منتصف ليل الأربعاء-الخميس، نفّذ سلاح الجو الأردني، غارات جوية استهدفت مزرعة في قرية أم الرمان بمحافظة السويداء جنوبي سوريا، حيث تعتبر المنطقة التي تم قصفها بالقرب من الحدود طريقا معروفا للتهريب، تستخدمه عصابات المخدرات لتهريب “الكبتاغون” إلى الأردن، وهي المرة الثانية التي يقصف فيها الجيش الأردني مركزا لتهريب المخدرات في سوريا رغم الإعلان عن لجنة تنسيق ثلاثية مكوّنة من دمشق وعمّان وبغداد لمكافحة المخدرات.

المشهد السياسي يعود على الساحة العربية ليتزايد في تعقيده وتراجع تقارب العلاقات بين الدول، ومن أحد هذه النقاط الملفتة للنظر هو تطور العلاقات بين الأردن وسوريا. حيث ينظر العالم الآن بقلقٍ متزايد إلى تلك الفجوة المتنامية بين البلدين، والتي قد تنذر بتغيّرات جذرية في الديناميات الإقليمية.

لقد عاشت العلاقات بين الأردن وسوريا فترات متباينة من التقارب والاقتراب، إلا أنه في الآونة الأخيرة، بدأت تظهر علامات الفتور والتراجع في التواصل السياسي بين البلدين. على الرغم من أن الأردن كدولة جارة لسوريا كانت قد انطلقت من مبادرتها كوسيط للتقارب، إلا أن هناك عوامل تبدو أنها تدفع العلاقات نحو مرحلة الفتور، وهو ما يُلقي بظلاله على استقرار المنطقة بأكملها، وعليه يُثار تساؤل باحتمالية أن تشهد المنطقة تحولات سياسية أو استراتيجية تؤثّر على تطور العلاقات بين الأردن وسوريا.

مؤشرات فجوة بين عمّان ودمشق

في ظلّ التطورات الإقليمية والدولية المتسارعة، تبرز أهمية العلاقات بين الأردن وسوريا كجارتين مشتركتين في حدود طويلة وفي تاريخ مشترك. إلا أن هذه العلاقات عانت من تقلّبات وانقطاعات نتيجة للأزمة السورية التي اندلعت في عام 2011، والتي أثّرت على استقرار المنطقة بأسرها. 

فبعد سنوات من الخلاف والجمود، شهد عام 2021 تحسّنا نسبيا في التواصل بين عمّان ودمشق، حيث استؤنفت الحركة التجارية عبر المعابر الحدودية، وزار كبار المسؤولين الأردنيين دمشق، وشارك الأردن في المبادرات العربية لإعادة سوريا إلى “الجامعة” العربية. 

ما يشير إلى أن هذه الفجوة بدأت بالظهور، هو تراجع اللقاءات الدبلوماسية بين الطرفين، خصوصا بعد الإعلان عن الخطوط العريضة لاجتماع عمّان التشاوري الذي حدث في أيار/مايو الفائت، واتفقت فيه الدول المشاركة على عودة سوريا إلى جدول أعمال “الجامعة” العربية؛ لكن وفق شروط قيل أنها ضمن مسار “خطوة مقابل خطوة”.

بعد هذا الاجتماع، كان من المقرر أن تحدث اجتماعات دورية سواء على الصعيد الدبلوماسي أو الأمني، ومن ثم اجتماعات تقييم للخطوات المطلوبة من الطرفين، إلا أن الصورة البارزة لفتت إلى فتور غير مفسّر من قبل دمشق، ما ساهم في تأجيل اللقاءات المتفق عليها. 

سابقا وتحديدا عندما بدأ مشروع ربط لبنان بالكهرباء عبر سوريا، كان هناك تنسيق مستمر واجتماعات بشكل أسبوعية وشهرية، ولكن منذ طرح المبادرة الأردنية فإن عدد الاجتماعات لم تتجاوز أصابع اليد الواحدة، ما يُلفت الانتباه أكثر هو تغيّر الخطاب الرسمي الأردني تجاه الحكومة السورية، حيث بدأ يشي بتباين واضح مع مواقف سابقة من التقارب. فتسريباتٌ صحافية تشير إلى تغير مفاجئ في النبرة الدبلوماسية للأردن تجاه الحكومة السورية، وهو ما يعكس تزايد الفجوة بين البلدين.

من بين تلك العوامل الدافعة لهذا الفتور، هي المشكلات والملفات التي لم يتم التوصل إلى حل مشترك بين البلدين. فمشكلة تهريب الأسلحة والمخدرات عبر الحدود المشتركة بينهما أصبحت تُعتبر نقطة اشتباك تزيد من تصاعد التوتر، حيث تتجاهل السلطات السورية بشكل ظاهري شكاوى المملكة الأردنية من هذه الأنشطة غير القانونية.

محادثات القاهرة.. بين اللين والشدة

عقب اللقاء الذي حدث في القاهرة لـ “لجنة الاتصال الوزارية العربية المعنية بسوريا”، بدأ الإعلام الأردني بتسليط الضوء على قضيتين، الأولى هي عدم قدرة عمّان على استيعاب اللاجئين في ظل نقص التمويل، والأخرى هي تجنّب الأردن حتى الآن فرض منطقة عازلة بينه وبين سوريا، لاعتبارات كثيرة أبرزها عدم التدخل العسكري البري، وثانيها عدم مس سيادة الدولة السورية، وثالثها انتظار الحلول من جانب دمشق الرسمية إزاء قضايا عديدة.

تحت عنوان “الأردن غاضب من دمشق” و”وهم الاستقرار يلاحق النظام السوري”، حملا هذا الأسبوع انتقادات لاذعة لدمشق، في استدارة إعلامية تعكس فجوة متزايدة في الخطاب الرسمي حيال الجارة الشمالية. ورغم أن الأخير لم يتغير في العلن، فإن الهجمات الصحفية تُظهر خيبة أمل أردنية من موقف السلطة السورية حيال ملفات عدّة، على رأسها عدم اكتراثه بشكاوى المملكة من عصابات تهريب أسلحة ومخدرات على امتداد الحدود المشتركة.

كما لوحظ أن تغيّر النبرة جاء بعد قرابة شهرين على آخر زيارة لنائب رئيس الوزراء وزير الخارجية أيمن الصفدي، إلى دمشق ولقائه هناك مع الرئيس بشار الأسد ووزير الخارجية فيصل مقداد. وكانت تلك ثاني زيارة للصفدي إلى دمشق منذ منتصف شباط/فبراير.

رئيس الجمعية الأردنية للعلوم السياسية، خالد شنيكات، ذكر أن “الطريق الآمن في سوريا هو إصلاح سياسي وتعليمي واقتصادي، والدفع باتجاه المشاركة السياسية ضمن تعددية سياسية تشمل كافة أطياف الشعب السوري، والمحاسبة عن الأخطاء وتوفير الخدمات والأمن وإعادة الإعمار والتنمية، وهي مطالب ضرورية”. مبينا أن المطالب المطروحة هي مطالب تغيير سياسي شامل، تنعكس على النواحي المعيشية بشكل بارز كونها الأكثر تأثيرا.

في حديثه لـ”الحل نت”، يشير الكاتب والدبلوماسي السابق في بريطانيا، والخبير في شؤون الشرق الأوسط، أكبر أحمد، إلى أنه لا يتوقع أن يؤدي هذا التصعيد الإعلامي إلى قطيعة بين الأردن وسوريا، فالبلدين ما زالا ملتزمين بالحفاظ على العلاقات الثنائية، والتعاون في مجالات تخدم المصالح المشتركة. 

كما أن هناك فرصا لإعادة التقارب في المستقبل القريب، إذا تم تجاوز الخلافات والمشاكل الحالية، وإذا تم تعزيز الثقة والتفاهم بين الجانبين. ولذلك، يرى أن هناك حاجة إلى مزيد من الحوار والتشاور بين الأردن وسوريا، وإلى تفعيل الآليات المشتركة للتعاون في مجالات مثل الأمن والطاقة والإغاثة.

مصالحة دون شروط قابلة للتنفيذ

توقعات أحمد لم تغفل التطورات التي حدثت مؤخراً بين الأردن وسوريا والتي تشير إلى انحسار التقارب بينهما بعدة طرق، منها الغارات الجوية التي نفذها الجيش الأردني على مواقع لتهريب المخدرات في سوريا، والتي تعبّر عن استياء الأردن من عدم تعاون الحكومة السورية في مكافحة هذه الظاهرة.

أيضا بحسب أحمد، فإن تغير النبرة في الخطاب الإعلامي الأردني تجاه الحكومة السورية، والذي أصبح أكثر انتقادا وتشكيكا في نواياها وقدرتها على تحقيق الاستقرار والإصلاح. فضلا عن الطلب الواضح بسحب البساط من الدبلوماسيين وإرجائه للجيش الأردني، يدل على أن عمّان اقتنعت بأن المصالحة العربية مع سوريا أوردت شروط غير قابلة للتنفيذ من وجهة نظر دمشق.

كذلك تراجع التواصل السياسي بين المسؤولين في كلا البلدين، والذي كان قد شهد تحسّنا في بداية عام 2023، حيث زار نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية أيمن الصفدي دمشق مرتين، ولكن لم يتبع ذلك بزيارات أخرى أو اجتماعات مستمرة.

وفقا لتحليل القضية من وجهة نظر دبلوماسية، يعتقد أحمد أنه يمكن تفسير التغير المفاجئ في الخطاب الأردني تجاه الحكومة السورية بعد فترة من التقارب بأسباب متعددة، منها خيبة أمل من عدم استجابة الحكومة السورية للمطالب والمبادرات الأردنية، خصوصا في مجالات الأمن والطاقة والإغاثة.

وأيضا الضغوط الدولية والإقليمية على الأردن بسبب عبور المخدرات من خلالها وضرورة الابتعاد عن سوريا، خصوصا من قبل دول مثل الولايات المتحدة والسعودية، فضلا عن رغبة في إظهار موقف مستقل وموضوعي من قبل الأردن، دون التورط في صراعات إقليمية أو دولية، والحفاظ على مصالحه وأمنه.

أبرز الملفات الرئيسية التي أثّرت على العلاقات بين الأردن وسوريا، هي ملف تهريب المخدرات عبر الحدود المشتركة، والذي يشكل تهديدا للأمن والصحة في المجتمعات المحلية، والذي اتهمت به عصابات سورية متورطة في إنتاج وترويج “الكبتاغون”، وهو نوع من المخدرات المحظورة. وهذا الملف تصدّر عناوين الصحف الأردنية مؤخرا، حيث انتقدت بشدة الحكومة السورية لعدم اتخاذ إجراءات فعالة لمنع هذه الظاهرة، وحيث أشارت إلى أن الغارات الجوية التي نفذها الجيش الأردني كانت ردا على تقاعس دمشق.

أيضا ملف الإغاثة واللاجئين، والذي يتعلق بالجهود التي يبذلها الأردن لمساعدة المتضررين من الأزمة السورية، سواء داخل سوريا أو خارجها، والذي يشكل عبئا كبيرا على الموارد والبنية التحتية للمملكة. وهذا الملف تم تسليط الضوء عليه في بعض التقارير الصحفية الأردنية، التي أشادت بالدور الإنساني للأردن في دعم حلول سياسية شاملة لإنهاء الصراع في سوريا، والتي انتقدت بشدة الحكومة السورية لعدم التزامها بالاتفاقات والمبادئ التي طُرحت في اجتماعات عمّان من أجل عودة اللاجئين.

الأسد لم يلتزم؟

صحيفة “الشرق الأوسط”، نقلت الاثنين الفائت عن مصدر دبلوماسي، أن دمشق لم تبدِ أي تجاوب حيال مطالبة اللجنة الوزارية العربية بوجوب التقيُّد بجدول زمني لإعادة اللاجئين السوريين من البلدان العربية التي لجؤوا إليها، والتعهد بوقف تصدير “الكبتاغون”، والسّير قدما إلى الأمام بالحل السياسي، استجابة للقرارات الدولية في هذا الخصوص، انطلاقا من التوافق على الخطوط السياسية العريضة ذات الصلة بالإعداد للدخول في المرحلة الانتقالية.

طبقا لحديث أحمد، فإن عودة المناداة بتطبيق القرار “2245” من داخل سوريا من خلال الاحتجاجات التي حدثت ولا تزال مستمرة في السويداء ودرعا وحلب وجبلة وريف دمشق، يبرر هذا التصعيد الإعلامي بين الأردن وسوريا وقد يؤثر سلبا على المستقبل المشترك بين البلدين، إذ قد يزيد من التوترات والخلافات في مجالات حساسة، ويقوّض الثقة والتفاهم بين الجانبين. 

كما قد يعرقل الفرص للتعاون في مشاريع مشتركة تخدم المصالح المشتركة، مثل مشروع الربط الكهربائي بين الأردن ولبنان وسوريا، أو مشروع إعادة إعمار سوريا. وفي حال استمر هذا التصعيد، فقد يؤدي إلى تدهور العلاقات السياسية والدبلوماسية بين سوريا ومحيطها العربي وليس فقط الأردن، وإلى احتمال حدوث حوادث عسكرية أو أمنية على الحدود المشتركة.

وفقا لتصورات أحمد، فإن المنطقة تشهد تحولات سياسية واستراتيجية تؤثر على تطور العلاقات بين الأردن وسوريا، عبر تغير في سياسة الولايات المتحدة تجاه سوريا، حيث أعلنت إدارة بايدن عن استمرار فرض العقوبات على الحكومة السورية، وعن دعمها للحل السياسي بموجب قرار مجلس الأمن “2254”، وعن تجديد رفضها لإعادة سوريا إلى “الجامعة” العربية. 

أيضا تغير في الموقف الروسي من دمشق في آخر جلسة لمجلس الأمن بخصوص سوريا، حيث بدأت روسيا تبدي استعدادها للتفاوض مع المعارضة السورية، وتطالب بإجراء انتخابات رئاسية شفافة وشاملة، وتحثّ على تشكيل حكومة ائتلافية. وهذا الموقف يشير إلى تقليل روسيا من دعمها للحكومة السورية، وإلى فتح باب للحوار مع أطراف أخرى.

يبدو أن هذا التغيير في الخطاب يمثل تحدٍّ جديدٍ للأردن، وأنه يفرض عليه مراجعة استراتيجيته الخارجية تجاه سوريا وربما المنطقة بأكملها. وإذا كان هذا التغيير هو نتيجة لتحولات داخلية أم لتغيرات إقليمية، فإنه بالتأكيد سيؤثر على المشهد الإقليمي والعلاقات بين الدول العربية؛ لأن هذا التطور المفاجئ في العلاقات بين الأردن وسوريا، هو نقطة تحول هامة وليست مجرد تغييرات في النبرة الدبلوماسية، بل هي مؤشر على تحولات أكبر تؤثر على توازن القوى في المنطقة، ودمشق لا تكترث لها.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات