في خطوة هي الأولى منذ عقود، قررت الحكومة اليابانية تعديل سياستها الدفاعية، وذلك بعد التزامها بدستور سلمي يمنعها من امتلاك جيش حقيقي، كانت قد اعتمدته في أعقاب هزيمتها في الحرب العالمية الثانية، حيث قررت زيادة كبيرة في الإنفاق الأمني، واعتبار جارتها الغربية الصين أكبر تحدٍّ استراتيجي على الإطلاق لأمن البلاد، خصوصا مع استمرار تهديدات بكين وحليفتها كوريا الشمالية العدائيتين.

إذ إنه من المتوقع رفع الحكومة اليابانية معدل إنفاقها الأمني إلى 2 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2027، وذلك في أكبر تعديل دفاعي لها، حيث تسعى إلى إعادة تشكيل قيادتها العسكرية، والحصول على صواريخ جديدة يمكنها ضرب مواقع إطلاق العدو البعيدة، نظرا إلى ما باتت تمثله صواريخ الصين وكوريا الشمالية من تهديد للأمن القومي الياباني.

استراتيجية طوكيو الجديدة، تنطلق مما تسميه أكبر تحدٍّ استراتيجي على الإطلاق من بكين في بيئة آمنة قاسية، والاستعداد لأسوأ سيناريو، تحاول اليابان تجنّبه من خلال تعزيز دفاعاتها ودرء المخاطر عن منطقة المحيطَين الهندي والهادئ، استنادا على استراتيجية الدفاع الوطني وبرنامج تعزيز الدفاع.

أسباب تحول اليابان العسكري

إضافة إلى ما تقدم، يبدو أن التوجه الياباني نحو التعزيز العسكري قائم على الهاجس الأمني الذي خلقته الصين وكوريا الشمالية حيال ذلك، إذ أنه وفي شهر آب/أغسطس الماضي، سقطت 5 صواريخ باليستية صينية في المياه القريبة من اليابان، في وقت تستمر حليفتها كوريا في إلقاء روتيني للصواريخ على الجزر، وهو ما دفع طوكيو للسعي إلى إعادة تشكيل قيادتها العسكرية والحصول على صواريخ بعيدة المدى؛ تجعل العدو يفكر مرتين قبل مهاجمة دولة مجاورة ذات سيادة، كما تقول.

في غضون ذلك، بدأ الجيش الياباني المعروف بـ “قوات الدفاع الذاتي” مناورات حربية برية وبحرية وجوية، في وقت قال فيه رئيس الوزراء فوميو كيشيدا، إن تعزيز قدرات اليابان الدفاعية بشكل أساسي يمثل التحدي الأكثر إلحاحا. الأمر الذي دفع الكثيرين للتساؤل حول تلك الاستعدادات، وإذا ما كانت تمثل خطرا حقيقيا فعلا على اليابان والمنطقة.

اقرأ/ي أيضا: لقاء ثلاثي تركي روسي سوري.. قمة “غير مشروطة” للتقارب مع دمشق؟

في هذا الشأن يقول الخبير الأمني والسياسي عقيل الطائي، إنه بعد اغتيال رئيس الوزراء الياباني السابق شينزو آبي، وفوز الحزب الحاكم في الانتخابات التي تلت الحادثة، بات يحق له التغيير في الدستور وخاصة المادة 9، التي تحظر النشاطات العسكرية اليابانية الهجومية.

بالتالي حسب الطائي، إن الحزب الحاكم لجأ إلى تغير هذه المادة لشعورهم من وجود خطر صيني، وهو ما يتيح لليابان أن تصبح ذات نشاط عسكري أكثر قوة وقدرة من السابق، وهو ما حظي بتأييد كبير من الشعب الياباني، مبيّنا أن ذلك حدث بسبب الاستعداد للتهديدات الصينية والكورية في المنطقة التي تصاعدت وتيرتها مؤخرا، ما دفع طوكيو إلى خلق قوة دفاعية متوسطة المدى.

كذلك أشار الطائي إلى أن اليابان تسعى إلى الدخول مع أحلاف في المنطقة، فضلا عن تعزيز فكرة حلف “الناتو” الآسيوي الذي يضم أميركا واليابان واستراليا والهند، انطلاقا من التهديدات الاقتصادية، والتغيرات في المنطقة، والحرب الروسية وما تسببت به من أزمة في الطاقة، إضافة إلى تغيير خارطة التحالفات الدولية، لافتا إلى أن تلك التهديدات التي تخشاها اليابان ذات أبعاد على المنطقة الآسيوية برمتها.

