الجولة الخامسة لـ”لجنة المتابعة والتشاور السياسي” بين مصر والمملكة العربية السعودية، التي عُقدت على مستوى وزراء الخارجية في الرياض، قبل أيام، كانت فرصة لتوجيه رسائل إلى أكثر من دولة في المنطقة، ليبدو أن البلدين يحاولان بثقلهما الإقليمي تنسيق مواقفها حيال الأزمات التي تهدد أمنهما وأمن المنطقة.

 في ختام الجولة التي شارك في افتتاحها وزير الخارجية المصري سامح شكري، ونظيره السعودي فيصل بن فرحان وزير خارجية المملكة العربية السعودية، اتفقت القاهرة والرياض على تنسيق المواقف تجاه الأزمات الدولية الراهنة، لضمان تحقيق المصالح المشتركة للدولتين وسائر الدول العربية.

 الخارجية المصرية قالت في بيان صحفي، إن “المشاورات شهدت حوارا مستفيضا و شاملا حول تطورات القضية الفلسطينية، والأوضاع في ليبيا والسودان واليمن وقضية سد النهضة، وكذلك التطورات في العراق وسوريا ولبنان وغيرها من القضايا الإقليمية، حيث تلاقت مواقف الجانبين الداعمة لتحقيق الاستقرار والسلام في المنطقة، والمساندة لكل طرف تجاه التحديات التي يواجهها، والمشاورات تناولت تبادل الرؤى والتقييم حول التطورات الدولية الجارية”.

 التنسيق المصري السعودي يدل على حجم المخاطر

الجولة الأخيرة تُعقد في ظروف استثنائية تمر بها أكثر من دولة في المنطقة، على الصعيدين السياسي والاقتصادي، وخاصة بعد تداعيات غزو روسيا لأوكرانيا على اقتصاديات العالم عموما، والمنطقة العربية خصوصا.

الكاتب والصحفي المصري وائل خورشيد، خلال حديثه لـ”الحل نت” يقول إنه “بالنظر إلى العلاقات التاريخية بين مصر والسعودية فإن التنسيق بين البلدين يُعد أمرا طبيعيا، ففي النهاية هناك تحديات كثيرة تواجه المنطقة العربية، والدور السعودي ظهر خلال السنوات الأخيرة لدعم مصر في أكثر من ملف، ومن ناحيتها مصر أعلنت في مواقف كثيرة دعمها الكامل للمملكة ودول الخليج”.

قد يهمك: إلى جانب مصر والأردن.. سلام واستقرار في المنطقة ترسمه الاجتماعات الخليجية؟

من النقاط التي يجب توضيحها وفق خورشيد، أن “لجنة المتابعة والتشاور السياسي بين مصر والسعودية، ليست حديثة الميلاد، فقد بدأت أعمالها بناء على مذكرة تفاهم تم توقيعها في القاهرة في صيف العام 2007، وبالتالي اجتماع اللجنة المكثف خلال السنوات الأخيرة، يدل بشكل واضح على حجم المخاطر الهائلة التي تواجه المنطقة العربية والعالم كله أيضا”، وفق تعبيره.

“الضغوط الأميركية التي تواجهها السعودية بسبب أسعار النفط، والضغوط الاقتصادية التي تواجهها مصر أيضا” تُحتّم كما يرى خورشيد التكاتف المصري السعودي، ويقول “هو الآن أكثر أهمية من أي وقت مضى، علما أن التضامن العربي مطلوب دائما” على حد وصفه.

صحيفة “إندبندنت عربية” قالت في تقرير نشرته في حزيران/يونيو العام الماضي، إن العلاقات الثنائية بين السعودية ومصر ارتقت إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية، وصولا إلى إبرام حكومتي البلدين نحو 70 اتفاقية وبروتوكولاً ومذكرة تفاهم بين مؤسساتها الحكومية.

العلاقات السعودية – المصرية تبقى ثابتة وصامدة، لأنها واجهت عقبات التاريخ الطويل الذي جمع بين البلدين، وحصنت نفسها من أي خلافات قد تشوبها أو تعترضها مستقبلا، وذلك رغم أنها لم تخل من محطات مد وجزر.

رسائل مصرية سعودية لدول الإقليم

 إلى جانب القضايا البينية المصرية السعودية، أكد بيان الجولة الخامسة على دعم الحل الليبي- الليبي تحت رعاية الأمم المتحدة، وعلى ضرورة وقف التدخلات الخارجية في الشؤون الليبية، أما فلسطينيا فقد أكد الجانبان على أهمية القضية الفلسطينية باعتبارها القضية المركزية للأمة العربية، وأن الحل العادل والشامل لها يتطلب إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة على حدود الرابع من حزيران/يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.

اقرأ أيضا: تسارع العلاقات التركية السعودية.. “النقلة النوعية” نحو شراكة استراتيجية؟

بالانتقال إلى السودان، رحب البيان بما توصلت إليه أطراف المرحلة الانتقالية في السودان من توافق وتوقيع على وثيقة “الاتفاق الإطاري”، وكذلك دعا البيان إيران إلى احترام التزاماتها بمقتضى معاهدة الانتشار النووي وبما يحول دون امتلاكها للسلاح النووي والجهود الدولية لضمان ذلك، وضمان سلمية برنامج إيران النووي، ودعم الجهود العربية لحث إيران على الالتزام بالمبادئ الدولية لعدم التدخل في شؤون الدول العربية، والمحافظة على مبادئ حسن الجوار وتجنيب المنطقة جميع الأنشطة المزعزعة للاستقرار، بما فيها دعم الميليشيات المسلحة، وتهديد الملاحة البحرية وخطوط التجارة الدولية.

كان لا بد من حضور الملفات الأخرى في البيان، حيث أعلن البيان دعم القاهرة والرياض الكامل للجهود الأممية والدولية لتمديد الهدنة للتوصل إلى حل سياسي شامل للأزمة في اليمن وفقا للمبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية، وكذلك على “أهمية مساندة العراق من أجل العودة لمكانته الطبيعية كأحد ركائز الاستقرار في منطقتنا العربية”.

سورياً، شدد الطرفان على ضرورة دعم الحفاظ على استقلال سوريا ووحدة أراضيها، ومكافحة الإرهاب، وعودة اللاجئين والنازحين، والتوصل لحل سياسي للأزمة القائمة وفقا لقرار مجلس الأمن رقم 2254، فضلا عن دعم جهود مبعوث الأمم المتحدة لدفع العملية السياسية، ورفض أي تهديدات بعمليات عسكرية تمس الأراضي السورية، وتروع الشعب السوري.

اقتصادياً، تطرق البيان إلى الأوضاع الجيوسياسية العالمية وتبعاتها الاقتصادية دوليا وإقليميا، حيث تم الاتفاق على أهمية زيادة وتيرة التعاون الاقتصادي الثنائي والعربي، من أجل تعزيز قدرة الدول العربية على مجابهة تلك التحديات والتصدي لآثارها المختلفة.

المحلل السياسي وجدي القليطي، يرى أن التناغم والتكامل بين الدولتين في الرؤى تجاه ملفات المنطقة والملفات الثنائية يعزز الدور المشترك للبلدين في ظل متغيرات إقليمية ودولية حادة.

خلال حديثه لـ”سبوتنيك” الروسية، يضيف أن “البلدين يقودان الأمة العربية والإسلامية في الوقت الراهن، ويحملان على عاتقهما مسؤولية كبيرة تجاه المنطقة، بالإضافة إلى أن مصر تتولى قيادة القوات البحرية المشتركة، وأنها مسؤولية كبيرة لحماية المضائق المائية”.

البيان يعكس، وفق القليطي تطابق الرؤى خاصة في ظل وجود حكومة متطرفة في إسرائيل بقيادة نتنياهو، بالإضافة إلى قطع الطريق على الدول التي لها مشاريع مثل إيران وإسرائيل وتركيا في المنطقة.

لا يختلف اثنان على أن المنطقة تمر بظروف صعبة، وهو ما يحتم على الدول المحورية، وخاصة مصر، والسعودية التنسيق والتعاون.

تنامي أهمية المحور المصري- السعودي

أهمية المحور السعودي-المصري في الشؤون الإقليمية برزت خلال الفترة الأخيرة الماضية، حيث تشهد العلاقات البينية تحسنا واضحا، ومن المُنتظر أن ينعكس التنسيق بينهما على أكثر من ملف، ومنها الملف السوري.

مجلة “المجلة” السعودية، اعتبرت في تقرير نشرته قبل أيام، أن التعاون العسكري المصري السعودي المتصاعد يبعث برسائل رادعة، وتؤكد أن البلدين يسعيان إلى تنمية وتعزيز العلاقات العسكرية بهدف تنمية وترسيخ أسس التعاون وتطوير العمل المشترك، بما يسهم في تبادل الخبرات باستخدام كافة الأسلحة والمعدات ذات التكنولوجيا المتطورة خاصة أنهما يمثلان ثقلا عسكريا في العالم بأسره وليس الشرق الأوسط فقط.

التقرير نقل عن الدكتور محمد الغباري، الخبير العسكري المصري، تأكيده على أهمية التعاون العسكري بين مصر والسعودية اللتين تمتلكان أقوى جيوش المنطقة، ويوضح أيضا أن “التدريبات المشتركة تزيد من الخبرات ومستوى القدرة والكفاءة القتالية بينهما خاصة في ظل التحديات التي تواجه المنطقة وتشعبها”.

“العلاقات المصرية السعودية هي العمود الفقري للمنطقة العربية في كفاحها لمواجهة التحديات الهائلة التي تواجه العالم العربي، ويمثل أحد مظاهر العلاقات الممتدة بينهما التي تتضمن التعاون المكثف في الاقتصاد ودرجات عالية من التنسيق على جميع المستويات”، على حد تأكيد “المجلة”.

في هذا الإطار، يتمنى المحلل السياسي أحمد كامل، خلال حديثه لـ”الحل نت” أن ينتقل المحور المصري- السعودي من التعامل مع المخاوف إلى الأفعال، ويقول “يعيش الوطن العربي في فراغ مطلق، لأن الكتلتين الأكبر أي مصر و الجزيرة العربية، لا تقومان بما يجب تجاه المخاطر المحيطة بالمنطقة”.

لكن، كامل اعتبر أن البيان المصري السعودي المشترك لم يخرج بنتائج هامة، حيث يقول “على سبيل المثال في المسألة السورية فإن الدور المصري والسعودي لا يكاد يُلمس، ولم نسمع من البلدين أي إدانة للاحتلال الروسي والإيراني، واقتصر البيان على رفض أي تدخل عسكري وهذا الحديث موجه لتركيا”.

من النووي الإيراني، إلى الوضع في سوريا، مرورا بالتغييرات الإسرائيلية وتسلم حكومة توصف بـ”المتطرفة” القرار، وصولا للمخاطر على الأمن الغذائي العربي جراء الحرب في أوكرانيا، وغيرها من الملفات، تجعل الدول العربية وعلى وجه التحديد “المؤثرة” منها أمام مهام ملء الفراغ في المنطقة، بدلا من إفساح المجال لدول إقليمية ومنها إيران.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.