بينما تتحضر الأمم المتحدة لعقد مؤتمرها القادم المعني بالتغيرات المناخية والاحتباس الحراري تحت عنوان “كوب 28” في الإمارات العربية المتحدة، تشير تصريحات الجهات المعنية حول العالم، إلى أن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا هي من المناطق الأكثر تضررا بفعل التغير المناخي، ذلك في ظل غياب خطة واضحة من قبل حكومات هذه الدول لتخفيف التداعيات السلبية.

مستقبل “بائس ومرعب حقا”، بهذه الكلمات تحذر المنظمات الدولية دول الشرق الأوسط، وبدرجة أقل كافة دول العالم، وقد بدأت تداعيات تغير المناخ بتسجيل العديد من دول المنطقة، درجات حرارة قياسية لم تعتد عليها هذه المناطق، في مؤشر على ضرورة تحرك هذه الدول، لوقف أو التخفيف ربما من تداعيات الاحتباس الحراري.

الباحثون المعنيون بمتابعة التغيرات المناخية، يتفقون في هذا النطاق على أن درجة الحرارة العالمية تزداد باطراد منذ العقود الأخيرة من القرن العشرين، مما تسبب في ارتفاع معدلات الموجات الحارة وشدة وطول كل منها، بحيث باتت بعض الموجات الحارة تمتد لأسابيع أو ربما أشهر.

درجات حرارة غير مسبوقة

دول الشرق الأوسط سجلت هذا العام درجات حرارة قياسية تجاوزت الخمسين درجة في بعض الدول، والجديد في الأمر أن موجات فوق الخمسين استمرت لعدة أيام متتالية وهذا أمر لم تعتد عليه هذه الدول، التي توصف بمعظمها أنها صاحبة طقس معتدل خلال فصل الصيف.

فالمغرب على سبيل المثال تجاوزت درجة الحرارة فيها خلال الأيام القليلة الماضية، عتبة 50 درجة مئوية وفقما ذكرت وزارة التجهيز والماء، وذلك لأول مرة في تاريخها المعاصر، وقالت وزارة الزراعة المغربية، إن هذا الارتفاع ناتج عن صعود كتل هوائية حارة وجافة قادمة من الصحراء الكبرى نحو المغرب مما تسبب في ارتفاع شديد في درجات الحرارة.

وفي سوريا سجلت بعض المناطق الشرقية خلال الأيام القليلة الماضية درجات حرارة وصلت إلى 53 درجة مئوية، الأمر الذي اضطر معظم المؤسسات إلى التوقف عن العمل، كما تم تسجيل درجة حرارة بلغت 70 مئوية في منطقة بإيران يوم الثلاثاء الماضي، وهو مستوى شديدٌ للغاية يهدد قدرة البشر على البقاء في الخارج لأكثر من بضع ساعات.

كذلك تشير تقارير محلية إلى أن معدلات درجات الحرارة تجاوزت الـ 60 درجة مئوية بشكل منتظم في المنطقة في الأسابيع الأخيرة.

لم يقتصر ارتفاع درجات الحرارة في منطقة الشرق الأوسط على اليابسة فقط، ففي الأيام القلية الماضية ارتفعت درجات حرارة سطح المياه في الخليج لتصل إلى 36.4 درجة مئوية، وهو أعلى رقم تصل إليه خلال الـ 20 عاما الماضية.

الخبير البيئي ورئيس “جمعية التنمية للإنسان والبيئة الأردنية” الدكتور أحمد محمود الشريدة، رأى أن دول الشرق الأوسط أصبحت بحاجة أكثر من أي وقت مضى إلى إجراءات عاجلة، من أجل التخفيف من الآثار السلبية الناتجة عن التغير المناخي وارتفاع درجات الحرارة، مشيرا إلى الدور الكبير الذي لعبه انتشار فيروس “كورونا” في تسريع عمليات التغير المناخي.

الشريدة قال في حديث خاص مع “الحل نت”، “ارتفاع درجات الحرارة ناجم بالتأكيد عن الاحترار العالمي، بسبب الاستخدام المفرط للوقود الأحفوري، وقد لعبت جائحة كورونا دورا في ذلك، حيث توقفت المعامل لفترة طويلة خلال الجائحة، وعندما عادت للعمل، بدأت تعمل بطاقتها القصوى لتعويض الخسائر الاقتصادية، لذلك تم إرسال كميات فوق المسموح به من غاز ثاني أكسيد الكربون إلى الفضاء، مما سبب وجود هذا الاحترار حول العالم”.

طال كل دول العالم

الاحترار العالمي والتغير المناخي طال كل دول العالم ولم تنجو منه أي دولة، كما كان له تأثير كبير على مصادر المياه السطحية والجوفية، وتأثير على الغطاء الغابي والأمن الغذائي، الأمر الذي سبّب تراجعا للمحاصيل، بل إن بعض المحاصيل تم تدميرها بالكامل متأثرة بارتفاع درجات الحرارة وقلة المياه.

برأي الشريدة فإنه “على الحكومات التعاون مع الهيئات الدولية ومؤسسات المجتمع المدني من أجل التخفيف من تبعات هذه الظواهر، وأهم هذه الإجراءات زراعة محاصيل لا تتطلب كميات كبيرة من المياه، وترشيد الاستهلاك في مختلف القطاعات الزراعية والصناعية”.

epa10792066 Women sit on the beach during a hot summer day in Rabat, Morocco, 09 August 2023. According to the Moroccan General Directorate of Meteorology, temperature in Rabat fell to 28 Celsius degrees after a two-day heatwave that affected several Moroccan provinces with temperatures soaring to 44 Celsius degrees. EPA/JALAL MORCHIDI

بحسب دراسة صُدرت عام 2020 في دورية “بلوس وان”، فإن منطقة الجزيرة العربية ستكون الأكثر تأثرا بالموجات الحارة مستقبلا، وكان فريق بحثي من معهد “ماساشوستس” للتكنولوجيا قد أشار عام 2019 إلى أن درجات الحرارة والرطوبة المرتفعة مستقبلا وفي المملكة العربية السعودية تحديدا، قد تتسبب في إعاقة موسم الحج بحلول منتصف إلى نهاية القرن في الفترات من 2047 إلى 2052 ومن 2079 إلى 2086، حين يأتي الحج في الصيف مرة أخرى.

حرارة كوكب الأرض ارتفعت 1.2 درجة مئوية منذ أواخر القرن التاسع عشر نتيجة حرق الوقود الأحفوري، مما جعل موجات الحرارة أكثر سخونة لفترات أطول وبوتيرة أكبر فضلا عن تكثيف العوامل القصوى في تقلب الطقس كالعواصف والأمطار الغزيرة.

التهديدات المضاعفة على المنطقة، وصلت إلى حد التحذيرات بوقوع آلاف الوفيات خلال السنوات القادمة بسبب استمرار ارتفاع درجات الحرارة، هذا فضلا عن موجات الجفاف التي بدأت تضرب مواقع عدة في المنطقة لا سيما في دول شمال إفريقيا، والتي تسببت بموجات هجرة مرتبطة بالمناخ في بعض المناطق.

حتى الآن لم تُفلح مؤتمرات الأمم المتحدة المرتبطة بمكافحة تأثيرات التغير المناخية، في أن تخرج بآليات واضحة من شأنها ضمان خطوات فعلية ومساعدات حقيقية للدول التي ترزح تحت رحمة الاحتباس الحراري لا سيما في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، إذ إن جميع المساعدات التي تم الإعلان عنها تعتبر غير ملزمة للدول المتقدمة، رغم أن هذه الدول هي المسؤولة الأولى عن معظم الانبعاثات على الكوكب.

دول الشرق الأوسط سيتوجب عليها اتخاذ إجراءات سريعة للحد من تأثيرات ارتفاع درجات الحرارة خلال السنوات القادمة، إذ تشير الدراسات المعنية إلى ضرورة تطوير دول المنطقة وسائل أخرى، غير تكييف الهواء، لحماية مواطنيها من مخاطر الارتفاع الشديد للحرارة، فضلا عن فرض تدابير للصحة العامة وخطط وطنية للحماية من الحر الشديد.

هل من حلول؟

كنتيجة لاستمرار التغيرات المناخية وتأثيرها على المنطقة، فقد حذر برنامج تابع لمنظمة إقليمية في شرق إفريقيا، من أن الجفاف الحادّ الذي يعاني منه القرن الإفريقي مرشّح للتفاقم هذا العام، ما يهدّد المنطقة بمجاعة أقسى من تلك التي تسبّبت بمئات آلاف الوفيات قبل عقد من الزمن، كما أن تقريرا لمركز “التوقعات والتطبيقات المناخية”، أشار إلى أن توقعات سقوط الأمطار خلال الأشهر القليلة المقبِلة ستسجّل انخفاضا في كمية الأمطار، وبالتأكيد هذا الأمر سيؤدي إلى ضغط إضافي على الأراضي المزروعة.

كارثة إنسانية، هي التي حذرت منها المنظمات التي تُعنى بالتغيرات المناخية، وقد بدأت آثار الجفاف تظهر منذ سنوات على دول القرن، لكنها تضاعفت مؤخرا في بعض أجزاء إثيوبيا وكينيا والصومال وأوغندا التي تضرّرت مؤخرا بشدّة من الجفاف، وسط غياب الخطط الاستراتيجية التي توجه الأهالي للتصرف مع هذه الأزمات.

استمرار الأزمات يهدد كذلك بتفاقم ظاهرة الهجرة المناخية، ليس فقط في مناطق جنوب إفريقيا، فخلال العقود القادمة وتحديدا بحلول عام 2050 هناك تقديرات تشير إلى أن عدد السكان المرشحين للهجرة والترحال داخل حدود أوطانهم بسبب التغيرات المناخية قد يصل إلى حوالي 216 مليون نسمة بحلول عام 2050، منهم حوالي 19 مليون نسمة من منطقة شمال إفريقيا، وفق تقرير لـ “البنك الدولي”.

حتى الآن لم تعلن دول الشرق الأوسط عن خطة واضحة لمواجهة التغيرات المناخية خلال الفترة القادمة، بل إن كل ما يتم خلال المرحلة الراهنة، هي تصريحات وتحضيرات لعقد المؤتمرات، فيما تستمر المخاوف من حدوث كارثة خلال السنوات القادمة، في ظل عدم وجود أي جاهزية للتعامل مع المخاطر المحتملة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات