بعد 12 عاما من القطيعة بين دمشق وعمّان، فتح الزلزال بابا جديدا للعلاقات بين سوريا والأردن بزيارة نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية وشؤون المغتربين أيمن الصفدي إلى دمشق، ولقائه بالرئيس السوري بشار الأسد الأربعاء الفائت، في خطوة ربما تغير مسار العلاقات السياسية بين البلدين الجارين. 

الصفدي أكد أن زيارتَه إلى سوريا جاءت تعبيرا عن التضامن مع الشعب السوري، مضيفا أن الرسالة واضحة وهي تأكيد الوقوفِ إلى جانب الشعب السوري لتجاوُز المحنة وتداعياتِ الزلزال، بينما قال وزير الخارجية السوري فيصل المقداد، إن سوريا تقدّر عاليا زيارة نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية وشؤون المغتربين أيمن الصفدي إلى دمشق، لأنها تأتي في الوقت المناسب بعد زلزال ضرب محافظات سورية.

زيارة الصفدي لدمشق تعتبر أول زيارة رسمية لوزير خارجية أردني إلى سوريا، منذ اندلاع الأزمة السورية في عام 2011، سبقها إجراء العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني اتصالا هاتفيا بالرئيس السوري بشار الأسد معزيا بضحايا الزلزال. 

ليست إنسانية بحتة

زيارة الصفدي إلى سوريا جاءت في ظل وجود ظرف إنساني جراء الزلزال الذي ضرب سوريا وتركيا؛ لكن بلا شك مضمون هذه الزيارة يحمل دلالات سياسية، خاصة بعد لقاء الصفدي الرئيس الأسد، حيث يبحث الأردن عن مصالحه السياسية والاقتصادية في سورية بعد سنوات عجاف. 

الزيارة، وفق تصريح للصفدي من دمشق، كانت محطة لبحث العلاقات الثنائية بين الأردن وسوريا وبحث الجهود المبذولة للتوصل لحل سياسي ينهي الأزمة وينهي هذه الكارثة، ويحفظ وحدة سوريا وتماسكها وسيادتها ويعيد لها أمنها واستقرارها ودورها.

الكاتب الصحفي الأردني محمد العرسان يرى أن الزيارة ليست إنسانية بحتة، قائلا: “الإنسانية من بوابة المساعدات والإغاثة؛ لكن اليوم نتحدث عن وزير الخارجية يلتقي برئيس الجمهورية العربية السورية بعد محطات كبيرة من التوتر ومحطات كبيرة من القطيعة وصلت إلى الاتهامات المتبادلة أثناء فترة الربيع العربي لذلك هي زيارة سياسية بالكامل”. 

الأردن تضرر كثيرا من الأزمة السورية من إغلاق الحدود، نتحدث عن وجود أكثر من مليون لاجئ سوري عن انخفاض التبادل التجاري من 400 مليون سنويا قبل عام 2011 إلى 90 مليون في الوقت الحالي، إضافة إلى ذلك الأردن يبحث عن حصة في إعادة إعمار سوريا في المستقبل، بحسب حديث العرسان لـ “الحل نت”. 

زيارة الصفدي إلى سوريا تبعها الجمهورية التركية للتعبير عن تضامن الأردن مع البلدين في مواجهة تبعات الهزات الأرضية التي ضربتهما، وأودت بحياة الآلاف وتدمير العديد من المنازل. 

المحلل السياسي الدكتور عامر السبايلة يرى في حديث لـ “الحل نت”، أن الكوارث الإنسانية تكسر التابوهات السياسية، ولكن بلا شك من خلالها يتم البدء في تأسيس لواقع جديد، وأن موقف الأردن اختلف تماما في السنوات الأخيرة، إذ يبدو أنه بحاجة اليوم إلى الانتقال الى كسر فكرة عدم التواصل المباشر من جهة أردنية.

هذه الظروف الإنسانية الصعبة، بحسب السبايلة، تقدم فرصة لتحرر الموقف السياسي مما كان يترتب عليه من تبعات، مضيفا “لا نستطيع أن نقول إن عنوانها سياسي هي عنوانها إنساني لكن بلا شك الملف السياسي يكون حاضرا، وأنها تؤسس لفكرة قنوات مفتوحة دون معطلات مع العلم أن في الفترات الماضية شهدنا زيارة مهمة لوزير الدفاع السوري إلى عمّان”.

منذ وقوع الزلزال أرسل الأردن شحنات مساعدات كبيرة إلى سورية وتركيا، وتستمر قوافل المساعدات التي تقدمها الدولة الأردنية والأردنيون برا وجوا إلى دمشق.

النائب ورئيس لجنة الصداقة الأردنية السابق، طارق خوري، اعتبر أن زيارة الصفدي ولقاء الأسد غير سياسي ويتعلق بالكارثة، وأن أي قرار أو لقاء سياسي بالتأكيد يحتاج بالنهاية إلى قرار دولي، “بين هلالين قرار أميركي بحت لتتم المصالحة والتقارب، لكن بشكل عام الزيارات والتواصل إيجابي وقد يخفف الجفاء بسبب الابتعاد لنحو 12 سنة.”

كسر عزلة سوريا

زيارة الصفدي إلى دمشق ليست الأولى عربيا منذ وقوع الزلزال، إذ زارها نهاية الأسبوع الماضي وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان، إذ إن وقوع الزلزال ساهم بشكل أو بآخر بإنهاء جزء من عزلة دمشق وانفتاحه عربيا ودوليا، خاصة بعد أن أعلنت وزارة الخارجية الأميركية رفع بعض العقوبات المفروضة على سورية بشكل مؤقت، بهدف إيصال مساعدات إلى المتضررين من الزلزال في أسرع وقت ممكن.

دمشق تسعى إلى فك عزلتها سياسيا ودبلوماسيا بتخفيف حدة العقوبات الغربية باستثمار الوضع الإنساني في شمال غرب سوريا، حيث خلقت الكارثة باباً لكسر الجمود بعلاقات دمشق تحديدا على الساحة العربية.

وبحسب بيان للوزارة الأميركية فإن تخفيف العقوبات يسمح لمدة 180 يوما بجميع الصفقات المتعلقة بمساعدة ضحايا الزلزال، التي كانت محظورة بموجب العقوبات المفروضة على سوريا.

لكن الأردن، بحسب المحلل السياسي عامر السبايلة، استثنى نفسه في كثير من الأمور في ظل العلاقة التي يحظى بها مع الولايات المتحدة، حيث سمحت في عدة محطات أن يختص لنفسه واقع مختلف.

واضح أن الأردن يتبع الامارات بالنسبة إلى هذه السياسة، وزير الخارجية الإماراتي كان في سوريا في عدة محطات، “إذاً تتحدث عن دول بدأت تغير في موضوع التعاطي مع سوريا، وهو ما قد يساعد في خلق واقع جديد تنظر له ع الأقل القوى الدولية بطريقة مختلفة”، يضيف السبايلة لـ” الحل نت”.

الرئيس الأسد رحب خلال لقائه مع الصفدي بأي “موقف إيجابي” يصدر من الدول العربية، التي قطع عدد منها علاقته مع دمشق منذ بداية النزاع في سوريا، إذ قال، إن “الشعب السوري يرحب ويتفاعل مع أي موقف إيجابي تجاهه وخاصة من الأشقاء العرب”، مشدداً على “أهمية التعاون الثنائي بين سوريا والأردن”، وفق ما نقلت حسابات الرئاسة السورية على موقع “فيسبوك”.

في ظل ما حدث من كسر عزلة دمشق بعد الكارثة، فإن العلاقات لن تشهد وضعا مختلفا، إذ يرى السبايلة أن ذلك بحاجة إلى توحيد موقف عربي شامل قبل أن ينتقل على المستوى الدولي هذا لم يحدث إلى الآن، لكن هناك دول إلى اليوم تحاول أن تقول بعد 12 عاما من الأزمة لابد من وجود طروح عملية.

“أعتقد أن هذا قد يساعد؛ لكن في ظل غياب قرار دولي خصوصا من الولايات المتحدة أعتقد أنه سوف يبقى هناك الكثير من المحاذير. هذا يعتمد على الجانبين، لكن أعتقد أننا ما زلنا نتكلم عن قانون قيصر، موقف غير واضح على المستوى السياسي وعلى المستوى الدولي، أعتقد أنه من الصعب الحديث عن هذا الموضوع”، يضيف السبايلة.

مصالح مشتركة

الموقع الجيوسياسي لعمان ودمشق وحتى أنقرة يفرض واقعا يختلف عن الدول الأخرى، إذ إن الدولتين الجارتين لسوريا تضررتا خلال الأزمة السورية بشكل واضح وكبير وهو ما يفرض عليهما التقارب لوجود مصالح مشتركة.

التقارب الواضح بدأ في العام 2018، بعد سيطرة دمشق على الجنوب السوري وصولا إلى الحدود الأردنية السورية، ربما ذلك بهدف تأمين الحدود من الجانب السوري، إذ إنها تعتبر طريق حيوي لتجارة المخدرات وعبورها إلى الأردن ومنها إلى دول الخليج العربي.

الصحفي محمد العرسان يرى أن هناك مصالح مشتركة تربط الأردن وسوريا، إذ “يبحث الأردن عن مصالحه في سوريا، والأخيرة تبحث عن مصالحها في الأردن. الأردن تضررت كثيرا من الأزمة السورية من إغلاق الحدود، ونتحدث عن وجود أكثر من مليون لاجئ سوري، عن انخفاض التبادل التجاري من 400 مليون سنويا قبل عام 2011 إلى 90 مليونا في الوقت الحالي”.

قانون قيصر إلى هذه اللحظة يفرض قيود كبيرة على الشركات الأردنية حيث لا تستطيع الأردن والشركات تجاوزها، لكن هناك هوامش من التحرك دون موافقة أميركية. على سبيل المثال هناك تنسيق أردني روسي فيما يتعلق في جنوب سوريا، “إذاً أميركا تتفهم هذا في أن هناك مصالح أردنية وهنالك تنسيق بما يخدم الأمن القومي الأردني وهذا لا يؤثر ع طبيعة العلاقة بين الأردن وسوريا”، وفق العرسان.

في عام 2021 حاول الأردن الحصول على استثناء أميركي من قانون “قيصر”، عندما التقى الملك عبد الله الثاني الرئيس الأميركي جو بايدن في “البيت الأبيض”، وعقب الزيارة تم فتح الحدود البرية مع سوريا، وإنعاش خطوط الترانزيت، بعدما كانت جائحة “كورونا” أغلقت الحدود لعدة أشهر، إلا أن حجم التبادل التجاري لم يرق إلى طموح التجار، الذين طالبوا آنذاك بفتح الحدود وعودة التبادل التجاري.

الأردن اليوم لديه إطار ثلاثي ورباعي تعاون مشترك مع دول إقليمية، حيث يطمح أن تكون سوريا من هذا التعاون المشترك حيث لا يستطيع الأردن مد الكهرباء إلى لبنان إلا عن طريق سوريا، كما تطمح الأردن إلى أن تكون سوريا والعراق ومصر جزء في مشروع إقليمي كبير ومشاريع استثمارية. هناك خطوط حمراء لا يستطيع الأردن تجاوزها لكن يستطيع أن يناور بين الخطوط الحمراء والخطوط التي ليست حمراء.

العرسان أوضح لـ”الحل نت”، “أردنيا هذا الأمر لم يتوقف على الصعيد الرسمي فقط، بل طالبت أحزاب وقوى شعبية يسارية وقومية ونيابية أيضا، السلطات الأردنية بفك الحصار عن سوريا والمتمثل بقانون قيصر الأميركي، إضافة إلى تشكيل جبهة شعبية عربية تضغط على حكوماتها لكسر الحصار على سوريا”.

بناء على ما سبق فإن الأردن يحاول عبر قنواته السياسية بتحسين علاقاته مع دمشق وربما تكون عمان باب انفتاح دمشق عربيا، في ظل قيادة الأردن لمبادرة مع الدول العربية من أجل إعادة سوريا إلى جامعة الدول العربية، وهذه الزيارة تفتح الباب بشكل أوسع إذا ما جوبهت برفض أميركي.

من الواضح أن وقوع الزلزال سيساهم إلى حد كبير في فك عزلة دمشق عربيا وربما دوليا، حيث شهدت الأيام الفائتة تحركات من الباب الإنساني، لكن ذلك يبقى رهن القرار الأميركي ووجود إرادة سياسية من المجتمع الدولي.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.