كميات كبيرة من القمح المستورد من شبه جزيرة القرم الأوكرانية التي ضمتها روسيا عام 2014 وصلت إلى سوريا خلال العام الجاري، باستخدام أسطول من سفن الجانبين، ما يطرح تساؤلات عدة أبرزها، كيف استطاعت موسكو تمرير هذه الكميات إلى دمشق بالرغم من العقوبات الأميركية المفروضة على الأخيرة. في الوقت الذي تعتبر فيه كييف أن القمح المرسَل لدمشق، يتم نهبه منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في شباط/ فبراير الماضي.

وكالة “رويترز”، قالت في تقرير لها، إن “الحكومة السورية، زادت خلال 2022 وبشكل كبير، استيراد القمح من شبه جزيرة القرم”، ووفقا للوكالة، فقد زادت كميات القمح المرسلة إلى سوريا من ميناء “سيفاستوبول” المطل على البحر الأسود في القرم 17 مثلا هذا العام، مسجلة ما يزيد قليلا عن 500 ألف طن، بحسب بيانات للشحن من شركة “رفينيتيف” لم يتم الكشف عنها من قبل، ليشكل ذلك ما يقارب ثلث واردات دمشق الإجمالية من القمح.

بيانات الشركة أظهرت أن حكومة دمشق وروسيا اعتمدتا بشكل متزايد على سفنهما الخاصة لنقل القمح، من بينها ثلاث سفن تابعة لدمشق مشمولة في العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة، وذلك في ظل عقوبات مفروضة على البلدين صعّبت التجارة عبر طرق النقل البحرية المعتادة والحصول على تأمين ملاحي.

سفن معاقبة أميركيا

دمشق تعتمد بشكل متزايد على أسطول من سفن الشحن الخاصة بها، أو السفن التي ترفع العلم الروسي، لجلب الطعام عبر الصفقات بين الحكومات التي تتجنب عملية المناقصة والتأجير المعتادة لنقل السلع عن طريق البحر، والسفن هي “فينيقيا”، “سوريا”، “لاوديسيا”، وهي مملوكة لـ”الهيئة العامة السورية للنقل البحري”.

منذ عام 2015 تم فرض عقوبات على السفن الثلاث من قبل الولايات المتحدة، لدورهم في الصراع في سوريا على مدار العقد الماضي.

تحليل من منصة البيانات البحرية والسلع “شيبفكس” أظهر أن عدد طلبات الشحن، أي الطلبات العالمية للسفن المتاحة لنقل الحبوب إلى سوريا، انخفض بمقدار الثلثين إلى 54 في العام حتى 30 تشرين الثاني/ نوفمبر، مقابل عام 2021 بأكمله.

قد يهمك: الشعير الأوكراني المسروق إلى ميناء طرطوس.. ما القصة؟

بدلا من ذلك، تنتقل شحنات القمح عادة إلى موانئ اللاذقية وطرطوس في سوريا على متن ثلاث سفن سورية، وفقا لمصدرين من تجارة الحبوب على دراية بالرحلة، وهما السفارة الأوكرانية في بيروت، ودبلوماسيون أوكرانيون آخرون، وتحليل من “شيبفكس”.

بيع القمح عن طريق دمشق

تقارير إعلامية غربية، كشفت بوقت سابق من العام الجاري، أن روسيا تسرق القمح من أوكرانيا، وتبيعه عن طريق الحكومة السورية، ففي أيار/ مايو الماضي، كشف تقرير لشبكة “سي إن إن” الأميركية، أن “سفينة الشحن التجارية الروسية ماتروس بوزينيتش المحملة بحبوب مسروقة من أوكرانيا، أبعدت عن عدة موانئ في البحر المتوسط ولم يُسمح بدخولها، ما جعلها تتجه إلى ميناء اللاذقية لتفريغ حمولتها”.

ناقلة البضائع الروسية “بوزينيتش” والتي تعد واحدة من 3 سفن تشارك في تجارة الحبوب المسروقة، وفق تقرير الشبكة، رست في 27 من نيسان/ أبريل الماضي قبالة سواحل شبه جزيرة القرم، وقامت بإيقاف جهاز التعقب، لكنها شوهدت في اليوم التالي في ميناء “سيفاستوبول” بحسب ما التقطته صور الأقمار الصناعية.

صور الأقمار الصناعية وبيانات التتبع أكدت عبور السفينة “بوزينيتش” مضيق البوسفور وتوجهت بعد ذلك إلى ميناء الإسكندرية المصري وهي محملة بنحو 30 ألف طن من القمح الأوكراني، لكن الحكومة المصرية بعد تلقّيها تحذيرات من عملية سرقة الحبوب أبعدت الشحنة، ما جعل السفينة تتجه نحو العاصمة اللبنانية بيروت، حيث تم إبعادها أيضا.

السفينة الروسية قامت مجددا بإيقاف جهاز التتبع في الخامس من أيار/مايو الفائت، غير أن صور الأقمار الصناعية كشفت أنها رست في ميناء اللاذقية، مؤكدة أنه يمكن إعادة تحميل الحبوب على متن سفينة أخرى هناك لإخفاء مصدر الحبوب الأصلي، بحسب تقرير الشبكة.

شركة “ماكسار” الأميركية المتخصصة بالتقاط الصور عبر الأقمار الصناعية، كشفت في وقت سابق، بأن “سفنا ترفع أعلام روسيا حملت حبوبا أوكرانية تم حصادها في الموسم الماضي، ونقلتها إلى سوريا خلال الأشهر الماضية”.

صور “ماكسار” أظهرت رسو سفينتي نقل بضائع سائبة ترفعان العلم الروسي في ميناء “سيفاستوبول” الذي تسيطر عليه روسيا في شبه جزيرة القرم في أيار/مايو الفائت، وتحميلهما بالحبوب. وأضافت “ماكسار” أنه بعد أيام، جمعت أقمارها صورا للسفينتين وهما راسيتان في سوريا وقد فتحت أبوابهما مع اصطفاف شاحنات كبيرة استعدادا لنقل الحبوب، وقالت الشركة إن “صورة أخرى، التقطت في حزيران/يونيو، أظهرت سفينة مختلفة يتم تحميلها بالحبوب في سيفاستوبول”.

الالتفاف على العقوبات

الحكومة السورية وروسيا لهم باع طويل في الالتفاف على العقوبات والتهرب منها، وبالتالي عمليات نقل القمح وتهريب النفط وبعض السلع إلى سوريا من خلال البواخر السورية والبواخر الروسية، هو أمر طبيعي وليس بالجديد على البلدين، بحسب حديث الخبير الاقتصادي فراس شعبو، لـ”الحل نت”.

اقرأ أيضا: ما الأسباب التي تدفع دمشق لشراء الحبوب الأوكرانية المسروقة؟

دمشق اليوم كون بواخرها أصبحت خارج الخدمة الدولية، فمن الطبيعي أن تلجأ هذه البواخر إلى العمل في النقل غير الشرعي، وفق شعبو، وهو ما يجري اليوم سواء من خلال نقلها للقمح المسروق، أو علميات بيع غير شرعية لهذا القمح في السوق الدولية.

موسكو بدأت تستخدم سوريا كممر لتصريف منتجاتها وكممر عبور لمنتجاتها أيضا، هربا من العقوبات وخاصة بعد تشديد العقوبات الأميركية والأوروبية بعد الحرب الأوكرانية، وبالتالي أصبحت روسيا تستخدم الأراضي والشركات والموانئ السورية، لتكون نقطة متقدمة لها في عملياتها التجارية، بحسب شعبو.

موقف كييف

أوكرانيا تُعد واحدة من أكبر مصدري الحبوب في العالم، تتهم روسيا بسرقة الحبوب من أراضيها التي احتلتها مؤخرا، حيث تقوم بتصديرها وبيعها لدول أخرى.

نائب رئيس “اتحاد المنتجين الزراعيين الأوكرانيين”، دنيس مارتشوك، صرح في حزيران/يونيو الماضي، بإن “روسيا سرقت نحو 600 ألف طن من الحبوب من مناطق أوكرانية محتلة، وصدرت بعض هذه الكميات لدول أخرى”.

كييف تعمل على تتبع ورصد شحنات القمح من موانئها التي احتلتها روسيا إلى سوريا، حيث تؤكد السلطات الأوكرانية، بأن “القمح الذي يصل إلى سوريا منهوب، معتمدة على معلومات من ملاك لحقول وصوامع في المناطق المحتلة، وعلى بيانات من أقمار صناعية تظهر تنقلات شاحنات للموانئ وأيضا بيانات تتبع السفن”، بحسب بيان للسفارة الأوكرانية في بيروت، حيث قالت أيضا، إن “500 ألف طن من القمح الأوكراني المنهوب، وصل إلى موانئ سوريا منذ الغزو انطلاقا من عدة موانئ”.

في حزيران/ يونيو الفائت، بث موقع “يوروك أشيك” التركي مقطع فيديو لسفينة شحن بضائع سورية تدعى “فينيقيا”، وهي تمر من مضيق “البوسفور” محمّلة بالقمح المسروق من المناطق التي تسيطر عليها روسيا في أوكرانيا، وذلك بعد رصد سفينة “لاتاكيا” السورية، في أوائل الشهر ذاته في مضيق “البوسفور” أيضا.

السفينة “فينيقيا” تحمل سلعا مسروقة من أوكرانيا باتجاهها إلى المرافئ السورية في البحر الأبيض المتوسط، بحسب تأكيد الموقع، موضحا أن “المواد المسروقة عبارة عن القمح، وأن السفينة انطلقت من محطة شحن الحبوب أفليتا في سيفاستوبول المحتلة على البحر الأسود”.

اهتمام الحكومة السورية لشراء القمح الأوكراني من روسيا، أرجعه مراقبون لأسباب منها، عامل السعر وهو مهم للغاية، كونه يُباع بسعر أقل من الأسعار العالمية في ظل حاجة دمشق الشديدة له، ولكونها صوتت لصالح روسيا في جميع القرارات الأممية الأخيرة المرتبطة بإدانة اجتياح موسكو لأوكرانيا، وهذا الشيء سهّل عليها أن تظل في صفها اقتصاديا، وبالتالي دمشق تستخدم القمح الأوكراني في عملياتها التجارية بما يخدم مصالحها الشخصية كحكومة فقط، دون الاكتراث لمأساة المواطنين ضمنها مناطقها، والدليل عدم انفراج أزمة الخبر وأزمة الغذاء في الداخل السوري.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.