قُبيل عام من إجراء الانتخابات التي تستعد دولة زيمبابوي في جنوب وسط القارة الإفريقية على خوضها، تجددت المخاوف لدى بعض الزيمبابويين الذين ينتمون إلى أقلية نديبيلي العرقية، من عملية ارتكاب إبادة جماعية مدعومة من الصين بحقهم، وذلك بعد اتباع الحكومة لآلية رقابية كانت بكين قد ساهمت في تأسيسها.

بدأت القصة منذ أن بدأت حكومة زيمبابوي بجمع بصمات الأصابع والصور والعناوين وأرقام الهواتف بدعوى التحقق من أعداد الناخبين، الذين قيل إن من بينهم أعدادا كبيرة من الفضائيين، ما أثار خشية أقلية نديبيلي العرقية الذين يتركزون بالقرب من مدينة بولاوايو ثاني أكبر مدينة في زيمبابوي.

مخطط حكومة زيمبابوي للقضاء على أي عملية تزوير محتملة من خلال تتبع خصوصيات الناخبين بهذه الطريقة، زاد من قلق أبناء نديبيلي الذين سبق وتعرضوا إلى إبادة جماعية من قبل قوات الجيش، الذي قتل حوالي 20000 شخص معظمهم من نديبيلي في العام 1983، بحسب صحيفة “ذي إيكونوميست” البريطانية.

مخاوف من إبادة جماعية

ليس ذلك فحسب، بل أن المخاوف تتصاعد بشكل كبير في ظل وجود الرئيس الحالي إمرسون منانغاغو، الذي كان رئيسا للأجهزة الأمنية وقت ارتكاب المجزرة الأولى، الأمر الذي دفع بالبعض للخشية من أن جمع البيانات “هو وسيلة لإعادة تحديد هويتهم واستهدافهم، حسبما عبر رودوين سيباندا من “صندوق حقوق الاستئماني“.

اقرأ/ي أيضا: تعزيز الدفاعات اليابانية.. ما مسارات تصاعد مخاطر القارة الآسيوية؟

يأتي ذلك في الوقت الذي يعاني فيه اقتصاد زيمبابوي من تدهور كبير لدرجة أنه لا يستطيع دفع رواتب المعلمين أو الممرضات، أو توفير الغذاء لما يقرب من أربعة أعشار الناس في الريف الذين باتوا معرضين لخطر الجوع، وعلى الرغم من ذلك تحرص الحكومة بالاستثمار، إيجاد الوسائل اللازمة لبناء جهاز مراقبة صارم بمساعدة النظام “الشيوعي” الصيني.

في حين تشير بعض التقديرات، إلى أن عملية جمع بيانات المواطنين، لن تتجاوز حدود محاولات الحزب الحاكم “زانو بي إف” الذي عمد على تزوير الانتخابات على مدى العقدين الماضيين، في استخدامها لتخويف الناخبين، وفقا للصحيفة البريطانية، التي أشارت إلى أنه قبل الانتخابات في عام 2018، أجبر عناصر الحزب، الناس على تسليم بطاقات تسجيلهم الانتخابية، وأخبروهم أن هذه ستكشف عن مَن صوتوا له، فيما أحرقوا ا قبل ذلك منازل من لم يصوتوا لهم.

ومنذ عام 2013، قدمت الصين قروضا ومنحا بقيمة 239 مليون دولار للمساعدة في تطوير شبكة الاتصالات المملوكة للدولة في زيمبابوي “نيت وان“، وهو ما جعل البنية التحتية لزيمبابوي تحت التأثير الصيني، فضلا عن إمكانية استخدامها في رصد معارضي النظام، وذلك بالنظر إلى تجربة بكين مع أوغندا وزامبيا، اللتين ساعدتهما من خلال فنيي شركة “هواوي” الصينية، على التطفل على منتقدي حكومتي الدولتين.

وجهة نظر

من جهته، لا يستبعد المختص في المجال التقني يوسف الأوسي، استخدام الصين أنظمة تجسسية في زيمبابوي، وذلك بهدف الحفاظ على النظام القائم والذي تمتلك معه شراكات وعلاقات متينة، مبيّنا أن عمليات بكين في التجسس على الجهات التي تستهدفها تتنوع إلى عدة وسائل، منها اختراق البريد الإلكتروني، أو زرع برامج تجسس في أجهزة المستخدمين.

الأوسي بين في حديث لموقع “الحل نت“، أن النظام الصيني يحرص بشكل كبير على تطوير وسائل التجسس وجمع البيانات حول العالم، وجزء من تلك العملية هو بهدف جمع أكبر معلومات عن المناطق التي تكون في دائرة اهتمام الحكومة الصينية أو ضمن خطة استهدافها الاقتصادي، مؤكدا أنه في كثير من الأحيان تستخدم الوسائل الإلكترونية كعامل تمكين للتجسس البشري، بالتالي ليس من المستحيل أن تدعم نظام زيمبابوي بتلك الوسائل طالما كان لديها اهتمام في المنطقة.

اقرأ/ي أيضا: اختفاء الشباب في زنجبار الإفريقية.. مؤشر على تنامي الإرهاب؟

المختص في الشأن التقني بيّن، أن من الصعب العمل على جميع بيانات المواطنين للغرض الانتخابي، لكنه يمكن أن يخلق ذريعة لمشروع أبعد من ذلك، قد يتملك في أبعاد أمنية أو بيانية تساعد في التخطيط الاقتصادي، وحتى العسكري، لافتا إلى أن بكين مؤخرا اهتمت في إنتاج واستخدام التكنولوجيا للسيطرة على السكان ومراقبتهم.

إضافة إلى ذلك، يرى الأوسي أن تركيز الصين في دعم شبكة الاتصالات في زيمبابوي، قد يكون الهدف منه المراقبة الجماعية، والتي تتمثل في رسم خرائط الحمض النووي المتطورة، ومراقبة وسائل التواصل الاجتماعي، وتقنيات التعرف على الوجوه، وهو ما يساعد بشكل كبير في تقيد الحريات وتحيد حركة المعارضين، والكشف عن مخططاتهم مستقبليا، لافتا إلى أنه في الوقت الحالي لدى بكين أطماع اقتصادية كبيرة في القارة الإفريقية لذلك يمكن أن يكون ترسيخ وجودها في زيمبابوي خطوة أولى إلى هدف توسعي أكبر.

اتهامات لحكومة زيمبابوي بالتجسس على المواطنين

يُشار إلى جهود حكومة زيمبابوي في خلق نظام رقابي يأتي في وقت يعاني فيه الناخبين من إيجاد مراكز اقتراع قريبة، إذ أنه لا يوجد في مدينة بولاوايوثاني أكبر مدينة في زيمبابوي سوى مركزا واحدا للتسجيل، من أصل 71 مركزا فقط للتسجيل للناخبين، أو مركز واحد لكل 216،000 شخص.

في إطار ذلك، أكدت جهات رقابية إنسانية أن الحكومة تحرص على الترويج لفكرة أنها ترى كل شيء، والقدرة على رصد ماذا تحدث الناس وأين ساروا وناموا، مؤكدة على أن ذلك يعطى مثالا واضح على أن الحكومة لديها الأدوات اللازمة والقدرة على مراقبة الناس.

علاوة على ذلك، يشير “مختبر المواطن” في جامعة “تورنتو”، أن زيمبابوي استخدمت برامج التطفل على الهاتف من شركة تابعة لمجموعة “إن إس أو” وهي شركة مراقبة إسرائيلية، في حين تقول الشركة، إن برنامجها يهدف إلى استخدامه ضد الإرهابيين، وليس النشطاء.

فيما تؤكد بعض المنظمات على أن في زيمبابوي لا توجد قوانين يمكنها الحفاظ على الخصوصيات من أن تستخدم الشرطة أدوات للتجسس على المواطنين، في الوقت الذي تدعي فيه الحكومة الديمقراطية.

الجدير ذكره أنه في العام الماضي وافق البرلمان على إنشاء مركزا للتطفل في مكتب رئيس الحكومة، ويتمتع المركز بسلطة إصدار مذكرات اعتراض الاتصالات، في حين تشير دراسات إلى أن المركز صممته شركة “هواوي“.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.