“البنك الدولي”، حذر يوم الثلاثاء الفائت من أن الاقتصاد العالمي سيقترب بشكل خطير من الركود هذا العام، مقادا بضعف النمو في جميع الاقتصادات الكبرى في العالم كالولايات المتحدة الأميركية وأوروبا والصين، وفي تقرير سنوي، قال “البنك الدولي”، الذي يقرض أموالا للدول الفقيرة من أجل مشروعات التنمية، إنه خفّض توقعاته للنمو العالمي هذا العام إلى النصف تقريبا بـ 1.7 بالمئة فقط، من أصل توقعاته السابقة البالغة 3 بالمئة.

تقرير “البنك الدولي“، يأتي في أعقاب توقعات متشائمة مماثلة قبل أسبوع من كريستينا جورجيفا، رئيسة “صندوق النقد الدولي”، حيث قدّرت جورجيفا أن ثلث العالم سيقع في حالة ركود هذا العام، وقالت جورجيفا، “بالنسبة لمعظم اقتصادات العالم، سيكون هذا عاما صعبا، أصعب من العام الذي نتركه وراءنا لأن الاقتصادات الثلاثة الكبرى – الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والصين – تتباطأ جميعها في وقت واحد”.

واقع اقتصادي يطرح أسئلة حول أسباب الركود الاقتصادي، وتأثير رفع الفائدة في الدول الكبرى على الدول الفقيرة، وما الحلول لتجاوز هذا الركود.

أسباب الركود الاقتصادي

تقرير لمركز أبحاث الاقتصاد والأعمال البريطاني “سي إي بي آر”، أشار إلى أن الاقتصاد العالمي يواجه ركودا في 2023 بسبب ارتفاع تكاليف الاقتراض بعد أن أدى ارتفاع التضخم إلى انكماش عدد من الاقتصادات.

التقرير السنوي للمركز ذكر أن حجم الاقتصاد العالمي تجاوز 100 تريليون دولار للمرة الأولى هذا العام، لكن النمو سيتوقف العام المقبل مع استمرار صانعي السياسات المالية في معركتهم ضد معدلات التضخم المرتفعة.

البنك الدولي

“صندوق النقد الدولي” كان قد حذّر في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، من أن أكثر من ثلث الاقتصاد العالمي سيواجه انكماشا العام المقبل وأن هناك فرصة بنسبة 25 بالمئة أن ينمو الناتج القومي الإجمالي العالمي بأقل من 2 بالمئة، وهو ما يعني ركودا عالميا.

حول توضيح الأسباب للركود المتوقع، يشير الدكتور حاتم البنا، الخبير الاقتصادي، خلال حديثه لـ”الحل نت”، إلى أن الركود كمصطلح اقتصادي يشير إلى الانخفاض في الناتج المحلي الاجمالي للبلدان على أن يكون بشكل شبه مستدام لا يقل عن رُبعين متتاليين على الأقل ويُعد ذلك الشرط الهام لتفادي إطلاق وصف الركود على التقلبات العرضية في مستويات العرض، وليعكس انخفاضا مستداما في قدرات جانب الطلب الكلي.

حسب البنا، للوصول إلى تقدير وبناء توقع لمعدلات النمو الاقتصادي لابد من تحليل عناصر العملية الإنتاجية للاقتصاد حيث يحرك الاقتصاد عنصري العرض والطلب بصورة أساسية، وعند النظر إلى جانب العرض “الإنتاج” يلاحظ أن مستويات العرض قد تعرضت بالفعل لهزات عنيفة خلال السنوات الماضية بسبب عناصر خارجية “أي لا ترتبط بمستوى الطلب العالمي” بدءا من تفشي “كورونا” وحالات الإغلاق وتوقف الإمدادات بالإضافة إلى الحرب الروسية الأوكرانية.

إقرأ:تغيّر المناخ في كينيا.. طريق نحو الصراع على “الموارد”؟

أما عن عنصر رفع تكلفة رأس المال “معدلات الفائدة” كعنصر حاكم في العملية الإنتاجية، فمن المعروف أن معدلات الفائدة التي يتحكم فيها بصورة أساسية البنوك المركزية في جميع دول العالم، يتم تحديدها سواء بالزيادة او الانخفاض من أجل علاج مشكلة اقتصادية وليس من أجل خلق مشكلة اقتصادية.

الدول الفقيرة هي الأكثر تأثرا بالركود الاقتصادي

تقرير “البنك الدولي” أشار إلى أن ارتفاع أسعار الفائدة في الاقتصادات المتقدمة مثل الولايات المتحدة وأوروبا سيجذب رأس المال الاستثماري من البلدان الأكثر فقرا، وبالتالي يحرمها من الاستثمار المحلي الحيوي. وفي الوقت نفسه، قال التقرير، إن أسعار الفائدة المرتفعة هذه ستبطئ النمو في البلدان المتقدمة في وقت أبقى فيه غزو روسيا لأوكرانيا أسعار الغذاء العالمية مرتفعة.

بحسب التقرير، سوف يقع تأثير الانكماش العالمي بشكل خاص، على البلدان الأكثر فقرا في مناطق مثل الصحراء الكبرى في إفريقيا، التي تضم 60 بالمئة من فقراء العالم.

بحسب البنا، فإن العديد من العوامل أدت لتأثر الدول الفقيرة بالركود الاقتصادي، وخاصة استمرار الحرب الروسية الأوكرانية، لذلك فإن التوقعات للعام القادم تكاد تكون سيئة للغاية خاصة للدول التي تُصنّف ضمن الاقتصادات الأشد فقرا، والتي من المرجح أن تكون غير قادرة على الحصول على الكثير من العوامل الأساسية المساعدة لها كالكهرباء والأسمدة والحبوب والبذار، وهذا ما قد يعيق نموها الاقتصادي وقدرتها على مواجه الركود الاقتصادي القادم.

أيضا حسب البنا، فإن هذه الدول ستواجه مشاكل أخرى نتيجة الضعف في الجانب التجاري، تتمثل في التدني في مستويات التعليم والصحة زيادة نسبة الفقر، والضعف في البنى التحتية وتأثيرات المناخ السلبية، وهو ما سيدفع للحاجة إلى موارد أكبر لمواجهة كل ذلك.

ما الحلول لمواجهة الركود الاقتصادي؟

“البنك الدولي” يضيف في تقريره، أنه إلى جانب السعي للحصول على تمويل جديد حتى يتمكن من إقراض المزيد للبلدان الفقيرة، يسعى “البنك الدولي”، من بين أمور أخرى، إلى تحسين شروط الإقراض التي من شأنها زيادة شفافية الديون، خاصة بالنسبة للحصة المتزايدة من البلدان الفقيرة المعرّضة لخطر كبير من ضائقة الديون.

مناطق فقيرة في إفريقيا

البنا يرى أن المشكلة الحقيقية في جانب العرض ليست مستدامة كما أنها ليست ناتجه عن رد فعل لانخفاض وتغير مستدام في الطلب العالمي، أيضا فإن جانب العرض كأحد عناصر النشاط الاقتصادي بالفعل يعاني من مشاكل تعيق عمليات الإنتاج بشكل عام ولكن هي مشاكل مؤقتة أو عَرَضية ويستطيع الاقتصاد الدولي تجاوزها. خاصة مع ما يشهده العالم من تطور فائق في تكنولوجيا الانتاج سواء من حيث تطوير في القدرات الإنتاجية بتكلفة أقل من خلال ترشيد المواد الخام المطلوبة. فضلا عن تنافسية المجتمع الدولي والشركات الكبرى والتي ترى في نقص المعروض من منافس لها فرصة لاحتلال السوق. ومن ثم فإن هناك رؤية متفائلة بشكل عام من حيث القدرة على تعافي الاقتصاد الدولي من جانب العرض.

أما بالنسبة لجانب الطلب، يرى البنا، أن ليس هناك تغيرات جوهرية في أنماط الاستهلاك أو الطلب الكَمي على المستوى الدولي حيث لاتزال هناك دول قادرة على أن تكون في الجانب المستفيد من موجة الزيادة في الأسعار العالمية مما سوف يُعاد ضخه في جانب الطلب مرة أخرى.

البنا نوه إلى أن الاقتصادات في الدول النامية لا بد أن تعمل على الاستفادة من هذا الركود الاقتصادي، فهو فرصة سانحة لبناء اقتصاداتها الناشئة بشكل أكثر حداثه، فالملاحظ أنه منذ السنوات الأخيرة أصبحت منطقة أوروبا وآسيا المتقدمة مناطق توترات ساخنة سياسا واقتصاديا، وفي المقابل أصبحت المنطقة العربية منطقة أكثر هدوءا وأمانا وأكثر جذبا للاستثمار.

لذلك على الدول العربية انتهاز هذه الأزمة المؤقتة التي تشهدها أوروبا وأميركا في جذب رؤوس الأموال الأجنبية والاستفادة من موجة الارتفاع العالمي في أسعار السلع الاساسية التي ينتجها العالم العربي بوجه خاص في بناء وتراكم رأسمال مستقبلي، كما على هذه الدول انتهاز فرصة توقف أدوات الإنتاج في مناطق العالم التي تشهد توترا في بناء مصانع وأدوات انتاجية توفر إمدادا بديلا لهذه المنتجات العالمية.

بشكل مختصر، لمواجهة الركود فلا بديل عن مضاعفة الطاقات الإنتاجية ليس فقط بغرض الهروب من الركود ولكن أيضا للاستفادة من الركود العالمي، والصعود على قمة النمو الاقتصادي خلال العقد القادم، حسب البنا.

اقتصاد عالمي مُقبِل على الدخول في ركود خلال العام الحالي، لكن السؤال الأكثر إلحاحا هو، هل سيكون الدخول في هذا الركود أمرا حتميا، أم أنه يوجد احتمالات لتجنبه إذا ما اتخذت السلطات المالية والنقدية إجراءات معينة.

قد يهمك:“مهاجرو المناخ”.. لماذا يرفض العالم منحهم صفة اللاجئين؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.