منذ بداية الربع الثاني من العام الجاري، أخذ ملف التطبيع بين إسرائيل وتركيا اتجاها تصاعديا، ذلك بعد أن وجدت تركيا نفسها في مواجهة مباشرة مع العديد من الدول الإقليمية، ما أجبر أنقرة على العودة إلى التفكير في سياسة “صفر مشاكل”.

أما بالنسبة إلى إسرائيل، فهي الأخرى تسعى لتطبيع علاقاتها مع دول منطقة الشرق الأوسط، لتشكيل حلف ضد النظام الإيراني، بهدف مواجهة برنامج طهران النووي ومشروعها في المنطقة، فهل تكون عودة العلاقات التركية الإسرائيلية بوابة لتوسيع الدائرة ضد إيران.

السفيرة الإسرائيلية في أنقرة

وزارة الخارجية الإسرائيلية، أعلنت أمس الثلاثاء أن سفيرة إسرائيل لدى تركيا إيريت ليليان، قدمت أوراق اعتمادها إلى الرئيس رجب طيب أردوغان، على طريق استئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.

ليليان قالت عبر صفحتها في موقع التواصل الاجتماعي “تويتر” بعد تقديم أوراقها، “عشت لحظة مؤثرة جدا ظهر هذا اليوم عندما قدّمت أوراق اعتمادي إلى الرئيس. نتطلع إلى مزيد من التطورات الإيجابية في العلاقات الثنائية”.

الباحث السياسي عصام زيتون، رأى أن عودة العلاقات التركية الإسرائيلية، تعني أن تركيا أدركت تماما أنه يجب عليها العودة لسياسة “صفر مشاكل”، بعد أن فشلت في كسب ثقة الاتحاد الأوروبي والعديد من الدول، مشيرا إلى أن رفع مستوى التمثيل الدبلوماسي تعني خضوع تركيا لشروط تل أبيب التي تسعى كذلك لمواجهة إيران في المنطقة.

زيتون قال في حديث خاص مع “الحل نت”، “تركيا رفعت منذ نهاية تسعينات القرن الماضي شعار صفر مشاكل. لكنها إلى اليوم تواجه مشاكل مع الجميع. وفشلت في كسب ثقة دول الاتحاد الأوروبي، الذي يطالب بإصلاحات سياسية وحقوقية في ملفات مختلفة منها حقوق المرأة والأقليّات والحريات كشروط لانضمام تركيا إليه”.

اقرأ/ي أيضا: من إفريقيا إلى آسيا.. كيف تستقطب الصين الشباب لخدمة مشروعها التوسعي؟

تركيا أدارت ظهرها لأوروبا واستدارت باتجاه الدول العربية والإسلامية، وذلك في محاولة لاستعادة أمجاد إمبراطورتيها العثمانية لقيادة شعوب هذه الدول، وبرأي زيتون فإن “موقف أنقرة من الربيع العربي ودعمها الأعمى لتيار سياسي ديني معين، فاجأ الحكومات والشعوب العربية على حدّ سواء. لتجد نفسها في مواجهة العالم كجزء مؤسس من تحالف الدول المنبوذة والمصنفة عالميا كمحور الشر، مثل روسيا وإيران اللتان تخضعان لعقوبات وحصار دولي”.

خضوع لشروط إسرائيل؟

إن إعادة رفع مستوى التمثيل الدبلوماسي بين إسرائيل وتركيا إلى درجة سفير، يعني وفق زيتون “خضوع تركيا لشروط إسرائيل”، وهي ذاتها شروط الدول العربية المؤثرة، فضلا عن الدور التركي في الهدنة ووقف إطلاق النار بين حركة “حماس” وإسرائيل، والدور الواضح لتركيا في هذا الاتفاق الذي طمأن إسرائيل.

زيتون أوضح كذلك أن توجه إسرائيل نحو تركيا، له أسباب تتعلق بالملف الإيراني، خاصة وأن “رئيس الحكومة الإسرائيلية الجديد القديم بنيامين نتنياهو، قد صرح علنا من اليوم الأول لتكليفه بتشكيل الحكومة، بأن أولويته إيران ثم إيران ثم إيران. وبالطبع حياد تركيا في هذه المعركة الحتمية القادمة هي مصلحة إسرائيلية”.

أنقرة وتل أبيب كانتا قد أعلنتا في آب/أغسطس الماضي، استئناف العلاقات الدبلوماسية وعودة السفيرين بعد أشهر من التقارب، وتبع هذا الإعلان تعيين أنقرة سفيرا في إسرائيل في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، بعد غياب استمر أربع سنوات.

العلاقات التركية الإسرائيلية، كانت قد شهدت أسوأ فتراتها التاريخية عام 2010، عندما قتل جنود إسرائيليون تسعة مواطنين أتراك، كانوا على متن سفينة متجهة لكسر الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة.

