عودة العلاقات بين الصين وإيران باتت مستحيلة أو ربما أصبحت العلاقة تحت الإكراه الشديد، وذلك بعد أن أعلنت طهران أنها محطبة بسبب الإعلان المشترك الذي أصدره الرئيس الصيني شي جين بينغ وقادة دول الخليج في كانون الأول/ديسمبر 2022.

الجانبان في البيان المشترك الذي اختتم قمة بين الصين ومجلس التعاون الخليجي في المملكة العربية السعودية، اتفقا على أن تستخدم دولة الإمارات العربية المتحدة، العضو في مجلس التعاون الخليجي، المفاوضات لحل نزاعاتها الإقليمية مع إيران بشأن الجزر في مضيق هرمز.

بعد القمة، استدعت الحكومة الإيرانية سفير الصين لدى إيران، تشانغ هوا، للاستماع حول رؤيتها من نزاع الجزر، كما أعربت إيران عن استيائها من البيان المشترك مع نائب رئيس مجلس الدولة الزائر هو تشون هوا، الذي قاد وفدا إلى طهران بعد أسبوع من القمة. وقال هو إن الصين تدعم بقوة الجهود الإيرانية للدفاع عن السيادة وسلامة أراضيها ومستعدة للعمل مع إيران لتعزيز التعاون الثنائي.

من المتوقع أن يزور الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي الصين من الثلاثاء إلى الخميس القادم، في إطار تحرك بكين الأخير لإصلاح العلاقات وتعزيز التعاون مع قوتها في الشرق الأوسط، حيث قالت وزارة الخارجية الصينية، إن الرئيس الإيراني تلقى دعوة من جين بينغ، إلا أن ثلاثة محاور لا تزال تعمق الصدع بين الحليفين، وربما تستمر العلاقات في التدهور مع إصرار بكين على العلاقة المنفتحة مع الخليج، فهل ستزداد حدة التوترات بين طهران وبكين.

التعقيدات بين الطرفين كبيرة

للوهلة الأولى يبدو فحوى الزيارة أنه من أجل تحسين العلاقات وتعزيز جوانب التعاون وسيسعى الطرفان نحو تخفيف التوترات التي احتدمت منذ البيان المشترك مع الخليج، إلا إن التعقيدات الكبيرة في العلاقات الثنائية من غير المرجح أن تتغير، بما في ذلك الاضطرابات الداخلية في إيران، وموقف طهران من حرب أوكرانيا، وأعمالها العدائية مع دول الشرق الأوسط الأخرى التي تشارك الصين معها في مجال الطاقة.

الخبير في السياسات الإيرانية، محمد سحيمي، أوضح لـ”الحل نت”، أنه سياسيا لبكين وطهران تاريخ معقد مليء بالتوتر. حيث شهدت العلاقات الثنائية بين الصين وإيران نموا مطردا في السنوات الأخيرة، بعد أن شهدت تقلبات عديدة في الماضي. العلاقة اللطيفة بين الاثنين لا تربط فقط ثلاث مناطق؛ شرق آسيا وغرب آسيا وآسيا الوسطى، ولكن لديها أيضا القدرة على التأثير بشكل إيجابي على السياسات الإقليمية والعالمية السائدة. ومع ذلك، فإن المواقف المختلفة للصين وإيران في السياسة العالمية تشكل تحديا لعلاقاتهما الثنائية. 

التعقيدات بين بكين وطهران واسعة ومتنوعة، لكنها تدوران حول عجز المجتمعين عن التوفيق بين اختلافاتهما. فعلى الرغم من أن الدولتين تشتركان في ماض يمتد عبر القرون، إلا أن حاضرهما محفوف بسوء الفهم والاختلافات. فخلال المراحل المبكرة من الحرب الباردة والمنافسات العدائية التي أعقبت الحرب العالمية الثانية، تأثرت إيران باثنين من اعتبارات السياسة الخارجية المترابطة.

