منذ سنوات طويلة، لا تزال تفاعلات ملف المفقودين الأردنيين في سوريا مستمرة، والتي عادت لتتجدد أمس الثلاثاء، مع الإعلان عن عودة مواطن أردني الجنسية كان قد اختُطف في سوريا منذ 30 كانون الأول/ديسمبر الماضي أثناء زيارة إلى دمشق، وسط مخاوف من تأثيرات ذلك على علاقة البلدين الجارين، في الوقت الذي يزداد الحديث فيه عن مساعي تقارب بين الجانبين تهدف إلى تثبيت الأمن والاستقرار.

إذ تسجل وزارة الخارجية الأردنية منذ سنوات عشرات الحالات لمواطنين فقدوا بسوريا، فيما تمت استعادة بعضهم في وقت لا يزال مصير آخرين مجهولا، أغلبهم تعرضوا لعمليات خطف داخل مناطق تخضع لسيطرة السلطات السورية ومن قِبل جهات مجهولة، فيما تم اعتقال آخرين من قِبل السلطات السورية ذاتها لأسباب غير معروفة، إضافة إلى حالات نادرة قامت بها فصائل سورية معارضة، حسبما تقول السلطات الأردنية.

كلّ ذلك بعد أقل من أسبوع على لقاء نائب رئيس الوزراء الأردني وزير الخارجية وشؤون المغتربين أيمن الصفدي، بالمبعوث الخاص لروسيا لشؤون التسوية السورية، ألكساندر لافرينتيف، لبحث ضرورة تثبيت الأمن والاستقرار في الجانب السوري، ومواجهة تحدي تهريب المخدرات ووجود الميليشيات، فضلا عن إيجاد حلا للأزمة السورية.

تقارب سوريا والأردن وتأثيرات ملف المفقودين

الصفدي خلال لقائة شدّد على أولوية الأردن في التوصل لحل سياسي ينهي الأزمة السورية، وفق القرار الأممي 2254، ومن خلال بلورة دور عربي قيادي في جهود حل الأزمة من خلال الانخراط المباشر مع دمشق، والتقدم الذي أُنجز نحو إطلاق هذا الدور.

الأمر الذي تتصاعد الخشية من أن يتسبب في إرباك الأوضاع بين الجانبين، لاسيما فيما يتعلق بزيادة حدة الاستقطاب بين الشعبين الذي ربما يجبر الطرف الأردني على إصدار مواقف لا تصب في صالح اللاجئين السوريين الذين تستضيفهم عمان منذ اندلاع الأزمة السورية عام 2011.

اقرأ/ي أيضا: الغزو الروسي لأوكرانيا.. نظرة في أهداف إيران الاستراتيجية

 خصوصا مع تأكيدات تحول القضية إلى ابتزاز مالي تعمل على جهات يغض الجانب السوري الطرف عنها على تنفيذها بحسب مراقبين، حيث اضطرت عائلة المخطوف الأردني وليد قطيش على دفع فدية قيمتها 140 ألف دولار أميركي مقابل الإفراج عنه، بحسب ما أفاد به نجله يزن لوسائل إعلام محلية ودولية.

نجل قطيش قال إن والده البالغ من العمر 67 عاما تعرض لعملية اختطاف بعد أن توجه إلى دمشق بقصد السياحة في 26 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، لتتلقى عائلته اتصال من قبل أحد الخاطفين بعد أيام اشترطوا فيه دفع فدية قيمتها 140 ألف دولار أميركي مقابل الإفراج، مؤكدا أن والده لا يوجد لديه أي تحركات أو نشاطات سياسية سواء داخل الأردن أو خارجه.

للحديث عن تبعات حادثة المختطف الأردني وليد قطيش، تواصل موقع “الحل نت”، مع الباحث والمحلل السياسي أنس شواخ، وقال إنه “بشكل طبيعي ستعيد الحادثة دائرة الاهتمام إلى ملف المفقودين الأردنيين في سوريا، حيث جزء كبيرا منهم موجود داخل معتقلات للحكومة السورية، بيد أن هذا لا يعني أنه سيحقق نتائج إيجابية على مستوى هذا الملف، لأنه سبق وكانت هناك محاولات عدة لإنهاء هذا الملف لكنها لم تنجح، ولربما السبب الرئيسي في ذلك أن غالبية المعتقلين والمفقودين يُعتقد أنهم قد قضوا ربما تحت التعذيب في السجون”.

سوريا ومؤشرات ملف المفقودين الأردنيين

شواخ أضاف أيضا، أن “حادثة اختطاف المواطن الأردني وليد قطيش وإطلاق سراحه بهذا الشكل الغريب والسريع دون تقديم أي تفاصيل من قبل السلطات السورية، يوحي إلى أن الحكومة السورية تحاول استثمار الموضوع كفرصة ذهبية لاستعراض قدرتها وقوتها الأمنية، مبينا أن غالبا سبب ذلك هو تورط مجموعات مرتبطة بالقوات الحكومية، أو ما تسمى المجموعات الرديفة”.

هذا وعلى الرغم من أن المحلل السياسي عمر حوش، يتفق هو الأخر مع هذا الرأي، فيما يخص أن حادثة الاختطاف والإفراج ستعيد فتح ملف المعتقلين و”المختطفين” الأردنيين في سوريا، إلا أنه لفت في حديث خاص لموقع “الحل نت”، إلى أن الموضوع سيتعدى أبعد من ذلك لفتح ملف المفقودين العرب أيضا، وخصوصا اللبنانيين منهم في سجون الحكومة السورية منذ اندلاع الاحتجاجات السورية عام 2011، وحتى ما قبلها، على حدّ تعبيره.

اقرأ/ي أيضا: صدمات تهز العالم في العقد المقبل.. عصر جديد من “الأزمات المتعددة“؟

حوش أشار إلى أن هذا الملف؛ أي “ملف المختطفين والمتعلقين في السجون السورية، يشكل النقطة السوداء في تاريخ الحكومة السورية، إذ هناك عشرات الآف المعتقلين السوريين والمغيبين قسرا وحتى الذين سُجنوا دون أي مبررا لاعتقالهم، مبينا أنه منذ إعادة العلاقات الأردنية السورية عام 2018، وفتح الحدود ومعبر نصيب تسيطر الفرقة الرابعة بقيادة ماهر الأسد شقيق الرئيس السوري بشار الأسد، إلى جانب الميليشيات الإيرانية المتواجدة المنطقة الجنوبية على المعبر الحدودي، وبناء على ذلك تعمد السلطات السورية خطف المواطنين الأردنيين، في سياق الاستثمار في الفديات التي يتم دفعها أولا، وفي المعاناة الإنسانية لذوي المختطفين”.

بالتالي ومع إمكانية تأثير هذه القضية على مستوى العلاقات بين البلدين نتيجة الانتهاكات التي يتعرض لها المواطنين الأردنيين، حسبما يرى حوش، فإن “كل المنظمات الدولية قد عجزت من إرغام الحكومة السورية على فتح سجونها، الأمر الذي يؤشر أن عدم قدرة المجتمع الدولي على تقديم أي شيء من أجل نصرة حقوق الإنسان أمام انتهاكات السلطات السورية”.

يُشار إلى أن حادثة اختطاف المواطن الأردني وليد قطيش في سوريا، كانت واحدة من عشرات عمليات الخطف مقابل الفدية التي يتعرض لها أردنيون يتوجهون إلى دمشق، في وقت لا يستبعد فيه مراقبون أن معظم المعتقلين أو المختطفين احتجزوا لأسباب تتعلق بمواقف مناهضة للحكومة السورية، من دون استبعاد وجود حالات اعتقال جنائية.

منذ الإعلان عن فتح المعبر الحدودي بين عمان ودمشق في 2018، اعتاد مئات الأردنيين التوجه إلى الأراضي السورية بهدف السياحة والاستجمام على رغم تحذيرات رسمية من خطورة الوضع الأمني هناك، إذ إنه ومنذ الأيام الأولى لإعادة فتح المعبر بين البلدين، تعرض أردنيان للخطف في سوريا. وتلقى والد أحد المختطفين الذي يعمل سائقا لشاحنة، اتصالا من مجهولين يطلبون فيه فدية لقاء إطلاق سراح ابنهم المختطف.

المفقودين الأردنيين بالأرقام

بعدها بأسبوعين، فقد أثر زوجين أردنيين داخل الأراضي السورية بعد دخولهما بهدف السياحة، ليتبين أنهما معتقلان في سجون السلطات السورية بتهمة التصوير في مناطق عسكرية، في وقت تقدر الحكومة الأردنية عدد المعتقلين في سوريا بنحو 55 مواطنا، معظمهم اعتقلوا بعد دخولهم من معبر “جابر- نصيب”، في حين لم تفلح جهود الحكومة منذ عام 2021 في الإفراج سوى عن ثمانية أشخاص فقط كانوا يقبعون في السجون السورية.

لكن خلافا لتقديرات الحكومة، تشير تقديرات رسمية أن عدد المعتقلين الأردنيين في سجون دمشق يقارب الـ 400 شخص، ومن بين أبرز المعتقلين الأردنيين في سوريا، المصور الصحافي عمير الغرايبة الذي غادر إلى دمشق للسياحة قبل أعوام واعتقل أثناء عودته إلى الأردن، فيما كان القائم بأعمال سفارة النظام السوري في الأردن، شفيق ديوب، قال في تصريحات صحافية، إن سلطات بلاده أفرجت عن حوالى 107 معتقلين أردنيين، وبقي عدد قليل جداً لا يتجاوز 30 معتقلاً في سوريا.

فيما كانت إحصائية تعود لعام 2010، تشير إلى أن “المنظمة العربية لحقوق الإنسان” بالأردن قد سلّمت السفارة السورية في عمان حينها، قائمة تتضمن أسماء 241 معتقلا ومفقودا أردنيا في السجون السورية. القائمة تتضمن أسماء معتقلين تم اعتقال بعضهم منذ أكثر من ربع قرن، إضافة إلى مفقودين لا يُعرف مصيرهم منذ سنوات.

بحسب مسؤول ملف المعتقلين الأردنيين في الخارج بالمنظمة عبد الكريم الشريدة، فإن الغالبية العظمى من هؤلاء المعتقلين اعتقلوا على خلفيات سياسية ولم تتم محاكمتهم منذ سنوات طويلة، معتبرا أن الأولوية الآن هي السماح لعائلات بعض المعتقلين بزيارتهم والاطمئنان على أوضاعهم.

 إلى ذلك، يشكل هذا الملف أحد أهم الملفات العالقة بين الجانبين السوري والأردني، فضلا عن ما يمثله من صداع مستمر للحكومة الأردنية وعائقا أمام جهود التقارب مع الحكومة السورية التي تتهم في أغلب عمليات المفقودين الأردنيين، الأمر الذي يمثل نذير شؤم فيما يتعلق باستقرار وإعادة تعضيد العلاقات الثنائية بين الجانبين، والتي كانت قد وصلت حد القطيعة عام 2014 وتم طرد السفير السوري في عمان بهجت سليمان على إثرها.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة