منذ بدء عمليات التطبيع التركي مع دمشق، حاولت أنقر تهميش طهران من هذه المحادثات، ومن أبرز المؤشرات على ذلك محاولة أنقرة تضمين موسكو ضمن قنوات الاتصال مع دمشق، عبر الدعوة لعقد قمة ثلاثية مع موسكو ودمشق في غياب الدور الإيراني.

إيران حتى فترة قريبة، لم تعلن بشكل صريح عن موقفها بشكل واضح من التطبيع التركي مع دمشق، واكتفت بإرسال الرسائل عبر المسؤولين السوريين، لكن يبدو أن النفوذ الإيراني المتزايد في سوريا قد أجبر أنقرة على التراجع عن موقفها، فما هو الموقف الحقيقي لإيران من هذا التطبيع.

ملامح الموقف الإيراني

هناك العديد من المحددات التي قد ترسم ملامح الموقف الإيراني من عملية التطبيع، خاصة فيما يتعلق بما يمكن أن تقدمه دمشق لأنقرة، وفيما إذا كان ذلك سيضر بمصالح النفوذ الإيراني في سوريا، فضلا عن أن نجاح عملية التطبيع قد تؤدي إلى تطبيع دمشق مع دول إقليمية أخرى كالإمارات وغيرها من دول الخليج، وهو بالتأكيد ما قد تخشاه القيادة الإيرانية، خاصة وأن هذه الدول تسعى من خلال عودة علاقاتها مع دمشق إلى تحجيم نفوذ إيران في سوريا.

وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، قال إن بلاده أطلعت إيران على تفاصيل اللقاءات مع دمشق ضمن خطوات مسار التطبيع بينهما، مشددا على ضرورة بدء عملية سياسية في البلاد وفق القرار الأممي 2254.

في مؤتمر صحفي مع نظيره الإيراني حسين أمير عبد اللهيان قبل أيام، أوضح جاويش أوغلو أنه ناقش مع الجانب الإيراني بشكل موسع أمور تتعلق بالملف السوري، مشيرا إلى أن المباحثات مع طهران مستمرة ضمن مسار “أستانا”.

كذلك أشار الوزير التركي، إلى أهمية إشراك إيران في اللقاءات الخاصة بعودة العلاقات مع دمشق، وذلك خلال حديثه عن لقاء مرتقب بمشاركة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف.

الباحث في الشؤون الإيرانية الدكتور محمد اليمني، رأى أن أنقرة كانت تفضل التعامل مع روسيا فقط كوسيط للتقارب مع دمشق لكنها أدركت مؤخرا أنه لا يمكنها إغفال الدور الإيراني، مشيرا إلى أن إيران لن تسمح بالتطبيع ما لم يتم إشراكها فهي تريد أن تكون جزء من أي عملية سياسية تمرّ عبر دمشق.

قد يهمك: بعد انخفاض إيرادات النفط.. إلى أين يتجه الاقتصاد الروسي؟

اليمني قال في حديث خاص مع “الحل نت”، “إيران تحرص على إعلان موقفها من خلال الرئيس السوري بشار الأسد أو أحد وزرائه، أولا للدلالة على النفوذ الإيراني في سوريا متمثلا بانتشار ميليشياتها في مختلف مناطق سيطرة النظام، ثانيا مدى التأثير على أية مباحثات قد تجري مع النظام مستقبلا، إيران ترحّب ربما بهذا التقارب بشرط أن يكون لها دورا في هذا التقارب بما يخدم مصالحها”.

صدمة أنقرة

تركيا عمدت خلال اللقاءات التي جاءت ضمن مسار التطبيع مع دمشق، إلى تغييب إيران، فكانت المحادثات تجري بين أردوغان ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، إذ إن تركيا تفضل التعامل مع روسيا كفاعل دولي له نفوذ واسع، مقارنة بدولة إقليمية مثل إيران، التي تتنافس مع تركيا في العديد من الملفات والرؤى، لكن إيران تريد كذلك أن تكون عرّابة هذا التقارب.

حول ذلك أضاف اليمني، “طهران طرحت أكثر من مرة مبادرات سياسية لتعويم النظام من البوابة التركية، إلا أن أنقرة كانت ترفض وتفضل مناقشة ذلك مع موسكو أولا، وهو ما يزعج إيران التي تريد التأكيد دوما على أنه لا وجود حل في سوريا من دونها”.

التحركات التركية الروسية التي استثنت إيران، دفعت الأخيرة لعرقلة اللقاء الذي كان مقررا بين مولود جاويش أوغلو والمقداد في شباط/ المقبل، وذلك عبر اتصالات جرت بين طهران ودمشق، خاصة أنه لم يصدر أي تأكيد رسمي بخصوصه.

برأي اليمني فإن “إيران تريد أن تكون جزءا من أي كعكة تخص سوريا، ولذلك قد تدفع هذه التطورات الجديدة، لتنفيذ الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي أول زيارة إلى سوريا منذ عام 2011، لإظهار التأثير في أي مسار مُقبِل”.

اليمني لفت كذلك إلى أن أي جهود مستقبلية تشمل إيران، لفتح مسار جديد للحل في سوريا، ستصطدم بالموقف الأميركي الرافض حاليا لأي عملية تطبيع مع دمشق، خاصة وأن واشنطن تشترط البدء جديا بمسار الحل السياسي ضمن القرار الأممي 2254.

تركيا يبدو أنها أصبحت الحلقة الأضعف في مسار التطبيع مع دمشق، فهي التي تريد التقدم في هذا الملف قبل الانتخابات الرئاسية لديها، وتبحث عن إرضاء كافة الأطراف الفاعلة.

فيما يبدو أنها محاولة للفت نظر واشنطن للجهود التركية، دعا وزير الخارجية التركية مولود جاويش أوغلو إلى البدء بعملية سياسية من أجل الوصول إلى حل سياسي في سوريا وفق قرار مجلس الأمن 2254، مشدداً على ضرورة البدء بخطوات عملية ودعمها في هذا السياق.

الوزير التركي أكد رفض التدخل الغربي في علاقات تركيا مع العراق وسوريا قائلا، “لسنا بحاجة لتلقي إرشادات من دول أخرى في خطواتنا التي نتخذها، إذا كان هناك مشكلة في إيران أو سوريا أو العراق، هي مسؤوليتنا نحن”.

دخول إيران المفاجئ

من جهته، وصف أمير عبد اللهيان خطوات التقارب التركي مع دمشق بالإيجابية قائلا، “نؤمن بأهمية أي خطوة إيجابية في إطار العلاقات بين البلدين، ونؤمن بأهمية هذه العلاقات للمنطقة”، معرباً عن دعمه لمسار تغيير العلاقات بين أنقرة ودمشق.

دخول إيران بهذا الشكل على مسار التطبيع التركي مع دمشق، جاء من بوابة “أستانا”، فإيران لا تريد اتفاقيات ثنائية خارج “أستانا”، كونها قد تحمل بنودا تتعارض مع مصالحها، وهي أحد أبرز الأطراف الفاعلة على الأرض السورية.

هي أدركت أن دور روسيا في الوساطة بين أنقرة ودمشق، قد يكون بمثابة “اتفاقية ثنائية”، تُبعد إيران من الطاولة الثلاثية، ما دفع الأخيرة لإعادة التأكيد على المسار الذي انطلق في 2017.

واشنطن بدورها تراقب الجهود الثلاثية التي قد تفضي إلى عودة العلاقات بين أنقرة ودمشق، لذلك أطلقت الولايات المتحدة خلال الفترة الماضي سلسلة من التصريحات الرافضة للتطبيع مع دمشق، وهي تملك ورقتين مهمتين في ذلك عقوبات “قيصر” وعقوبات قانون “الكبتاغون” الجديد. كذلك تدرك الولايات المتحدة أن تلك القوى الناعمة التي تملكها ليس من السهل تخطيها للدول الراغبة بالتطبيع.

أيضا فإن دخول إيران على مسار التطبيع قد يضع أنقرة في ورطة، خاصة بعد الحلف بين روسيا وإيران، والذي بدأ يستعدي العالم منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا والتعاون العسكري فيما بينهما.

غير أن أنقرة تسعى من جانبها لتغيير موقف واشنطن بشكل غير مباشر، وذلك عبر التواصل مع روسيا والخروج ربما بآلية جديدة للحل السياسي في سوريا، قد ترضي واشنطن التي تشترط لعودة التطبيع مع دمشق انخراط الأخيرة في الحل السياسي وفق قرار الأمم المتحدة 2254.

إيران بالتأكيد كانت تنتظر اللحظة المناسبة للظهور ورفض أي عملية تطبيع لا تمر عبر طهران، خاصة وأن بدء عودة العلاقات مع دمشق، قد يتضمن بنودا تهدد مصالح الميليشيات الإيرانية في سوريا، وذلك بالنظر إلى مصالح الدول الإقليمية وعلى رأسها دول الخليج وإسرائيل.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة