بعد أشهر من الاحتجاجات غيرت السلطات الإيرانية تكتيكاتها بشأن القوانين الصارمة المفروضة على لباس النساء و تغطية رؤوسهن، في محاولة لإضعاف الدعم للتظاهرات المناهضة للحكومة، والتي اندلعت إثر وفاة مهسا أميني التي كانت في قبضة “شرطة الأخلاق” بتهمة مخالفة تلك القوانين، وفقا لما نقلته صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية.

إيران أصدرت سياسات جديدة توجه الشرطة بالامتناع عن اعتقال النساء اللواتي يخالفن قواعد اللباس الصارمة، وفرض غرامات عليهن، وفقا لما نقلته وكالة “إيسنا” الإيرانية، عن المدعي العام، محمد جعفر منتظري، وتتعدى الغرامات الجديدة المُخالِفات إلى من يسمح لهن بالخروج عن القواعد الصارمة، مثل سيارات الأجرة والمطاعم والبنوك، في حال استقبال نساء من دون حجاب.

من جهة ثانية، تقوم أجهزة الأمن الإيرانية باعتقال النساء حتى بعد عدة أيام من مخالفتهن لقواعد اللباس، حيث يجري تتبعهن ورصدهن باستخدام تكنولوجيا التعرف على الوجه الصينية المنشأ، ليُصار إلى اعتقالهن.

نهج إيراني غير متغير يدعو للتساؤل حول الإصرار الإيراني على فرض الحجاب، وهل يمكن للتقنية الجديدة في التعرف على الوجوه إعادة فرض القيود على اللباس، وهل ستؤثر هذه الأساليب على الاحتجاجات، وما هو مستقبل الاحتجاجات.

لماذا تصر طهران على إلزامية الحجاب؟

بحسب الصحيفة الأميركية، فإن الاحتجاجات التي تشهدها البلاد نابعة عن 40 عاما من الاختلاف حول الحجاب القسري، والذي يرى فيه المواطنون تجسيدا للحكم الاستبدادي، بالأخص في ما يتعلق بالفئات الأكثر علمانية في المجتمع.

احتجاجات إيران

الصحيفة نقلت عن ناشطين استبعادهم امتناع السلطات عن فرض الحجاب القسري، مشيرة إلى أنه لا توجد مؤشرات رسمية على حل “شرطة الأخلاق”، عدا تصريحات المدعي العام، الشهر الماضي، في وقت يرى فيه ناشطون أن الحجاب القسري سيظل ساريا لأنه “حجر أساس لنفوذ الحكومة”.

كما نقلت الصحيفة عن ناشطين قولهم، إن قواعد اللباس الصارمة تُعد “وسيلة يستخدمها النظام لفرض سيطرته على المجتمع”.

من جهة ثانية، تلجأ طهران إلى التكنولوجيا الصينية لمحاصرة النساء والتضييق عليهن من خلال مراقبة مدى التزامهنّ بقواعد اللباس المفروض في البلاد، ما يعني مزيدا من القيود على الحرية الشخصية.

وفق تقرير نشره موقع “وايرد” المتخصص بالتكنولوجيا تقوم أجهزة الأمن الإيرانية باعتقال النساء حتى بعد عدة أيام من مخالفتهن لقواعد اللباس، حيث يجري تتبعهن ورصدهن باستخدام تكنولوجيا التعرف على الوجه الصينية المنشأ، ليصار إلى اعتقالهن.

قد يهمك:محاكمات للمتظاهرين في إيران وتخوف من إعدامات جماعية

في هذا السياق، يرى الدكتور إسماعيل تركي، الخبير في الشؤون الدولية، خلال حديثه لـ”الحل نت”، أنه على الرغم من أن حلّ “شرطة الأخلاق” ظاهريا، فإن هناك بدائل فرضها النظام الإيراني في المجتمع الإيراني، لا سيما بوجود الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، المحسوب على التيار المتشدد، الذي ينادي بالبعد من كل ما هو غربي، ومن ثم التشدد في فرض قيود على المرأة في الشوارع والمؤسسات، حسب خطة وضعتها حكومته لفرض الالتزام بقواعد اللباس والحجاب في المؤسسات والهيئات قد يكون هذا أحد أهم الأسباب على إصرار طهران على فرض الحجاب والتشدد تجاه لباس النساء لأن ذلك يكرّس سيطرة النظام الإيراني على المجتمع.

ما مدى تأثير أساليب طهران على الاحتجاجات؟

الاحتجاجات في إيران لا تزال مستمرة، إلا أنها تضاءلت خلال الأسابيع الماضية، بعد أن أعدمت السلطات أربعة أشخاص على الأقل واعتقلت أكثر من ألف آخرين ممن تربطهم علاقة بالاحتجاجات التي شهدت مقتل مئات على أيدي قوى الأمن.

أيضا ساهم الأسلوب الجديد المتمثل بالمراقبة بالكاميرات الصينية الحديثة في الحد من الاحتجاجات، حيث  أن أنماط الاعتقالات تظهر أن تقنية التعرف على الوجوه قيد الاستخدام بشكل فعلي في إيران.

تقرير “وايرد” أشار إلى أن الحكومة الإيرانية أمضت سنوات في بناء جهازها الرقمي للمراقبة، إذ أنها تمتلك قاعدة بيانات الهوية الوطنية، والتي تتضمن بيانات بيومترية تمكنها من تحديد الأشخاص الذين تعتبرهم السلطات منشقين.

أيضا ولزيادة الضغط على الإيرانيين، تحدثت تقارير أن الصين زودت إيران بأنظمة مراقبة جماعية والتي ستغطي غالبية سكان إيران، حيث وضع ما يقارب 15 مليون نقطة كاميرات مراقبة في أكبر مدن في البلاد، وأشار تقرير نشره موقع “أويل برايس” إلى أن أنظمة المراقبة في إيران سيتم ربطها مع خوارزميات نظام المراقبة الصيني، ما يعني أن قاعدة البيانات الإيرانية ستصبح جزءا من قاعدة البيانات الصينية.

بحسب تركي، ”مع  تحوّل الاحتجاجات لتصبح أكثر بكثير من مجرد حق خاص بارتداء الحجاب من عدمه، بعد مقتل مهسا أميني إثر تعذيبها في مركز الشرطة لمخالفتها القواعد الإلزامية لشكل الحجاب، الأمر الذي أدى إلى خروج المواطنين في جميع المحافظات الريفية والحضرية للمطالبة بتقييد ممارسات ما يعرف بشرطة الأخلاق، ثم تطورت الاحتجاجات للمطالبة بإسقاط النظام الإيراني بشكل كامل.”

 لكن أي إجراءات وتضييق على لباس النساء قد لا يؤتي نتائجه المباشرة فقد اتسعت دائرة الاحتجاجات في حجمها ومكانها فهي الأوسع انتشارا في المدن الرئيسية والاطول زمانيا حيث تعدت أربعة أشهر دون توقف وأصبحت تهدد استقرار النظام بشكل كبير بعد الدعوات الخارجية لتأييد هذه الاحتجاجات.

أما ما يستعمله النظام من تقنيات حديثة كتقنية التعرف على الوجوه أو التضيق عن طريق سحب السيارات من السيدات التي لا تلتزم و حتى عدم توفير أماكن لهم والتضييق عليهم في المصالح الحكومية هي كلها أساليب قد لا تجدي نفعا مع حالة الاحتجاج الموجودة حاليا، والتي باتت بالنسبة للشعب الإيراني تتعلق بمنظومة كاملة يجب أن تتغير، حسب تركي.

مستقبل الاحتجاجات في إيران

حتى الآن وبعد مضي أكثر من أربعة أشهر على بدء الاحتجاجات في إيران، فإن السلطات الإيرانية لم تتمكن من إيقافها على الرغم من العديد من الوسائل التي لجأت إليها من اعتقال للمحتجين وقتل المئات منهم واستخدام مختلف أساليب العنف.

تضامن مع الاحتجاجات في إيران

بحسب تركي، فإن الاحتجاجات لن تتوقف حتى وإن ضعفت في بعض الأوقات، حيث أن انضمام الجيل الجديد الذي ولد بعد العام 2000 المطلع على العولمة والإنترنت، والذي استشعر الفارق بين المجتمع الإيراني والمجتمعات الأخرى من حيث الحريات والانفتاح التكنولوجي، ومن ثم كان إصرار الأجيال الجديدة يشتد، لا سيما مع مقتل كثير من الأطفال وأجيال شابة، كل هذا لن يوقف الاحتجاجات.

أيضا فإن تعامل النظام الإيراني مع الاحتجاجات بالعنف والقمع، الذي امتد ليشمل الاعتقالات الجماعية وأحكام الإعدامات، فضلا عن قطع الإنترنت وعمليات الخطف والتعذيب والترهيب، لم تمنع الشعب الإيراني من المقاومة ومواصلة احتجاجاته في الشوارع، ولم يظهروا أي علامات على التراجع، خاصة مع الدعم والتضامن الدولي الذي لاقته، والذي تراوح بين تضامن رسمي وغير رسمي من حملات دعمت حق المرأة والحرية، حتى إن شخصيات عامة دولية كثيرة أعلنت دعمها للمحتجين الإيرانيين، كما دعمت الحكومات الغربية الأميركية والأوروبية حق المواطنين في الاحتجاج، ونددت بقمع السلطات الإيرانية لها، حسب تركي.

من جهة ثانية، ساهم فرض عقوبات على شخصيات وكيانات إيرانية، نتيجة الانتهاكات الجماعية لحقوق الإنسان التي ترتكبها السلطات الإيرانية خلال حملتها المستمرة ضد الاحتجاجات في جميع أنحاء البلاد في استمرار الاحتجاجات.

تركي ختم، بأنه مع ذلك، وبينما تستمر الاحتجاجات بكثافتها وأمدها الزمني والمكاني، فيمكن القول، إنه حتى لو تمكّن النظام من قمعها ستظل احتجاجات الحجاب مؤشرا لتغيير حدث في المجتمع الإيراني نحو الرغبة في تحريره وتوسيع مظاهر الليبرالية فيه.

احتجاجات مستمرة في إيران، تشتد حينا وتضعف حينا آخر، ولا تزال السلطات تستعمل كل الوسائل لإيقافها فقد قُتل المئات من المحتجين، وتم اعتقال الآلاف منهم، كما أعلن القضاء الإيراني حتى الآن إصدار 18 حكما بالإعدام، تم تنفيذ أربعة منها، وصادقت المحكمة العليا على حُكمين آخرين، ليبدو المشهد طويلا في المرحلة القادمة التي من الواضح أن الإيرانيين باتوا فيها باحثين عن حريتهم.

إقرأ:إيران ترفع حالة التأهب في أكثر من 50 مدينة.. ما القصة؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة