في إقليم كاتالونيا في إسبانيا، أُطلق برنامج لإعادة توطين لاجئين سوريين تحت مسمى “عملية 500″، لأنه يشمل قرى الإقليم التي يقل عدد سكانها عن 500 نسمة، والذي تتم إدارته بشكل مشترك من قِبل وكالة “التوظيف الإقليمية”، ولجنة المساواة، ورابطة القرى الصغيرة.

البرنامج الذي يستمر لمدة عام واحد، يوفر للمشاركين من اللاجئين منزلا وراتبا قدره 19434 يورو، أي نحو 20 ألف دولار يتم دفعه من قِبل السلطات المحلية التي تنظّم العمل للاجئين أيضا، ويُعد هذا البرنامج مفتوحا للاجئين وطالبي اللجوء والمهاجرين المقيمين بشكل قانوني.

برنامج كهذا يطرح تساؤلات حول مدى قدرة السوريين على الاندماج في القرى الكاتالونية، ومستقبل اللاجئين السوريين بعد مرور نحو 10 سنوات على أزمة اللجوء.

محاولات لخلق نسيج اجتماعي

في تقرير حول برنامج إعادة توطين اللاجئين السوريين في القرى الكاتالونية نشرته صحيفة “الغارديان” البريطانية، يوم أمس الأحد، نقلت الصحيفة عن أوريول لوبيز بلانا، الميسّر في جمعية القرى الصغيرة، التي تساعد المشاركين على الاندماج وتعلم اللغة والاستقلال أنه،” حتى الآن كان نظام التعامل مع اللاجئين مركزيا للغاية ويركز على المدن الكبرى”.

لاجئون سوريون في إسبانيا “وكالات”

الصحيفة أضافت، أن البرنامج يهدف إلى دمج الأشخاص في القرى التي توجد بها شبكة اجتماعية، وبعد ذلك إذا أرادوا الانتقال إلى المدينة يمكنهم ذلك، حيث تسعى جمعيات هذه القرى إلى خلق نسيج اجتماعي وإدارة برامج إرشادية ومجتمعية في كل من مجالات العمل والمجالات الاجتماعية.

مراد عبد الرحمن، المحامي وخبير اللجوء المقيم في إيطاليا، يوضح خلال حديثه لـ”الحل نت”، أن هذا النوع من البرامج موجود في إيطاليا وإسبانيا، لافتا إلى أن هذه البرامج تشجع الناس من جميع دول العالم وخاصة اللاجئين على القدوم والعيش في القرى الصغيرة مقابل امتيازات جيدة، بسبب وجود كبار السن في هذه القرى وهجرة الفئات الشابة للمدن الكبرى، وهذا هو الهدف الأساسي من البرامج.

عبد الرحمن يبيّن أن هذه البرامج كانت تتم سابقا عن طريق “مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين” بشكل خاص، ولكن في الآونة الأخيرة ونظرا لأن معظم حالات الهجرة إلى الدول الأوروبية باتت غير شرعية أي ليست عن طريق الأمم المتحدة، فقد أخذت مجالس المدن وجمعيات القرى على عاتقها إحداث مثل هذه البرامج بتمويل ذاتي في محاولة لإعادة إحياء هذه القرى التي تكاد تخلو من سكانها.

إقرأ:اللاجئين في السويد في مرمى اليمين المتطرف؟

أما حول قدرة اندماج السوريين مع الناس في القرى التي توجد بها شبكات اجتماعية، يشير عبد الرحمن إلى أن السوريين أثبتوا قدرتهم على الاندماج في مثل هذه الأماكن والظروف بشكل جيد، كما نجحوا في مجال الأعمال المختلفة وخاصة المطاعم، وأثبت الأطفال السوريون وعائلاتهم القدرة على الاندماج في جميع الفعاليات المجتمعية والمدرسية كما أثبت الأطفال السوريون تفوقهم دراسيا حتى على أبناء البلد في مجال التعليم.

التحديات بين الواقع الحالي والمستقبل

الصحيفة البريطانية، نقلت عن أحد اللاجئين السوريين الذين وصلوا إلى قرية تيرفيا، وهي قرية نائية على قمة جبل يسكنها نحو 130 شخص بالقرب من الحدود الفرنسية، أنه سعيد بوجوده في هذه القرية وأنه يحاول تعلم اللغة الكاتالونية، مبديا رغبته بإلحاق أسرته به والبقاء في القرية.

عبد الرحمن، يوضح أن هناك تحديات عديدة يواجهها السوريون في دول كإسبانيا وإيطاليا وعلى رأسها تعلم اللغة، خاصة أن هذه الدول لا يتكلم سكانها الإنكليزية، يضاف إلى ذلك تعلم قوانين البلد، أما ما تبقى من عوائق فتعتبر بسيطة ويمكن تجاوزها بسهولة، وهي لا تتجاوز عادة بعض الأمور الإدارية.

أما من ناحية فرص العمل فهي كثير حسب عبد الرحمن، خاصة في مجال الأعمال والمطاعم، وحتى في الوظائف الموجودة في البلديات وغيرها، ولكن يجب تجاوز مرحلة معينة من تعلم اللغة حتى يتمكن اللاجئ العمل بها، خاصة أن البرنامج يغطي مصاريف اللاجئين لعام واحد فقط يجب بعدها أن يعتمد على نفسه.

من جهة أخرى، يرى عبد الرحمن أنه مع مرور السنوات على اللاجئين يصبح اندماجهم أكبر في المجتمعات المستضيفة لهم، على الرغم من وجود رغبة بالعودة إلى سوريا والتي لا تزال مستحيلة بالنسبة للكثير من اللاجئين بسبب الأوضاع التي لم تستقر حتى الآن.

اللاجئون السوريون بين الاندماج والعودة

العديد من الدراسات التي جرت حول اللجوء السوري في أوروبا، من بينها دراسات أممية حاولت استخلاص عدد من النتائج حول درجة اندماج اللاجئين، في دول الاتحاد الأوروبي بشكل عام، وكيف تبدو مؤشرات الاندماج على مستوى كل من الدول المستهدفة وما هي أبرز العوامل التي تُظهِر ارتباطا قويا إيجابيا أو سلبيا بمسار اندماج اللاجئين في المجتمعات المضيفة وتصورات اللاجئين أنفسهم حول تلك المجتمعات، وما هي درجة ارتباط اللاجئين بموطنهم.

سوريون خلال رحلة اللجوء نحو أوروبا “وكالات”

الدراسات خلصت إلى النتائج التالية، العمر ومدة الإقامة من أهم العوامل في اندماج اللاجئين، كذلك منطقة الإقامة في سوريا، فالقادمين من مناطق ساخنة أقل قدرة على الاندماج نتيجة التأثيرات النفسية التي خلّفها قصف القوات العسكرية والانتهاكات بشكل عام مقارنة بالأشخاص القادمين من مناطق لا تشهد عمليات عسكرية.

لجائحة “كورونا” دور كبير في عدم قدرة الكثير من اللاجئين الجدد على الاندماج وخلق أجواء اجتماعية أو العمل مقارنة باللاجئين القدامى، أيضا تبيّن أن ألمانيا تحتل المرتبة الأولى بين الدول الأوروبية في معدلات للاندماج، ثم هولندا بنتائج قريبة جدا لسابقتها. في الدرجة الثالثة جاءت فرنسا، والتي أظهرت مؤشرا أقل ارتفاعا فيما يتعلق باللغة والعمل إلا أن المستجيبين أبدوا درجة مرتفعة من الاستعداد والرغبة في الاندماج. فيما بدت نتائج السويد أكثر انخفاضا وأقل اتساقا وعكست مؤشرات مقلقة خاصة فيما يتعلق بجوانب التواصل الاجتماعي والعلاقة بين اللاجئين والمجتمع المضيف.

أيضا فإن غالبية اللاجئين السوريِين مازال لديهم ارتباط قوي مع موطنهم، تجسد في رغبة ثلثي السوريين في زيارة سوريا في حال سنحت لهم الفرصة، بالمقابل رفض ثلثا العودة للاستقرار في سوريا بشكل دائم، كما أن قرار عودة اللاجئين يرتبط بشكل مباشر بتغيير سياسي في البلاد يؤدي لتغيير أجزاء من السلطة، وهو الشرط الأساسي للعودة لدى غالبية من يودون العودة.

نحو 10 سنوات مرت على أزمة اللجوء السوري، والتي لا تزال مستمرة حتى الآن سواء من خلال الهجرة غير الشرعية عبر طرق مختلفة من البحر أو السفر إلى دول مجاورة للاتحاد الأوروبي كروسيا وبيلاروسيا، أو من خلال استمرار التوطين وإن كان بشكل محدود عن طريق “مفوضية شؤون اللاجئين”، يحاول السوريون من خلالها إيجاد حياة جديدة شبيهة بمن سبقهم من اللاجئين خاصة من خرجوا في عامي 2015 و2016، وتمكن معظمهم من الاندماج في مجتمعات اللجوء والعمل على خلق واقع مغاير لحياتهم.

قد يهمك:بلغاريا تنوي إيواء اللاجئين السوريين في “حاويات”!

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.