الإمارات استضافت الأربعاء الفائت، اجتماعا تشاوريا جمع قادة دول مجلس التعاون الخليجي وعدد من القادة العرب بدعوة من رئيس الدولة محمد بن زايد آل نهيان. وناقش المسؤولون العلاقات بين دولهم ومختلف أوجه التنسيق والتعاون بينهم في كافة المجالات بما يلبي تطلعات شعوبهم في مستقبل ينعم بمزيد من التطور والتقدم.

التطورات الإقليمية والدولية والتحديات الإقليمية السياسية والأمنية والاقتصادية كانت أبرز ما استعرضه القادة، وأكدوا أهمية تنسيق المواقف وترسيخ العمل العربي المشترك في مواجهة هذه التحديات لتمهيد الطريق لمستقبل أكثر استقرارا وازدهارا.

الاجتماعات الخليجية التي غابت عنه السعودية والكويت، يبدو أنها مقدمة لرسم السلام والاستقرار في المنطقة، لكن مؤثرات غياب السعودية والكويت عن هذا الاجتماع لا تزال غامضة، وكذلك استمرار غياب الكويت عن أي اجتماعات سابقة، فهل باتت دول الخليج تسعى لتعزيز استقرار المنطقة بمعزل عن التعاون الخليجي المشترك، والنظر إلى قضايا المنطقة من منظور أمن وطني بعيدا عن القضايا المشتركة مع دول الخليج.

تفكيك ديناميكيات السلام والأمن

اجتماع أبوظبي ركز على ديناميكيات السلام والأمن الحالية في منطقة الخليج والشرق الأوسط. حيث جاء لتطبيق جوانب نظرية النظام من أجل فهم أفضل للأنماط الكامنة وراء تطور التحالفات السياسية وخطوط الصدع. إذ إن الاختلالات في موازين القوى، وإطارات العدو المشترك، والصراعات بالوكالة المترابطة تجعل الاحتكاكات مستمرة. لذلك فإن جهود الحوار في هذا السياق تحتاج إلى معالجة تلك العوائق الهيكلية أمام السلام في المنطقة ضمن هيكل أمني محتمل في المنطقة.

المختص في شؤون الشرق الأوسط، عبد الرحمن القضاة، أوضح لـ”الحل نت”، أن التقارب بين أولويات بعض النخب السياسية في المنطقة وأهداف السياسة الأميركية أدت إلى إهمال التهديدات الأمنية الناتجة عن الاقتصادات السياسية لدول مجلس التعاون الخليجي. 

وبدلا من ذلك، كانت هناك افتراضات مبالغ فيها حول طموحات إيران المهيمنة ونواياها باستخدام وكلائها المحليين كطابورها الخامس. وبعبارات بسيطة، فإن الترتيبات الأمنية الحالية في الخليج تعالج جزئيا التهديدات الأمنية، وهي التهديدات المتصورة التي تنبعث من إيران والعراق باتجاه المنطقة ودول مجلس التعاون الخليجي الأصغر، وتتجاهل التحديات البنيوية الأعمق كون جذورها كامنة في الاقتصادات السياسية الإقليمية.

الاجتماع في أبوظبي برأي القضاة، ناقش التحديـات البنيويـة الأعمـق كـون جذورهـا كامنة فـي الاقتصادات السياسـية الإقليمية، ولم يغفل دولا مثل سوريا والعراق التي زارهما وزير الخارجية الإماراتي قبيل الاجتماع بأيام، وهذا ما فسر غياب بعض دول مجلس التعاون مثل السعودية والكويت الرافضتان لسياسة إعادة التطبيع وتغيير سلوك الأنظمة في هذه البلدان.

مشاركة قطر في الاجتماع وفقا لحديث القضاة، تعد مؤشرا إضافيا على تطبيع علاقاتها مع جيرانها الخليجيين بعد انتهاء الأزمة الدبلوماسية الخليجية في عام 2021. حيث زار محمد بن زايد قطر في كانون الأول/ديسمبر الفائت للمرة الأولى منذ بدء الأزمة في عام 2017. 

كما يوضح الاجتماع استمرار توجه مصر والأردن نحو الخليج. حيث وقع الأردن اتفاقية تعاون في مجال المياه والطاقة الشمسية مع الإمارات وإسرائيل في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي. كما زادت الشركات الخليجية من الاستثمار في مصر خلال العام الماضي.

منطقة الشرق الأوسط تظل ذات أهمية أساسية لدول المنطقة، لذلك كان الاجتماع للمناقشة والتركيز على هذه المنطقة الهامة والمتنوعة للغاية، خصوصا أن العديد من دول العالم تعتمد على استقرار وأمن المنطقة بشكل كبير، لذلك كان فحوى الاجتماع كيفية إدارة علاقات الدول مع جيرانهم، بما في ذلك دول الجوار الجنوبي والشرق الأدنى والشرق الأوسط. 

ولهذا السبب قدمت أبوظبي أجندة جديدة للدول الأربعة الخليجية بالإضافة لمصر والأردن ​​العام الماضي واستراتيجية جديدة للخليج هذا العام، وكلاهما يتعلق بالشرق الأوسط الأوسع، وكيف ستساهم الخطة الاقتصادية والاستثمارية في تحفيز التحديات التي تنتقل من الاحتياجات الإنسانية الأكثر إلحاحا إلى التحديات الاجتماعية والاقتصادية طويلة المدى، والتنمية، والاستقرار الإقليمي، والأمن العالمي.

