غيّبت الحروب والأوضاع السياسية العراق عن أجواء البطولة الخليجية لأكثر من عقود من الزمن، بعد غزو العراق لدولة الكويت مطلع آب/أغسطس 1990 في عهد الرئيس العراقي الاسبق صدام حسين، فضلا عن الحرب العراقية الإيرانية.

الحكومة العراقية كرّست مساعيها باستضافة بطولة “خليجي 25” والتي جاءت بقرارات سياسية أوصت ببناء مدينة رياضية كاملة في مدينة البصرة تماشيا مع رغبة العراق في العودة الفعلية إلى أجواء الرياضة في الخليج العربي، وفي عام 2013 افتُتح أكبر ملعب دولي في العراق ضمن هذه المدينة الرياضية بسعة 65 ألف متفرج.

وخصصت الحكومة العراقية دعما ماليا قيمته 33 مليون دولار لمساندة وتأمين متطلبات بطولة كأس الخليج العربي بنسختها الخامسة والعشرين التي تستضيفها مدينة البصرة للفترة بين السادس والتاسع عشر من الشهر المقبل والتي ينظمها العراق للمرة الثانية بعد الأولى عام 1979 وتوّج بلقب نسختها الخامسة التي أقيمت في العاصمة بغداد.

ملعب (جذع النخلة) بمدينة البصرة يشهد، مساء اليوم الجمعة، عودة البطولة إلى العراق بعد غياب 43 عاما، ويرعى الحفل الذي يعقبه مباراة البلد المضيف مع المنتخب العماني، رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني.

البُعد السياسي والرياضي للبطولة

العراق عانى من العزلة العربية لعقود، ويحاول استغلال بوابة “خليجي ٢٥” لكرة القدم للانتقال إلى مرحلة جديدة من علاقاته مع دول الجوار، سواء في علاقاته السياسية مع كل دول الخليج، أو على صعيد العلاقات الاقتصادية والاستثمارية، لا سيما مع بدء العراق خلال السنوات الأخيرة، تنمية علاقاته مع عدد من دول الخليج العربي؛ وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية من خلال تشكيل مجلس التنسيق العراقي السعودي والاتفاق على إبرام عدد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم، فضلا عن الربط الكهربائي بين البلدين.

التحول في العلاقات الخليجية العراقية يطرأ عليها تغيرات إيجابية مبدئيا من القبول باستضافة العراق، وبالتحديد البصرة، بطولة “خليجي 25” من قِبل الدول العربية الخليجية يُعد رسالة سياسية من منطلق أن هناك تطورا كبيراً في طبيعة العلاقة بين العراق ودول الخليج العربي، ويبدو أن هناك محاولة لتوثيق العلاقات في كل المستويات، ويعبر هذا الحضور بهذا المستوى وما يتبعه من اهتمام سياسي وإعلامي وحضور المشجعين، قد يقرأه البعض على أنه يمثّل في الواقع رسالة دعم للشعب العراقي.

اقرأ/ي أيضا: لقاء مكافآت باهظة.. هل تنجح اليابان بتحفيز الهجرة لفك زحام طوكيو؟

في هذا السياق يرى المحلل السياسي إحسان الشمري، رئيس مركز “التفكير السياسي” في العراق، في تصريح لموقع “الحل نت” إن الساحة رياضية هي جزء من عملية التواصل خصوصا هذا التواجد بالنسبة للمنتخبات دول الخليج العربي بهذه الكثافة ووجود مشجعين عكس صورة أمنية وشعبية جيدة، ستساهم في زيادة الترابط بين الشعوب، وما يجري الآن هو أن الدبلوماسية الشعبية سيكون لها انعكاسات إيجابية على العلاقات السياسية.

الشمري أضاف، كما أن الاهتمام العراقي ومن خلال أعلى المستويات في إنجاح هذه البطولة، إنما هي محاولة من قِبل العراق لإشعار أشقائه العرب الخليجيين بأن العراق يضع هذه الدول ضمن عمقه وانتمائه العروبي بالدرجة الأساس، وهو ما سوف ينعكس إيجابياً على طبيعة العلاقات الثنائية بين العراق ودول الخليج العربي، كما أن دول الخليج العربي هي دول ارتكاز مالي واقتصادي مهم بالنسبة للعراق.

الشمري أشار الى تواجد سفراء دول الخليج العربي وبالتحديد سفير المملكة العربية السعودية ممكن أن يستشف منه مدى الاهتمام الدبلوماسي والسياسي، ولذلك العراق أمام مرحلة جديدة خصوصا أن قبول هذه الدول باللعب في البصرة هي بحد ذاتها رسالة سياسية لدعم العراق ودعم الشعب العراقي بالتحديد ولزيادة الأواصر السياسية.

الشمري نوه أيضا على أن الأهم ما في هذه البطولة هو أن لا يكون هناك تأثير من قبل الجهات الداخلية وبالأخص الحزبية والتي لديها أجندات، ممكن أن تسبب مشاكل في تنظيم هذه البطولة المهمة، مضيفا إلى أن العراق أمام لحظة ثقة متبادلة انهارت أمامها كل السياسيات التي حاولت فصل العراق عن محيطة وانتماءه الخليجي والعربي، هي ستؤسس نجاح الجانب الأمني، وتعد أنها ستشجع المستثمرين ليس فقط بالبصرة وإنما في العراق بصورة عامة كما أن الصورة الشعبية المحبة لدول الخليج ستزيد من قوة التواصل.

بعد عزلة رياضية دامت أكثر من ٤٠ عاما

أبرز القضايا المهمة في هذه البطولة هي أن العراق تجاوز كل السياسات السابقة التي حاولت عزل العراق عن عمقه العربي الخليجي، لم يتأثر بكل محاولات التفرقة بينه وبين أشقائه العرب؛ وفي مقدمتهم أبناء الخليج، فضلاً عن أن السياسات الطائفية التي حاولت جهات إقليمية وداخلية اتخاذها فشلت هي الأخرى.

آخر بطولة خليجي نظمها العراق كانت عام 1979 لتبدأ بعدها سلسلة الصعوبات التي حالت دون إمكانية عودة البطولة الخليجية إلى العراق. فخلال عقد الثمانينيات من القرن الماضي حالت مجريات الحرب العراقية الإيرانية دون قدرة العراق على احتضان البطولة، وخلال عقد التسعينيات أدى غزو العراق للكويت إلى قطع العلاقات العراقية الخليجية طوال العقد التسعين لتبدأ عودة تدريجية لها حتى احتلال العراق عام 2003 من قِبل الولايات المتحدة الأميركية. وبعد عام 2003 بدأت العلاقات العراقية الخليجية تعود تدريجياً، لكن الأوضاع الأمنية في العراق حالت دون إمكانية تنظيم العراق بطولة على هذا المستوى.

اقرأ/ي أيضا: بعد عامين على مغادرته.. ما احتمالات عودة بريطانيا لـ “لاتحاد الأوروبي”؟

الاتحاد العراقي لكرة القدم أعلن في 27 من تشرين الثاني نوفمبر من العام الماضي عن تعاقده مع شركة لوريال الفرنسية لتنظيم البطولة وإدارتها وأوضح في بيان له أن “الهدف من وراء التعاقد مع شركة لوريال هو لإظهار خليجي 25 بصورة مميزة تعكس براعة العراقيين في استضافة هذا الحدث الكبير واستقبال المنتخبات الشقيقة مع التأكيدِ على أن تكون البطولة ناجحة من جميع النواحي الإداريّة والتنظيميّة واللوجستيّة”.

على صعيد إقامة الفرق والوفود الرياضية فقد كشف رئيس اتحاد الكرة فرع البصرة بدر ناصر البدر عن جاهزية فنادق المدينة لاستقبال وفود “خليجي 25” وجماهير المتابعين لها.

البدر أشار في تصريح صحفي إلى أنه بالتعاون بين الاتحاد العراقي لكرة القدم وبين الحكومة المحلية في محافظة البصرة تم الانتهاء من جاهزية الفنادق المخصصة لاستقبال الوفود الخليجية بشكل كامل.

البدر أوضح أيضا أن” الفنادق المؤهلة لاستقبال المنتخبات والوفود والجماهير والتي تم الاعتماد عليها أربعة فنادق هي، فندق كراند ميلينيوم والذي سيحتضن كبار الشخصيات بالإضافة إلى الحكام واللجنة المنظمة أما بالنسبة لسكن المنتخبات فسيكون في فندق شيراتون البصرة وفندق هورزون وفندق موفنبيك، حيث تم تهيئتها بالكامل لاستقبال المنتخبات واللجان التنظيمية للبطولة.

اما عن خطة نقل الجماهير والمشجعين إلى ملاعب منافسات البطولة برا وجو، أعلنت وزارة النقل العراقية في بيان لها أنها ستسيّر ثلاثة قطارات يوميا لنقل الجماهير من العاصمة بغداد إلى البصرة وبالعكس مرورا بالمحافظات الجنوبية، إضافة الى حافلات إلى محافظة البصرة مع الكوادر الفنية والتشغيلية لنقل الجماهير من مناطق محددة في المحافظة إلى المدينة الرياضية حيث ستقام المباريات.

استعدادات مدينة البصرة

كما بيّنت أنها ستسيّر رحلات يومية للقوة الجوية العراقية من بغداد إلى البصرة وبالعكس، ورحلات إضافية وفقا لما تقرره اللجنة العليا المشرفة على البطولة، وأوضحت أنها وضعت خطة فنية متكاملة للملاحة الجوية لإدارة الأجواء وحركة الطائرات العابرة في الأجواء العراقية طيلة أيام البطولة مصحوبة بعدد من المراقبين الجويين ومهندسي الاتصال للمساعدة في إدارة كافة العمليات الجوية في مطار البصرة. 

فيما نوهت الى أنها قد جهزت ثمانية زوارق في شط العرب لتنظيم جولات ترفيهية بالتنسيق مع اللجنة العليا المشرفة على تنظيم البطولة، كما أعلنت هيئة الإعلام والاتصالات العراقية في وقت سابق عن نشر أكثر من 10 أبراج متحركة، وعشرات الخلايا الذكية قرب الملاعب الرئيسة في البصرة لدعم استعدادات شركات الهاتف النقال لتوسيع البنى التحتية داخل المؤسسات الرياضية الرئيسية في البصرة، لتكون قادرة على استيعاب أكثر من 200 ألف متفرج سيتواجدون في ملعبي الميناء والمدينة الرياضية، خلال الفعاليات المختلفة للبطولة .

طبقا لرئيس اتحاد كرة القدم العراقي فرع البصرة بدر ناصر البدر، فإن الجماهير الغفيرة بدأت التوافد من جميع دول الخليج العربي على المحافظة عبر منفذ سفوان بسياراتهم الخاصة، فضلاً عن المطار الدولي عبر الجو.

البدر ومن خلال تصريح له قال، إن الجماهير الخليجية تتوافد منذ أيام إلى البصرة بكثافة وتتجول في الكورنيش ومطاعم البصرة الشعبية وفي أزقّتها، وأضاف أن الجميع يتجول باطمئنان وكأنهم من أهالي البصرة، وقد عبّروا عن امتنانهم الكبير للكرم والضيافة البصرية. وأكد البدر أن عجلات الجماهير دخلت البصرة عبر الأراضي الكويتية وهي تحمل لوحات تسجيل دول الخليج، بعد أن أعطت السلطات العراقية التسهيلات والسماح بدخول هذه الجماهير بعجلاتهم دون تأشيرة دخول إلى الأراضي العراقية.

إلى ذلك، يتطلع العراق من خلال “خليجي 25” لكرة القدم للانتقال إلى مرحلة جديدة من علاقاته مع دول الجوار، وإعادة تجسير العلاقات التي شابتها الكثير من التوترات خلال السنوات الأخيرة ما بعد 2003، بإيصال رسالة إلى جواره العربي تؤكد عمق الأواصر والرغبة في بناء شراكات استراتيجية تساهم في دعم استقرار بلاد الرافدين والمنطقة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة