الأردن في مواجهة تحديات عديدة لضبط الأوضاع الأمنية في البلاد على الصعيد الداخلي والخارجي، فتزامنا مع المواجهات التي تقودها القوات الأردنية لضبط حدودها الشمالية ووقف تدفق المخدرات، تتفاقم التظاهرات في المدن الأردنية لتصل إلى مواجهات مع قوات الأمن.

منذ أن بدأت الاحتجاجات والإضرابات في الأردن اعتراضا على قرارات الحكومة برفع أسعار المحروقات، وعمّان لا تجد الحلول لمنع كرة الثلج من التدحرج، فتوسعت الاحتجاجات حتى وصلت إلى مشارف العاصمة، وتسببت بمقتل ضابط أمني في إحدى المناطق، فهل يمتلك الأردن خيارات لمواجهة هذه الأزمات.

مقتل ضابط يعقّد المشهد

مديرية الأمن العام الأردني، أعلنت اليوم الجمعة مقتل العقيد عبد الرزاق الدلابيح، على يد من وصفتهم المديرية بـ“المخربين“، وذلك خلال مواجهة قوات الأمن مع متظاهرين احتجاجا على الأوضاع المعيشية، في محافظة معان جنوبي البلاد.

بيان المديرية أكد أن العقيد، قتل إثر تعرضه لإصابة بعيار ناري في منطقة الرأس، “أثناء تعامله مع أعمال شغب كانت تقوم بها مجموعة من المخربين والخارجين عن القانون في منطقة الحسينية بمعان”، حسب وصف البيان.

الصحفي الأردني والمحلل السياسي إياد خليفة، رأى أن الأمور قد تتجه للهدوء في الأردن بعد مقتل العقيد الدلابيح، حتى ولو كان هدوء مؤقت، مشيرا إلى ضرورة اتخاذ الحكومة خطوات جديّة في سبيل تحقيق مطالب الشارع الأردني كي لا يزداد الأمر تعقيدا.

خليفة قال في حديث خاص مع “الحل نت“، “أعتقد أنه بشكل كبير قد تتجه الأوضاع إلى الهدوء، لأن الأمور عندما تصل للدم والقتل في الأردن فإنها تكون ذهبت باتجاه إلى الحل وليس التعقيد. الجميع يفضل الهدوء في هذه الحالات هكذا جرت العادة في الأردن“.

قد يهمك: رغم تراجع أرقام التضخم.. لماذا يواصل الفيدرالي الأميركي رفع نسبة الفائدة؟

بعد حادثة مقتل العقيد، صدر بيان باسم وجهاء وأهالي محافظة معان، استنكروا عملية الاغتيال، كما أكد البيان على رفض رفع السلاح في وجه أي أردني عسكري كان أو مدني، محمّلا الحكومة المسؤولية الأكبر عن الأوضاع التي تشهدها البلاد منذ أسابيع.

جاء في البيان، “شباب معان وشيوخها وجميع عشائرها يؤكدون اعتزازهم بإخوانهم في الأجهزة الأمنية كافة والتفافهم سورا منيعا حول وطنهم من شماله إلى جنوبه ومن شرقه حتى غربه، رافضين الفتن ومتبرئين من أصحابها“.

خليفة يعتقد أن عملية الاغتيال قد تكون مرتبطة بصراعات بين مجموعة من المهربين أو مروجي المخدرات في البلاد، خاصة وأن العديد من تلك المجموعات يتخذون من بعض المناطق النائية مراكز ومقرات لهم.

توقعات المرحلة القادمة

حول التوقعات للمرحلة القادمة في الأردن، شبه خليفة الأوضاع في البلاد بكرة الثلج التي تتدحرج وتكبر، نتيجة امتداد الاحتجاجات إلى مناطق جديدة، بسبب رفع الحكومة أسعار المواد الأساسية في البلاد.

حول ذلك أضاف، “يوميا نشهد مناطق جديدة تدخل التظاهرات، حتى وصلت أمس إلى وسط العاصمة عمان، كان هناك مظاهرات ومواجهات مع قوات الأمن، وفي جرش أيضا كان هناك إضرابات من قبل سائقي وسائل المواصلات، الحكومة رفعت أسعار مواد مهمة للمواطن الأردني كالمحروقات مع بداية فصل الشتاء“.

الأردن شهد رفع لأسعار المحروقات 16 مرة منذ العام 2020، وارتفعت الأسعار بنسبة وصلت إلى 50 بالمئة، ما دفع فئات واسعة من الشعب للتظاهر والاحتجاج على السياسة الاقتصادية.

تواجه الحكومة حاليا تحدي امتصاص غضب الشارع، وبرأي خليفة فإن عمّان لا تملك خيارات كثيرة، إلا إذا كانت تعمل على خطة لخفض الأسعار ومكافحة الفساد، وبالتالي على الحكومة أن تأخذ زمام المبادرة وتسارع في طرح الحلول.

خليفة زاد بالقول، “الاحتجاجات ستتواصل وأعتقد أنها لن تقف، هناك تحديات كذلك تتعلق بالوضع الأمني، يوجد عصابات في الشمال، إيران والفرقة الرابعة التابعة للجيش السوري أغرقوا الأردن بالمخدرات، هذا أيضا جرس إنذار بالنسبة للأردن، على الحكومة أن تسارع إلى وضع حلول جديّة“.

