أوروبا حائرة، لا هي قادرة على مباشرة استراتيجية لاحتواء إيران، ولا هي قادرة على الصمت عن سلوك إيران. ما يؤدي بالتالي للتراجع عن إتمام خطواتها التصعيدية تجاه طهران. وهو ما حدث مؤخرا بتجاهل المجلس الأوروبي طلب برلمان الاتحاد تصنيف “الحرس الثوري” الإيراني منظمة “إرهابية”.

حيث تبنى البرلمان الأوروبي قرارا يدعو الاتحاد الأوروبي إدراج “الثوري” الإيراني على القائمة السوداء للمنظمات الإرهابية. داعيا إلى حظر أي نشاط اقتصادي أو مالي معه، ما يؤدي في حال تطبيقه لآثار عميقة على الاقتصاد الإيراني، نظرا لامتلاك وإدارة “الحرس الثوري” مؤسسات اقتصادية واستثمارية هي الأهم في إيران.

وزراء الخارجية الأوروبيون اكتفوا بإقرار قائمة من العقوبات طالت 37 مواطنا وكيانا إيرانيا، متجاهلين طلب البرلمان تصنيف “الحرس الثوري” على قائمة المنظمات الإرهابية.

خلال اتصال هاتفي مع مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، انتقد وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان ما وصفه بـ “النهج المتوتر والانفعالي للبرلمان الأوروبي”، معتبرا إياه “سلوكا غير مدروس، وخاطئا”. واصفا تصرف البرلمان الأوروبي تجاه “الحرس الثوري”، أنه “نوع من إطلاق أوروبا النار على قدميها”.

بدوره، قال رئيس البرلمان الإيراني محمد قاليباف، إن الجمهورية “الإسلامية” ستصنف جيوش الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي ككيانات إرهابية ردا على ذلك.

مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، اعتبر الأمر متروك للمحكمة الأوروبية بداية، لتقرر أن “الحرس الثوري” جماعة “إرهابية” قبل أن يتمكن الوزراء من إدراجه في القائمة السوداء. مضيفا، “لا يمكن أن تقول، أنا أعتبرك إرهابيا لأنني لا أحبك”.

سوابق وتداعيات القرار الأوروبي

الانتماء للحرس وحضور اجتماعاته ودعمه أو حتى حمل شعاره، يعتبر جريمة، في حال تم تصنيف “الحرس الثوري” على قوائم الإرهاب، حسب صحيفة “الاندبندنت عربية”. وسبق للولايات المتحدة وكندا وأستراليا ونيوزيلندا تصنيف “الحرس الثوري” الإيراني على قوائم الإرهاب لديها. لذا، فإن مخاوف إيران واضحة من تصنيفه إرهابيا من قبل أوروبا، لما يتضمنه القرار من استهداف شركات الواجهة التابعة له. فالطائرات المسيّرة التي تمد بها إيران روسيا تشمل كثيرا من الأجزاء المصنعة في الغرب، تم تصديرها إلى إيران عبر شبكات معقدة لشركات واجهة إيرانية.

صحيفة “فايننشيال تايمز” اعتبرت الخطوة الأوربية بمثابة تغيير جاد في سياسة بروكسل، من شأنها أن تنهي أي أمل في إحياء الاتفاق النووي. ونقلا عن مسؤولين مطلعين، ذكرت الصحيفة أن باريس وبرلين أعربتا عن دعمهما لهذا الإجراء في اجتماع وزراء الخارجية، فيما ذكر بوريل، في مقابلة صحفية، أن “بعض الدول الأعضاء تدعم هذا الاقتراح. وسيوافق الكثيرون”. محذرا من تداعياتها بالقول، “إن الاتفاق النووي لم يمت، لكنه توقف تماما”. مضيفا، “إذا قامت دول أخرى بإدراج الحرس الثوري الإسلامي في هذه القائمة، فإن جهود إحياء الاتفاق النووي ستصل إلى طريق مسدود”.

الباحث المشارك في “منتدى تحليل السياسات الإيرانية”، مصطفى النعيمي، يعتبر أن تصنيف “الحرس الثوري” بات واجبا أخلاقيا على المنظومة الدولية برمتها نظرا للاستفزازات التي يقوم بها في المنطقة العربية، وفي دعمه ومشاركته لروسيا بعدوانها على أوكرانيا، ما يعني تمدد المخاطر الإيرانية إلى الفضاء الأوروبي.

مضيفا في حديثه “للحل نت”، ربما الخطوات الأوروبية جاءت متأخرة في إدراك مخاطر “الحرس الثوري” وما يشكله من تهديد للأمن المحلي الإيراني والإقليمي والدولي، مع تقويضه للأمن البحري في الممرات المائية والمضائق الدولية، ما يشكل خطرا كبيرا على استدامة سلاسل توريد الطاقة القادمة من مياه الخليج العربي إلى بحر العرب والبحر الأحمر وصولا إلى البحر الأبيض المتوسط.

تتردد الدول الأوروبية في تنفيذ تهديدها بوضع “الحرس الإيراني” على قوائمها للمنظمات الإرهابية، خشية التهديدات الإيرانية بالانتقام، من خطف المزيد من الأوروبيين أو مزدوجي الجنسية الموجودين في إيران واستهداف القوات الأوروبية في المنطقة والخليج العربي، إضافة لظلالها السلبية على مفاوضات إحياء الاتفاق النووي، حسب “الاندبندنت عربية”.

الباحث في مركز “جسور” للدراسات، وائل علوان، يشير إلى تنسيق أوروبي مع واشنطن للضغط على إيران، لاسيما بعد تصويت البرلمان الأوربي على إدراج “الحرس الثوري” على قوائم الإرهاب الأوربية. منوها في حديثه “للحل نت” إلى اعتماد طهران الكامل على “الحرس الثوري” في تنفيذ مشاريعها خارج الحدود الإيرانية (التوسعية). وعليه، تنظر طهران للحراك الخارجي الغربي، الأوروبي- الأميركي، بالترافق مع وضعها الداخلي المتأجج، على أنه وسيلة من وسائل الضغط الغربي، لإجبارها على تقديم تنازلات للغرب في الملف النووي وسواه.

تصعيد يغلق مضيق هرمز في وجه أوروبا

“الحرس الثوري” تصفه وسائل الإعلام الإيرانية على أنه “جيش وطني ولاعب اقتصادي رئيسي”، وتصنيفه على قوائم الإرهاب يشكل تصعيدا كبيرا، بعكس العقوبات الغربية الواسعة، التي تبقى عواقبها العملية محدودة على إيران. ومن المرجح أن يؤدي إقدام بريطانيا والاتحاد الأوروبي على هذه الخطوة إلى ردود مقابلة قد تصل لإغلاق مضيق هرمز والخليج العربي في وجه السفن التجارية الغربية، مع إمكانية تصنيف الجيوش الأوروبية كمنظمات إرهابية من قبل طهران، والاستهداف المحتمل للمواطنين الأوروبيين في المنطقة. بالإضافة لتعقيد أي مشاركة دبلوماسية في مفاوضات فيينا النووية.

لا تمتلك إيران أدوات تأثير خارجية ترد بها على دول الاتحاد الأوروبي، في حال إقراره لإرهابية “الحرس” الإيراني، بحسب النعيمي. فلا تأثير يذكر لتصنيف جيوش الدول الأوروبية على قوائم الإرهاب الإيرانية، أو منع الشخصيات الأوربية من دخول إيران، أو “العقوبات الإيرانية” على شخصيات وكيانات أوروبية. وبالنظر للخروقات المتكررة للأمن القومي الإيراني، يمكن ملاحظة تراجع القبضة والقوة الأمنية الإيرانية، لاسيما في ظل تنامي الاحتجاجات الداخلية التي أرهقت منظومة الحكم الإيرانية، ما يعني عجز إيران عن رد مؤثر.

المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي برأي النعيمي “لم يعد لديهما وقت يضيعانه في مفاوضات الملف النووي المعلق، والذي لم تبدِ طهران إي بادرة حسن نية خلالها، على العكس كانت تتخذ من استراتيجية المماطلة هدفا أساسيا للهروب إلى الأمام من أي استحقاق، مع استثمار عامل الوقت لتطوير برامجها “النووي والصاروخي والتوسعي”.

في تقييمه للرد على إغلاق مضيق هرمز ضد العمل الأوروبي، قال الدبلوماسي الإيراني السابق، جاويد قربان أوغلي، لصحيفة “ابتكار”، “إذا تم إغلاق مضيق هرمز، أقول بثقة واستنادا للتاريخ، أولا سيحشد العالم ضدنا، وستصدر قرارات مجلس الأمن ضدنا، وستتخذ إجراءات عملية ضدنا. وبالتالي، الضرر الحقيقي الوحيد سيقع على إيران، لأن مضيق هرمز ممر مائي دولي”.

وفقا لعلوان، تصنيف “الحرس الثوري” على قوائم الإرهاب الأوربية، وسيلة للضغط على ذراع إيران الخارجية، أي على مشاريعها خارج حدودها، في مختلف المناطق. نظرا لما يمثله هذا التصنيف من ملاحقات أمنية وموضوع متابعة شركاته ومؤسساته في دول الاتحاد الأوروبي، وفرض عقوبات وحظر وتجميد أرصدة شخصيات مرتبطة أو متعاملة مع “الحرس الإيراني”، مما يشكل ضغط كبير جدا على المستوى الاقتصادي وعلى المستوى الأمني لطهران.

سفير إيران السابق في المجر، عبد الرضا فراجي راد، يفسر التراجع والتراخي الأوروبي بالقول، “القضية الأولى هي أن الأوروبيين أدركوا أنه إذا ذهبت إيران إلى المحكمة ولم تتم الموافقة عليها هناك، فسيكون ذلك إحراجا كبيرا”. هذا لأنهم لا يملكون الوثائق أو الأدلة الصحيحة. “نقطة أخرى هي أن الأميركيين يعتقدون أنه مع قرار البرلمان الأوروبي هذا، فإن المفاوضات المباشرة التي أجراها روبرت مالي في نيويورك مع الإيرانيين لن تكون غير فعالة فحسب، بل ستقود إيران أيضا نحو روسيا”. مضيفا، في لقائه مع صحيفة “فيرارو”، “الحقيقة هي أن الأميركيين قلقون للغاية بشأن نهج إيران تجاه روسيا”. مرجحا عدم موافقة بروكسل على خطوة برلمانها الأوروبي. فمن أجل تخفيف ضغط الرأي العام على أوروبا، قرروا التصديق على هذه القضية في البرلمان الأوروبي، الذي لا تتمتع قراراته بضمانات تنفيذية، ولكن عند إحالتها إلى مجلس أوروبا، فإنهم يعارضونها.

اهتمام أوروبي مفاجئ

الحكومات الأوروبية والغربية، كانت تميل لاعتبار طهران تحدٍ للدول الإقليمية. واليوم، هناك اعتراف متزايد أن الادعاءات الإسرائيلية والعربية تجاه طهران وحرسها الإمبراطوري يمثلان تحديا للنظام العالمي، حسب “منتدى الشرق الأوسط”.

هذا ما يفسر الاهتمام الغربي المفاجئ، والقادم من عوامل عدة، أهمها، الدعم الإيراني للمجهود الحربي الروسي في أوكرانيا. حيث ينظر إلى حرب أوكرانيا على أنها التهديد الرئيسي للنظام العالمي الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة في الغرب.

إن التحالف المتنامي بين طهران وموسكو، الذي أنتجته الحرب، يضع إيران بشكل مباشر على الجانب الآخر من دول أوروبا الغربية، في صراع يؤثر عليها بشكل مباشر وعميق.

ختاما، فإن الحيرة أو التردد الأوروبي تجاه طهران، لدرجة تصيب المحللين بالحيرة في تقديرهم للموقف الأوروبي حيال إيران. ففي الوقت الذي كان الطرفان يستدعيان سفرائهما للاحتجاج على مواقف معينة، مع إعلان برلين لتعليق برنامج التعاون الاقتصادي مع طهران، ذكرت بعض المصادر أن ألمانيا تتصدر قائمة الدول المتاجرة مع إيران. أما عن التحرك الأوروبي الأخير لإدراج “الحرس الثوري” الإيراني ضمن قوائم الإرهاب، فهو مدفوع أصلا بالسلوك الإيراني، والذي لم يترك للقارة العجوز إلا خيار التصعيد.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.