في ظل استعصاء مسار الحل السياسي في سوريا، وفشل المسارات السابقة بما فيها مسار “اللجنة الدستورية“. تنطلق دعوات من قِبل أطراف دولية وإقليمية، لسلك مسارات جديدة من شأنها دفع مسار العملية السياسية في البلاد.

هذه المرة كانت الدعوة عبر تركيا، ما يطرح التساؤلات حول دور الرؤية التركية، في إزالة التعقيدات في وجه الحل السياسي السوري، فضلا عن ملفات أخرى كصراع النفوذ في الشمال، ودلالات هذه الدعوة ومساهمتها في عقد قمة غير مشروطة.

دعوة تركية

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، كشف الخميس الماضي عن عرض قدمه لنظيره الروسي فلاديمير بوتين، لإجراء لقاء ثلاثي يضم أردوغان وبوتين والرئيس السوري بشار الأسد.

أردوغان قال في تصريحات نقلتها وكالة “الأناضول” التركية، إنه تلقى الرّد على العرض الذي قدمه لنظيره الروسي بـ“إيجابية“، وأضاف “بهذا الشكل نكون قد بدأنا بسلسلة اللقاءات“.

وحول آلية بدء هذه اللقاءات، لفت أردوغان إلى أن الخطوة الثلاثية، يجب أن تبدأ بلقاءات بين أجهزة الاستخبارات ومن ثم وزراء الدفاع، تليها اللقاءات على مستوى وزراء الخارجية.

الكاتب والمحلل السياسي عمر كوش، رأى أن الاقتراح الذي قدّمه أردوغان لنظيره الروسي، يأتي في إطار المساعي التركية لعقد مصالحة مع دمشق، لكنه لا يعتقد في الوقت ذاته أن هذه القمة ستؤثر بشكل كبير على مسار الحل السياسي في سوريا.

قد يهمك: بين الاقتصاد والسياسة.. مستقبل العلاقات الأردنية الإسرائيلية إلى أين؟

كوش قال في حديث خاص مع “الحل نت“، “الاقتراح التركي هدفه تعجيل مسار عقد المصالحة التركية مع الأسد، لكن لا يمكن فصل هذه المساعي والجهود نحو المصالحة، عن الأوضاع الداخلية التركية، خاصة وأنها مقبِلة على انتخابات مفصلية، حيث باتت ورقة الوجود السوري، هي الورقة الأكثر رواجا في بازار الانتخابات التركية“.

مصالح أنقرة

كوش أوضح أن الشروط التركية في القمة المحتملة القادمة، ستتركز على نقطتين أساسيتين، وهما “ورقة قوات سوريا الديمقراطية ووحدات حماية الشعب، إذ تحاول أنقرة منذ سقوط مدينة حلب بيد القوات السورية، منع قيام كيان كردي في سوريا“.

أما النقطة الثانية فتتمحور حول الوجود السوري في تركيا، إذ تشكل هذه النقطة ورقة ضغط داخلية في تركيا.

منذ الإعلان عن فشل جهود “اللجنة الدستورية السورية“، في تقديم أي رؤية واضحة لدفع مسار الحل السياسي في سوريا، كانت هنالك العديد من المبادرات الإقليمية والدولية، للبحث عن حل خارج اللجنة.

المبعوث الأممي إلى سوريا غير بيدرسون، طالب في آب/أغسطس الماضي، المجتمع الدولي بفتح مسارات جديدة للحل السياسي في سوريا، بما يتماشى مع قرارات مجلس الأمن، ما يشير إلى اعتراف بيدرسون، بفشل اللجنة بتحقيق أيّا من أهدافها.

بيدرسون قال في كلمة أمام مجلس الأمن، “على المجتمع الدولي التحرك في مسارات أخرى تتعلق بقرارات مجلس الأمن الدولي وآخرها القرار 2254، والعمل على إعادة الأمن والاستقرار إلى سوريا“.

وأضاف، “نحن بحاجة لعملية سياسية تحرز تقدما ثابتا، وهذا ما نفتقده حاليا، وعملتُ مع أطراف خارجية لتكون جاهزة للقيام بخطوات حقيقية تجاه سوريا، وأدعو دمشق أن لا تضيّع هذه الفرصة” حسب قوله.

جهود إقليمية ودولية

بدوره يسعى الأردن منذ أكثر من عام والمسؤولون في حكومة عمّان، لجمع دعم عربي عبر الزيارات والمباحثات مع المسؤولين العرب، للمساهمة في الحل السوري، ما قد يساعدها من تقليل المخاطر على الحدود المشتركة مع سوريا، لا سيما فيما يخص قضية المخدرات العابرة للحدود.

أواخر العام الماضي، بدأت الجهود الأردنية، لصياغة مبادرة أردنية، تهدف لتقديم رؤية للحل السياسي في سوريا، ووصلت التجارب الأردنية، إلى محاولة إعادة العلاقات مع دمشق، ليتبين فيما بعد أن دمشق بقيادة الرئيس السوري بشار الأسد، لا تستطيع ضبط الميليشيات الإيرانية والحدود السورية الأردنية، لتلجأ الأردن في مبادرتها لجمع جهود عربية.

وفق رأي المحلل السياسي كوش، فإن دفع مسار الحل السياسي في سوريا، يتطلب إشراك قوى دولية فاعلة ومؤثر، كالولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي وإيران، وهذ غير متوفر حاليا.

حول ذلك أضاف، “هناك أيضا تعقيدات الوضع في الشمال السوري، وصراع السيطرة بين قوى الأمر الواقع، هذا الوضع سيستمر في ظل غياب الحل السياسي، بالتالي أعتقد أن الترتيب الذي يرافق عقد هذه القمة، لن يكون وفق مخرجات القرار الأممي 2254 أو القرارات الأممية، ربما سيكون هناك ترتيبات ثنائية أو ثلاثية بين روسيا والنظام وتركيا فقط ولن تؤثر على الأوضاع ربما يكون لها تأثيرات على الوضع في الشمال فقط“.

سعت الحكومة التركية مؤخرا، من خلال العديد من الخطوات على تهيئة الأجواء لإعادة العلاقات مع دمشق، فتحدثت عن لقاءات سياسية وأمنية، ولم تستبعد لقاء الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان، والسوري بشار الأسد، للمضي في التقارب.

الباحث السياسي صدام الجاسر، أشار في حديث سابق مع “الحل نت“، إلى أنه كان هناك زخم كبير في تصريحات الحكومة التركية نحو الانفتاح مع دمشق، وإجراء محادثات معها، وإجراء لقاءات أمنية والتصريحات حول هذه اللقاءات، وهذه الخطوات التي قامت بها الحكومة التركية كانت بدفع وتشجيع روسي، ولكن في مقابل ذلك هناك برود من جانب دمشق التي تحاول إحراج الحكومة التركية أمام فئة معينة من الناخبين تلك نفسها التي يسعى حزب العدالة والتنمية لاستقطابها في الانتخابات القادمة.

رفض أميركي مستمر

حكومة دمشق تدرك أنه لا يمكن لأحد أن يقوم بالانفتاح عليها إلا بقرار أميركي واضح، لذلك تسعى لإحراج حكومة أردوغان وجعلها تخسر أصوات الناخبين، لذلك فإن ما تقوم به حكومة أردوغان بالمراهنة على حكومة دمشق فيه مخاطرة لا يستهان بها.

العائق الأبرز أمام أنقرة للتطبيع مع الحكومة السورية قد يتجلى في الرفض الأميركي لأي خطوة تركية في التقارب مع دمشق.

نائب المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، فيدانت باتيل قال للصحفيين قبل أسابيع، إن “تركيا حليفا مهما في الناتو ولعبت دورا أساسيا في الاستمرار في تحميل روسيا المسؤولية عن أعمالها الوحشية في أوكرانيا“.

وأضاف، “لكن لكي نكون واضحين، لن تعرب الإدارة الأميركية عن أي دعم لجهود التطبيع مع بشار الأسد أو إعادة تأهيله، ولا تنوي الولايات المتحدة رفع مستوى علاقاتنا الدبلوماسية مع الأسد، ولا ندعم تطبيع العلاقات بين الدول الأخرى أيضا“.

الباحث في العلاقات الدولية محمود علوش، رأى أن الولايات المتحدة ستستمر في عدم دعم أي جهود لعودة العلاقات بين دمشق وأنقرة، لا سيما وأن الأخيرة تهدف للتعاون مع دمشق، في ملف “قوات سوريا الديمقراطية” شمال شرقي سوريا.

علوش قال في حديث سابق مع “الحل نت“، “تركيا لا تتحدث عن رغبتها في إعادة العلاقات مع دمشق بشكل طبيعي، بل الدخول في حوار سياسي مع النظام من أجل معالجة هواجسها الأمنية على الحدود السورية التركية، ودفع عملية التسوية السياسية“.

علوش يعتقد أن تقاربا لا يمكن أن يحصل بين أنقرة ودمشق في المدى المنظور، وذلك بالنظر إلى الإشكاليات الكبيرة والمعقّدة، التي تواجه إحداث تحوّل ملموس وفعلي في العلاقة بين أنقرة ودمشق.

حول ذلك أضاف، “لكل طرف دوافع وأهداف وأولويات مختلفة في أي تغيير في العلاقات، ويحرص على تحقيقها قبل منح ما يُريده الطرف الآخر، لكن هذا الاختلاف يُديره مسار تفاوضي، سواء كان هذا المسار بعد إعادة التواصل السياسي بين أنقرة ودمشق أو من خلال القنوات الخلفية والوسطاء“.

المصالحة بين أنقرة ودمشق، بدأت بالفعل بعد العداء والقطيعة لأكثر من 11 عاما. يعود سبب العداء والخلاف بين الدولتين إلى أحداث ما أصبح يُعرف بـ “الربيع السوري“، ووقوف تركيا إلى جانب المعارضة السورية الموالية لها.

ومع تعدد الأطراف التي تسعى إلى إطلاق مبادرات الحل السياسي في سوريا، رأى مراقبون أن الدعوة التركية والترحيب الروسي، يمكن له أن يمهّد لعقد قمة بدون شروط مسبقة، أي أنه يمكن عقد هذه القمة قبل إيجاد حلول جذرية لتعقيدات الملف السوري، ما يمهّد الطريق لدخول قوى دولية فاعلة والمساهمة بدفع مسار العملية السياسية في البلاد.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.