العديد من المدن الأردنية تشهد خلال الأيام الأخيرة، تظاهرات وإضرابات احتجاجا على رفع أسعار المواد الأساسية، وقد تعهدت الحكومة الأردنية بحسب ما نقل موقع “بي بي سي عربي“، بالنظر في مطالب المحتجين، ولكنها قالت إنها دفعت 700 مليون دولار هذا العام، للحد من ارتفاع أسعار الوقود.

أضافت أيضا أنها لا يمكنها أن تدفع أكثر، بسبب الشروط التي وضعها “صندوق النقد الدولي”، لتنفيذ برنامج الإصلاحات الاقتصادية الهيكلية في البلاد.

محتجون هددوا في وقت سابق من هذا الأسبوع، بالخروج في مظاهرات يوم الجمعة، وعززت الشرطة وجودها قرب مقر الحكومة في العاصمة.

الأردن يواجه أوضاعا اقتصادية بالغة الصعوبة، في المقابل تتحدث الحكومة عن تحسّن قادم، حيث بدت متفائلة بتحقيق نتائج اقتصادية جيدة في موازنة 2023، وذلك بزيادة نسبة النمو وتخفيض الدّين العام وزيادة الإيرادات المحلية وتسريع مسارَي الإصلاح الإداري والاقتصادي، من خلال رصد مخصصات في بنود منفصلة لكل منهما، فما هي أبرز التحديات الاقتصادية في الأردن.

عجز مستمر؟

الحكومة قدّرت حجم موازنة العام المقبل بحوالي 11.4 مليار دينار “إجمالي الإنفاق“، بعجز مالي سينخفض قبل المنح إلى 2.664 مليار دينار، في حين أنه سينخفض بعد المنح إلى 1.826 مليار دينار، ليتراجع من 3.4 إلى 2.9 بالمئة في 2023، وفقا لما أعلنه وزير المالية محمد العسعس.

الخبير الاقتصادي حسام عايش، أوضح أن الموازنة لم تختلف عن الموازنات الماضية وهي موازنات عاجزة يتم تغطيتها بديون جديدة، مشيرا إلى أن أداء الموازنة لم يشهد تحسّنا من ناحية الجودة والنتائج.

عايش قال في حديث سابق مع “الحل نت“، “هناك عجز متواصل في الموازنة يقدر بـ 2.6 مليار ينخفض إلى 1.8 مليار بعد المنح، وبالتالي فإن هذا العجز المقدّر في الموازنة ستتم تغطيته بديون جديدة، بالنظر إلى أن فوائد الديون في الموازنة الجديدة تُقدر بـ 1.6 مليار دينار“.

لم يتحسن أداء الموازنة من ناحية الجودة، ولم تكن مواكبة لرؤية التحديث الاقتصادي، فمن غير الممكن مواكبة رؤية التحديث الاقتصادي من خلال موازنة تقليدية، يتم إعداداها باستخدام أدوات قديمة جدا.

تراجع وهمي

حول حديث الحكومة عن تراجع نسبة العجز في الموازنة، من 3.4 بالمئة إلى 2.9 بالمئة، أوضح عايش أن القيمة الحقيقية للعجز لم تتغير، حيث إن انخفاض نسبة العجز في الموازنة سببه ما قدرته الحكومة للنمو الاسمي للناتج المحلي الإجمالي والذي سيبلغ 6.6 بالمئة من الموازنة، بالتالي فإن التضخم استخدمته الحكومة كوسيلة لتكبير الناتج المحلي الإجمالي بإضافة معدل التضخم إلى معدل النمو.

وفق عايش، فإنه من الصعب القول إن الموازنات الحكومية، حققت نتائج إيجابية، إنما هي فقط وسيلة للإنفاق والحصول على إيرادات ومحاولة خلق توازن بين الإيرادات والنفقات، بما يسمح بالحصول على مؤشرات تستخدم من أجل تقديمها للمؤسسات الدولية، لتبرير الحصول على قروض أو ديون.

في معرض وصفه للحالة الاقتصادية في الأردن أضاف عايش، “النمو يراوح مكانه، لدينا نموا راكدا، البطالة ترتفع والتضخم يرتفع، المديونة تزداد، الفقر يزداد كنسبة، مستويات المعيشة تتراجع، الموازنة هي شكل من أشكال التعبير على الأداء الحكومي الذي يتبين بصورة قاطعة أنه أداء تقليدي، يتعامل بصورة تقليدية مع الأوضاع المتغيرة، وبالتالي فإنه في كثير من الحالات لا يكون قادرا على أن يلعب الدور الحقيقي لمؤسسة الحكومة التي يفترض أن تكون سباقة بتوقع المشكلات بما يسمح بمواجهتها“.

بدخول فصل الشتاء، ارتفع إنفاق الأُسر الأردنية فيما يُعرف بـ“اقتصادات الشتاء“، خاصة تأمين حاجة العائلات من التدفئة، ومواجهة أمراض الشتاء وتكاليف التنقل والمواصلات والغذاء، وترتفع نفقات العائلات الأردنية خلال فصل الشتاء نحو 20 بالمئة عن باقي الأشهر، بحسب اقتصاديين.

بين التحديات الخارجية والداخلية، تواجه الحكومة في عمّان مستقبلا ضبابيا، في حين رجّح بعض المحللون استقالة قريبة للحكومة، كخطوة أولى لامتصاص غضب الشارع، لكنهم أكدوا أن القيادة الأردنية مطالبة كذلك بإصلاحات اقتصادية لاحتواء الشارع الأردني.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.