بعد مضي خمسة أعوام على إلغاء الاتفاق النووي الإيراني من قبل الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، والموقّع مع الولايات المتحدة الأميركية في العام 2015، عاد الحديث مجددا عن مصير هذا الاتفاق إلى الواجهة، خاصة بعد توقف المفاوضات التي استهلتها الإدارة الأميركية مع وصول الرئيس الأميركي الحالي جو بايدن إلى السلطة في نهاية العام 2020.

حيث أعلن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في الثامن من أيار/مايو 2018، انسحاب بلاده من الاتفاق النووي المبرم مع إيران، كما وقّع أمرا رئاسيا للبدء بإعادة العمل بالعقوبات الأميركية على طهران، قائلا إن الوعد الإيراني كان كذبة، وأن مستقبل إيران ملكا لشعبها الذي يستحق حكومة أفضل.

قرار الرئيس الأميركي الذي جاء قبل 5 سنوات، ترتبت عليه الكثير من القضايا، وحاولت إيران جاهدة العودة إلى الاتفاق دون جدوى، فلم تكن العودة سهلة كما الخروج منه، فبعد مرور عامين على إطلاق المفاوضات النووية أصبح إحياء الاتفاق النووي بعودة الطرف الأميركي إليه أبعد ما يكون في الوقت الراهن.

مآلات الاتفاق النووي

على الرغم من ذلك، عادت آمال إحياء الاتفاق بعد رحيل ترامب عن السلطة ومجيء الرئيس جو بايدن الذي بدا مؤيدا للاتفاق النووي، لكن ذلك لم يسفر عن شيء حتى مع تجدد المفاوضات، التي بدأت بعد وصول بايدن إلى السلطة، قبل أن تتوقف فيما بعد مع تصاعد الاتهامات الأميركية والأوروبية لطهران في تورّطها في الغزو الروسي لأوكرانيا.

وسط هذا المشهد، ومع مرور العام الخامس على إلغاء الاتفاق، قال كبير المفاوضين الإيرانيين، علي باقري كني، الذي يشغل منصب نائب وزير الخارجية الإيراني للشؤون السياسية، الثلاثاء الماضي، إن أميركا بانسحابها من الاتفاق النووي قبل خمس سنوات، وجّهت ضربة قاضية لسيادة القانون على المستوى الدولي”، مضيفاً أن “الولايات المتحدة فشلت في التراجع عن اتجاهها الخاطئ”.

باقري كني، توعد في تغريداته على “تويتر” بأن تستمر الإجراءات العلاجية المشروعة لإيران، في إشارة إلى تطوير إيران برنامجها النووي من خلال خفض تعهداتها النووية المنصوص عليها في الاتفاق النووي، في حين أكد كبير المفاوضين الإيرانيين، أنه يمكن استئناف التنفيذ الكامل لخطة العمل الشاملة المشتركة مع رفع العقوبات الفعالة في جوهرها، إذا أظهر الطرف “المنحرف” إرادة سياسية موثوقة لهذا الغرض، مشيرا إلى أن “الفرصة غير متاحة للأبد”.

إلى ذلك، وفي الوقت الذي تتحدث فيه إيران عن مساعيها إلى التوصل إلى اتفاق نووي جديد، يرى الكاتب والمختص في الشأن الإيراني، عارف نصر، إن إيران في الأساس لا تريد التوصل إلى اتفاق نووي، قائلا إن الملف النووي الإيراني ومصيره من قبل الحكومة الإيرانية خاضعة لمجموعة من المتغيرات والعوامل، وكذلك مجموعة من الاستراتيجيات التي يتّبعها النظام الإيراني.

نصر وفي حديث لموقع “الحل نت”، بيّن أن هذه الاستراتيجيات والظروف يمكن أن تقسم الى قسمين أساسيين؛ وهما القسم الداخلي المرتبط بالداخل الإيراني، والقسم الثاني المرتبط بالظروف الدولية، والجانب الخارجي، موضحا أن في الجانب الخارجي هناك استراتيجية تحاول حكومة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيس اتباعها، بل وأعلنتها مع بداية وصوله إلى السلطة، وهي أولا التوجه نحو الشرق والمقصود هنا الصين وروسيا، مقابل التوجه الذي كان يعتقد به الأصوليين في إيران، بأن الرئيس السابق حسن روحاني وكذلك الحكومات السابقة كانت تتجه نحو الغرب.

لماذا لا تريد إيران التوصل لإتفاق نووي جديد؟

 أما من جانب آخر، فإن تنويع السياسات الخارجية وعدم ربط مصير السياسة الخارجية بالملف النووي، بما في ذلك التحرك الإيراني باتجاه المصالحة مع الخليج برعاية صينية وزيارة رئيسي إلى سوريا، هي رسالة واضحة مفادها بأن الملف النووي الإيراني لم يعد النقطة الرئيسية للسياسة الخارجية الإيرانية.

صورة من اتفاق لوزان النووي/ إنترنت + وكالات

المختص في الشأن الإيراني، لفت إلى أن، القسم الثاني؛ وهو الداخلي المرتبط بالقدرة على الالتفاف على العقوبات الدولية، والتي يعمل عليها النظام الإيراني من خلال عدة طرق؛ أهمها الاعتماد على القطاع الخاص، وكذلك الحصول ع بعض الإعفاءات من قبل دول المنطقة أو غيرها من الطرق، وهو ما استطاع من خلاله النظام أن يلتف على العقوبات، مستفيدا بذلك من خلال تشكيل منظومة داخلية متكاملة للالتفاف على العقوبات.

نصر بيّن، أن هذه المنظومة مرتبطة بـ “الحرس الثوري”، ولا ترى من مصلحتها التوصل إلى اتفاق نووي، لأن هذا الالتفاف على العقوبات يوفر لها أمولا طائلة، ولذلك فهذه الطريقة تدخل ضمن العوامل الداخلية التي تجعل من التوصل إلى اتفاق نووي صعب المنال على الأقل على الصعيد الداخلي، مشيرا إلى أنه من العوامل الأخرى، هي قضية الاحتجاجات الثورية التي شهدتها إيران.

إذ تعرضت إيران إلى عقوبات شديدة جدا نتيجة ممارسات انتهاكات حقوق الإنسان بحق المتظاهرين، بالتالي أن هذه القضية بعيدة كليا عن ملف البرنامج النووي وتتعلق بالجانب الإنساني، لذلك أصبحت إيران ترى أنه ليس من المصلحة التوصل إلى اتفاق نووي في الوقت الحالي، فالاتفاق يعني رفع العقوبات فيما يخص الجانب النووي، لكن هذا لا يعني أنها ستكون خارج العقوبات التي تتعلق بالجانب الإنساني، بما في ذلك احتمالية اعتبار “الحرس الثوري” الإيراني، منظمة إرهابية، وهذا ما يجعل إيران تصرف النظر في الوقت الحالي عن التوصل إلى اتفاق نووي على المدى القصير أو المتوسط.

يشار إلى أنه، مع وصول الرئيس الأميركي إلى السلطة، عادت المفاوضات النووية لإحياء الاتفاق النووي من جديد في 2 نيسان/أبريل 2021 في فيينا، بمشاركة أعضاء الاتفاق المتبقين، إيران وفرنسا وبريطانيا وألمانيا والصين وروسيا، إلا أن المفاوضات كانت بالأساس مباحثات غير مباشرة بين وفدي طهران وواشنطن في فيينا، حيث رفضت الحكومة الإيرانية إجراء أي مفاوضات مباشرة مع الإدارة الأميركية.

الطرفان أجريا ثماني جولات من المفاوضات في فيينا، وجولة في الدوحة، لكنها لم تفضِ إلى اتفاق لإحياء الصفقة النووية بسبب خلافات جوهرية مرتبطة برفع العقوبات، والضمانات التي طلبتها طهران، فضلا عن خلافات عالقة بين إيران و”الوكالة الدولية للطاقة الذرية”.

مسار مفاوضات الاتفاق النووي

تقدّمٌ كبير تحقق في بعض الأحيان خلال المفاوضات، وزاد التفاؤل بإمكانية التوصل إلى اتفاق اعتبره بعضهم في حينه قريبا، غير أن شن روسيا، التي كانت وسيطا بارزا بين طهران وواشنطن أثناء المفاوضات، حربا على أوكرانيا في شباط/فبراير 2022، وما تبعه من توتر العلاقات بين روسيا والغرب، أنهى الوساطة الروسية، مما شكل ضربة كبيرة للجهود الرامية إلى إحياء الاتفاق النووي.

من مفاوضات فيينا حول الاتفاق النووي الإيراني/ (AFP)

ما زاد من تعقيدات الوضع وقلل من حماسة الغرب، وبالذات الدول الأوروبية للتفاوض مع إيران وإحياء الاتفاق النووي، هو الاتهامات الغربية المستمرة لطهران بتزويد روسيا بطائرات مسيّرة من دون طيار وأسلحة، فأصبحت أوروبا تطالبها بوقف ذلك شرطا لاستئناف المفاوضات النووية.

لكن على وقع تعثر المفاوضات النووية، بدأ الملف النووي الإيراني في الأيام الأخيرة يعود إلى واجهة الصراع الإيراني الغربي، على خلفية تقارير غربية عن احتمال لجوء الأطراف الغربية إلى تفعيل آلية “فض النزاع” المنصوص عليها في الاتفاق النووي، إذا ما زادت إيران تخصيب اليورانيوم إلى أكثر من 60 بالمئة. ومن شأن تفعيل هذه الآلية إعادة الملف النووي الإيراني إلى “مجلس الأمن” وإعادة فرض عقوبات دولية على ِإيران.

في السياق، وفي تصعيد لافت لأول مرة، هدد مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان، الخميس، في كلمة أمام “معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى”، إيران بالورقة الإسرائيلية، قائلا إن الإدارة الأميركية ستتخذ كافة الإجراءات لمنع إيران من إنتاج القنبلة النووية، بما في ذلك الاعتراف بحرية إسرائيل في اتخاذ الإجراءات اللازمة.

في المقابل، ردت إيران على تصريحات سوليفان بتحميل واشنطن مسؤولية أي اعتداء إسرائيلي على منشآتها النووية، متوعدة بـ”رد قاس”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات