على خلفية الخلافات بين الجزائر والمغرب وإسبانيا والتي اشتعلت منذ العام الماضي، بعد اتهام الجزائر للرباط بممارسة “أعمال عدائية” ضدها، وتطور الخلاف ليشمل مدريد من خلال قرار الرئيس الجزائري عبد المجيد التبون، بوقف أنبوب نقل الغاز الجزائري عبر الأراضي المغربية إلى إسبانيا، بهدف قطع إمدادات الغاز التي تحصل عليها الرباط وتستخدمها في توليد الطاقة الكهربائية، كجزء من الصادرات التي تمرّ عبر هذا الأنبوب، يقود العاهل الأردني وساطة بين الدول الثلاثة أملا في إنهاء التوتر بينها، وإعادة تفعيل ضخ الغاز.

حيث يسعى الملك عبدالله الثاني، من خلال وساطة بين المغرب والجزائر وبين الجزائر وإسبانيا، إلى إعادة ضخ الغاز الجزائري المتوقف منذ نحو سنة، إذ يجري التحضير لعقد لقاءات سرية في سويسرا بين مسؤولين من البلدان الثلاثة خلال الأيام المقبلة.

في ذات إطار القضية، أجرى العاهل الأردني زيارة إلى الجزائر مطلع كانون الأول/ديسمبر الجاري، ضمن جولة قادته إلى عواصم أوروبية وعربية حيث فتحت الزيارة الباب أمام تكهنات عدة، منها مدى جدوى هذه الوساطة في إنهاء التوتر بين تلك الأطراف، بخاصة مع لقاء الملك عبد الله، الرئيس تبون في قمة المناخ التي احتضنتها مصر في الربع الأول من الشهر الماضي.

على ماذا تعتمد المبادرة الأردنية؟

تقارير إسبانية تحدثت يوم أمس الأربعاء، عن جدية الوساطة التي يقودها الأردن لإذابة الجليد بين العواصم الثلاث، إذ يبدو أن العاهل الأردني تلقى إشارات إيجابية من أجل إعادة تشغيل الأنبوب المغاربي، وأكدت صحيفة “لابانغوارديا” الإسبانية، نقلا عن مصدر جزائري؛ إمكانية حدوث ذلك قريبا ما سيكون خطوة لتطبيع العلاقات التجارية مع إسبانيا.

اقرأ/ي أيضا: من “صفر كوفيد” إلى بلا خطة.. ماذا عن مستقبل الرئيس الصيني؟

تأكيدا على ذلك، قالت الصحيفة إن الملك الأردني توصل خلال لقائه الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، إلى اتفاق مبدئي بإعادة فتح خط أنابيب الغاز المغاربي الأوروبي المغلق منذ 31 تشرين الأول/أكتوبر 2021، وذلك في أقرب وقت ممكن، وهي الخطوة التي يمكنها خفض التوتر القائم في المنطقة سواء بين الجزائر وإسبانيا أو بين الجزائر والمغرب، على اعتبار المنشأة الغازية توفر حلولا مريحة للبلدين، وتعزز العلاقات الدبلوماسية لاستمرار العمل.

علاوة على ذلك، تأتي محاولات الملك الأردني في إقناع الجانب الجزائري لغاية إعادة إطلاق الحوار مع الجار المغربي من أجل إنهاء حرب دبلوماسية وسياسية تقلق بشدة كل الفاعلين في المنطقة.

فخلافا لكل المبادرات العربية السابقة التي لم تنجح في التوصل إلى حل بين الطرفين، قدّم الملك عبد الله في مبادرته خارطة طريق واضحة تتكشف عبر عدة مراحل، مقدما في ذلك الجانب الاقتصادي لبناء علاقات استراتيجية طويلة الأمد بين الجزائر والمغرب.

وسط ذلك، أوصح الصحفي والمهتم في الشأن السياسي فقار الموسوي، خلال حديثه لـ”الحل نت”، أن الحديث عن عودة العلاقات الدبلوماسية بين المغرب والجزائر يمكن أن تكون واردة، لكنها ستبقى ضمن أطر محددة قد لا تتعد مستوى العلاقة حول ملف الغاز، مبينا أن السبب في ذلك يعود لعمق الخلاف وحدّته الذي يرتبط بالدرجة الأولى بقضية الصحراء الغربية، ومطالبات المغرب في ضمها مقابل الرفض القاطع للجزائر.

علاقات مصالح مضمونة

الموسوي شرح أن قضية الصحراء تمثل نقطة الخلاف الأساسية بين الدول الثلاثة، خصوصا مع انحياز إسبانيا إلى جانب المغرب واعترافها بسيادة الرباط على الصحراء، لذلك ربما من غير الممكن الحديث عن قناعة جزائرية بعودة العلاقات إلى طبيعتها إذا لم يتم إيجاد حل لهذه المشكلة وهو ما يصعب تحقيقه في الوقت الحالي، لكن مبادرة العاهل الأردني جاءت بشكل ذكي وهنا النقطة الأساسية في الموضوع.

تقديم الملك عبد الله لمبادرة تعتمد على الفاعل الاقتصادي كانت خطوة في غاية الأهمية، من وجهة نظر الموسوي، الذي أشار إلى أن العالم يمرّ في مرحلة صعبة لاسيما فيما تسببت به أزمة الغزو الروسي لأوكرانيا في قضية الطاقة وارتفاع أسعار سلاسل التوريد والتصدير خصوصا الغذائية منها، حيث وصلت أسعار الغذاء إلى أعلى مستوياتها. بالتالي تحاول البلدان في ظل هذه الأوضاع الحفاظ على استقرارها قدر الإمكان، وذلك من خلال تأمين اقتصاداتها ومحاولاتها استغلال مواردها أمام الغلاء الذي يضرب في كل مكان.

عندما تتأطر المشاكل كما هو الحال بين الجزائر والمغرب وتعمم على مستوى كافة التعاملات، سواء بين الدول المتخاصمة ذاتها ومن ثم على مستوى دائرة الحلفاء كما حدث في خلاف الجزائر والرباط وانتقاله مدريد، سينتج عن ذلك أضرار كبيرة، ولربما قد يؤدي بأحد طرفي الخلاف إلى عزلة دبلوماسية في حال كان منافسه فاعلا على المستوى الدولي ويمكنه تحريك حلفائه لصالح قضاياه، بينما عندما يتم تأسيس العلاقات على الأساس الاقتصادي فهذا سيدفع جميع الأطراف إلى ترحيل خلافاتها إلى أوقات أخرى، أو إنهاءها أساسا.

اقرأ/ي أيضا: مخاوف من صراع عرقي.. بكين تدعم زيمبابوي بنظام رقابي

لذلك يعتقد الموسوي، أن مبادرة الأردن ستمثّل فرصة للجزائر للعودة إلى الاستفادة من حاجة الدول للغاز الذي تنتجه، وتسويق نفسها على أنها مصدر موثوق ويمكن الاعتماد عليه في أحلك الظروف قبل لجوء الدول صاحبة الطلب إلى بدائل أخرى، مشيرا إلى أن هذا الملف في الأساس في حال اعتماد الجزائر عليه وتنميته وصناعة مكانتها في سوق الغاز، سيؤهلها دون الحاجة إلى خوض النزاعات كدولة مؤثرة في محيطها.

فرص نجاح تقارب المغرب والجزائر

الموسوي اختتم بالقول، إن أصل القضية والخلاف لكلا الطرفين الجزائر والمغرب تُعد استراتيجية ولا يمكن المساومة عليه، كما أن الدولتين تعتبرانه تهديدا للأمن القومي، لذلك إذا ما تم الوقوف عنده من قبل أي طرف فلن يكون هناك حلا قريبا، لكن إذا ما تم التفكير بمنطقية فمن المرجّح جدا نجاح مبادرة الأردن في إعادة العلاقات بصيغة جديدة، على الأقل تحفظ أمن واستقرار المنطقة، لافتا إلى أن للضغوطات الدولية شأن في ذلك أيضا.

يُشار إلى أن أنبوب الغاز الذي يجري الحديث عنه يزود إسبانيا بعدة مليارات متر مكعب سنويا من الغاز، إضافة لكميات أخرى يقتطعها المغرب تصل إلى مليار متر مكعب سنويا، موجهة لإنتاج الكهرباء عبر محطتين تشتغلان بالغاز، وينطلق هذا الأنبوب من حقل “حاسي الرمل” الضخم جنوب الجزائر وصولا إلى جنوبي إسبانيا، مرورا بالأراضي المغربية، ويمكنه نقل كميات غاز سنوية تصل إلى 12 مليار متر مكعب.

مقابل ذلك، تشهد العلاقات الجزائرية الإسبانية توترا طيلة العام الماضي، على خلفية موقف الحكومة الإسبانية بقيادة بيدرو سانشيز، الذي أعلن دعم خطة الحكم الذاتي في الصحراء، التي طرحتها الرباط قبل سنوات.

في 18 آذار/مارس الماضي وصفت الحكومة الإسبانية، في رسالة للعاهل المغربي محمد السادس، مبادرة الرباط للحكم الذاتي في إقليم الصحراء، بـ “الأكثر جدية” للتسوية في الإقليم المتنازع عليه، وهو ما دفع الجزائر في 19 آذار/مارس، لاستدعاء سفيرها في مدريد للتشاور على خلفية الموقف الجديد لمدريد بشأن قضية الصحراء.

يُشار إلى أن العلاقات الجزائرية المغربية تشهد توترا منذ عقود، بسبب قضية الصحراء الغربية على وجه الخصوص، كما أن الحدود بين الجارتين مغلقة منذ عام 1994، وذلك بسبب مطالبة الرباط بالسيادة على الصحراء، مقابل دعم الجزائر للجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب المعروفة بـ “البوليساريو”، التي تسعى لاستقلال الصحراء الغربية التي يراها المغرب جزءا من أراضيه.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.