جولة من جولات الصراع المغربية – الجزائرية غير المعلنة والمستمرة منذ إعلان الجزائر عن قطع علاقتها بالجار الغربي من جانب واحد، وإغلاق الأجواء الجوية في وجه طائراته وتوقيف تصدير الغاز عبره وغيرها من الإجراءات “السيادية” الأخرى، بدأت باشتراط المغرب، تنفيذ رحلة مباشرة لمدينة قسنطينة من أجل المشاركة في بطولة إفريقيا للاعبين المحليين لكرة القدم، التي تمّ تنظيمها في الجزائر.

في ظل تشبث مسؤولي كرة القدم في المغرب بقرار السفر بواسطة الطيران المغربي المحظور فوق الأجواء الجزائرية، الذي حرم لاعبيهم المحليين من المشاركة في البطولة الإفريقية التي انطلقت في الجزائر، وفوت عليهم فرصة المشاركة في بطولة إفريقيا للاعبين المحليين.

هذه الحالة ليس وليدة الساعة، بل هي تراكمات سياسية امتدت لعقود من الزمن تشعلها أحداث ومتغيرات هنا وهناك، فهل تستمر حدة التوتر والخلافات بين الجانب الجزائر-المغربي وإلى متى تبقى هذه الحالة، وهل من الممكن أن تؤدي إلى إشعال حرب جديدة بين الطرفين، أم أنّ الأمر سيقتصر على الحرب البادرة بينهما.

أمر مؤسف ومؤلم

السجالات التي تحدث بين البلدين يصفها الكثير من المراقبين والمحليين بأّنها أمر مؤسف ومؤلم جداً، وهذا يعود بحسب رؤيتهم بأنّ هذه الأنظمة السياسية القائمة لا تراعي مصالح البلدين والشعبين أكثر مما تراعي مصالحها الذاتية خاصة من الجانب الجزائري عبر إبداء تعنت شديد.

التوترات بين الطرفين دخلت منعرجاً جديداً في كانون الأول/ديسمبر 2020 عندما أعلن المغرب تطبيع علاقاته مع إسرائيل مقابل اعتراف الولايات المتحدة الأميركية بسيادة المغرب على أراضي الصحراء الغربية، وهو الموقف الذي أدى بالجزائر إلى عزل نفسها سياسياً عن المغرب بشكل تدريجي خاصة بعد أن أعلنت أسبانيا في آذار/مارس من العام الماضي تأييدها لخطة الحكم الذاتي للصحراء الغربية التي تدعمها المغرب وهو ما أدى إلى صدمة كبيرة للجزائر.

لم يصل الأمر عند هذا الحد فقد تصاعدت حملات الهجوم اللفظي بين البلدين لتصل ذروتها في شهر تموز/يوليو 2021 عندما أعلن عمر هلال، سفير المغرب لدى الأمم المتحدة تأييده الصريح لحق سكان منطقة القبائل في تقرير مصيرهم رداً على الدعم الجزائري لـ “جبهة البوليساريو”، وهو ما أثار غضب الحكومة الجزائرية التي سارعت لاستدعاء سفيرها لدى المغرب للتشاور.

في الوقت نفسه أكدت تقارير إعلامية ونفتها المغرب حول تورط المغرب في استخدام برنامج “بيغاسوس” للتجسس الإلكتروني؛ لاستهداف هواتف شخصيات عامة ومسؤولين سياسيين وعسكريين جزائريين، الأمر الذي زاد من حدة التوتر بين الجانبين، وأدت إلى اتهام الجزائر المغرب بدعم جماعتين تدرجهما الجزائر على قوائم المنظمات الإرهابية وهما “رشاد” و”ماك” الانفصالية في منطقة القبائل، وحمّلته بدون دليل مادي، مسؤولية الحرائق التي اجتاحت الحياة البرية في الجزائر.

هنا يؤكدّ الناشط الحقوقي والسياسي والدبلوماسي الجزائري السابق محمد العربي زيتوت‏، في تصريحات خاصة لـ “الحل نت”، بأنّ العلاقات سيئة جداً بين البلدين في هذه المرحلة، مشيراً إلى أنّه في صيف 2021 أقدمت المنظومة السياسية الحاكمة بالجزائر على قطع العلاقات الدبلوماسية وغلق الأجواء في وجه الطيران المغربي المدني والعسكري، وذلك بتهمة أنّهم تسببوا في حرائق وأنّهم يساعدون الحركات والمجموعات الانفصالية منها حركة “رشاد” المعارضة للحكم السياسي في الجزائر.

لكنّ زيتوت ينفي هذه التهم المنسوبة للمغرب بصفته العضو المؤسس في حركة “رشاد” الجزائرية، منوهاً إلى أنّه ليس لدى الحركة أي علاقة مع نظام سياسي ولا يمكن أن تكون لها أي علاقة مع نظام سياسي قائم، والتي لديها موقف واضح عدم التعامل مع الدول، لأنّ المعارضات التي تتعامل مع الدول غالباً ما تصبح عميلة لها، ومن هنا فإنّ هذا الاتهام يعتبر باطلاً، بحسب ما يذهب إليه زيتوت.

فيما يتعلق باتهام المغرب بأنّهم هي المتسببة بالحرائق عموماً، فيؤكدّ الدبلوماسي السابق الجزائري زيتوت أنّها اتهامات باطلة، فكان جزء من هذه الحرائق طبيعي، وجزء الأكبر منها أقدمت عليه المخابرات لضرب الحراك الشعبي في مقتل، بحيث كانت أهم تلك الحرائق في منطقة القبائل التي هي قلب الاحتجاجات في الجزائر ومن بين أهم مناطق الحراك الشعبي.

لكنّ الخصومات بين المغرب والجزائر تعود إلى بداية الاستقلال، فكان هناك حرب عرفت بحرب “الرمال” عام 1963، وقد بدأت جذور الخلاف بين البلدين بعدما ضمَّت سلطات الاستعمار الفرنسي منطقتَي بشار وتندوف إلى الأراضي الجزائرية، وهما منطقتان يرى المغرب حقه التاريخي فيهما، وأنهما جزء من أراضيه التاريخية.

على الرغم من أنّ الحرب لم تدم طويلا لكن العلاقات بدأت منذ ذلك الوقت تصبح بحسب رؤية زيتوت سيئة على مراحل وفترات قليلة، ما بين فترة الانفتاح في الجزائر التي امتدت ما بين 1988-1991، فكانت فيها العلاقات طبيعية، بل حتى أنّ الجزائريين كان يزورون المغرب في تلك السنوات وقد وصل عددهم لأكثر من مليون في كل صيف وعلى امتداد الثلاث سنوات، وكانت الأمور في تلك الفترة قد تبدو جيدة ومستقرة.

هل تشتعل حرب أخرى؟

كانت تصريحات للرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، التي أدلى بها في حوار لصحيفة “لوفيغارو” الفرنسية، قد أثارت جدلا واسعا خصوصا بعد أن فسر الأسباب الكامنة خلف قرار بلاده قطع علاقاتها الدبلوماسية مع الجار المغرب في صيف عام 2021.

وأكدّ تبون، في حواره للصحيفة الفرنسية، أنّ قرار قطع العلاقات كان بديلا عن نشوب حرب بين الدولتين، محملا النظام المغربي مسؤولية الأزمة التي مرت عليها عقود، وتتعلق بمصير الصحراء التي تتنازع بشأنها الرباط مع “جبهة البوليساريو” الانفصالية المدعومة من الجزائر. معتبرا أن “النظام المغربي هو من سبب المشكلات وليس الشعب، فهناك 80 ألف مغربي يعيشون في الجزائر بكرامة”.

في هذا السياق يستبعد الدبلوماسي الجزائر السابق محمد زيتوت هذا الخيار، مؤكدا في حديثه بالقول: “لأنّ الحرب لم تعد فقط في يد الأنظمة السياسية بالمغرب والجزائر، وإنّما في أيدي القوى الخارجية وفي ظل ما يحدث في أوكرانيا والتوترات العالمية خاصة في جنوب شرق أسيا، وما يحدث في تايوان والصراع مع الصين، كل هذا سيجعل من القوى الكبرى خاصة الولايات المتحدة وفرنسا باعتبارهما قوى مؤثرة في المنطقة ألّا ستسمح في مثل هذه الحرب”.

لكن هذه التوترات ستبقى بحسب زيتوت تشعل حرب دعائية بين الطرفين وهي مستمرة ويدخل فيها أطراف كثيرة باسم الوطنية، وكل جهة تريد أن تدافع عن نظام حكمها السياسي وبلدها من المبدأ الوطني، وهذا تفكير خاطئ، مشددا على أنّ الأصل الوقوف مع الحق في وجه الباطل.

حول مدى استمرارية الأزمة بين البلدين يؤكدّ زيتوت قائلا: “طالما هناك حكم عسكري ومجموعات تتحكم في البلاد فستذهب البلاد دائما لنوع من التوترات وخلق العدو في الداخل والخارج، ففي الداخل العدو الأكبر بالنسبة إليهم بتمثل في حركة رشاد، وفي الخارج يتمثل العدو في النظام السياسي في المغرب، ومن حين لآخر كانوا يثيرون بعض القضايا مع دول أخرى لكن في الفترة الأخيرة باتوا يركزون على أحداث العداء مع المغرب”.

زيتوت يرى بأنّ قيام دولة مدنية في الجزائر سيخفف كثير من التوترات، بل قد يؤدي إلى حل للعديد من الإشكاليات، ومنها إشكالية الصحراء الغربية. وبالتالي فإنّ قيام دولة مدنية في الجزائر ستؤدي إلى أن تشهد المنطقة انبعاث نفس جديد، مشيرا في حديثه إلى أنّ مشروع حركة “رشاد” والذي يؤمن به الكثير من الجزائريين والمغاربة، وهو بناء “الاتحاد المغاربي” إن لم يكن في شكل دولة مغاربية كبرى على الأقل فسيكون على شكل اتحاد كونفدرالي للمنطقة المغاربية، فلا يمكن في ظل ما يجري في العالم والصراعات أن تبقى المغرب والجزائر متصارعين ومتخاصمين والتي من الممكن أن تدفع كلا منهما ثمن أن يكونا تحت قبضة استعمارية أكبر مما كنا في فترات سابقة.

الرؤية والرهان

في سياق متصل يؤكدّ الباحث والمتخصص في الشأن الجزائري الدكتور رضا بن عتو، في حديثه الخاص لـ”الحل نت”، بأنّ الحالة المتوترة التي وصلت إليها العلاقة بين المغرب والجزائر كانت بفعل التراكمات المتعلقة بالتجاوزات المغربية التي مست الأمن الداخلي الجزائري، مشددا على أنّ قضية إلقاء اللوم على الجزائر بحرمان المغرب من المشاركة في بطولة إفريقيا للاعبين المحليين أمر غير مقبول، فقد شاركت المغرب قبل حولي ثلاثة شهور بصفة عادية في كأس إفريقيا لأقل من 17 سنة وألعاب البحر الأبيض المتوسط بعد أن دخلت عبر تونس وهذا يعني أنّ رفضها المشاركة مؤخرا كان سببه سياسي بالدرجة الأولى وهي محاولة لصرف أنظار الشارع المغربي مما يعانيه من تفاقم للأوضاع الاجتماعية والاقتصادية

 أما عن بوادر حرب جديدة فلا يعتقد بن عتو مثل ذلك الخيار، لأنّ الجزائر من طرفها ملتزمة بحيادها على أن لا تمس سيادتها الداخلية، مؤكدا بأنّ حل الأزمة بين البلدين يبقى مرهونا في يد السلطات العليا في البلاد فهم الأدرى بذلك.

في هذا السياق يذهب الباحث الجزائر في الشؤون الدولية والإستراتيجية، محمد لمين بليلي، في تصريحات خاصة لـ”الحل نت”، إلى نفس رؤية بن عتو، لافتا إلى أنّ الجزائر دولة مبادئ وكل الإجراءات والقرارات التي قامت بها كانت من أجل تجنب الحرب مع المغرب، وهذا ما صرح به أيضا الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون والتي أكدت على أنّ النظام السياسي هم دعاة دولة سلم وأمن وليس دعاة حرب.

من هنا يرى بليلي بأنّ المغرب تحكمه لوبيات معروفة وليس سيد قراره فهي مجرد بيدق في المنطقة، والتي من الممكن أن تزيد من حدة التوتر، لكن خيار الحرب يبقى أمرا مستبعدا على الأقل في الوقت القريب والمتوسط، لأن الجزائر تدرك جيدا أن الحرب في المنطقة المغاربية من أجل إضعاف المنطقة وتقسيمها لدويلات.

على أي حالة يمكن القول أنّ حالة التوتر التي تشهدها كلا المغرب والجزائر ستبقى مستمرة حتى إشعار آخر، ولا أفق سياسي لحل جذري بين الطرفين، باعتبار أنّ كلاهما يرى في نفسه الأحقية في قيادة منطقة شمال إفريقيا، وأنّ كلا منهما يعتبر نفسه هو الممثل والوصي على دول المغرب العربي بمجملها.

لكن خيار الحرب يبقى خيارا بعيدا، ويبقى خيار سباق التسلح بين الطرفين هو العنوان الأبرز فكلاههما يعمل على هذا الخيار، وبهذا الخصوص كانت الجزائر التي تراهن على ارتفاع عائدات النفط، قد ضاعفت ميزانية وزارة الدفاع إلى أكثر من 22 مليار دولار بعد أن كانت في عام 2022 أقل من تسع مليارات دولار، الأمر الذي ينذر بنذير شؤم إلى استمرار العلاقات المتوترة بين الطرفين إلى أجل غير مسمى.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة