التصعيد العسكري الأخير والهجمات التي قامت به “هيئة تحرير الشام” (النصرة سابقا)، ضد القوات الحكومية في مناطق خفض التصعيد في سوريا، أثار تساؤلات عدة حول عودة نشاط “الهيئة” في هذا الوقت، مع توقعات باستهدافها للقواعد الروسية أيضا.

مناطق خفض التصعيد، هي عدة مدن متناثرة بين دمشق وإدلب، اتفقت تركيا وروسيا وإيران، باعتبارها “دول ضامنة” خلال مباحثات “أستانة” عام 2017، على تجنيبها العمليات العسكرية بين الحكومة السورية والفصائل المسلحة.

دلالات الهجمات

زيادة نشاط “هيئة تحرير الشام” في عملياتها الأخيرة، ليس المقصود به القواعد الروسية بقدر ما هو استهداف لقواعد القوات الحكومية والميليشيات الإيرانية، لأنه ليس هناك قواعد روسية على الأرض في المناطق المذكورة، بحسب حديث الباحث في مركز “مشارق ومغارب” عباس شريفة، لـ”الحل نت”.

التصعيد الأخير الذي تقوم به “الهيئة” يأتي كجزء من رفض سردية المصالحة التي تُروّج اليوم و”الهيئة” جزء منها، وفق شريفة، وأيضا تأتي للتغطية على مجموعة من المفاوضات التي جرت بين “تحرير الشام” و”الفرقة الرابعة” حول فتح المعابر التجارية.

عمليات “الهيئة”، تأتي للرد على التصعيد أو القصف الروسي لمناطق إدلب أيضا، لتوصل رسالة مفادها بـ”أننا موجودون”، وأيضا إشغال الرأي العام في “المناطق المحررة” بقضية العمليات، عن انخفاض مستوى المعيشي وغلاء الأسعار والتضييق الاقتصادي، وفق شريفة.

قد يهمك: استمرار وضع “هيئة تحرير الشام” على قوائم الإرهاب

كل هذه الأسباب جاءت بـ”تحرير الشام” لتذهب إلى رفع وتيرة العمليات، ضد القوات الحكومية والميليشيات الإيرانية، ولا يعتقد شريفة، أنها تستهدف القواعد الروسية أيضا.

الهيئة وصلت إلى طريق مسدود في تفاهماتها مع تركيا، باعتقاد شريفة، وبالتالي هي تقوم بعملية ضغط من أجل الجلوس على طاولة المفاوضات معها بشكل آخر، وتأخذ نفوذ في منطقة عفرين، بعد ما أخذت أنقرة قرارها بإخراج “تحرير الشام” منها، إذ إن “الهيئة” تذهب إلى توتير الأوضاع وإلى زيادة عملياتها، لتقوم أنقرة بإرضائها وإعطائها ما تريد مقابل وقف هذه العمليات، وفق تعبيره.

هجمات نهاية العام

نائب رئيس “المركز الروسي” للمصالحة في سوريا أوليغ إيغوروف، أعلن في 7 كانون الأول/ديسمبر الجاري، عن تخطيط “هيئة تحرير الشام”، لمهاجمة قاعدة “حميميم” الجوية الروسية في مدينة اللاذقية غربي سوريا، بالصواريخ والطائرات المسيّرة.

إيغوروف توقّع أن تستهدف الهجمات مناطق تقع في الجزء الجبلي من اللاذقية، على أراضي منطقة وقف التصعيد، بحسب موقع “سكاي نيوز عربية”.

مسلحو “الهيئة” استهدفوا في 11 من الشهر الحالي، إدلب شمال غربي سوريا بـ 4 هجمات، كما شنوا هجوما آخر في اللاذقية، وفي 18 من الشهر ذاته، شنت “هيئة تحرير الشام” هجوما على مدينة سراقب في ريف إدلب.

“الهيئة” تحاول من خلال زيادة وتيرة الهجمات التي تنفذها ضد المدنيين والعسكريين السوريين، إلى إثبات وجودها بعد تأثر قدراتها مؤخرا، نتيجة العمليات العسكرية التي خاضتها مع القوات الحكومية السورية والروسية.

موسكو اتجهت مؤخرا لجبهة جديدة في شرق آسيا، وهي جزر “الكوريل” المتنازع عليها مع اليابان، وباتجاهها هذا ستترك فراغا جزئيا مؤقتا في سوريا، ستحاول “الهيئة” أن تستغله، كما تحاول أيضا استغلال انشغال روسيا بالحرب في أوكرانيا، خاصة أن توجه موسكو الآن يسير نحو التعمق داخل أوكرانيا أكثر.

تأسيس “الهيئة”

“هيئة تحرير الشام” (النصرة سابقا) تشكلت في كانون الثاني/ يناير 2017، بإعلان فصائل مسلحة في الشمال السوري، اندماجها مع جبهة جديدة. ضمت بداخلها، “جبهة فتح الشام”، و”لواء الحق”، و”حركة نور الدين الزنكي”، و”جبهة أنصار الدين”، و”جيش السّنة”.

اقرأ أيضا:لماذا تتجاهل تركيا تحركات “تحرير الشام” في الشمال السوري؟

الباحث عباس شريفة، ربط بين النشاط الأخير لـ”الهيئة” التي تضم عدة فضائل أخرى، وبين انشغال موسكو في غزوها لأوكرانيا من جهة، وبين خلافاتها مع اليابان من جهة أخرى، إضافة إلى زيادة نشاط عمليات تنظيم “داعش” الإرهابي في كلّا من سوريا والعراق.

وزارة الدفاع الروسية، أعلنت السبت الفائت، تنفيذ “هيئة تحرير الشام” سبع هجمات، ضد مواقع تسيطر عليها الحكومة السورية ومناطق آمنة، وسبقت الهجمات الأخيرة دخول “الهيئة” لمدينة عفرين التابعة لمحافظة حلب في تشرين الأول/أكتوبر الماضي. لا سيما أنها تبحث عن دور لها خارج حدود مدينة إدلب المتمركزة فيها، بحسب شريفة.

“هيئة تحرير الشام” تحاول دون جدوى

على الرغم من رسائلها الناعمة، فإن توغل “هيئة تحرير الشام” في عفرين الخاضعة للنفوذ التركي مؤخرا، سلّط الضوء على جهود “الهيئة” الرامية إلى توسيع نفوذها في الشمال، بما في ذلك المناطق الخارجة عن سيطرتها حاليا.

من المرجح أن تواصل “هيئة تحرير الشام” جهودها التوسعية في عام 2023، والتي سيعتمد نجاحها بشكل كبير على الإجراءات السياسية والدبلوماسية التركية في سوريا العام المقبل، إلا أن عباس شريفة، يستبعد تماما أن تعود “الهيئة” لقوتها التي كانت عليها في عامي 2017 و2018.

مؤشرات كانت على تقارب تركيا مع الحكومة السورية في الأشهر الأخيرة من عام 2022. إذا تم توحيد هذه الحركات الدبلوماسية، فمن المحتمل أن يكون لها تأثير سلبي على وضع الجماعات المتمردة، بما في ذلك “هيئة تحرير الشام” التي تصنّفها واشنطن منظمة إرهابية، في شمال سوريا.

علاقة ود مع تركيا

“الهيئة” تسيطر على نحو نصف مساحة إدلب، وترسي فيها نظاما إداريا وقضائيا، حيث بسطت سيطرتها عليها مطلع 2019، إثر عامين من اشتباكات متقطعة مع فصائل أخرى تراجع نفوذها وانتقل الكثير منها إلى شمال حلب.

تركيا حافظت على علاقة ودّ مع “هيئة تحرير الشام”، ولم تسجل أي صدامات بين الطرفين، ومنذ إعلان فكّ ارتباطها بـ”تنظيم القاعدة” في 2016، تسعى “هيئة تحرير الشام” إلى تلميع صورتها. حتى أن علاقتها توترت مع تنظيمات جهادية أخرى بينها “حرّاس الدين” الذي يُعد ذراع “القاعدة” في سوريا.

لكن مناطق سيطرتها شهدت مرارا تحركات احتجاجية على الحكم المتشدّد الذي تمارسه “الهيئة”، والتضييق على الحريات.

بناء على ما سبق، يرى مراقبون بأن ما تطمح له “هيئة تحرير الشام” من خلال كل ما تقوم به مؤخرا من تصعيد، هو لإثبات أنها لا تزال تحافظ على قوتها أمام الجميع، وخاصة بعد إدراكها للخطر الذي قد يصيبها في حال حدث التطبيع بين دمشق وأنقرة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.