بعد يومين من المباحثات والنقاشات احتضنتها العاصمة الإماراتية أبو ظبي، تحضيرا لقمة “النقب2” المرتقب عقدها بالمملكة المغربية شهر آذار/مارس المقبل، خلُصت اجتماعات أعمال اللجنة التوجيهية ومجموعات العمل السّت إلى “بحث مزيد من فرص التعاون المشترك في عديد المجالات؛ بينما تصدرت قضايا التعايش والأمن الإقليمي، والأمن المائي والغذائي اهتمامات الوفود المشاركة”.

من جانب آخر، أفاد مسؤولون أميركيون إنهم يعملون على زيادة التكامل والتعاون بين عدة دول عربية وإسرائيل في مختلف المجالات في إطار منتدى النقب، الذي انعقد مؤخرا. المنتدى تأسس عام 2022، ويسعى المنتدى إلى تعزيز التعاون بين الدول العربية وإسرائيل.

في حين صرح وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين، أن “انعقاد اللجنة التوجيهية لمنتدى النقب في الإمارات، خطوة أخرى في تعزيز وتعميق اتفاقات أبراهام، ومواجهة التحديات بشكل مشترك”.

من هنا تبرز عدة تساؤلات، حول القضايا التي ستكون على رأس طاولة المنتدى المتوقع انعقادها بالمغرب خلال الأشهر المقبلة، وفرص تحقيق التعايش والأمن الإقليمي انطلاقا من هذه المباحثات، وكيف سيكون شكل تحقيق الأمن الإقليمي هذا، وفيما إذا سيُطرح فكرة تحالف عربي-إسرائيلي من جديد في إطار ردع إيران من التمدد بالمنطقة، وأخيرا إذا ما سيكون هناك المزيد من التطبيع العربي مع إسرائيل.

 أبرز القضايا المطروحة

الدبلوماسيون الأميركيون شاركوا في الاجتماعات التي انعقدت على مدار يومين لمجموعات عمل المنتدى في أبو ظبي هذا الأسبوع، إلى جانب كبار ممثلي حكومات البحرين ومصر والمغرب والإمارات وإسرائيل، وذلك تمهيدا لقمة وزراء خارجية المنتدى المتوقع انعقادها بالمغرب خلال الربيع القادم.

خلال إيجاز صحافي هاتفي نظمه المكتب الإعلامي الإقليمي في دبي، مساء الثلاثاء الماضي، قال المسؤولون بوزارة الخارجية الأميركية، إن “الدول العربية الأربع، المغرب والإمارات والبحرين ومصر، فضلا عن أميركا وإسرائيل المؤسسة لمنتدى النقب التزمت بالمُضي قُدما في دينامية تسريع العمل المشترك في مجالات الأمن الغذائي والمائي والطاقة النظيفة والسياحة والرعاية الصحية والتربية والتعليم، فضلا عن تعزيز التعايش والأمن الإقليمي”، بما يكفل حقوق الفلسطينيين باعتبارهم جزءا لا يتجزأ من منطقة الشرق الأوسط.

ضمن الإيجاز ذاته، تفاعل كل من ديريك شوليه، مستشار وزارة الخارجية الأميركية، زليز آلن، المسؤولة رفيعة المستوى للدبلوماسية العامة والشؤون العامة، بالإضافة إلى سيندي ماكاين، سفيرة الولايات المتحدة لدى وكالات الأمم المتحدة، مع وسائل الإعلام.

جوابا عن سؤال طرحته جريدة “هسبريس” المغربية، خلال الإيجاز الصحافي حول مخرجات اجتماعات التنسيق والتحضير قبل شهرين من قمة وزراء الخارجية في المغرب، أجاب ديريك شوليه، وأحد المشاركين ضمن الوفد الأميركي في اجتماعات أبو ظبي، بأن “العمل لم يتوقف طيلة يومين بين 160 ممثلا، حضروا اجتماعات أبو ظبي التحضيرية للقمة العربية–الإسرائيلية”، مضيفا “نؤمن أنها خطوات بناءة نحو استتباب السلام”.

قد يهمك: علاقة متنامية بين روسيا و”الحشد” العراقي.. طائفية سياسية وتحديات لفاعلية الدولة؟

هذا واعتبر المسؤول الأميركي أن “قضايا الاقتصاد والأمن والسياحة فضلا عن التبادل العلمي والأكاديمي بين البلدان الست تصدرت أجندة النقاش والعمل في جو إيجابي”.

في اعتقاد مدير “المركز العربي للدراسات السياسية” والمحاضر الأكاديمي المتخصص في العلاقات الدولية، محمد صادق إسماعيل، فإن أبرز القضايا ستكون ضمن محورين رئيسيين؛ الأول يتعلق بالتفاعل الاقتصادي والتعويم الاقتصادي بين هذه الدول المشاركة، لا سيما فيما يتعلق بتداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا، وتأثيره المباشر على منطقة الشرق الأوسط، وبالتالي التركيز على زيادة معدلات التبادل التجاري أو الاستثمار أو تعظيم الموارد والقدرات المتاحة، بمعنى الدمج الاقتصادي في العديد من المسارات.

أما المحور الثاني، وفق إسماعيل الذي تحدث لموقع “الحل نت”، فهو مسائل خاصة بترتيب القضية الفلسطينية مرة أخرى، فكما يعلم الجميع أن السلطة اليوم في إسرائيل بيد اليمين المتطرف وبقيادة بنيامين نتنياهو، ووفق اعتقاده فإن هذه الحكومة الإسرائيلية الجديدة مصرّة على مسائل خاصة، مثل سياسة “أبرتهايد”، أو نظام “الفصل العنصري”، وسياسة توسيع وزيادة المستوطنات الإسرائيلية وما إلى ذلك، وهو ما تعارضه المنطقة العربية، وما يتعلق بمسائل تقسيم الزمان والمكان للمسجد الأقصى.

المسؤول الأميركي شدد على “عزم إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن الحالية على اتخاذ كل الإجراءات الفاعلة حتى ضمان الأمن والسلام في المنطقة”.

ديريك شوليه أشار إلى أهمية وضرورة تدعيم العلاقات الاقتصادية والسياحية لاسيما بعد الأزمات العالمية المتعددة التي تشكل أيضا محورا من محاور اهتمامات واشنطن.

اختلاف في الرؤى

إسماعيل، أردف أنه على سبيل المثال هناك دور عربي، لرفض هذه الأطروحات الموجودة لدى الحكومة الإسرائيلية الجديدة، وبالتالي هذا المنتدى فرصة للتفكير الجيد لإعادة صياغة هذه الرؤى مرة أخرى، من خلال أولا؛ عودة التفاوض بين إسرائيل وفلسطين، وإن كان هذا مستبعدا نوعا ما، نتيجة عدم دلو القيادة الأميركية بدلوها بعد في هذا الملف، بالإضافة إلى البُعد الآخر فيما يتعلق بالطرح العربي اتجاه ما يحصل حاليا في منطقة المسجد الأقصى، خاصة ما يتعلق بسياسات “أبرتهايد” التي رفضها حتى أعضاء المنتدى أنفسهم.

قد يهمك: نهج الترابط الثلاثي.. تركيا تتقرب من دمشق بدعم روسي وإيراني؟

بالتالي، وفق تقدير إسماعيل، فإن هذا المنتدى سيكون أعلى صوتا من الناحية السياسية، حيث سيتم طرح الرؤى وسيكون هناك خلاف في طرح الرؤى ما بين إسرائيل وواشنطن وما بين الدول العربية أنفسهم فيما يتعلق برفض بعض السياسات التي تقوم بها إسرائيل، لا سيما سياسة “الفصل العنصرية” وأيضا التقسيم الزماني والمكاني للمسجد الأقصى.

أسباب إشراك الأردن وفلسطين

ديريك شوليه شدد، على أن “مبادرة منتدى النقب، ستعمل بشكل دوري على تنفيذ اتفاقيات أبراهام الموقّعة في عام 2020 بين إسرائيل وأربع دول عربية”، مشيرا إلى أن “انضمام دول أخرى من شمال إفريقيا أو الشرق الأوسط إلى هذه الدينامية تظل مسألة وقت فقط”، ملمّحا إلى إمكانية انضمام الجانبيْن الأردني والفلسطيني إلى “منتدى النقب” لاحقا، مؤكدا بهذا الشأن “من المهم جدا إشراكهما”.

ديريك شوليه تابع في حديثه “نحن واضحون في إدارة بايدن، نؤكد مجددا على سيادة الحرية والأمن وأن يكون هناك حل الدولتين. كما نساند بالتمام توثيق التعاون وباقي الترتيبات بين إسرائيل ودول عربية تؤمن معنا بالسلام”، مشددا على ضرورة “تطبيق نتائج منتدى النقب وتحقيق السلام للفلسطينيين، مع استحضار تعاون أوروبي لتحسين الحياة اليومية في الضفة الغربية وفي قطاع غزة”.

بالعودة إلى إسماعيل، فإنه يرى في إطار مسألة تحقيق التعايش أو ما يطلق عليه قبول الآخر داخل الأراضي الفلسطينية، أنها أصبحت موجودة من خلال وجود إسرائيل في المنطقة أصلا، لكن ما ينقص هو عودة التفاوض حتى يكون لكل طرف، سواء الطرف الفلسطيني أو الطرف الإسرائيلي، دور معين، فيما يتعلق أولا بالحفاظ على الكيانات المقدسة، سواء من قبل القيادات العربية والدولة الفلسطينية ودولة الأردن التي على اعتبار أنها المسؤولة عن حفظ المقدسات، وأيضا فيما يتعلق بالجانب الإسرائيلي، من حيث وضع أُطر لعدم التعدي على المزيد من الأراضي الفلسطينية والمستوطنات وما إلى ذلك.

لذلك، كل هذه الأمور سيتم طرحها في المنتدى المقرر انعقاده في الربيع القادم، لكن إسماعيل لا يتوقع الكثير من العناصر الإيجابية في هذا المنتدى، ربما يعتقد لمسائل خاصة بدورية المنتدى، ولكن هذا المنتدى سيكون عبارة عن مخرجات ولن يكون له دور فاعل على أرض الواقع.

قد يهمك: خارطة طريق للعلاقات الأميركية الصينية في عام 2023.. بكين نحو النبرة المعتدلة؟

هذا ويرفض الأردن، الذي وقّع معاهدة سلام مع إسرائيل عام 1994، المشاركة في المنتدى طالما أن الفلسطينيين ليسوا جزءا منه. في حين ينظر الفلسطينيون إلى المنتدى على أنه “محاولة لتهميش مطالبهم الرئيسية بالاستقلال وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي”.

مشاريع ملموسة؟

ليز آلن، المسؤولة الأميركية رفيعة المستوى للدبلوماسية العامة والشؤون العامة، قالت، من جهتها، إن القضايا السّت التي تشكلت حولها لجان عمل موضوعاتية، لاسيما حول الصحة والأمن الإقليمي والتعليم والسياحة والطاقة، هي بصدد إعداد مشاريع ملموسة تعود بالنفع على شعوب المنطقة برمتها”.

ليز آلن أردفت بالقول “كانت لدينا مناقشات مثمرة طيلة يومين، وأعتقد أن القمة الثانية في المغرب ستكون ناجحة نظرا لما بصمت الاجتماعات التحضيرية في الإمارات من تكامل بين مجموعات العمل من مختلف البلدان”، مشددة على إعداد “إطار فعال للتأثير يقتضي جهود متكاملة، تشمل كل من هم في المنطقة”، مضيفة “الاجتماع التحضيري ناقش بشكل مستفيض كيفية الاستفادة اقتصاديا من اتفاقيات أبراهام، لأنها لا تقتصر فقط على شق سياسي”.

أما سيندي ماكاين، سفيرة الولايات المتحدة لدى وكالات “الأمم المتحدة”، أوضحت “ملحاحية التدخل لعلاج أزمات الأمن المائي والغذائي، واصفة إياهما بموضوعين مهمين، لاسيما “في سياق تداعيات أزمات كوفيد-19 وحرب أوكرانيا والتغيرات المناخية المتسارعة”.

“منتدى النقب”، هو عبارة عن منصة تعاون إقليمي أسستها الدول السّت الأعضاء، تقوم على الأهداف الأساسية المشتركة المتمثلة في تعزيز الرخاء والاستقرار والازدهار على الصعيد الإقليمي ودعم مصالح كافة دول المنطقة والتنمية المستدامة، وتوفير الحلول للتحديات القائمة بما يحقق مستقبلا أفضل للأجيال المقبلة.

في العموم، منذ التوقيع على اتفاقات “أبراهام”، قبل نحو عامين بين دول عربية وإسرائيل، طرأت تغييرات كبيرة على الشرق الأوسط، فالبحرين والإمارات العربية المتحدة تصرفتْ بسرعة وحزم لاستئناف العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل، والآن اختار حوالي ثلث الدول العربية، بما في ذلك الأردن ومصر والمغرب، السلام مع إسرائيل، الأمر الذي كسر المحظور، وأشعل فُرص تقدم التعاون الأمني الإقليمي.

بالنظر إلى زيادة حدّة المخاطر في الشرق الأوسط وتحديدا خلال السنوات القليلة الماضية، قد تظهر فُرص جديدة لتعبئة عملية إقليمية تعاونية، لوضع معايير للسلوك الإقليمي وتدابير عملية لبناء الثقة في المجالات ذات الاهتمام المشترك، وأبرزها الملف الأمني، فيما يتعلق بالتمدد الإيراني بالمنطقة، وإن كان هذا يشكل تحديا كبيرا لتسخير الاهتمام الحالي بالتعاون وخفض التصعيد في خطة عمل يمكن تفعيلها، واعتمادها من قِبل صانعي السياسات، لا سيما على خلفية الحرب في أوكرانيا وتعزيز التحالفات الإقليمية التنافسية لمواجهة إيران. إذ يؤكد الخطر المستمر المتمثل في تجدد التصعيد العسكري على الحاجة إلى تطوير عمليات إقليمية تعاونية، للمساعدة في منع الصراع غير المرغوب فيه، وبناء الثقة داخل منطقة الشرق الأوسط، لكن ربما هذا التعاون لا يتم إقراره خلال “منتدى النقب” المقرر انعقاده في الفترة القادمة، في حين لا يمكن استبعاده خلال السنوات القادمة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.