كان البداية بالهوس والخوف من الشيوعية، وثانيا رغبة قوية في ضمان السياسة، والعسكرية، و الدعم الاقتصادي من من الغرب. ودفعت هذه الاعتبارات طهران إلى اتباع واشنطن فيما يتعلق بجمهورية الصين الشعبية التي ظهرت عام 1329/1949 واتبعت في البداية سياسات الاتحاد السوفيتي. كما عكس رفض الحكومة الإيرانية الاعتراف بجمهورية الصين الشعبية وموقفها من التمثيل الصيني في الأمم المتحدة هذين الشاغلين التوأمين.

لكن وبحسب سحيمي، فإنه مع تنامي الضغط الدولي على سياسة الحزب “الشيوعي” الصيني فيما يتعلق باستثماراتها المتزايدة في إيران، كان على القيادة الصينية أن توازن بين اندفاعها نحو الطاقة والتعاون الاقتصادي مع إيران مقابل المصالح المهمة الأخرى، بما في ذلك تعزيز صورتها كدولة كبيرة مسؤولة. 

لذلك، بعد تحليل تطور علاقات الطاقة بين الصين وإيران، استجابة الصين لتشديد العقوبات التي تقودها الولايات المتحدة ضد إيران، وما مزايا وعيوب محاولات الصين لتحقيق التوازن أو التوفيق بين مصالحها في إيران، كان أبرز الخيارات التي يمكن أن تتخذها الصين للتعامل مع أزمة نفطية محتملة هو الشراكة الجديدة مع دول الخليج.

شراكة محدودة

التعاون الاقتصادي والطاقة الصيني الإيراني رسم بين الطرفين بناء على المصالح الآنية، إذ على مدى السنوات العديدة الماضية، أصبحت الصين عميل النفط والشريك التجاري الأول لإيران. كما زودت الصين إيران بالمعرفة التكنولوجية لتطوير مواردها من الطاقة. حيث قام المهندسون الصينيون أيضا ببناء الجسور والسدود والسكك الحديدية والأنفاق في جميع أنحاء إيران.

فيما يتعلق بالتعاون الاستراتيجي والدفاعي الصيني الإيراني، ساعدت الصين جهود إيران لتحديث أجهزتها العسكرية وعقيدتها من خلال نقل التكنولوجيا العسكرية ومبيعات الأسلحة الصغيرة والصواريخ الباليستية التكتيكية وصواريخ كروز المضادة للسفن. كما ساعدت بكين في تطوير برنامج إيران النووي من خلال نقل التكنولوجيا والآلات. وحمت العلاقات الاقتصادية بين الصين وإيران النظام الإيراني من آثار العقوبات الدولية.

تكمن جذور العلاقات الصينية الإيرانية بحسب سحيمي، في وجود أنظمة استبدادية في كلا البلدين وروايات تاريخية تصف النظام الدولي بأنه نظام غير عادل وتهيمن عليه القوى الغربية. إذ ينظر النظام الإيراني إلى الحزب “الشيوعي” الصيني كحليف محتمل ضد الولايات المتحدة، وتنظر بكين إلى إيران كشريك محتمل للحد من نفوذ الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.

أسس الشراكة الاقتصادية بين إيران والصين هي موارد الطاقة الوفيرة لإيران واحتياجات الصين المتزايدة من الطاقة، لكن الصين لا تعتمد بشكل كبير على الجمهورية الإسلامية لاحتياجاتها من الطاقة؛ في المقابل ، يعتمد النظام الإيراني الآن على الصين باعتبارها الحامي الدبلوماسي الرئيسي. وعلى الرغم من تعاونهما في مجال الطاقة والتجارة والمصالح الجيوسياسية المشتركة، من المحتمل أن يكون لإيران والصين مصالح متباينة بشأن عدد من القضايا، وهو ما يعني أن العلاقة التي يصفها الطرفان بأنها استراتيجية هي محدودة بالفعل وتشكلت بناء على مصالح الطرفين.

في مواجهة هذه التناقضات، تواجه بكين معضلة بشأن سياستها تجاه إيران، فعلى الصعيد المحلي تخضع علاقة الصين مع إيران للنقاش في الأوساط الأكاديمية ودوائر صنع السياسات، حيث يجادل البعض بأنه نظرا لمصالحها الإقليمية والسياسية، يجب أن تستمر الصين في الحفاظ على علاقات وثيقة مع إيران. 

هؤلاء الناس على الرغم من أنهم ليسوا بالضرورة يمثلون الأغلبية، يتأثرون إلى حد كبير بـ “نظرية العوالم الثلاثة” لماو تسي تونج، والتي افترضت أن العلاقات الدولية تضم ثلاثة عوالم سياسية اقتصادية: العالم الأول يضم القوى العظمى؛ والعالم الثاني هم حلفاء القوى العظمى؛ والعالم الثالث هم دول حركة عدم الانحياز. ووفقا لوجهة نظر ماو، فإن الصين يجب أن تكون عضوا في العالم الثالث ولا ينبغي أن تكون من أتباع القوى العظمى، على عكس إيران التي تنافس من أجل أن تصبح دولة عظمى.

مصالح الصين ورهاناتها في إيران

حاليا باتت العلاقات المتوترة بين الصين وإيران قضية دولية مثيرة للجدل خصوصا بعد توقع بكين لعدة شراكات مع دول مجلس التعاون الخليجي. إلا إن الديناميكيات تغيرت بشكل كبير منذ عام 2015، عندما صوتت الصين لصالح قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الذي لا يوافق على برنامج إيران النووي. كانت الصين قد عارضت في السابق العقوبات التي تقودها الولايات المتحدة ضد إيران، لكن تصويتها يشير إلى أنها مستعدة للنظر في الموقف بشكل أكثر أهمية. مثل هذا القرار انفصالا عن موقفها الدبلوماسي السابق وأثار استياء العديد من الإيرانيين.

مع تقدم السنوات، أصبح من الواضح أن الصين وإيران لديهما وجهات نظر وأهداف متباينة. على سبيل المثال، في عام 2019 ، زار الرئيس الصيني شي جين بينغ السعودية، خصم إيران على المدى الطويل، على عكس شراكة إيران القوية مع النظام في دمشق. أدى ذلك إلى مزيد من التدهور في العلاقات الإيرانية الصينية، حيث بدأ البلدان في الانخراط في معركة من أجل النفوذ والقوة الاقتصادية في الشرق الأوسط.

التنافس المستمر تفاقم في عام 2020 مع بدء حملة الضغط والتي شملت تنفيذ سلسلة من العقوبات الاقتصادية القاسية بشكل متزايد والتي تستهدف قطاعات النفط والغاز والبنوك في إيران. انتقدت الصين هذا القرار، إلا إن جنوح بكين نحو دول الخليج وتبنيها العقوبات بشكل غير مباشر عبر تغيير مواردها دفع إيران ليس فقط للتشكيك في التزام الصين بالاتفاق النووي، ولكن أيضا للقلق بشأن اعتمادها على بكين كمورد بديل للسلع والأسلحة في مواجهة القيود الأميركية

لم يتحسن الوضع الحالي للعلاقات بعد، حيث أكدت الأحداث الأخيرة على انعدام الثقة المشترك بين البلدين. ويرجع ذلك إلى الطبيعة المعقدة للعلاقة، والتي تشمل كلا من المشهد السياسي الأميركي الحالي والجغرافيا السياسية المعقدة في الشرق الأوسط. نتيجة لذلك، لا يزال مستقبل العلاقة بين إيران والصين غير واضح.

سياسة بكين في الشرق الأوسط لا يُتوقع أن تشهد تحولا كبيرا خلال السنوات القليلة المقبلة، وستواصل التركيز على العلاقات الاقتصادية بدلا من العلاقات العسكرية. تعهدت الصين بتعزيز التعاون في مجال الطاقة مع دول الخليج، ومع تدهور العلاقات بين واشنطن وبكين، حاولت توسيع استخدام العملة الصينية في تجارة النفط لتقليل الاعتماد على الدولار الأميركي، لذلك ستواصل الصين إدارة علاقاتها بحذر مع إيران ودول الشرق الأوسط الأخرى، في محاولة لتحقيق توازن.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة