مسار قضائي جديد، يسلكه لبنان للتحقيق في قضايا فساد مرتبطة بالإثراء غير المشروع وبتهريب وتبيض أموال عبر المصارف أيضا، تمثل ذلك بوصول ثلاثة وفود قضائية من ألمانيا وفرنسا ولوكسمبورغ، في مهمة محصورة باستجواب أشخاص، تم استجوابهم سابقا لدى القضاء اللبناني، بصفة شهود باستثناء شخص واحد سيتم استجوابه بصفة مشتبه فيه.

هذا الأمر تسبب في سجال سياسي داخلي بين قوى ترى في مهمة الوفود الأوروبية تعديا على السيادة القضائية اللبنانية، وأخرى تجد فيها ترجمة لعجز القضاء اللبناني عن التحرر من السطوة السياسية.

من المفترض أن تبقى الوفود الأوروبية في بيروت حتى 20 من الشهر الحالي، وستنجز مهماتها بقصر العدل في بيروت، الذي يضع اللمسات الأخيرة على التحضيرات اللوجيستية والتقنية لمواكبة عملهم، بحسب موقع “الجزيرة نت”.

الوفود تنسق عملها مع المدعي العام للتمييز اللبناني القاضي غسان عويدات وتحت إشرافه، باعتباره رأس النيابات العامة، وسبق أن أبلغ الدول الثلاث بتسهيل مهام وفودها في بيروت. لكن حتى الآن، لم يصدر بيان رسمي يحدد أسماء المشاركين في الوفود الأوروبية، لكن المعطيات تشير إلى أنها ستضم قضاة ومدعين عامين.

مهمة الوفود

الوفد الأوروبي لديه تحقيقات منفصلة متعلقة بملفات مالية لبنانية، على خلفية تحويلات أموال حصلت بمبالغ طائلة من لبنان إلى دول بأوروبا، هذه الدول فتحت بها تحقيق ولديها شكوك بأن هذه الأموال ناتجة عن تبيض أموال أو الهدف منها تبيض أموال، بحسب حديث الصحفي المختص بالشؤون القضائية يوسف دياب، لـ”الحل نت”.

الدول التي تم التحويل عليها من لبنان، تعتقد أن هذه الأموال ناتجة عن مصادر غير شرعية، وبأن هناك عملية فساد، وفق دياب؛ لذلك قاموا بفتح تحقيق في لبنان وحجزوا على قسم كبير من هذه الأموال، وقدومهم اليوم لبيروت، حتى يبحثوا عن أدلة ومستندات تعزز الشبهات الموجودة لديهم، ويأخذوا معلومات إضافية أيضا، بحسب تعبيره.

ملف الفساد في لبنان جامد، يقول دياب، إذ لا يوجد ملف فساد يتم التحقيق فيه اليوم بلبنان، حيث يوجد ملف يتعلق بحاكم مصرف لبنان رياض السلامة، والأموال التي حولها إلى الخارج وعقارات موجودة لديه، لكن هذه الملف مجمّد إلى الآن، لأن النيابة العامة ببيروت لم تدع عليه، وتوجد إشكالية قانونية حول السير بهذه الدعوة، لذلك الملف إلى الآن مجمّد، ولا يوجد إي إجراء في الوقت الحالي لفتحه.

قد يهمك: مضاعفة الدولار الجمركي.. سياسات الحكومة تربك الأسواق اللبنانية؟

دياب يرى أن الوفد الأوروبي جاء ليحقق بالمعطيات التي يمتلكها، ويدخل على الملف اللبناني حتى يحركه، أو يقتبس منه المعلومات التي ممكن أن تفيده وتجعله يوجه ادعاءات أو اتهامات للأشخاص اللبنانيين الذين يشك بهم، واستبعد أن يكون ملف تفجير مرفأ بيروت، من الملفات التي سيفتحها الوفد، لأن الوفود الأوربية قادمة للتحقيق بالملفات المالية والفساد.

إلا أن دياب، نوه إلى أن وفد قضائي فرنسي سيصل إلى لبنان في 24 من الشهر الجاري، للتحري عن ملف انفجار المرفأ، وإلى أين وصلت التحقيقات فيه، ولماذا هي مجمّدة إلى الآن، خصوصا أن من بين الضحايا من يحملون الجنسية الفرنسية.

دياب يشير أيضا إلى أن استنابات كان قد أرسلها القضاء الفرنسي للبنان قبل عدة شهور للإجابة عليها، لكن إلى الآن لم يتم الإجابة عنها، لأن قاضي التحقيق العدلي عادل بيطار، أوقف التحقيق عن الملف لديه، بسبب الدعاوى المرفوعة ضده، ولا يستطيع التحقيق فيها الآن، ولا يستطيع أن يجاوب على هذه الاستنابات، وفق تعبيره.

لم يعلن رسميا عن أسماء اللبنانيين الذين سيتم الاستماع إلى إفاداتهم، في وقت تشهد فيه بيروت تسريبات عن لائحة أسماء تضم عددا كبيرا من المسؤولين عن الملف المالي في لبنان، بالإضافة إلى مدراء مصارف ومدققين ماليين، للاستماع إلى إفاداتهم حول ملفات مرتبطة بقضايا تبييض وتهريب أموال واختلاس وإثراء غير مشروع، وباعتبار أن ثمة جرائم مالية لبنانية ارتكبت على الأراضي الأوروبية.

دياب تحدث عن معلومات حول اجتماع الوفود مع القاضي عويدات لتحديد آلية التحقيق، وأسماء القضاة المشاركين، وكيفية طرح الأسئلة على المدعى عليهم، وآلية حصول الوفود الأوروبية على محاضر التحقيق الرسمية.

قانونية الزيارة

زيارة الوفد الأوروبي إلى لبنان، تأتي تنفيذا لأحكام اتِّفاقيَّة الأُمم المتحدة لمكافحة الفساد الصّادرةِ عام 2003 والتي صادق عليها لبنان، والملزمة للدول الموقعة عليها في مجال تلبية طلبات المساعدة القضائيّة في إطارِ مكافحة الفساد بغرضِ الاستماع إلى إفادات عدد من المسؤولين الماليين في لبنان.

الأشخاص المطلوب استجوابهم يبلغ عددهم 15 شخصا، وليس بينهم حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، والملفات التي سيحقق بها الوفد القضائي تندرج تحت باب الفساد، وهو الملف ذاته الموجود في النيابة العامة الاستئنافية والمتوقف منذ فترة، بحسب موقع “لبنان 24”.

الأصول القانونية تنطبق على التدابير المتخذة بشأن زيارة الوفد، فالنيابة العامة وضعت الآلية القانونية المناسبة، وتم اشتراط توحيد الإجراءات لعدم تبليغ الأشخاص المعنيين ثلاث مرات، والاستجوابات ستتم في قصر العدل.

اقرأ أيضا: هل سيتكرر مشهد اقتحام المصارف اللبنانية؟

مهمة الوفد الأوروبي لا تنتقص من السيادة القضائية اللبنانية، بحسب يوسف دياب، لأن لبنان ملزم بما تنص عليه الاتفاقية الدولية لجهة مكافحة الفساد المالي بوصفه جريمة عابرة للحدود وليست محلية، وفق تعبيره.

في حال امتنعت بيروت عن التجاوب مع الوفد الأوروبي، فذلك سيكون بمثابة الإفلات من العقاب واستمرار للفساد والسرقات، ويتوقع أن يواجه عمل الوفد عقبات من قوى سياسية نافذه إذا مست مصالحها، وخاصة من قبل “حزب الله” اللبناني الذي يتدخل بكافة تفاصيل الدولة.

لم يصدر موقف رسمي من “حزب الله” على وصول الوفد القضائي الأوروبي للبنان، لكن بنظر دياب، إن “الحزب ضمنيا لن يكون مسرورا بقدومهم لأنهم سيدخلون في ملفات فساد تتعلق بالداخل اللبناني”، على حدّ تعبيره.

متهم وليس مشتبه به

صحيفة “الأخبار” اللبنانية، نشرت في 9 من الشهر الجاري، أن “رياض سلامة سيمثل أمام الوفد القضائي الأوروبي بصفته متهما وليس كمشتبه به”.

الصحيفة قالت إنها حصلت على “نسخة مترجمة طبق الأصل، مصدّقة من مترجمة محلّفة ومفوضة من المحكمة الإقليمية في مدينة هانوفر الألمانية، لإحدى مراسلات طلب المساعدة القضائية، مؤرخة بتاريخ 18 آب/أغسطس العام الماضي، وصلت إلى دائرة العدل المختصة في الجمهورية اللبنانية، موجّهة من هايدنرايش، رئيس النيابة العامة في ميونيخ 1، ولاية بافاريا الألمانية”.

المراسلة تطلب المشاركة في التحقيقات الجنائية، والاطلاع على ملفات في قضية تحقيق ضد رياض سلامة، رجا سلامة، ماريانا هويك، مروان عيسى الخوري، نادي سلامة وغابرييل رينيه ايميل جان، بسبب غسيل الأموال، بحسب الصحيفة.

الأبرز في هذه المراسلة، بحسب الصحيفة، أنها تصف أصحاب الأسماء المذكورة أعلاه بـالمتهمين وليس المشتبه فيهم، إذ يشير رئيس النيابة العامة في ميونيخ إلى “أنني أعلم حضرتكم أنه يتم، من الآن فصاعدا، إجراء التحقيقات بسبب غسيل الأموال بحسب المادة 261 من قانون العقوبات الجنائية الألماني في القضية المعلقة لدى النيابة العامة في ميونيخ 1 ضد المتهمين الستة السالف ذكرهم”.

ما سيشهده لبنان قضائيا، بحسب دياب، يؤكد للبنانيين والعالم، أن القضاء اللبناني غير قادر على بلوغ العدالة منفردا، ولو استطاع مثلا إصدار أحكام متقدمة في القضايا المصرفية والمالية لما حضرت هذه الوفود الأوروبية، وكانت استند لتحقيقاتها للأحكام المثبتة بلبنان، على حد قوله.

مراقبون للوضع في لبنان يعتقدون بأن التحقيقات التي سيجريها الوفد الأوروبي لن تصل إلى أي نتيجة تصب في صالح اللبنانيين الذين فقدوا مدخراتهم في المصارف، وإن هذه الإجراءات لن يتضرر منها المسؤولون السياسيون، لأنهم سيكونون قادرين على العرقلة، فيما الهدف الأساسي هو رصد العمليات المالية الحاصلة ومنع تأثيراتها السلبية على تلك الدول.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.