تداعيات التغيرات المناخية، دفعت إلى حالة غير مسبوقة من التحركات السكانية في عدد كبير من المناطق حول العالم، وهي حالة مستمرة، وفي تزايد متواصل، وسوف تشكل الهجرة المناخية ملامح ديموغرافية جديدة في عدة دول، وفي هذا الإطار تتصاعد المخاوف من التحركات العشوائية، حتى أن بعض التوقعات الأكثر تشاؤما تطالب العالم بالاستعداد لسيناريو “الفوضى العظمى”، إذا أخفق المجتمع الدولي في إدارة الهجرة المناخية.

وفقا لـ”مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين”، منذ عام 2010، يضطر حوالي 21.5 مليون فرد سنويا إلى مغادرة المناطق التي يعيشون فيها بسبب الكوارث المتعلقة بالتغيرات المناخية، سواء الفيضانات أو الارتفاع الكبير في درجات الحرارة، أو العواصف وغيرها من الظواهر المتعلقة بالتغيرات المناخية. ومن المتوقع أن يشهد هذا الرقم ارتفاعا كبيرا خلال العقود القادمة، حيث تقدر بعض المراكز البحثية المتخصصة أن يصل عدد النازحين بفعل المناخ إلى 1.2 مليار فرد بحلول 2050.

رفض أممي لمنح “مهاجري المناخ” صفة لاجئين

حتى الآن ترفض الأمم المتحدة اعتماد مفهوم اللاجئين لتلك الفئة من النازحين، وفي المقابل تصر على استخدام مصطلح “مهاجري المناخ” أو مهاجري البيئة”، وعلى الرغم من محاولات الحركات المناخية وجماعات الضغط ومؤسسات المجتمع المدني الدفع في اتجاه تضمين النازحين بفعل المناخ داخل مظلة اللاجئين، فإن الأمم المتحدة لم تحرك ساكنا بهذا الشأن.

مهاجرون داخليا بسبب تغير المناخ “وكالات”

اللاجئون، هو مصطلح قانوني بالأساس، يمتد لحماية الفئات التي لديها خوف مبرر من التعرض للاضطهاد لأسباب تتعلق بالعِرق أو الدّين أو الجنسية أو الانتماء إلى فئة اجتماعية معينة أو رأي سياسي، وذلك وفقا لـ”اتفاقية الأمم المتحدة للاجئين لعام 1951″، ولم يتم تعديل الأسباب التي نصت عليها الاتفاقية لتشمل المناخ وتداعياته.

في هذا السياق، وحول أسباب رفض الأمم المتحدة منح “مهاجري اللجوء” صفة لاجئين، يوضح الدكتور، خالد السيد حسن، أستاذ الديموغرافيا ونائب رئيس الجمعية المصرية للهجرة والخبير الاقتصادي والسكاني السابق بالبرنامج الإنمائي للأمم المتحدة بالكويت، خلال حديثه لـ”الحل نت”، أن النظام الحالي للقانون الدولي غير مجهز لحماية المهاجرين بسبب المناخ، حيث لا توجد بعد اتفاقيات قانونية ملزمة بدعم المهاجرين بسبب المناخ، وعلى الرغم من أن “مهاجري المناخ”، الذين يفرون من ظروف يستحيل العيش معها يشبهون اللاجئين، فإن الحماية القانونية الممنوحة للاجئين لا تشملهم، فاتفاقيات اللجوء وضعت لحماية الأشخاص الذين أُجبروا على مغادرة بلدانهم الأصلية بسبب العنف السياسي.

إقرأ:تغيّر المناخ في كينيا.. طريق نحو الصراع على “الموارد”؟

د. خالد حسن يضيف، أن “مفوضية شؤون اللاجئين”، ترفض حتى الآن منح هؤلاء الأشخاص وضع اللاجئين، وصنفتهم على أنهم “مهاجرون بيئيون”، ويرجع ذلك لافتقارها للموارد اللازمة لتلبية احتياجاتهم، ولكن مع عدم وجود جهد منظم للإشراف عليهم فإنهم يذهبون إلى حيث يمكنهم، كما أن الرؤية الحالية تتجه إلى عدم تشجيع إنشاء وضع قانوني خاص بـ”مهاجري المناخ” بالتوازي مع وضع اللاجئين الحالي، والتركيز الحالي للنقاش حول إنشاء حالة “لاجئ بسبب المناخ” يمكن أن يؤدي إلى نقاش ضيق ومتحيز ولن يقدم سوى حلول جزئية لمعالجة تعقيد التنقل البشري وتغير المناخ.

تأثير التغيرات المناخية بالتركيبة السكانية ودورها في الصراعات

حتى الآن ما زالت غالبية “مهاجري المناخ”، تنزح داخل حدود دولهم. غالبا ما يفرون من المناطق الريفية والساحلية إلى المدن، بعد تعرضهم للكوارث المناخية، كما تتصاعد أعداد الفارين من العنف المسلح الناتج عن عدم الاستقرار وسيطرة الجماعات المتطرفة والعصابات.

كما تتزايد الأدلة على وجود ارتباط قوي بين التغيرات المناخية والهجرة والصراعات. ويبدو ذلك بوضوح في السياق الإفريقي، وأيضا في السياق السوري.

د. خالد حسن، يرى أنه عادة ما كانت العلاقة التي تربط التغيرات المناخية بالهجرة مفقودة، إلى أن تم ترجيح أن الظروف المناخية التي تسبب في حدوث القلاقل والاضطرابات السياسية والحروب الأهلية، هي المسؤولة عن هجرة ونزوح السكان.

أيضا فالتغيرات المناخية لعبت دورا لافتا في النزوح بين الأعوام 2011 و2015، بسبب حدوث جفاف شديد ارتبط بالنزاعات الحادة خاصة في منطقة غرب آسيا، والتي تشمل المشرق العربي في الفترة من بين 2010 و2012، عندما حدثت تطورات ما يسمى بـ”الربيع العربي”، وحدوث ثورات في تونس وليبيا واليمن وسوريا، وأدت إلى حروب أهلية في الدول الثلاث الأخيرة.

في سوريا أدى الجفاف وشح المياه الناجمين عن التغيرات المناخية إلى تكرار فقدان المحاصيل الزراعية ونزوح سكان الأرياف نحو المدن، ما أدى لتكدس السكان وازدياد البطالة ثم إلى القلاقل والاضطرابات وأخيرا الحرب الأهلية، كما حصل نفس الأمر في الصحراء الجنوبية في إفريقيا في نفس الفترة.

آثار تزايد أعداد “مهاجري المناخ”

تزايد أعداد المهاجرين بفعل تداعيات تغير المناخ ليست قضية مستقبلية تحتمل الجدل بشأنها، بل واقعية وفي تزايد مستمر، كما تظهر الأرقام، بل أنها ظاهرة فرضت نفسها على أجندة حوارات مؤتمرات المناخ المتعاقبة منذ 2016 أو ما قبل ذلك.

د. خالد حسن، يشير إلى أن الهجرة بسبب المناخ في معظمها داخلية، كما أنها ليست بالضرورة أن تكون هجرة قسرية، لا سيما بالنسبة للتغيرات المناخية البطيئة للغاية التي لا تزال الهجرة فيها محل اختيار، لذلك تحتاج البلدان إلى التفكير أولا في إدارة الهجرة والاتفاقيات بدلا من حماية اللاجئين.

في هذا السياق وحول آثار الهجرة بسبب المناخ، يوضح حسن، أن إنشاء مركز “لاجئ بيئي أو مناخي”، قد يؤدي إلى آثار معاكسة لما هو مطلوب كحل، حيث يمكن أن يؤدي ذلك إلى استبعاد فئات من الأشخاص الذين هم في حاجة إلى الحماية.

أيضا قد يؤدي توسيع “اتفاقية اللجوء لعام 1951″ إلى إضعاف وضع اللاجئ، وهو أمر مأساوي بالنظر إلى حالة العالم حيث يحتاج الكثير من الناس إلى الحماية بسبب الاضطهاد والنزاعات المستمرة، كما قد يكون إنشاء اتفاقية جديدة خاصة بـ”لاجئي المناخ” عملية سياسية طويلة للغاية، وقد لا تكون لدى الدول الرغبة بذلك.

تعامل المجتمع الدولي

الجهود الدولية تحاول التعامل مع جذور مسألة الهجرة بسبب المناخ، مثل دعم المجتمعات الهشة وغير ذلك والتي تستهدف التعامل غير المباشر مع هجرة المناخ. في محاولة ضمنية لوقف موجات الهجرة، بينما لا توجد سياسات وأهداف واضحة للتعامل المباشر مع قضية الهجرة المناخية وإدارتها، سواء على مستوى النزوح الداخلي، أو الدولي. وحتى الآن، لا توجد مظلة دولية للتعامل مع “مهاجري المناخ”، حتى الإطار القانوني الذي نشرته “مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين” في تشرين الأول/أكتوبر 2020، يراه البعض أنه يفتح الباب للنظر في حالة المهاجرين بفعل المناخ.

آثار التغير المناخي “وكالات”

بحسب د. خالد حسن، فإنه في الحوار الدولي عام 2011 كانت هناك استجابات حول موضوع الهجرة بسبب المناخ، وقد اختُتمت المشاورات بوثيقة تقترح مجموعة أدوات لسياسات الهجرة بدلا من التوصية بإنشاء وضع قانوني جديد لهؤلاء الأشخاص.

حسن يضيف أنه خلال العقد الماضي، تزايد الوعي السياسي بالمسائل المناخية والهجرة الناتجة عنها، ورافق ذلك زيادة في الإدراك بما تمثله من تحديات عالمية، ونتيجة لذلك وقّعت العديد من الدول على اتفاقيات مثل “اتفاق باريس” لتغير المناخ، و”اتفاق سينداي” للحد من مخاطر الكوارث، و”الاتفاق العالمي للهجرة”، حيث ترسم هذه الاتفاقيات طريقا واضحا للحكومات في المضي قدما في معالجة قضايا المناخ والهجرة المرتبطة بها.

أيضا هناك إجراء وقائي يمكن للدول استخدامه، بحسب حسن، وهو القيام بعمليات نقل منظمة للسكان، وهذا يعني تنظيم نقل قرى ومجتمعات بأكملها بعيدا عن المناطق التي تتحمل العبء الأكبر من آثار تغير المناخ.

من الجدير بالذكر أن وجود “مهاجري المناخ” سيكون أمرا اعتياديا خلال السنوات القادمة، وقد بدأ ظهور أصوات تنادي بالبدء في تغيير اتجاهات الأفراد لتبني مشاعر مرنة نحو الانتماء إلى الأرض، بحيث يكونوا أكثر تقبلا للتحرك وترك مناطقهم التي اعتادوا عليها، والانفتاح على أفكار غير تقليدية من قُبيل الاندماج في مجتمعات متنوعة، والعيش في مدن قطبية جديدة والبدء في تعميرها، بحيث يشهد العالم مرحلة من “العمران الجديد”.

قد يهمك:ضمن سياسة “صفر طلبات لجوء”.. الدنمارك تجبر طالبي اللجوء السياسي على العودة إلى سوريا

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

المزيد من مقالات حول ملفات ساخنة