رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك، أثار مرة أخرى قضية ترحيل اللاجئين إلى بلدانهم الأصلية أو إلى دول أخرى مثل رواندا، بعد تعهده يوم الثلاثاء الماضي بسن قوانين جديدة لمكافحة الهجرة غير الشرعية إلى بريطانيا.

كما قال سوناك، إن بلاده ستبدأ حملة قوية ضد المهاجرين غير الشرعيين، وأنها إما ستعيدهم إلى بلدانهم الأصلية أو إلى دولة ثالثة، في إشارة واضحة إلى أن حكومته ستحيي خطة وزيرة الداخلية السابقة بريتي باتيل، التي سبق أن توصلت إلى اتفاق لإرسال طالبي اللجوء الذين يدخلون بريطانيا بطرق غير قانونية إلى رواندا.

مما لاشك فيه، أن السياسة التي تتبعها بريطانيا تنتهك الاتفاقيات والقوانين الدولية المتعلقة بطريقة التعامل مع طالبي اللجوء، والفارين من مناطق الحرب، وعلى الرغم من الانتقادات الكبيرة التي تواجهها الحكومة البريطانية نتيجة تطبيقها سياسة جديدة في معالجة قضية الهجرة غير الشرعية، إلا أنها تبدو مصرّة على المُضي قُدما في سياستها وترحيل طالبي اللجوء، وهو ما أكده رئيس الوزراء البريطاني الجديد، سوناك، حفيد المهاجرين.

من هذا المنطلق تبرز عدة تساؤلات حول مدى جدّية الحكومة البريطانية الجديدة في تنفيذ هذه الخطة قريبا ضد اللاجئين، ولماذا هذا الإصرار البريطاني على ترحيل اللاجئين سواء إلى بلادهم أو إلى دولة أخرى مثل رواندا، بالإضافة إلى الأسباب السياسية التي اختلفت بها الحكومة الحالية عن الحكومة السابقة فيما يتعلق بقضية اللاجئين، وما إذا كانت الأعباء الاقتصادية التي تتعرض لها بريطانيا حاليا تساهم في تسريع وتيرة عودة اللاجئين.

استقطاب للرأي وتهرب للمسؤولية؟

سوناك قال في كلمة له أمام البرلمان، “إذا دخلتَ المملكة المتحدة بشكل غير قانوني، فلن تتمكن من البقاء هنا.. بدلا من ذلك، ستُحتجز وتعود سريعا إما إلى بلدك الأصلي أو إلى بلد آمن حيث سيُنظر في طلب اللجوء الخاص بك”، مضيفا أنه سيتم العمل لاحقا على سن قوانين جديدة لمكافحة الهجرة غير الشرعية إلى المملكة المتحدة، وفق وسائل الإعلام.

رحلات المهاجرين عبر المانش محفوفة بالمخاطر دائما

كذلك، أفاد سوناك إن الحكومة تبعث برسالة مفادها، أنه “طفح الكيل” وأن الشعب البريطاني له “الحق في الشعور بالغضب” بعد الإخفاقات المتكررة في معالجة هذه القضية، مضيفا أنه مستعد لفعل ما يتوجب فعله، وأنه سيتم تقديم هذه القوانين مطلع العام المقبل، لافتا إلى أن أولئك القادمين بشكل غير قانوني إلى بريطانيا، لن يكون قادرين على إعاقة عملية ترحيلهم من خلال المطالبات والطعون المتأخرة والزائفة، وأنه بمجرد إبعاد المهاجرين من بريطانيا، لكن يكون في وسعهم امتلاك حق العودة أو الوصول إلى تسوية بشأن الجنسية لاحقا، على حدّ قوله.

ضمن هذا الإطار، يعتقد الصحفي ورئيس تحرير منصة “المهاجرون الآن”، صخر إدريس، أن الأمر محاولة لاستقطاب الشارع الرافض للهجرة إلى المملكة المتحدة وسط تنامي الأصوات المتطرفة.

كما يرى إدريس، خلال حديثه مع موقع “الحل نت”، أن الوضع والركود الاقتصادي الحاصل في بريطانيا هو أحد الأسباب الرئيسية، رغم أنه لا يمكن نسبه للمهاجرين، لكنه ذريعة يستخدمها بعض السياسيين لأنها تعمل كمخدر مؤقت للتهرب من المسؤوليات.

قد يهمك: ارتفاع عدد طالبي اللجوء الأتراك بأوروبا.. الأسباب والدوافع؟

كما يبدو أن اللاجئين من ألبانيا شكّلوا أعباء إضافية في بريطانيا، وهناك خطة لإعادتهم، خاصة وأن القادمين من ألبانيا يأتون من دول خالية من المشاكل، وليس كتلك الدول التي تشهد نزاعات مثل سوريا أو ليبيا وغيرها، على حد تعبير إدريس.

تفاصيل الخطة

بدوره، كشف سوناك عن “صفقة جديدة” مع الحكومة الألبانية لتسريع عودة اللاجئين الألبان، الذين يشكّلون ثلث عدد المهاجرين إلى أراضي المملكة من خلال القوارب، قائلا إن الدولة الألبانية آمنة ولا تشكل خطرا على سكانها المهاجرين منها.

بحسب الخطة، فإنه سيتم فتح مراكز استقبال لإخراج 10 آلاف مهاجر ألباني من الفنادق، ومحاكمة المزيد من الأشخاص لعبورهم إلى بريطانيا عبر الزوارق.

كما أعلن عن تأسيس هيئة حكومية شُرطية جديدة للسيطرة على الهجرة إلى أراضي المملكة المتحدة من البحر، باسم “مركز السيطرة على القوارب الصغيرة”، الذي سيوظّف قدرات الأجهزة البريطانية العسكرية والمدنية. وتتضمن الإجراءات أيضا تمويلا مضاعفا لـ”الوكالة الوطنية لمكافحة الجريمة” لمنع الهجرة للقارة الأوروبية، وزيادة الموظفين في وكالات التصدي للمهاجرين، والذي من شأنه زيادة السيطرة على الهجرة غير الشرعية بنسبة 50 بالمئة، بحسب سوناك.

في المقابل، هاجم “حزب العمال” المعارض خطط سوناك، واصفا إياها بمجرد “حيل”، في حين اعتبر “حزب الديمقراطيين الليبراليين” أنها ستضعف بشكل كبير حماية ضحايا الاتجار بالبشر والعبودية الحديثة.

هذا ويأتي هذا التطور في أعقاب الهجوم الذي واجهته الحكومة، بسبب تزايد أعداد اللاجئين الذين يعبرون القنال الإنكليزي إلى الجزر البريطانية بشكل غير شرعي.

الأمم المتحدة ترفض “سياسة بريطانيا”

ردا على خطة رئيس الوزراء البريطاني، سوناك، قالت الأمم المتحدة إنها خطة تنتهك القانون الدولي وتقوض “التقاليد الإنسانية” لبريطانيا، ناشدة إيّاها “الوفاء بالتزاماتها القانونية”.

كذلك، قالت المفوضية الأممية، إن حصر حق اللجوء بالأشخاص الذين يصلون عبر “الطرق القانونية” يتعارض مع المبادئ الأساسية لاتفاقية اللاجئين لعام 1951، مبيّنة أن برامج إعادة التوطين التي تدعمها الحكومة “لا يمكن أن تحل محل الالتزام بتوسيع الحماية لطالبي اللجوء الذين يصلون إلى المملكة المتحدة ويقدمون طلباتهم مباشرة”.

في حين أن خطة سوناك ستساعد اللاجئين “الأكثر احتياجا والأكثر ضعفا”، كما أنه ستكون هناك حصة يحددها البرلمان لعدد اللاجئين الذين سيعاد توطينهم في بريطانيا، والذي بلغ 1391 شخصا فقط في العام الماضي، مقارنة بـ 86000 طلب لجوء تقليدي.

المحامي والناشط الحقوقي زيد العظم، أشار إلى أنه فيما يتعلق بطالبي اللجوء والمهاجرين المضطهدين، فإن السلطات البريطانية تقوم بترحيل هذه المجموعة إلى بلدانهم الأصلية أو نقلهم إلى دولة أخرى مثل رواندا، فهذا يشير إلى اللاإنسانية التي تمارسها الحكومة البريطانية، هذا فضلا عن تهرّب لندن من التزاماتها القانونية بحماية طالبي اللجوء المضطهدين، على أساس أن بريطانيا كانت من أوائل من وقّعوا على اتفاقية حماية اللاجئين الموقّعة في جنيف 1951.

أما بالعودة إلى رئيس تحرير منصة “المهاجرون الآن”، إدريس، فإنه يقول إنه مهما كانت الأسباب، فيبدو أنهم لم يقنعوا الأمم المتحدة التي دعت المملكة المتحدة مؤخرا إلى الوفاء بالتزاماتها الدولية تجاه المهاجرين، لكن يبدو أن المملكة المتحدة تريد التهرّب بشكل فعّال من هذه الالتزامات بعد مغادرة الاتحاد الأوروبي، والأمر كما يراه إدريس هو “تحقيق مكاسب سياسية ورضا”.

قد يهمك: القرى الكاتالونية الصغيرة.. خطة لإعادة توطين اللاجئين السوريين؟

إدريس خلُص حديثه بالقول، “الغريب أن رئيس الوزراء هو ابن مهاجرين، لكن التخمينات المعقولة تقول أنه يريد إبعاد الناس فكريا عن هذه الحقيقة، وأن ولائه للوطن يرجع إلى معارضة ترشيحه وانتصاره لأنه كذلك من أصل مهاجر”.

ما أهداف الترحيل؟

تبرز العديد من التساؤلات حول الاتفاقات التي تصرّ بريطانيا على تنفيذها بترحيل طالبي اللجوء سواء إلى بلد آخر، مثل رواندا.

الباحث السياسي السوداني، محمد تورشين، كشف في حديثه السابق لموقع “الحل نت”، عن الأهداف والخبايا التي تقف وراء هذه الاتفاقية، فيقول “في تقديري، أن الحكومة البريطانية مصممة على تنفيذ هذه الخطوة، مهما كانت التكاليف السياسية والاقتصادية، من أجل إيصال رسائل إلى مهرّبي البشر، وكذلك جميع طالبي اللجوء الذين يبحثون عن فرص الحياة، وبطبيعة الحال معظم هؤلاء قد ضاقت بهم الحياة؛ لذا يهاجرون سواء إلى بريطانيا أو الدول الأوروبية، وبالتالي فإن الحكومة البريطانية تقوم الآن بتنفيذ هذه الخطوة بإصرار”.

تورشين، أردف بأن “رواندا استضافت عددا كبيرا جدا من اللاجئين في وقت سابق، وهذه ليست المرة الأولى التي تتقدم كيجالي فيها طلبا لدولة مثل بريطانيا لاستقبال اللاجئين، فقد تقدمت سابقا بطلب لدولة النيجر والسودان لاستقبال اللاجئين الذين وصلوا إلى أراضيهم نتيجة الأوضاع في ليبيا وغيرها، وبالتالي أعتقد بأن رغبة رواندا باستقبال اللاجئين من بريطانيا نابعة من الأطر والمقاربة السياسية، حيث أنها عازمة على ترسيم وتقديم صورة جديدة لها تطغى على جميع السلبيات التي ارتبطت بتاريخها السابق، والمتمثلة في جرائم الحرب والإبادة الجماعية التي حدثت خلال الحرب، إلى جانب ذلك، فهي راغبة للتعبير عن أنها الدولة الإفريقية القادرة على دمج هؤلاء اللاجئين واستيعابهم معا دون أي تمييز وتفرقة، وأنها استفادت من ظروف الحرب الأهلية الرواندية (1990-1993) (الحرب القَبلية بين التوتسي والهوتو)”.

أيضا، ستكتسب رواندا وفق تورشين، قدرات وخبرات جديدة من خلال استضافة هؤلاء اللاجئين، على اعتبار أن هؤلاء اللاجئين لديهم عدد من الخبرات والكفاءات، خاصة أن معظمهم من الفئة الشابة. لذلك، ستستفيد رواندا من قدراتهم على زيادة الإنتاجية في بلدها، خاصة وأن عدد سكان رواندا محدود، وفق تعبير الباحث السياسي السوداني.

هذا وقد بلغ عدد من يصلون إلى إنكلترا عبر القنال أكثر من المثليْن في العامين الماضيين، وتُشير الأرقام الحكومية إلى أن الألبان يمثلون أكبر شريحة وافدة إلى البلاد بهذه الطريقة. كما وأصبح المهاجرون الذين يصلون على متن قوارب صغيرة يشكّلون أزمة سياسية كبيرة لحكومة المحافظين، لاسيما في مناطق الطبقات العاملة بشمال إنكلترا ووسطها، حيث يُلَامُ المهاجرون على تقليص عدد فرص العمل المتاحة وإنهاك قطاع الخدمات العامة.

عليه، يبدو أنه نتيجة الضغوط التي تمر بها الحكومة البريطانية، من أزمة اقتصادية وضغط من نسبة واسعة من الشارع، فإنها لن تتوقف عن الحديث وطرح مثل هذه الخطط، وإذا ما طبّقت فعليا هذه الخطط فمن المؤكد أن بريطانيا ستواجه مشكلة عميقة من الناحية القانونية والأخلاقية، بالنظر إلى أن “العديد من المهاجرين المرحّلين قد يعرّضون أنفسهم للأذى الجسدي، مثل الانتحار”، رفضا للقرار “التعسفي”. وهكذا يبقى مصير آلاف اللاجئين مجهولا وشبح الترحيل القسري يطاردهم ما لم تضع الهيئات الدولية حدّا لهذه المخططات التي تعتبر، بحسب نشطاء حقوق الإنسان، “غير إنسانية”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.