الخبير الأمني شرح لـ “الحل نت” طبيعة تلك التهديدات بالقول، المخاوف اليابانية تجلت منذ تصعيد الرئيس الصيني شي جين بينغ، التوترات بالمنطقة، من خلال إطلاق صواريخ باليستية على المنطقة الاقتصادية الخالصة لليابان، على إثر زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي إلى تايبيه عاصمة تايوان.

ما علاقة تايوان بتسلح اليابان؟

الطائي بيّن أيضا أن الخشية اليابانية، تنطلق من الشعور بأن أي تحرك صيني نحو تايوان، أو الاستيلاء عليها، سيكون له تأثيرا كارثيا على طوكيو، لسبب إن ذلك يعني؛ الجزر الواقعة في أقصى الطرف الجنوبي الغربي من الأرخبيل الياباني ستكون في وضع يجعلها غير قابلة للدفاع عنها، وهو ما سيمكّن يكين من تقييد طرق التجارة الحيوية لليابان، وزيادة الضغط حول الجزر المتنازع عليها مع بكين وتايبيه.

مقابل ذلك وفي سياق ذا صلة، أبدى “البيت الأبيض” موقفه بشأن السياسة الدفاعية الجديدة التي أعلنت عنها اليابان، وأكد أنه سيسمح بـ “تعزيز وتحديث” التحالف العسكري بين طوكيو وواشنطن.

 “البيت الأبيض” قال في بيان، اتخذت اليابان خطوة جريئة وتاريخية لتعزيز الدفاع عن منطقة المحيطين الهندي والهادئ من خلال اعتماد استراتيجية الأمن القومي الجديدة واستراتيجية الدفاع الوطني وبرنامج تعزيز الدفاع.

اقرأ/ي أيضا: التوجه نحو “الجيوش الخضراء”.. الدوافع والتحديات في منطقة الشرق الأوسط

كما أشار إلى أن هذه الاستراتيجية تحدد رؤية رئيس الوزراء كيشيدا والشعب الياباني، لمجتمع واسع وقوي من الشركاء والحلفاء لدعم السلام والاستقرار في المنطقة، لافتا إلى أن هدف اليابان المتمثل في زيادة الاستثمارات الدفاعية بشكل كبير سيعزز أيضا التحالف بين الولايات المتحدة واليابان ويحدثه.

 فيما هنأ “البيت الأبيض” كيشيدا وشعب اليابان على استراتيجيتهم التي وصفها بـ “التاريخية“، قائلا، إنها ستساعدنا وشركائنا على تحقيق السلام الدائم والاستقرار والازدهار.

الرأي العام الياباني يدعم هذه التغييرات التي تشكّل تبدلا كبيرا لهذا البلد، في حين تشكل هذه الخطوة بالنسبة للمهندسين في طوكيو المرحلة الأخيرة من تطبيع بطيء وتدريجي لوضع اليابان في مجالي الدفاع والأمن القومي، كما يرى نائب رئيس مكتب الدراسات “تينيو” جيمس برادي.

المخطط الياباني

تأكيدا على ذلك، كان حوالي 90 بالمئة من الجمهور الياباني قد عبّر في استطلاع أُجري في حزيران/يونيو الماضي، عن اعتقادهم بأن بلادهم يجب أن تستعد لغزو صيني لتايوان.

يُشار إلى أن اليابان تسعى إلى الحصول على صواريخ بعيدة المدى قادرة على ضرب مواقع إطلاق الصواريخ في الخارج إذا تعرضت للهجوم، وتشير وثائق حكومية إلى صواريخ “توماهوك” الأميركية العابرة للقارات التي ذكرت وكالات الأنباء اليابانية مؤخرا، أن طوكيو تريد شراء عدد قد يصل إلى 500 منها، إلى جانب صواريخ “إس إم-6” بعيدة المدى.

بالإضافة إلى ذلك، تشير وثائق قالت وكالة الأنباء العالمية “فرانس برس” إنها أطلعت عليها، وبينت أن اليابان تنوي تعزيز قدرات وحداتها لخفر السواحل وزيادة تعاونها مع جيوش وخفر سواحل دول أخرى، من دون ذكر تفاصيل إضافية.

من جانبها بكين عبّرت لطوكيو عن احتجاجها الشديد، إذ أثارت الاستراتيجية اليابانية الجديدة حتى قبل إعلانها الرسمي استياء بكين التي تتحدث باستمرار عن النزعة العسكرية اليابانية في النصف الأول من القرن العشرين.

وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية وانغ وين بين، يوم الجمعة الماضي إن اليابان تتجاهل الحقائق وتبتعد عن التفاهمات المشتركة وعن التزامها بعلاقات ثنائية جيدة، وتشوه سمعة الصين، مؤكدا معارضة بكين لذلك بشدة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة