عن كثب، يراقب العالم وحكوماته تحركات البنك “الفيدرالي” الأميركي، إذ تقود الولايات المتحدة الأميركية تحولا عالميا لمواجهة التضخم عبر رفع نسبة الفائدة، ما يؤثر على معظم اقتصادات العالم ورفع تكاليف الاقتراض.

رغم تراجع أرقام التضخم خلال شهر كانون الأول/ديسمبر الجاري، ووصولها إلى نسبة 7.1 بالمئة، متراجعة بمقدار 0.6 عن مستويات الشهر الماضي، إلا أن “الفيدرالي” واصل حدته في تطبيق إجراءات رفع الفائدة بشكل دوري، حيث وصل سعر الفائدة على الدولار الأميركي 4.5 بالمئة.

زيادة جديدة

البنك “الفيدرالي” أعلن أمس الأربعاء، عن زيادة جديد في نسبة الفائدة، وذلك بمقدار 50 نقطة أساس، لتصل نسبة الفائدة إلى أرقام لم تصلها منذ عام 2007، وسط توقعات باستمرار الفيدرالي في مواجهة التضخم بعدما استجابت الأسواق أخيرا لقراراته وانخفضت نسب التضخم.

الاحتياطي الأميركي يبدو أن سيتحرك أكثر خلال الفترة المقبلة، وذلك بعدما بدأت أرقام التضخم بالتراجع، وهي التي سجلت خلال شهر تموز/يوليو الماضي، أعلى نسبة لها منذ عقود، ووصلت نسبة التضخم في الولايات المتحدة الأميركية إلى 9.1، لكن مع الإجراءات التي اتخذها “الفيدرالي” الأميركي سجلت قبل أيام انخفاضا وصل إلى 7.1.

الأكاديمي والباحث في العلاقات الاقتصادية الدولية الدكتور عبد المنعم الحلبي، أوضح أن البنك “الاحتياطي الفيدرالي”، يطبق النظرية الاقتصادية الأساسية لمواجهات معدلات التضخم، مشيرا إلى أن انخفاض أرقام التضخم قد تحفز “الفيدرالي” على الاستمرار في إجراءاته كونه رأى استجابة جيدة لهذه الإجراءات.

استجابة جيدة

الحلبي قال في حديث خاص مع “الحل نت“، “البنك الفيدرالي يطبق النظري الأساسية في مواجهة التضخم، كان من الممكن أن يكون هناك مخاطر كبيرة على الاقتصاد الأميركي، لأن التضخم الذي كان ممكن أن يذهب إلى مستويات 15 أو 20 بالمئة، سيؤدي إلى ركود طويل الأمل، لذلك عمل الفيدرالي على خلق تناسب بين معدل الفائدة ونسبة التضخم“.

البنك “الفيدرالي” سيواصل اتخاذ الإجراءات لمواجهة التضخم على الرقم من بدء النسب بالانخفاض، لا سيما وأن نسبة التضخم التي يسعى إليها البنك هي 2 بالمئة، في حين أن استجابة نسبة التضخم لرفع معدل الفائدة هو شيء جيد، وإشارة إلى أن “الفيدرالي” يسير بالطريق الصحيح وسيستمر.

حول ذلك أضاف الحلبي، “تراجع نسبة التضخم لنحو سبعة بالمئة، هو مؤشر على أثر إجراءات الفيدرالي ضمن المدى القصير، سيواصل البنك إجراءاته لكن ربما بوتيرة أقل، وذلك لأن البنك ينظر إلى معدل التوظيف ومعدل البطالة، فحاليا معدل البطالة مطمئن كذلك، مما يتيح له زيادة إضافية على معدل الفائدة“.

معدلات الفائدة ستبقى برأي الحلبي مرتفعة على المدى المنظور، قائلا “ربما عام آخر أو أكثر، حتى نصل إلى مؤشر التضخم المنشود وهو 2 بالمئة، وسيواصل الفيدرالي سياسة رفع الفائدة، لا سيما وأن أولوية الحفاظ على القيمة الشرائية للمواطن الأميركية، فهي أولوية اقتصادية وسياسية واجتماعية”.

المشوار طويل؟

على الرغم من تحسن أرقام التضخم في الولايات المتحدة الأميركية، إلا أن رئيس البنك “الاحتياطي الفيدرالي”، لم يطلق التطمينات على تحسن الواقع الاقتصادي، بل أكد أن مشواره في مواجهة التضخم ما يزال طويلا حتى الوصول إلى الأهداف المعلنة.

قد يهمك: ضوابط أسعار النفط الروسي.. التحديات والانعكاسات على مجموعة “أوبك”

رئيس مجلس “الاحتياطي الفيدرالي”، جيروم بأول، قال أمس الأربعاء، إن البنك يريد أن يبطئ من سرعته ليرى كيف يستجيب الاقتصاد للتأثير التراكمي للزيادات، والتي أدت إلى زيادة تكلفة القروض العقارية وقروض السيارات والأعمال وديون وبطاقات الائتمان. محذرا من أن الزيادة الحالية “لا تزال تمثل زيادة كبيرة تاريخيا ولا يزال أمامنا طريق طويل لنقطعه“.

الزيادة الأخيرة لمعدل الفائدة على الدولار الأميركي، هي السابعة خلال العام الجاري، وكانت 75 نقطة أساس هي أعلى معدل فائدة أقرها البنك دفعة واحدة، وتكررت ثلاث مرات خلال النصف الثاني من العام الجاري.

باول أوضح أن “الفيدرالي” كان مدفوعا بالمؤشرات التي تشير إلى تحسن التضخم، ولكن الأمر يتطلب “المزيد من الأدلة بشكل كبير” ليكون واثقا من أنه يسير على خطى هبوط مستدامة، وأضاف، “من الجيد أن نرى تقدما، ولكن لدينا طريقا طويلا لنقطعه للعودة إلى استقرار الأسعار“.

“الفيدرالي” الأميركي، يلجأ إلى رفع أسعار الفائدة من أجل خفض الأسعار، وتتمثل الفكرة في أنه كلما كان اقتراض المال أكثر تكلفة، أنفق الناس أقل وادخروا أكثر. ويكمن الخطر في أن يؤدي ذلك إلى خنق النمو الاقتصادي والتسبب في ارتفاع معدل البطالة، وهو خطر يغذي مخاوف الركود الحالي.

بحسب تقرير لموقع “بي بي سي عربي“، “فعلى الرغم من التحذيرات الشديدة، يعتقد كثيرون أن الهبوط السلس الذي يعني تباطؤ اقتصادي معتدل، بدلا من الركود الكامل لا يزال ممكنا. وفي مثل هذا السيناريو، قد نرى نموا أبطأ بدون الاضطرابات المرتبطة بالانكماش الكامل“.

إن الدافع وراء هذا التفاؤل هو سوق العمل القوي في الولايات المتحدة، في ظل إضافة 315 ألف عامل جديد في آب/أغسطس الفائت، وهو ما يشير إلى أن الاقتصاد ليس متعثرا، وفقا لمحافظ “الاحتياطي الفيدرالي” الأميركي، كريستوفر والر.

والر قال إنه لن يتردد في إبقاء أسعار الفائدة مرتفعة، طالما أن ذلك سيؤدي إلى خفض التضخم. ومع استعداد “الفيدرالي” لإظهار أنه لن يتوانى عن عزمه على خفض الأسعار، فمن غير المرجح أن تكون العملية سلسة. وإذا رفع أسعار الفائدة أكثر من اللازم، فقد يغرق الاقتصاد في حالة من الركود، أما إذا رفعها بمقدار ضئيل للغاية فيستمر التضخم في الارتفاع.

البورصات والأسهم والذهب والعملات المختلفة أمام الدولار ستكون صاحبة النصيب الأكبر من التأثيرات، خاصة أن رفع الفائدة يعنى خروج الدولار إلى تجارة الفائدة الرائجة حاليا، كما أن رفع الفائدة يعنى مزيدا من قوة الدولار، والذي سجل مستويات هي الأعلى في 20 عاما.

كثير من المحللين أكدوا أن الانكماش الاقتصادي أمر لا يمكن الفرار منه، ومع أن “الفيدرالي” الأميركي بالتأكيد يدرك هذا الأمر، إلا أن لديه أولويات في المحافظة على قيمة الدولار والقيمة الشرائية للمواطن الأميركي، لذا لا بأس من تداعيات الركود، لكن بدون التأثير على معدل البطالة بشكل كبير.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.