ضمن سياسة “التوجه غربا” من قبل العديد من القوى الآسيوية الصاعدة صوب المنطقة العربية والخليج العربي على وجه التحديد، لم يعد الحديث عما يجري على مستوى العلاقات الاقتصادية والسياسية فحسب، بل أصبح استقرار الخليج يلعب دورا أكبر في حسابات السياسة الخارجية للعديد من تلك الدول التي باتت تولي اهتماما متزايدا نحو المنطقة من قبيل الصين، اليابان، كوريا الجنوبية، ورابطة دول جنوب شرق آسيا التي تُعرف برابطة “الآسيان”.

مسار لعله يمثل مسعىً جديدا ونسقا متقدما لتأكيد ثوابت العلاقات السياسية والاقتصادية الممتدة بين الطرفين والتي بدأت تتنامى بشكل سريع لا سيما على مستوى العقد الأخير من الزمن، والتي جاءت في إطار انعكاسٍ لمجموعة من التحولات الجيوستراتيجية والجيواقتصادية التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط وقارة آسيا والعالم، ما يمثّل فرصة ثمينة لدول آسيا في مدِّ جذور عميقة في آتون دول مجلس “التعاون الخليجي” التي باتت هي الأخرى تأخذ مسار “التوجه شرقا”، وهو طريق تسعى من خلاله دول الخليج التكيف مع التحولات الدولية والإقليمية.

في ذات المنحى، تبرز أسئلة عدة حول تلك الشراكة مثل؛ كيف سيؤثر النظام الخليجي المتطور على المصالح الإقليمية للبلدان الآسيوية، وما هي اعتبارات منطقة الخليج التي يحدد وفقها صانعو السياسات في الصين واليابان وكوريا الجنوبية إلى جانب سنغافورة والهند وباكستان أهدافهم، وإذا ما كانت المنافسات الآسيوية ستحوّل من المنطقة الغنية بمصادر الطاقة والتي تكتسب موقعا جيوبوليتيكيا متميزا إلى مسرح للمنافسة، بخاصة في ظل التدافع الدولي الذي تخوضه بكين التي تمثل اللاعب الأبرز وسط معادلة فرض النفوذ والاستحواذ الاقتصادي.

محفزات آسيا نحو الخليج

في سياق ذلك، مثّلت صادرات التجارة العربية التي ترتكز في معظمها على النفط الخام، والغاز الطبيعي المسال، ومنتجات البتروكيماويات، العمود الفقري للروابط الاقتصادية المتنامية بين الطرفين، والتي حثّت دول جنوب شرق آسيا، للتحول إلى شريك اقتصادي مهم بالنسبة لدول مجلس “التعاون الخليجي”، وتفرض هذه التحولات على القوى الآسيوية تعزيز علاقاتها بدول الخليج إلى الحدّ الذي يدفعها للاهتمام في مسألة أمن المنطقة، وذلك في سياق الحفاظ على مكاسبها كما يتحدث مراقبون.

اقرأ/ي أيضا: تفاقم الوضع الاقتصادي بلبنان.. هل يزيد من المخاطر الأمنية؟

في غضون ذلك، لفتت دراسة منشورة في مركز “المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة” إلى أن هناك اتجاها عاما من قبل القوى الآسيوية تبين سعيها ليس فقط نحو حماية مصالحها في منطقة الخليج، والتي تتركز في توفير الطاقة وتأمين إمداداتها والحصول على فرص استثمار متبادل، وإنما يؤطر كذلك إلى أن السنوات المقبلة تحمل مؤشرات عديدة على إمكانية تعزيز الارتباط بين بعض هذه القوى وبين دول الخليج في المجالات الأمنية والعسكرية.

تعليقا على بزوز الجانب الأمني وسط هذا التعاون، يشير الخبير في السياسات العامة محمد نعناع، في حديثه لموقع “الحل نت”، إلى أن الهدف الرئيس من التمكين الأمني الذي يمثل هاجسا لدول الخليج العربي وفهمه الخاص من قبل دول آسيوية كاليابان وكوريا الجنوبية والهند، هو تهيئة بيئة مناسبة للاقتصاد، لاسيما وأن الاقتصاد التقليدي الذي يتمثل بحركة الصناعة مقابل الشراء؛ أي تكون هناك دولة مصنّعة وأخرى مستهلكة لم يعد محرّكا كافيا للعالم.

فمع تحول العالم إلى الاقتصاد الحديث المتمثل بالاقتصاد التكنولوجي والتسويقي الذي يتعلق بكيفية توظيف العملة والسيولة النقدية ضمن شبكة إلكترونية تتطلب حماية عالية من الاختراقات والتّتبع، يرى نعناع أن الدول الآسيوية والخليجية باتت تركز ضمن تعاونها على الجانب الأمني لحماية الاقتصاد ما بعد التقليدي لتوفير بيئة اقتصادية تخدم مصالحهم.

دوافع اقتصادية وخشية خليجية

من جانب آخر، بيّن الخبير في السياسات العامة، أنه على مستوى التصورات الأمنية الآسيوية لدول الخليج، فهناك رغبة متبادلة من قبل جميع الأطراف في هذا الأمر، لكن بدرجة أساسية هي من قبل دول الخليج العربي التي تركز على مسألة خلق توازن في المنطقة لأنه من دون توازن ستكون هناك صراعات، وهذه الصراعات في حال حصلت لعدم توفر التوازن الدولي بالضرورة ستؤثر على الدول النامية أو الضعيفة التي لا تمتلك منظومات حماية استراتيجية كدول الخليج العربي، لذلك هي تسعى لتعزيز مجالها.

نعناع استدرك بالقول، إن الانفرادات الاقتصادية الدولية كتغوّل الصين تسببت بانكسارات وانتكاسات كبيرة لدول الخليج العربي سواء كانت بشكل مباشر أو غير مباشر لكنها أثّرت كثيرا على استقرار المنطقة، مثل إتاحة الفسحة للدور الإيراني وتهديده لدول الخليج الذي وصل حدّ استهداف شركة “أرامكو” السعودية التي تسهم بنحو 12 بالمئة من إنتاج النفط العالمي والذي لم تحرك الولايات المتحدة الأميركية ساكنا بشأنه، لذلك هي تبحث عن ضمانات لها من قبيل التعاونات مع كوريا واليابان.

اقرأ/ي أيضا: سياسة البرلمان المغربي الجديدة نحو أوروبا.. تعزيز علاقات أم فراق؟

في الأثناء، أضحت أسواق آسيا الصاعدة الأكثر استيرادا لنفط دول الخليج العربية من أجل دعم النمو الاقتصادي، ومن بين 13 مليون برميل تنتجها دول مجلس التعاون يومياً، يذهب ثلثاها إلى منطقة آسيا والمحيط الهادئ، حيث تعتمد كل من اليابان وكوريا الجنوبية على نسبة تبلغ 70 بالمئة و80 بالمئة على التوالي من احتياجاتها النفطية من دول الخليج العربية، بينما تعتمد الصين على 36 بالمئة، والهند على 45 بالمئة، بل توفر السعودية وحدها نحو 20 بالمئة من الاحتياجات النفطية لكل من الصين والهند.

في حين تشير تقارير إلى أن القارة الآسيوية ستلعب دورا هاما في مركز ثقل النظام العالمي للطاقة، والتي تحتاج بالفعل إلى زيادة وارداتها النفطية من الخارج واستثماراتها النفطية في الداخل، من أجل الحفاظ على إمدادات الطاقة خلال العقدَين القادمين. الأمر الذي يفسّر المصلحة الآسيوية في التوجه نحو منطقة الخليج العربي التي تسعى دول شرق آسيا في جعلها مذخرا استراتيجيا لمشاريعها.

اعتبارات الطاقة

لذلك، ولما تملكه دول جنوب شرق آسيا في الوقت الراهن من اقتصادات أكثر ديناميكية على المستوى الدولي، كما أنها تشتمل على أكبر اقتصادات في العالم، لذا تتطلع جميع دول الخليج بدون استثناء إلى تحقيق عدة أهداف استراتيجية لكل دولة على حدة أو حتى في الإطار الجماعي في سياق سياساتها المبنية على “التوجه شرقا”، ومن أهم هذه الأهداف، هو ضمان مشترين وزبائن دائمين لصادراتها من الطاقة، والبحث عن فرص استثمارية جديدة سواء داخل الأسواق الآسيوية أو عبر استقطاب المزيد من الاستثمارات الأجنبية والتكنولوجيا المتطورة التي تدعم خطط التنويع الاقتصادي داخل دول الخليج. 

يُضاف إلى ذلك، ضمان الأمن الغذائي لدول الخليج عبر تدفقات دائمة من السلع والمنتجات الغذائية، أو من خلال الاستثمار في القطاع الزراعي والغذائي لبعض الدول الآسيوية، فضلا عن ضمان الحصول على العمالة ذات الأجور الرخيصة من أجل المساهمة في بناء المشاريع التحتية أو حتى الاقتصاد بشكل عام.

في هذا الصدد يُتوقع أن يكون أمن الطاقة جزءا لا يتجزأ من الشراكة الاستراتيجية بين القوى الآسيوية ومنطقة الخليج، إذ سوف يستمر تنامي الطلب الصيني في المدى القصير والمتوسط على نفط دول الخليج العربية، لاسيما مع توقع ارتفاع الاستهلاك الصيني من النفط بنسبة 67 بالمئة بحلول عام 2030. وعلى الرغم من أن لدى الصين أكبر احتياطي عالمي من الغاز الصخري 19 بالمئة، فإن تكلفة استخراجه مرتفعة بسبب عمق رواسب النفط وقربها من المناطق الحضرية، وهو ما يدفعها هي الأخرى إلى الخليج العربي.

هذا وعلى الجانب السياسي، تُعد الصين من الدول دائمة العضوية في مجلس “الأمن الدولي”، في حين أن اليابان تخوض حملة للحصول على مقعد دائم في مجلس “الأمن الدولي”، الأمر الذي يشكل حافزا لدول مجلس “التعاون الخليجي” في تعزيز علاقاتها مع دول شرق آسيا، في محاولة للحفاظ على داعم استراتيجي لمواقفها على الصعيد الدولي.

على ذلك النحو، فإن المنطلق الآسيوي نحو الخليج العربي والتصور الأمني، يأتي بالنظر إلى أن دول المنطقة تُعد من أكبر منتجي النفط والغاز الطبيعي المسال في العالم، حيث يبرز في هذا الإطار الدور الذي تلعبه كلّ من السعودية كأكبر مصدر للنفط الخام، وقطر كأكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال، كما تنبغي الإشارة إلى أن دول مجلس “التعاون الخليجي” مجتمعة تشتمل على ما يقرب من 30 بالمئة من الاحتياطيات النفطية العالمية المؤكدة، وأكثر من 22 بالمئة من احتياطيات الغاز.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.