بعد وصول معدل التضخم السنوي في تركيا إلى 85,51 بالمئة في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، في أعلى مستوى له منذ العام 1997، وفق البيانات الرسمية، الأمر الذي انعكس بشكل مباشر على حياة المواطنين، وارتفاع الضغوط المعيشية للموظفين والعمال؛ اضطرت تركيا لمراعاة ذلك من خلال زيادة الأجور للمرة الثالثة هذا العام، في خطوة للدفاع عن سياسيات رئيس البلاد رجب طيب أردوغان بمواجهة أزمة التكاليف المرتفعة، الأمر الذي أثار السؤال حول إذا ما كان ذلك سيحدث فجوة أعمق في التوازنات المالية، أم ينقذ الوضع المتأزم.

زيادة الحد الأدنى للأجور مجددا للآلاف من موظفي القطاع العام والمتقاعدين في بند الأجور بالميزانية الجديدة، التي يبدو أنها ستكون تحت ضغوط مالية شديدة بسبب تلك الزيادة، جاءت نتيجة للرضوخ إلى الحقائق الواقعية، حيث أعلنت الرئاسة التركية يوم الخميس، رفع آخر حد للأجور الشهرية إلى 8506.6 ليرة، ما يعادل 455 دولارا في عام 2023، وبزيادة وصلت إلى 55 بالمئة عن المستوى الذي تم تحديده في تموز/يوليو الماضي، وبنسبة 100 بالمئة عن أول زيادة تمت في كانون الثاني/يناير الماضي.

الرئيس التركي وصف في مؤتمر صحفي عقَده بالقصر الرئاسي وغاب عنه ممثلو “نقابة العمال” الزيادة بأنها تراعي حاجات العمال وأصحاب العمل بشكل متوازن بما يناسب بلاده اقتصاديا واجتماعيا، قائلا إن اتحادات أصحاب العمل والعمال لم تتمكن من التوصل إلى اتفاق، وأن الحكومة تدخلت لتحديد نسبة الزيادة.

أرقام التكاليف

وسط ذلك، كانت أسعار المواد الاستهلاكية والغذائية وفواتير الخدمات تواصل ارتفاعها في السوق التركية، مستهدفة المواطنين والمقيمين على السواء، حيث كشف “معهد الإحصاء التركي” في تقرير نشر مطلع الشهر الماضي، أن الأسعار ارتفعت بنسبة وصلت إلى 85.51 بالمئة في تشرين الأول/أكتوبر على أساس سنوي، و3.54 بالمئة عما كانت عليه في الشهر السابق، في حين تشير الأرقام الرسمية إلى أن معدل ارتفاع سعر السلع الاستهلاكية كان قد سجل 83.45 بالمئة في أيلول/سبتمبر الماضي، متأثرة بجملة من العوامل الداخلية والخارجية.

اقرأ/ي أيضا: الأردن يتوسط لإنهاء أزمة الجزائر مع إسبانيا والمغرب.. ما فرص نجاحه؟

أثناء ذلك، وبينما يحاول أردوغان الدفاع عن سياساته وإيجاد حل لأزمة الأسعار، قدّر خبراء أن التضخم أعلى بكثير من الأرقام الرسمية، حيث خمّنت “مجموعة أبحاث التضخم المستقلة” المعدل السنوي عند 185 بالمئة، وفق ما نقلته وكالة الصحافة العالمية “أسوشييتد برس“، ومع ذلك ذكر أردوغان أن متوسط الزيادة السنوية للأجور بلغ هذا العام 74.43 بالمئة، فيما قد يرتفع الحد الأدنى للأجور مرة أخرى إذا لزم الأمر، كما توقع تباطؤ التضخم إلى نحو 30 بالمئة خلال النصف الأول من 2023، وهو ما أثار العديد من التساؤلات حول تفسير ذلك.

في هذا الشأن يقول الخبير الاقتصادي نبيل جبار العلي، إن القضية تتعلق بحجم التضخم الذي تعاني منه الدولة ومستوياته المرتفعة، بالتالي هي تحاول إيجاد حل لتقليل التكاليف عن المواطنين بغية عدم التأثير بذلك وانعكاسه على مستوى النظام، لافتا في الوقت ذاته إلى أن تلك الآلية ستكون فعّالة عندما يتم اعتمادها على مستوى أجور العمال الذين يُعتبرون الأكثر ضررا في ارتفاع معدلات التضخم والأسعار، غير إنها عندما تعمم على مستوى موظفي الدولة ستسبب عبئا على كاهل الدولة والاقتصاد الوطني.

العلي شرح في حديث لموقع “الحل نت“، التداعيات المحتملة نتيجة رفع الحد الأدنى لأجور الموظفين والعمال في تركيا، قائلا إن هذه الآلية عندما تُعتمد وعلى الرغم من إنها تساعد أصحاب الدخل المحدود في مواكبة التضخم الذي تعاني منه الدولة، غير إنها قد تسبب زيادة في الإنفاق بالتالي ما سيؤدي إلى زيادة التضخم مجددا نتيجة لارتفاع التكاليف الخاصة بالعمالة.

ما علاقة الانتخابات بقيمة الأجور؟

عن توقيت الرفع للمرة الثالثة في غضون أقل من عام، يرى العلي بأن له علاقة باقتراب الانتخابات الرئاسية التي يستعد الرئيس التركي لخوضها في حزيران/يونيو المقبل، مؤكدا أن جميع الإجراءات لها علاقة بالانتخابات على اعتبار الناخب سيذهب عند التصويت إلى قياس قيمة الأجور، بالتالي من الممكن إعانة الطبقات العاملة وأصحاب الدخل المحدود لتحفيزهم في التصويت، خصوصا وأنهم دائما ما يمثلون الشريحة الأوسع في المجتمع، لذلك لابد من مجاملتهم ومناغمتهم في القرارات بهدف كسب الأصوات الانتخابية.

مع ذلك، بيّن المختص في الشأن الاقتصادي أن قرارات رفع الأجور عادة ما تمثل خطوات مهمة للحفاظ على حقوق العمال في الاقتصادات التي تعاني من أزمات مثل التضخم الذي يضرب تركيا، لذلك لها دور كبير في دعم العمال خصوصا مع تمسك أرباب العمل بالأجور السابقة، مشيرا إلى أن الموضوع عندما يتوسع ليشمل طبقات أخرى سيكون له تداعيات سلبية

اقرأ/ي أيضا: حراك عُماني لمنع تجدد التوتر باليمن.. حفاظ على الهدنة “غير المعلنة“؟

ومع الانهيار الكبير لسعر صرف الليرة، توقعت مراكز اقتصادية مختصة أن يتواصل ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية الأساسية والمواد الغذائية مع انتقال تأثير تراجع العملة أمام الدولار الأميركي إلى جميع المواد الأولية وعناصر الإنتاج والأجور، ورغم أن المالية العامة للبلد تبدو قوية مقارنة بنظيراتها في الأسواق الناشئة، ما يترك مجالا للحكومة لتقديم المساعدات وزيادة الإنفاق، إلا أن الخطوة الأخيرة قد لا تأتي بنتائج إيجابية عاجلة في ظل السياسات النقدية التي يريد فرضها الرئيس التركي.

فيما تشير تقديرات إلى أنه لا يمكن الرهان على السياسات العلاجية التي تتخذها تركيا، طالما هناك ارتفاعا بالتضخم، وهو ما يثير المخاوف من أن يواجه الاقتصاد رياحا معاكسة خلال العام المقبل، في ظل الآفاق الضبابية التي تخيم على الاقتصاد العالمي بسبب استمرار انعكاسات الحرب الروسية الأوكرانية، بالتالي قد لا يمكن حصر التداعيات للأزمة الاقتصادية التركية على نحو دقيق رغم المؤشرات التي تصدرها الجهات الرسمية بين الفينة والأخرى لأنها من المرجّح أن تواصل الاتساع، وقد تمتد إلى جميع القطاعات.

إحصاءات

يُشار إلى أنه وفقا للمعلومات الرسمية من وزارة العمل والضمان الاجتماعي التركية، فإن الحد الأدنى للأجور قبل الضريبة خلال هذا العام، كان بحدود خمسة آلاف ليرة أي ما يعادل 355 دولارا، وبعد التخفيضات الضريبية، بات ما يتبقى للموظف 4253.4 ليرة أي 285 دولارا، أما بالنسبة إلى العمال المتزوجين الذين لديهم ثلاثة أطفال، فقد ارتفع الحد الأدنى للأجور بعد خصم الضرائب إلى 4937.6 ليرة أي 335 دولارا، مع حوافز سنوية تبلغ 730 دولارا.

ومقارنة بالعام الماضي، ارتفع الحد الأدنى للأجور بمقدار 1426.5 ليرة من 3577.5 ليرة، وعلى مدى السنوات الخمس الماضية، كان العمال الأتراك يكسبون 3226.5 ليرة أخرى، أي أن معدل الحد الأدنى للأجور قد تضاعف، وتظهر بيانات وزارة العمل أن الحد الأدنى للأجور اليومية هذا العام بلغ قرابة 165 ليرة أي 11 دولارا.

وسط ذلك، بلغ متوسط الأجر هذا العام 10 آلاف ليرة شهريا ما يعادل 675 دولارا بسعر الصرف الحالي، بحسب وكالات الإحصاء ووكالات التوظيف التركية، وبناء على ذلك وبعد خصم الضرائب، يبلغ صافي دخل الأجير 525 دولارا، وهذه الأرقام ذات صلة بالمناطق الحضرية الكبيرة مثل إسطنبول وأنقرة، فيما تؤكد المعلومات الرسمية لـ “معهد الإحصاء” أن النساء يكسبن في المتوسط 46.2 ألف ليرة سنويا، بينما يبلغ دخل الرجال في المتوسط 50.2 ألف ليرة، ولكن هذه المداخيل بالكاد تكفي خاصة مع استمرار نسبة التضخم فوق الـ 80 بالمئة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.