في أيار/مايو 2018، استدعت تركيا سفيرها في تل أبيب وطردت السفير الإسرائيلي في أنقرة وكذلك القنصل العام الإسرائيلي في إسطنبول، بعد مقتل فلسطينيين على يد الجيش الإسرائيلي في غزة. وردّت إسرائيل بطرد السفير التركي في تل أبيب وكذلك طرد القنصل العام التركي في القدس.

تركيا اشترطت تنفيذ إسرائيل لثلاثة بنود، مقابل إعادة العلاقات بين البلدين، وهي “الاعتذار عن الاعتداء على أسطول الحرية التركي، والتعويض المالي لأسر ضحاياه، فضلًا عن رفع الحصار عن قطاع غزة”.

وبينما نفّذت إسرائيل الشرطَين المتعلقَين بالسفينة التركية جزئيا، إلا أن مصادر إسرائيلية أكدت أنّ مسودة الاتفاق الثنائية، تضمنت تنازل تركيا عن بند رفع الحصار عن قطاع غزة، مقابل السماح لتركيا بتزويد القطاع بمعدات ومساعدات إنسانية عن طريق ميناء إسدود بعد الخضوع للفحص الأمني الإسرائيلي.

مواجهة إيران

من جانبها تسعى إسرائيل لتعزيز علاقاتها مع دول المنطقة، بهدف إنشاء حلف يواجه المشروع الإيراني في المنطقة، قوامه إسرائيل وبعض الدول العربية المؤثرة.

في إطار سعيها لإنشاء هذا الحلف، فقد أعلنت تل أبيب رغبتها بإقامة علاقات دبلوماسية كاملة مع المملكة العربية السعودية، مشيرة إلى أن ذلك من شأنه أن يساهم في تحقيق السلام في المنطقة.

بالتأكيد فإن الملف الإيراني، هو أبرز ما قد يجمع الجانبين السعودي والإسرائيلي، رغم أن العلاقات الإسرائيلية السعودية موجودة بالفعل، ويوجد شراكة في بعض الأمور الاستراتيجية والاقتصادية بين إسرائيل والسعودية من المرتبة الأولى بتدخل من قبل الولايات المتحدة الأميركية.

التوتر الداخلي في إسرائيل بين الأحزاب السياسية، دفع بنتنياهو للبحث عن شراكات جديدة والتفكير خارج الصندوق بخصوص العلاقات، هذا الأمر دفع بإسرائيل التوجه نحو السعودية، في ظل وجود مصالح مشتركة تتعلق بالملف الإيراني في الشرق الأوسط.

إسرائيل تسعى مؤخرا لاستخدام كافة أوراقها من أجل منع إيران من امتلاك السلاح النووي، إن كان عَبر الدبلوماسية والعودة للاتفاق النووي وإنشاء تحالفات إقليمية ودولية لمواجهة طهران، أو عَبر الخيارات العسكرية والعمليات النوعية، التي تستهدف المواقع والشحنات الإيرانية في المنطقة.

دعما لجهود مواجهة إيران وارتباطها بتعزيز العلاقات الإسرائيلية مع دول المنطقة، تسعى الولايات المتحدة الأميركية مدفوعة بهدف مواجهة النفوذ الإيراني، كذلك لتنظيم اجتماع عربي إسرائيلي، خلال الربع الأول من العام المقبل 2023، من شأنه تطوير هذه العلاقات، لا سيما في ظل تقاطع المصالح في ملفات الطاقة والملف الإيراني في الشرق الأوسط.

بحسب ما نقلت صحيفة “الشرق الأوسط” اللندنية، فإن الاجتماع “سيضم دولا عربية لديها علاقات مع إسرائيل، وفي مقدمتها مصر والأردن“، ومن غير المؤكد حتى اللحظة فيما إذا كان منظّمو الاجتماع سيدعون السلطة الفلسطينية للحضور.

بالتأكيد فإن الملف الإيراني، هو من أبرز الملفات التي دفعت واشنطن للوساطة بشأن التقارب العربي الإسرائيلي، حيث تسعى أميركا لحشد حلفائها في المنطقة ضد روسيا والمشروع الإيراني.

محللون للشؤون الأمنية في الشرق الأوسط، رأوا أن واشنطن حريصة على إحداث جبهة عربية موحّدة، ممكن أن تؤدي إلى تعاون مع إسرائيل على الصعيد العسكري، في وقت وجود التعاون العسكري بين إسرائيل وبعض الدول العربية، على أعلى المستويات لكنه يبقى دون ضجيج إعلامي بحكم وجود الطرفين بقوات “السنتكوم” أي القيادة العسكرية الأميركية الوسطى.

بين مصالح تركيا في تخفيف التوتر مع دول المنطقة، وضمان إسرائيل لحياد تركيا على الأقل في المواجهة بين إسرائيل وإيران، يبدو أننا على موعد من تطور أكبر في العلاقات التركية الإسرائيلية خلال الفترة المقبلة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة