زيارة أثارت القلق لدى دول الاتحاد الأوروبي، قام بها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى بيلاروسيا، خصوصا وأن الأخيرة تدعمه في غزو موسكو لكييف، فهل هي بداية لحلقة جديدة من مسلسل التهديدات الروسية المتكررة لأوكرانيا وأوروبا.

الزيارة التي تُعد الأولى منذ 3 أعوام، تزامن معها في نفس التوقيت قصف عنيف للعاصمة الأوكرانية كييف من خلال المسيّرات، في هجوم وُصف بالأعنف عبر الطائرات بدون طيار الروسية. فهل تحمل الزيارة رسائل واتفاقات تحدد ملامح الجبهة الشرقية.

أوروبا أعربت عن قلقها من نتائج تلك الزيارة، إذ قال المتحدث باسم الحكومة الفيدرالية الألمانية شتيفن هيبيستريت، إن برلين قلقة بشأن زيارة بوتين إلى مينسك؛ “لأن ذلك قد يغيّر دور بيلاروسيا في الحرب بأوكرانيا“.

السلطات الأوكرانية هي الأخرى أعلنت، أنها تخشى ضربات روسية على كييف من الأراضي البيلاروسية خلال الأشهر الأولى من 2023، في سيناريو قد يشبه ما حدث في 24 شباط/فبراير الماضي، وهو تاريخ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا.

وفق تقرير لصحيفة “برافدا” الروسية، فإن الهدف من زيارة بوتين إلى بيلاروسيا هو التعرف على مدى استعداد وحدات القوات المسلحة الروسية المتمركزة هناك، مما يوحي ببدء العد التنازلي لانطلاق الحملة الشتوية في أوكرانيا.

أهداف زيارة بوتين إلى بلاروسيا

التقرير الذي اعتمد على مصادر إعلامية غربية وروسية، أورد أن “الزيارة تأتي لإقناع العدو بقدرة روسيا على مهاجمة أوكرانيا من بيلاروسيا، ومن ثم إجباره على سحب عدد كبير من قواته نحو الشمال، لتخفيف الضغط على القوات الروسية المتمركزة في شرق وجنوب أوكرانيا“.

في المقابل رأت بعض التقديرات أن نية بوتين واضحة، وهي الضغط على مينسك لأجل المشاركة معه في الغزو الحالي لأوكرانيا، ولكن ليس بشنّ هجمات، بل لغايات لوجستية.

من كل ما سبق، يبدو أن زيارة بوتين جاءت للتنسيق مع لوكاشينكو باستخدام بعض وحدات بيلاروسيا في حربه وغزوه لكييف في الجبهة الشرقية، تمهيدا لإطلاق العد التنازلي لشن حملة الشتاء في أوكرانيا من قِبل موسكو.

اقرأ/ي أيضا: من “صفر كوفيد” إلى بلا خطة.. ماذا عن مستقبل الرئيس الصيني؟

وفي هذا الشأن يقول المحلل السياسي علاء مصطفى لـ“الحل نت“، إن مجريات الحرب الروسية ضد أوكرانيا والتي سارت على نحو مفاجئ لتوقعات الرئيس الروسي بوتين، وتقديرات الجيش، وما نتج عن ذلك من انسحابات من بعض الجبهات، وانكسارات أخرى ربما لن تكون محفّزة للنظام الروسي للخوض في معركة جديدة، أو فتح جبهة جديدة بقدر ما يسعى للحفاظ على مَوَاطِنه التي تمكن من السيطرة عليها.

لكن في حال استمرار استفزاز النظام الروسي، ومحاولات الجيش الأوكراني التقدم أكثر باتجاه المناطق الاستراتيجية لروسيا، أوضح مصطفى أن ذلك قد يقود إلى هجوم جديد واسع النظاق مع بداية العام الجديد ضد الأراضي الأوكرانية، حيث سيشمل هذه المرة العاصمة كييف.

تلك التحذيرات استندت بشكل كبير على تحركات الرئيس الروسي، بيد أن مصطفى يعتقد أن تمهيدات بوتين لن تتجاوز حد إيصال الرسائل لكييف والغرب الذي يدعمها، لكن ذلك قد لا يتجاوز المرحلة الحالية التي تتضح فيها أن مرحلة الحرب في هدوء، خصوصا مع رهان بوتين على الشتاء وأزمة الطاقة، لذا إمكانية فتح جبهة جديدة قد يكون أمرا مستبعدا لكن يبقى قائما في ذات الوقت، وهو ما يحتّم على الرئيس الأوكراني والدول الداعمة له استغلالها في دفع المشهد إلى الحوار.

هل تضطر روسيا للسلام؟

المحلل السياسي لفت إلى أن الوضع الحالي وفقا للمعطيات الدولية والميدانية، يمكن وصفه بالمناسب لكلا طرفي الحرب، إذ أن كييف تمكّنت من استعادة جزء كبير من مناطقها في وقت حافظ فيه الجيش الروسي على أهداف النظام الاستراتيجية، ومع هذه المعطيات وأخد تبعات المعارك على الجانبين في عين الاعتبار سيكون خيار السلام حاضرا إذا ما فكرت روسيا وأوكرانيا بمنطق وواقعية.

كما تابع مصطفى، أن الجميع حول العالم يرغب في إيقاف عجلة الحرب بما فيها روسيا، وذلك لما تسببت به من تداعيات على الصعيد الاقتصادي الذي انعكس على مجالات التقدم العسكري والتكنولوجي الذي ترغب موسكو في إحرازه، لكن ذلك غير ممكن من دون موازنات مالية يمكنها تحمل تكاليف هذه المشاريع.

بالتالي ستكون روسيا مرحّبة في خيار سلمي يراعي مصالحها، لأنها تعي جيدا أن تأخر مثل هذه المشاريع يعني تأخر تقدمها أمام منافسيها، وهو ما لا ترغب فيه. مشيرا إلى أن موسكو قد تكون الأكبر ضررا في حال استمرار الحرب، مع العقوبات الدولية.

في آخر تطورات الغزو الروسي لأوكرانيا، كشفت السلطات الأوكرانية، أمس الثلاثاء، عن “خسائر ودمار” لا يمكن تعويضهما بعد 300 يوم من القصف الروسي المتواصل على البلاد، حيث أطلقت روسيا 4700 صاروخا على أوكرانيا، ما تسبب في نشوب 16 ألف حريقا، وكان 97 بالمئة من الأهداف التي استهدفتها موسكو هي مؤسسات “مَدَنية“، وفقا لـ“وزارة الخارجية الأوكرانية“.

اقرأ/ي أيضا: تحالف الصين وباكستان ضد الهند.. فخ للإيقاع بإسلام أباد على غرار كولوبو؟

القصف الروسي تسبب في تدمير 1132 قطعة أثرية ثقافية، وتدمير 2556 مؤسسة تعليمية، وهناك 114 مرفقا صحيا تم تدميره أو إتلافه نتيجة القصف، وسجلت السلطات الأوكرانية 54.898 جريمة “حرب وعدوان“، كذلك تسببت الضربات، التي تقول أوكرانيا إنها تستهدف المدنيين بشكل واضح، في قطع إمدادات الكهرباء والمياه بصورة متكررة في الأراضي الأوكرانية وسط درجات حرارة متجمدة.

“البنك الدولي”، يقدر أن ما يعادل 5.5 بالمئة من المرافق الصحية في أوكرانيا دمّرت أو تضرّرت منذ بداية الغزو الروسي لأوكرانيا.

في حين تضررت قدرة روسيا على تصنيع أسلحة دقيقة متطورة بسبب ضوابط التصدير، التي تحدّ من وصول روسيا إلى التكنولوجيا المتقدمة، كما تسببت العقوبات الغربية أيضا في نقص التقنيات الأقل تعقيدا. على سبيل المثال، تعاني روسيا من نقص في المحامل، مما قوض إنتاج وإصلاح الدبابات والطائرات والغواصات والأنظمة العسكرية الأخرى.

أضرار الغزو الروسي

فيما بلغت خسائر القوات الروسية حتى تاريخ شهر تشرين الأول/أكتوبر الماضي، أكثر من 63 ألف و800 جندي روسي منذ بداية الغزو، فيما تم إسقاط 268 طائرة حربية و240 مروحية و1182 طائرة مسيّرة وتدمير 2511 دبابة و16 سفينة حربية و5167 مركبة عسكرية و1556 مدفع و357 راجمة صواريخ و183 نظام دفاع جوي، بالإضافة إلى تدمير معدات أخرى وإسقاط 316 صاروخ كروز.

في إطار ذلك، بيّن تقرير استخباراتي أميركي، أن روسيا تعاني من نقص في الإمدادات الحيوية لمحركات الديزل والمروحيات وأجزاء محركات الطائرات ودباباتها المدرعة، كما واجهت موسكو مشكلة في الوفاء بمبيعاتها للجيوش الأجنبية.

نتيجة لذلك، لجأت روسيا إلى دول مثل إيران وكوريا الشمالية، اللتين تعملان إلى حدّ كبير خارج النظام الاقتصادي الدولي، وتخضعان أيضا لعقوبات غربية من أجل الإمدادات، وفرضت الولايات المتحدة منذ ذلك الحين عقوبات على الشركات الإيرانية المتورطة في صنع ونقل الطائرات المسيّرة التي اشترتها روسيا لاستخدامها في أوكرانيا.

منذ بداية الحرب في أوكرانيا ركزت الولايات المتحدة جهودها على جبهتين، هما إمداد أوكرانيا بمساعدات عسكرية كبيرة، وإلحاق الضرر الاقتصادي بروسيا من خلال العقوبات الواسعة وفرض ضوابط على التصدير.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة