الدولة التركية التي لا تشهد حربا مثل بعض الدول، شهدت ارتفاعا ملحوظا في أعداد المهاجرين الأتراك منها، إضافة إلى زيادة أعداد المواطنين الراغبين في الهجرة من بلادهم والبحث عن ملجأ في الدول الأوروبية.

في الآونة الأخيرة، أظهرت تقارير نشرتها وسائل إعلام غربية زيادة في عدد طالبي اللجوء الأتراك القادمين إلى دول الاتحاد الأوروبي، مما يثير تساؤلات حول الأسباب والدوافع التي تدفعهم إلى مغادرة بلادهم، وما إذا كانت الأسباب السياسية لها النصيب من هذه الهجرة، أو يتركز معظمها في الدوافع الاقتصادية، بالإضافة إلى السؤال الأهم، ألا وهو إلى أي مدى ستستمر هذه الهجرة، خاصة مع قرب موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي ستشهدها تركيا في منتصف العام المقبل.

مشاكل اقتصادية في المقام الأول؟

بحسب بيانات “فرونتكس”، الوكالة الأوروبية لحرس الحدود والسواحل، فإن عدد الأتراك الذين وصلوا إلى دول الاتحاد الأوروبي بطريقة غير مشروعة خلال النصف الأول من العام الجاري، بلغ 8600 شخص، حيث لا يشمل هذا الرقم حاملي الجنسية التركية الذين وصلوا إلى أوروبا بتأشيرات سفر ومكثوا فيها رغم انتهاء صلاحية تأشيراتهم.

كما وقد وبلغ عدد المواطنين الأتراك الذين تم ضبطهم أثناء عبور الحدود المكسيكية بشكل غير قانوني حتى نهاية تشرين الأول/أكتوبر الماضي نحو 15 ألفا.

عدد الأتراك من طالبي اللجوء في عموم الدول الأوروبية، بلغ أكثر من 30 ألفا هذا العام، بحسب تقديرات غير رسمية، لكن مصادر أوروبية أخرى أشارت إلى أن عددهم تجاوز 10 آلاف خلال آخر 8 أشهر فقط، حيث استقر معظمهم في ألمانيا التي يحتلون فيها اليوم المرتبة الثالثة بعدما كان ترتيبهم الرابع قبل أشهر من جهة تقديمهم لطلبات اللجوء. كما أن مركز بحثي كشف مؤخرا، أن 75 بالمئة من الشباب في تركيا يرغبون بالهجرة.

قد يهمك: احتجاجات وقتلى.. الحكومة الأردنية أمام خيارات صعبة إثر تعدد الأزمات؟

المحامي والناشط الحقوقي، غزوان قرنفل، يرى ضمن هذا الإطار، أن مسألة الهجرة التركية نحو أوروبا، سواء بالوسائل القانونية من خلال الحصول على تأشيرة ثم عدم العودة أو بطرق غير مشروعة عبر عدة وسائل، كلها مرتبطة بالوضع الاقتصادي الهشّ في تركيا، من قلة فرص العمل والأوضاع الاقتصادية المتأزمة مؤخرا، بالإضافة إلى التضخم الهائل الذي تعيشه تركيا منذ ربع قرن، باعتبار أن هذه الهجرة تعتبر “ظاهرة مستجدة” بالنسبة للأتراك عموما.

قرنفل، أردف في حديثه لـ”الحل نت”، أنه منذ 15 عاما على الأقل لم يكن هناك هجرة بهذا الشكل للأتراك، إلا أنه هذه الظاهرة بدأت بالانتشار خلال الأشهر الماضية، نتيجة مجمل العوامل المذكورة آنفا وهي التي دفعت ولا تزال تدفع بالشباب الأتراك للهجرة خارج البلاد.

قرنفل أشار إلى أن ظاهرة الهجرة طبيعية في كل الدول لكنها ظاهرة جديدة منذ نحو عامين تقريبا في تركيا، لذا يمكن القول إن “الدوافع الاقتصادية تأتي في المقام الأول”.

في المقابل، أظهرت بيانات يوم الإثنين الفائت، ارتفاع معدل البطالة في تركيا إلى 10.2 بالمئة في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، ومن المتوقع أن يتباطأ النمو الاقتصادي قبل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقرر إجراؤها منتصف العام القادم.

محللو “جي بي مورغان” يرون أن التضخم سيصل إلى 40 بالمئة بحلول منتصف العام 2023، وقالوا إن التضخم “كان له تأثير هائل على الأجور الحقيقية”، في حين تتوقع الحكومة التركية أن يقترب التضخم من 20 بالمئة في نهاية العام 2023. غير أربعة محللين استطلعت وكالة “رويترز” آراءهم أوضحوا أن يتراوح التضخم في أيار/مايو المقبل بين 35 بالمئة و43 بالمئة، ما لم يكن هناك انخفاض جديد في قيمة الليرة.

الليرة التركية خسرت 44 بالمئة مقابل الدولار العام الماضي، وهوت بنسبة 29 بالمئة إضافية هذا العام. بيانات “معهد الإحصاء التركي”، أظهرت أن معدل البطالة ارتفع بواقع 0.1 نقطة مئوية على أساس شهري إلى 10.2 بالمئة في تشرين الأول/أكتوبر الفائت. هذا وارتفعت بطالة الشباب إلى نحو 22 بالمئة، وهو مصدر قلق محتمل بالنظر إلى أنه سيكون هناك ستة ملايين ناخب لأول مرة في العام المقبل، مع وجود غالبية كبرى من الشباب الأتراك الذين يقولون إنهم يريدون التغيير.

الدوافع السياسية

حسبما أوردت “وكالة الأنباء الألمانية” في وقت سابق، فإن العديد من الأتراك يفرّون من بلدهم هربا من الملاحقات الأمنية المتزايدة منذ محاولة انقلاب عام 2016، حيث تعرّض الآلاف للفصل التعسفي من العمل والاعتقال بزعم مشاركتهم في المحاولة الانقلابية. هذا ويعد المواطنون الأتراك هم ثالث أكبر مجموعة بين أولئك الذين تقدّموا بطلبات للحصول على اللجوء السياسي في ألمانيا، منذ كانون الثاني/يناير الفائت حتى نهاية تشرين الأول/أكتوبر الماضي.

استطلاع رأي لمركز “أوراسيا للأبحاث واستطلاعات الرأي”، أشار في وقت سابق إلى أن “رغبة الشباب في السفر من تركيا إلى الخارج تزيد كل يوم، فالاستطلاعات التي نجريها تظهر أن 75 بالمئة من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و25 عاما يؤكدون رغبتهم بالذهاب إلى أوروبا إن أمكن”.

أما بحسب شبكة “بي بي سي“، فإنه عند استطلاع آراء المهاجرين الأتراك، هناك شبه إجماع على انتقاد الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بصفته المسؤول عن تطلع الشباب للهجرة، لأنه يضيق مجال حرية التعبير، ويقمع المعارضة.

هذا وقد أجّل “معهد الإحصاء التركي” نشر بياناته الخاصة بالهجرة لعام 2020، وهي البيانات التي كان من المفروض أن تنشر في أيلول/سبتمبر 2021، لكنها حتى اللحظة لم يتم الإعلان عنها بتوجيهات من السلطات، وفق تقارير صحفية.

غير أن البيانات الخاصة بعام 2019 تشير إلى أن أكثر من 330 ألف تركي غادروا البلاد للإقامة في الخارج، وهي زيادة تبلغ 2 بالمئة عن العام الذي سبقه، ومن المتوقع أن تشير البيانات الجديدة إلى استمرار هذا النهج، وتضاعف الأعداد المتعلقة بالمهاجرين غير الشرعيين.

صحيفة “دي فيلت” الألمانية، كانت قد ذكرت، استنادا إلى تقرير مصنف على أنه سري للمفوضية الأوروبية، أن “عدد الذين هاجروا بشكل غير شرعي من تركيا إلى الاتحاد الأوروبي خلال عام 2019 بلغ 70 ألف شخص، من بينهم 67741 شخصا وصلوا إلى اليونان، و197 شخصا إلى بلغاريا، و1803 أشخاص إلى إيطاليا، و261 شخصا إلى قبرص”.

ظاهرة الهجرة “مستمرة”؟

قرنفل، يعتقد أن هذه الظاهرة مستمرة في الأفق المنظور وقد تتصاعد قليلا في الفترات المقبلة، ذلك لأنه لا يوجد أفق واضح وشفاف لموضوع تحسين الوضع الاقتصادي العام من خفض حالة التضخم وتحسين قيمة الليرة التركية مقابل العملات الأجنبية، بالإضافة إلى خلق فرص عمل للشباب.

المراقبون، أشاروا إلى أن موجة الهجرة التركية هذه سوف تستمر لغاية الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي ستشهدها تركيا في منتصف العام المقبل.

قد يهمك: “مهاجرو المناخ”.. لماذا يرفض العالم منحهم صفة اللاجئين؟

وفق “مكتب الهجرة واللجوء” الألماني، فإن حوالي نصف الأتراك الذين يتقدمون بطلبات لجوء، يحصلون بالفعل على حق اللجوء الذي يخولهم الحصول على بطاقة إقامة داخل الأراضي الألمانية، في حين يكتفي النصف الآخر من الذين ترفض السلطات منحهم حق اللجوء برفع دعاوى قضائية للحصول على اللجوء أو يكتفون بالبقاء بشكلٍ غير قانوني في ألمانيا.

هذا وكانت نتائج الاستطلاع الذي أجرته جامعة “يديتبه” في إسطنبول ومؤسسة “ماك” الاستشارية في آب/أغسطس 2020، حول آراء الشباب في الهجرة، مباغتة للمواطنين داخل تركيا، فقد قال 76 بالمئة من المشاركين في الاستطلاع إنهم مستعدون للعيش في بلاد أخرى، إذا أتيحت لهم الفرصة لذلك، حتى لو كان ذلك بشكل مؤقت وغير قانوني.

يبدو أن هناك عدة أسباب تدفع بالفعل الأتراك للهجرة من بلادهم. فمنذ الأشهر الأخيرة من هذا العام، هاجر الآلاف منهم إلى أوروبا بطرق قانونية وغير القانونية عبر الطرق البحرية أو البرية المحفوفة بالمخاطر والتحديات، وبتكلفة مادية باهظة، بحثا عن حياة آمنة وكريمة، بعد أن فقدوا الأمن والاستقرار المادي في بلدانهم وسط تدهور الليرة التركية وتزايد القيود على الحريات والملاحقات الأمنية من قبل السلطات، وإن لم يتحسن الوضع في البلاد، فإن موجات الهجرة هذه لن تتوقف عند هذه الأرقام.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة