معارضة غير منظمة وقلق يسود “العدالة والتنمية”.. المشهد الانتخابي التركي متقلب؟

مع اقتراب موعد الانتخابات التركية العامة لا زال الغموض يلف نتائجها، في ظل توقعاتٍ بأن تكون المنافسة قوية بين حزب “العدالة والتنمية” والمعارضة التركية، نظرا لأهمية هذا الاستحقاق الذي سيفضي إلى انتخاب رئيس للبلاد، إلى جانب 600 عضو في البرلمان التركي.

مقابل اتفاق “تحالف الشعب” المؤلف من حزبي “العدالة والتنمية” و”الحركة القومية” على ترشيح رجب طيب أردوغان لولاية رئاسية ثالثة، لم تحسم الطاولة السداسية “تحالف المعارضة”، التي تضم أكبر أحزاب المعارضة التركية، مرشحها الموحد لمنافسة أردوغان، في الانتخابات المقررة في حزيران/يونيو المقبل، إذ من المحتمل تقديم موعدها لأسابيع.

في الاجتماع العاشر لتحالف المعارضة الذي عُقد مطلع كانون الثاني/يناير الجاري في أنقرة، بحضور زعيم حزب “الشعب الجمهوري” كمال كلجدار أوغلو، وزعيمة حزب “الجيد” ميرال أكشنر، ورئيس حزب “السعادة” تمل قره موللا أوغلو، ورئيس حزب “دواء” علي باباجان، ورئيس حزب “المستقبل” أحمد داود أوغلو، ورئيس “الحزب الديمقراطي” غولتكين أويصال، تم الإعلان عن اتفاق الأحزاب على خريطة طريق المرحلة الانتقالية في حال فوزهم في الانتخابات وتوليهم الحكم، والبرنامج الحكومي المشترك، من دون أن يتم الإعلان عن المرشح الموحد.

في حين أن المتوقع أن يُسمي تحالف المعارضة مرشحه الموحد في اجتماع الطاولة السداسية القادم، المقرر في نهاية كانون الثاني/يناير الجاري، فإن التكهنات تصب عند أكثر من شخصية منها رئيس حزب “الشعب الجمهوري” كلجدار أوغلو، ورئيس بلدية أنقرة منصور يافاش، وعلي باباجان رئيس “حزب دواء”، وذلك بعد عدم وضوح إمكانية ترشح رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أغلو، القيادي في حزب “الشعب الجمهوري” أكبر أحزاب المعارضة التركية، على خلفية القرار القضائي ضده.

انتقادات للمعارضة

على نحو متصاعد، يتعرض تحالف المعارضة للانتقادات نتيجة عدم تسمية مرشحه بعد، وفي هذا الإطار نقلت وكالة الأنباء الفرنسية “فرانس برس” عن دبلوماسي غربي قوله قبل أيام، إن “المعارضة التركية تبدو غير منظمة بشكل كبير”، متسائلا “ما هو برنامجها”.

الوكالة الفرنسية، نقلت كذلك عن الباحث كمال كيرسجي من مركز أبحاث “بروكينغز إنستيتيوشن” الأميركي، استغرابه من أن تكون المعارضة “مجردة وبعيدة من الناخبين، لا سيما في بلد يخضع فيه الإعلام بشدة لسيطرة الحكومة، ما لا يسمح بنقاش مفتوح”.

قد يهمك: تركيا والمعارضة السورية: ما مصلحة أنقرة في التطبيع مع حكومة دمشق؟

مصادر تركية مواكبة، عزت تأخر تحالف المعارضة في تسمية مرشحه المنافس لأردوغان، إلى حنكة الأخير ودرايته السياسية الواسعة.

هو ما أكد عليه رئيس حزب “السعادة” تمل قره موللا أوغلو، قبل أيام، عندما وصف في ظهور متلفز أردوغان بـ”الجرافة”، قائلا “لا يعنيني أولئك الذين يتلهفون دوما إلى تحديد مرشحنا للانتخابات، ولكن البعض يظن بأنه إذا تم ترشيح إمام أوغلو، أو منصور يافاش فالفوز سيكون حليفنا، وهذا تصور مبني على الجهل، فهم يستخفون بخبرة أردوغان السياسية، وإمكانياته المالية، ونفوذه في القضاء، فهو كالجرافة قادر على السير وسحق منافسيه”.

حظوظ المعارضة

الكاتب والباحث التركي طه عودة أوغلو، يرى أن عدم قدرة تحالف المعارضة على تسمية المرشح الموحد، وعدم وضوح ما تم الاتفاق عليه بين أطرافها، تضعف من حظوظها بمواجهة أردوغان.

خلال حديثه لـ”الحل نت”، يشير الكاتب إلى حالة الإرباك في صفوف المعارضة، ويعتبر أن كل ذلك يصب في مصلحة الحزب الحاكم وأردوغان، وأن الأخير يوظف النجاحات التي تحققت على الصعيد الداخلي، في الحسابات الانتخابية القادمة.

في حال واصلت المعارضة نهجها، حسب عودة أوغلو، أي لم تعلن عن مرشحها وبرنامجها، فإنها ستكون بذلك قد قدمت نفسها ورقة لـ”العدالة والتنمية”، ويشير إلى “حالة التململ التي تسود الشارع التركي من أداء المعارضة، وخاصة في الشارع المستاء من أداء الحكومة الحالية”، وفق تعبيره.

في مسح أجرته شركة “أوبتيمر” للأبحاث، في الفترة ما بين 27 كانون الأول/ ديسمبر العام الفائت، و1كانون الثاني/ يناير الجاري على 2001 شخص، حصل أردوغان على نسبة 42.1 بالمئة من أصوات المستطلعين، يليه في المرتبة الثانية زعيم حزب “الشعب الجمهوري” كمال كليتشدار أوغلو بنسبة 10.5 بالمئة.

رئيس بلدية أنقرة منصور يافاش جاء في المرتبة الثالثة بعد كلجدار أوغلو بنسبة 8.4 بالمئة، يليه الزعيم الكردي صلاح الدين ديمرتاش بنسبة 5.1 بالمئة، ورغم قرار المحكمة بشأن الحظر السياسي، فقد جاء إمام أوغلو في المرتبة الخامسة بنسبة 4.8 بالمئة، وجاءت زعيمة حزب “الجيد” ميرال أكشنار بالمرتبة السادسة بنسبة 4.6 بالمئة.

إن الانقسامات واضحة بين أحزاب الطاولة السداسية، ولا يجمع هذه الأحزاب إلا الاتفاق على إسقاط الرئيس أردوغان، بحسب حديث الكاتب والمحلل السياسي التركي يوسف كاتب أوغلو، لـ”الحل نت”.

كاتب أوغلو، يلفت في حديثه إلى الخلافات داخل الحزب الواحد، ويوضح أن “أكبر أحزاب المعارضة الشعب الجمهوري، لا زال منقسما على مستوى ترشيح كلجدار أوغلو من عدمه، وما تزال المعارضة متخبطة للآن، ونحن نقترب من الانتخابات أكثر”.

أحزاب المعارضة تحاول فرض شروطها على بقية أحزاب التحالف، بحسب كاتب أوغلو، ما يعني أن فُرص المعارضة تبقى ضعيفة، وخاصة مقارنة بموقف “تحالف الشعب الموحد”.

أما الاستطلاع الذي أجرته شركة “أو آر سي” للأبحاث، وشمل 4220 شخصا في 42 منطقة في تركيا ما بين 19و22 كانون الأول/ ديسمبر 2022، فقد أظهر أرقاما مختلفة عن تلك التي أظهرتها شركة “أوبتيمر” للأبحاث.

حيث حصل حزب “العدالة والتنمية” على 31.2 بالمئة، وحليفه “الحركة القومية” حصل على 7.1 بالمئة، فيما حصل “الشعب الجمهوري” على 24.2 بالمئة، وأظهر تقدما لـ”حزب الجيد” الذي حصل على 17.5 بالمئة، فيما أظهر المسح انخفاضا في التصويت لحزب “الشعوب الديمقراطي” الذي حصل على 7.5 بالمئة.

أما حزب “المستقبل” الذي يقوده أحمد داود أوغلو فحصل على 2.4 بالمئة، و”الديمقراطية والتقدم” الذي يقوده علي باباجان على 2.3 بالمئة.

قد يهمك: خطوة تركية جديدة باتجاه التطبيع مع دمشق.. ما حقيقتها؟

بذلك لا يمكن إغلاق الباب على احتمالية خسارة حزب “العدالة والتنمية” وأردوغان للانتخابات، لحساب المعارضة، وتفاديا لمثل هذا السيناريو، ذهبت الحكومة التركية إلى تبني توجهات جديدة، لمجاراة مزاج الناخب التركي في قضايا عديدة، لعل أبرزها ملف اللجوء، والملف السوري.

في هذا الصدد، يقول يوسف كاتب أوغلو، إن “الفترة التي تفصلنا عن الاستحقاق الانتخابي ستكون ساخنة جدا، لا ننسى أن هناك أكثر من 6 ملايين ناخب تركي سيصوت في الانتخابات للمرة الأولى، وهذا ما يجعلنا نعتقد أن الانتخابات لن تكون سهلة”، وفق تعبيره.

قلق في أوساط “العدالة والتنمية”

لا يمكن فصل التوجهات التركية الرسمية الجديدة في السياسة الخارجية، عن المخاوف التي تعتري الحكومة التركية من نتائج غير متوقعة قد تسجلها الانتخابات القادمة.

هذا التوجه يظهر جليا في تبني “العدالة والتنمية” مسار التطبيع مع حكومة دمشق، حيث يشهد هذا المسار زخما كبيرا، وسط تقديرات تُرجِع هذا التوجه إلى الحسابات الانتخابية، حيث يحاول الحزب الحاكم سحب ورقة العلاقات المتأزمة مع دول الجوار.

انتقالا إلى ملف اللاجئين، أعلن “العدالة والتنمية” كذلك عن خطة إعادة مليون ونصف مليون لاجئ سوري إلى الشمال السوري، نزولا عند رغبة الشارع التركي الذي بات ينظر بتوجس إلى وجود أعداد كبيرة من اللاجئين في تركيا.

من جهة أخرى، يشكل ارتفاع معدل البطالة في تركيا إلى 10.2 بالمئة، تحديا محتملا لأردوغان في الانتخابات، وتوقّع تقرير نشرته قناة “سكاي نيوز” في كانون الأول/ديسمبر العام الماضي، أن يظل النمو الاقتصادي متراجعا قُبيل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية.

الوظائف والناتج المحلي الإجمالي يشكلان عاملين لا يمكن التنبؤ بهما في الانتخابات بالنسبة للرئيس أردوغان، الذي تضررت سمعته السياسية المؤيدة للنمو في السنوات الأخيرة جراء ارتفاع التضخم وانهيار الليرة إلى مستويات متدنية تاريخية، وفق ما نقلته القناة عن مسؤولين أتراك.

بعيدا عن نتائج مراكز استطلاعات الرأي المتضاربة، يتوقع العديد من المراقبين ألا تُحسم الانتخابات في جولة واحدة، والأرجح أن تشهد جولتين أولى وثانية، وهو السيناريو الذي سيربك حسابات “العدالة والتنمية” و”المعارضة” أيضا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.