السعودية في عام 2022 حققت إنجازا اقتصاديا كبيرا بتخطي حجم ناتجها القومي الإجمالي حاجز التريليون دولار لأول مرة في تاريخ المملكة، حيث سجلت 1.01 ترليون دولار، ولم تقف الأرقام عند ذلك الحد بل صنف الاقتصاد السعودي بحسب وكالة “بلومبيرغ” الأسرع نموا في العالم لعام 2022، بعدما حقق نموا بلغ 8.7.

بذلك تجاوزت السعودية بهذه الأرقام العديد من الدول الأوربية من حيث حجم الناتج القومي، في وقت تعاني فيه العديد من دول العالم من تراجع في معدلات النمو. ويعد الاقتصاد السعودي واحدا من أقوى اقتصادات الشرق الأوسط فالسعودية تحتل المركز الـ16 بين اقتصادات دول مجموعة العشرين والتي تضم أكبر عشرين اقتصاد في العالم. 

النمو المتسارع للاقتصاد السعودي التي شهدته في السنوات الأخيرة لا يعني أنه اقتصادها لا يخلو من الثغرات، فما زالت السعودية دولة ريعية تعتمد على تصدير النفط ومشتقاته في الدرجة الأولى. لكن ما مصادر قوة نمو الاقتصاد السعودي، وهل يمكن تحديدها بعوامل معينة.

ارتفاع عائدات النفط ومشتقاته 

مازال الاقتصاد السعودي يعتمد بنسبة 73 بالمئة على واردات النفط والمنتجات النفطية، وبحسب منصة “الطاقة” فقد سجلت صادرات النفط ارتفاعا ملحوظا خلال الأشهر الـ9 الأولى من عام 2022، بنسبة ارتفاع 83.68 بالمئة، على أساس سنوي مقارنة بالفترة ذاتها من عام 2021، وارتفعت إيرادات السعودية من بيع النفط إلى 253.37 مليار دولار، خلال المدة من كانون الثاني/يناير حتى نهاية أيلول/سبتمبر لعام 2022، مقابل 137.94 مليار دولار خلال المدة نفسها من 2021. 

ارتفاع صادرات وإيرادات النفط السعودي ناتج عن عدد من العوامل وأهمها: العامل الأول، انتهاء حالة الإغلاق الاقتصادي العالمي الذي فرضته الدول نتيجة تفشي جائحة كورونا. والعامل الثاني، الحرب الروسية على أوكرانيا والتي سببت في الفترة الأولى حالة من عدم اليقين ضربت أسواق الطاقة العالمية والخوف من توقف روسيا عن تصدير النفط والغاز إلى السوق الدولية بشكل مفاجئ، وفيما بعد عملت الدول الأوروبية على فرض عقوبات على النفط الروسي والاستغناء عنه مقابل الاستيراد من مصادر أخرى ومن ضمنها السعودية. 

العامل الثالث، تمسك السعودية إلى جانب مجموعة “أوبك بلس” بتحقيق توازن في ميزان العرض والطلب في سوق الطاقة الدولية، والذي ساهم إضافة للعوامل السابقة بالمحافظة على أسعار برميل النفط مرتفعة ووصلت في بعض الأحيان إلى 140 دولار، وبمتوسط سنوي 90 دولار في عام 2022 مقارنة بمتوسط  سنوي 40 – 50 دولار في عام  2021. 

انعكس ارتفاع اسعار النفط وموارد الطاقة الأخرى على الإيرادات المالية السعودية بشكل كبير، لا سيما أن السعودية تصدر يومياً بين 6 – 6.5 مليون برميل للسوق الدولية، يذهب جزء كبير منها لدول شرق آسيا خصوصا الصين.

التنوع الاقتصادي 

أطلقت الرياض الاستراتيجية الوطنية للصناعة الهادفة للوصول إلى اقتصاد صناعي جاذب للاستثمار كجزء من رؤية 2030، وتستهدف الاستراتيجية العديد من الصناعات واهمها بناء 4 مصانع للطائرات بدون طيار، ومصنعين لصناعة السيارات الكهربائية، ومصانع الأدوية إضافة لإنشاء 15 مصنع مختص في صناعات التكنولوجيا المتقدمة، فضلا عن تأسيس بنية تحتية قادرة على وضع السعودية كمركز لسلاسل الإمداد العالمية. 

كجزء من الاستراتيجية الوطنية حققت الرياض في عام 2022 معدلا مرتفعا في مجال نمو الناتج المحلي الحقيقي للأنشطة الغير نفطية حيث بلغ النمو 5.4 بالمئة. 

فقد استهدفت الحكومة العديد من القطاعات الغير نفطية وأهمها قطاع التعدين، والذي يتطور بشكل كبير بعد فتحه أمام الاستثمارات الأجنبية وتسعى الدولة أن تبلغ مساهمة قطاع التعدين لـ 68 مليار دولار، ومن المعروف أن السعودية تمتلك ثروات معدنية تقدر بـ 1.3 تريليون دولار من الفوسفات والنحاس والزنك. 

كما شجعت ومولّت الدولة مواطنيها للاستثمار في مشاريع الصناعات الغذائية الصغيرة والمتوسطة من أجل سد الفجوة في الأمن الغذائي وتقليل الاستيراد بعدما وصل إلى 18 مليار دولار سنوياً. وتمكّنت الدولة من تحقيق نجاح كبير في قطاع الأغدية بعدما ارتفعت نسبة المصانع إلى 200 بالمئة بين عامي 2016 – 2020، ووفقا لإحصاءات وزارة الصناعة السعودية بلغ عدد مصانع الأغذية 1023 مصنع حتى نهاية عام 2022، بنسبة 14.4 بالمئة من إجمالي عدد المصانع في البلاد، فيما بلغ حجم الاستثمار الكلي للقطاع الزراعي 23 مليار دولار. 

تحويل السعودية لمركز دولي 

السعودية تعمل على أن تكون مركزا محوريا ورائدة للأعمال والمواصلات في منطقة الشرق الأوسط. ولتحقيق هذا الهدف أصدرت الدولة في شباط/فبراير 2021، قرارَ الامتناعِ عن ترسية تعاقدات حكومية على الشركات التي تقيم مراكز أعمالها خارج البلاد بعد 2024، بقصد جذب الشركات للعمل في الداخل، ففقط 5 بالمئة من الشركات المتعاملة مع السعودية لديها مقرَّات داخلها، حيث تتخذ غالبية تلك الشركات الإمارات مقرا لها. 

بذلك ستضطر الشركات الأجنبية العاملة في السعودية إلى نقل إقامة مقراتها الإقليمية إلى البلاد للحفاظ على عقودها، ومن المحتمل أن يساهم نقل مراكز الشركات الدولية الكبرى إلى الرياض في تعظيم الفوائد لاسيما المتعلقة بتحصيل الضرائب التي تعود على خزينة الدولة بإيرادات مالية سنوية. كما أعلنت الدولة عن عزمها إنفاق 147 مليار دولار لجعل السعودية “المحور اللوجستي” الجوي والبحري الرئيسي للمنطقة، من خلال إنشاء خط سكة حديد عالي السرعة، وشركة طيران جديدة، وخدمات موانئ موسعة.

أيضا تسعى السعودية لتشجيع السياحة في البلاد عبر إطلاق “موسم الرياض”، وتأهيل العديد من المناطق السياحية، فضلا عن الاستثمار في مجال الرياضة فقد، استحوذت السعودية على نادي “نيوكاسل” الإنكليزي وتحاول شراء بعض الأندية الأخرى، بعدما ثبت نجاح هذا النوع من الاستثمارات. 

ما زالت تجارة النفط ومشتقاته تسيطر على الاقتصاد السعودي، وتعد المساهم الأول والأهم  لخزانة الدولة ومن المتوقع بشكل كبير أن يبقى كذلك في السنوات القادمة. ومما لا شك فيه أن ارتفاع أسعار النفط في عام 2022 كان السبب الرئيسي في تخطي الناتج القومي الإجمالي السعودي حاجز التريليون دولار.

لكن ذلك لا يخفي تطور الاقتصاد السعودي الذي يسعى لتحقيق تنوع بعد طرح رؤية 2030 والاستراتيجية الصناعية الوطنية التي تستهدف تطوير صناعات مختلفة وعلى مستويات عالية في التكنولوجيا وصناعة السيارات والطائرات المسيرة وغيرها من الصناعات، وقد نشهد نموا اكبر للاقتصاد السعودي مع بداية عام 2024 بعد بدء عمل العديد من المنشآت الصناعية الضخمة. 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.