزقة تؤكد تقارير حقوقية أنها تعمل لتحقيق مصالح “الكرملين”، على الرغم من نفي الأخير أي صلة بها.

خلال السنوات الأخيرة، زاد انتشار المرتزقة في مناطق الصراعات في إفريقيا، وفي مقدمتهم مجموعة “فاغنر” الروسية، التي تسعى لتحقيق أهداف موسكو التوسعية في القارة السمراء.

وفي جنوب الصحراء الكبرى، في القارة السمراء، أعطت “فاغنر” موطئ قدم كبيرا لروسيا في جمهورية إفريقيا الوسطى والسودان ومالي.

بحسب تقرير لموقع “الحرة“، فإن مرتزقة “فاغنر“، ينشطون في حروب مالي وجمهورية إفريقيا الوسطى وموزمبيق وليبيا، فهم يدعمون زعماء بعض الدول وقادة الميليشيات الذين يمكنهم الدفع مقابل خدماتهم نقدا، أو منحهم امتيازات تعدين بعض المعادن الثمينة مثل الذهب والماس واليورانيوم.

الولايات المتحدة تحدد ممول “فاغنر” الرئيسي على أنه يفغيني بريغوزين، “الأوليغارشي” المقرب من الرئيس الروسي، والملقب بـ “طباخ بوتين” حيث يتردد أن الزعيم الروسي يفضل مطاعم الرجل المنتشرة في روسيا.

تشمل الخطة الروسية للتوسع في إفريقيا، على دعم الأنظمة المستبدة ضد حركات التمرد، من أقصى الشمال حتى ليبيا وإلى الجنوب، حيث تسعى موسكو إلى إبرام تحالفات مع أنظمة تلك البلدان، في مواجهة حركات التمرد الداخلية لحكمها.

موسكو دعمت كذلك الانقلاب في بوركينا فاسو مؤخرا، وقد شهدت البلاد عقب الانقلاب مسيرة لشبان في شوارع العاصمة، يلوحون بالأعلام الروسية وهو أمر لا بد أنه أسعد قلب موسكو، بحسب ما وصف تقرير لموقع “بي بي سي عربي“.

على الرغم من أن عدد المرتزقة الروس في هذا البلد قليل نوعا ما، لكن هناك تكهنات بأنه ربما لبعت روسيا دورا ما، في استيلاء الكابتن إبراهيم تراوري على السلطة في بلد يعاني من تنامي نشاط الجهاديين.

رجل الأعمال المقرب من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ومؤسس جماعة المرتزقة “فاغنر” التي تنشط في العديد من البلدان الإفريقية يفغيني بريغوزين، هنأ رئيس الزمرة العسكرية التي قامت بالانقلاب ووصفه بأنه “الابن الحقيقي والشجاع لوطنه بوركينا فاسو“.

الدور الصيني

على الجانب الآخر كان التوغل الصيني في إفريقيا، على شكل اقتصادي واستراتيجي أكثر مما كان عسكري، فأطلقت ورش التدريب المهني في المنطقة المعروفة باسم ورش “لوبان” ادعت بكين ظاهريا، أن هذه الورش قد صُممت للمساعدة على توفير العمالة للمشروعات التي تنتشر حول العالم كجزء من مشروع الصين الهائل للبنية التحتية المعروف بمبادرة “الحزام والطريق“.

هذه الورش تدخل في إطار القوى الناعمة الصينية، إذ تريد بكين التمدد في تلك المناطق عن طريق تدريب عمّالها ومن ثم توظيفهم في مشروعات صينية محلية، التي غالبا ما تُعد جزءا من مشروعات مبادرة “الحزام والطريق”، التي تسعى من خلالها الصين لتحقيق مجموعة أهداف.

الورش التي تطلقها بكين ضمن برنامج “لوبان“، تركز على أنشطة مثل التخصص في التحول الرقمي وعِلم الروبوتات، وتكنولوجيا القطارات فائقة السرعة، فضلا عن التخصص في تقنية الأتمتة الكهربائية وتكنولوجيا هندسة السكك الحديدية، وتشغيل وإدارة حركة السكك الحديدية، والتجارة، والخدمات اللوجستية، وهي مشاريع كلها تندرج في خلق قاعدة عمالية في الدول التي تحاول الصين استهدافها في مبادرة “الحزام والطريق“، وفرض نفوذها داخل تلك الدول خدمة للمصلحة الاقتصادية، التي يطمح لها الحزب “الشيوعي” الحاكم.

في سياق ذا صلة، لا يخفي مسؤولو الحزب “الشيوعي” الصيني، اعجابهم باستمرار فكرة ورش “لوبان” ،وهو ما يؤكدون عليه في اجتماعاتهم مع المسؤولين في آسيا الوسطى. وتأكيدا على ذاك الاهتمام السلطوي، تحدث الرئيس الصيني العام الماضي، علنا مرتين عن هذه الفُرص، موجها حديثه إلى رؤساء المنطقة، فيما قال وزير الخارجية الصيني وانغ يي، أثناء استقباله نظراءه من دول آسيا الوسطى في أيار/مايو 2021، إن الصين ستنشئ 5 ورش “لوبان” في منطقتهم لتوفير التدريب عالي التقنية.

تلك الأجندة تتضمن، بحسب حديث مختصين لـ“الحل نت“، خلق طبقة عاملة تحاول الصين تحضيرها أملا في تنفيذ مبادرة “الحزام والطريق“، بالتالي أن تنفيذ هذا المشروع يحتاج إلى طبقة عاملة ومشرفة على بعض المشاريع التي يتضمنها، والتي تستهدف ورش “لوبان” تطويرها لدى الشباب في البلدان الموجودة ضمن مسار خط المشروع، مشيرا إلى أنه لو تم التركيز في التخصصات التي تشتملها الورش، فلن نجد غير تلك التي تتعلق بمبادرة “الحزام والطريق“.

سبق وأن توسعت الصين عبر التبادلات التجارية في عدد من الدولة الإفريقية، غير أن جميع المشاريع فشلت، ولم تعمل في أي من مشاريعها على تمكين المجتمعات بقدر ما تركز في استثمار الموارد، ولعل ما حدث في كينيا مؤخرا من احتجاجات جماهيرية واسعة أدت إلى خلع الرئيس الكيني، بسبب الازمة الاقتصادية، دليلا على النفوذ الصيني، مبينا أن الصين تعمل بمبدأ إغراق السوق وعملائها في المشاريع الركيكة والديون الكبيرة، لإبقاء مستقبل الحكومات مرهون بها.

مع استضافة الولايات المتحدة الأميركية للقمة الثانية مع قادة إفريقيا، يبدو أننا سنشهد عودة الزخم الأميركي للقارة الإفريقية، لا سيما مع تصاعد نفوذها الجيوسياسي بشكل كبير خلال العقد الماضي، ما قد يؤدي إلى تراجع كبير في النفوذ الروسي والصيني خلال الفترة المقبلة، الأمر الذي يؤدي بحسب مراقبين إلى تحسّن مستوى الأمن والاستقرار في القارة السمراء.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.