منظور خليجي جديد

مؤثرات غياب السعودية والكويت عن هذا الاجتماع، وكذلك استمرار غياب الكويت عن أي اجتماعات سابقة، يفتح باب العديد من التساؤلات حول كيف باتت دول الخليج تسعى لتعزيز استقرار المنطقة بمعزل عن التعاون الخليجي المشترك، والنظر إلى قضايا المنطقة من منظور أمن وطني بعيدا عن القضايا المشتركة مع دول الخليج.

هدف اللقاء، بحسب وكالة الأنباء الإماراتية، الذي حمل عنوان “الازدهار والاستقرار في المنطقة” إلى “ترسيخ التعاون وتعميقه بين دولهم”. واستعرض الاجتماع “القضايا والتطورات الإقليمية والدولية محل الاهتمام المشترك والتحديات التي تشهدها المنطقة سياسيا وأمنيا واقتصاديا، وأهمية تنسيق المواقف وتعزيز العمل العربي المشترك (..)”، بحسب البيان الإماراتي. فيما أكد المجتمعون على “أهمية الالتزام بقواعد حسن الجوار واحترام السيادة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية”.

بحسب المحلل السياسي، فإن غياب الرياض والكويت عن الاجتماع الذي لم تذكر سوى تفاصيل قليلة حول ما ناقشته، يشير إلى قادة الدول المجتمعة يرون أن تعاونهم بمعناه الواسع أكثر أهمية منذ اختلال المنظومة العالمية خصوصا بعد الغزو الروسي على أوكرانيا. 

المنطقة تعاني من تداعيات العدوان الروسي على أوكرانيا، خاصة فيما يتعلق بالأمن الغذائي. لكن هذه المنطقة تلعب أيضا دورا رئيسيا في مواجهة وتخفيف عواقب الحرب الروسية، سواء كانت مزودا رئيسيا للطاقة للاتحاد الأوروبي أو كمانح وداعم للبلدان المتضررة بشكل خاص. 

لا تزال النزاعات المختلفة في منطقة الخليج تشكل مصدرا كبيرا لعدم الاستقرار في المنطقة المباشرة  وتؤثر على  العلاقات الدولية على  نطاق أوسع،  نظرا لعدد أصحاب المصلحة الخارجيين المعنيين. يهيمن  الانقسام على الديناميكيات الإقليمية في الخليج ويتجلى في المقام الأول بالسعودية والكويت والانقسامات داخل جامعة الدول العربية.

كواحد من  الأهداف طويلة المدى، تتصور الدول المجتمعة إنشاء منظمة للأمن والتعاون في الخليج العربي والشرق الأوسط تحت بند أن هذه القضايا تعد أمن وطني، وعملية إنشاء مثل هذا النظام الأمني بحسب القضاة، ​​يجب أن تبدأ من خلال المشاورات الثنائية والمتعددة الأطراف بين أصحاب المصلحة في المنطقة  وخارجها،  بما في ذلك المنظمات الإقليمية. وهذا سيؤدي في النهاية إلى مؤتمر حول الأمن والتعاون في الخليج وسيتم دعوة أصحاب المصلحة للاتفاق على المعايير الرئيسية لنظام الأمن المستقبلي.

تشاور من أجل التنمية

ليس جميع دول الخليج لديها الآن حوارات منتظمة حول التمنية والدعم الاقتصادي فيما يخص دول المنطقة، إلا أن اجتماع أبوظبي كان من أجل تكثيف التعاون بشأن الأمن الإقليمي. وفي هذا الصدد أيضا، فإن نهج الاتحاد المجتمع حديثا هو لبناء الثقة الموجه نحو هذه القضايا والذي سيلعب دورا مركزيا في ذلك حتى مع غياب الرياض والكويت. 

يعد الإبرام الناجح للاتفاق النووي الإيراني مناسبة لإعادة التفكير في النظام الإقليمي الذي يميز الخليج منذ الثمانينيات، على أساس الوجود الكثيف للبحرية والقوات الأميركية في المنطقة لضمان إمدادات الطاقة وتأمين حلفاء واشنطن الخليجيين، لذلك يبدو أن النظر إلى قضايا المنطقة من منظور أمن وطني بعيدا عن القضايا المشتركة مع دول الخليج، تمكّن من إنشاء منتدى إقليمي يضم إيران ودول الخليج والقوى العالمية الإقليمية الرئيسية. وهذا من شأنه أن يوفر منصة للتعامل مع التحديات الرئيسية في المنطقة.

سابقا وبقيادة السعودية استثنى مجلس التعاون الخليجي، وهو ركيزة أساسية للنظام القائم، إيران والعراق والقوى الخارجية التي لها دور مهم في المنطقة. علاوة على ذلك، فهو لا يوفر منصة للحوار حول العديد من التحديات الأمنية أو للحد من التوترات وإدارة الأزمات ومنع الصراع وتحسين القدرة على التنبؤ.

أيضا يعد إنشاء شبكة غير رسمية تجمع الخبراء التقنيين لمناقشة التحديات العابرة للحدود الطريقة الأكثر فاعلية لبدء حوار إقليمي جديد، على افتراض وجود مشاركة كافية من أصحاب المصلحة المحتملين كما حدث في أبوظبي، حتى مع غياب السعودية والكويت.

لذلك، من شأن حوار أمني إقليمي جديد وشامل أن يكمل استراتيجية الدول المجتمعة لتحقيق التوازن في قضايا المنطقة. ويمكن أن يخلق التكامل مع الهياكل الإقليمية فرصا لتقليل التوترات العربية والخليجية مع السماح بفرض تكاليف إذا استمرت المعيقات في السلوك الذي يهدد مصالحهم الأساسية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة