في خضم التطورات والتغيرات الإقليمية والدولية، لا سيما دخول الحرب الأوكرانية عامها الثاني، وكذلك الزلزال الذي ضرب كلا من تركيا وسوريا في 6 شباط/فبراير، والذي تسبب بأضرار جسيمة، تحرّكت العديد من الملفات في المنطقة وخاصة الملف السوري.

فمنذ وقوع الزلزال، تلقّى الرئيس السوري بشار الأسد، سيلا من الاتصالات من قادة الدول العربية، إضافة إلى زيارات عديدة؛ إماراتية، أردنية، ومؤخرا زيارة وفد من “الاتحاد البرلماني العربي”، ولعل أبرز هذه التطورات هي زيارة وزير الخارجية المصري إلى دمشق مؤخرا، والتي تُعتبر الزيارة الرسمية الأولى منذ عام 2011، الأمر الذي يثير العديد من التساؤلات وعلامات الاستفهام حول توقيت الزيارة وانعكاساتها، مثل باقي الزيارات العربية الأخيرة.

القاهرة التي لم تقطع علاقاتها مع دمشق بشكل كامل، فقد كانت سارية على المستوى الأمني والاستخباراتي، حيث توجه مدير إدارة المخابرات العامة اللواء علي المملوك إلى القاهرة عام 2016 في أوّل زيارة معلنة أجراها إلى الخارج منذ اندلاع الأحداث في سوريا عام 2011.

منذ وقوع الزلزال اتصل الرئيس المصري عبد الفتاح السّيسي مع الأسد، وأعرب عن تضامنه مع الشعب السوري إلى جانب إرسال بعض المساعدات الإنسانية. ومن ثم زار وزير خارجيتها، سامح شكري، دمشق، بعد فتور في العلاقات لأكثر من 11 سنة، فكيف يمكن فهم زيارة شكري لدمشق في هذا التوقيت، وما إذا كان ثمة أي مؤشر على انفتاح سياسي محتمل مع الأسد بعد هذا الانقطاع الطويل، إلى جانب تساؤلات عديدة حول طبيعة الموقف المصري ومقاربته تجاه الأزمة السورية، وتأثير الحرب الروسية الأوكرانية على مختلف الملفات الإقليمية وإعادة بناء الأطراف والقوى المختلفة تموضعاها في هذه الملفات التي من بينها سوريا.

موقف لا ينفصل عن التحولات السياسية

في السياق، وصل وزير الخارجية المصري صباح يوم أمس الإثنين، إلى العاصمة السورية دمشق. وذكرت “وكالة الأنباء السورية” (سانا) المحلية، أن وزير الخارجية السوري فيصل المقداد، كان في استقباله بمطار “دمشق” الدولي.

وكالة “سانا” أضافت أن الوزير شكري، وصل إلى دمشق في زيارةٍ “للتأكيد على التضامن مع سوريا بمواجهة تداعيات الزلزال المدمّر الذي ضرب سوريا وتركيا، يوم 6 شباط/فبراير الجاري”. وقال شكري، خلال مؤتمر صحفي مع نظيره السوري، “نقلت رسالة تضامن ودعم من مصر للشعب السوري بعد الزلزال، ومصر ستستمر في التواصل لدعم الجهد الإنساني في سوريا، وهي على استعداد لتوفير كل سبل الدعم الإنساني للسوريين”. في حين، قال المقداد، إن “قيادة مصر وشعبها كان لها دور كبير في مواجهة النتائج الكارثية للزلزال”.

الأسد أكد أن سوريا حريصة على العلاقات التي تربطها مع مصر، وأنه يجب النظر دائما إلى العلاقات السورية المصرية من منظور عام وفي إطار السياق الطبيعي والتاريخي لهذه العلاقات، معتبرا أن العمل لتحسين العلاقات بين الدول العربية بشكل ثنائي هو الأساس لتحسين الوضع العربي العام.

يبدو جليا أن حديث الأسد هذا كما أحاديثه السابقة مع الزيارات العربية الأخيرة لدمشق، دلالة بأنه يسعى بشكل حثيث ولا يوفر على نفسه فرصة كي يستغل وينتهز الوضع والظرف المأساوي للشعب السوري، لجهة تعويم نفسه عربيا أو حتى دوليا.

الأسد الذي كان معزولا دبلوماسيا على المستوى الإقليمي والدّولي، وأن عضوية سوريا في “جامعة الدول العربية” لا تزال معلّقة منذ عام 2011، إلا أنه بعد الزلزال المدمّر، استأنفت دول عربية التواصل معه، الذي من الممكن وفق محللين، أن يستفيد من هذه المأساة بالخروج من عزلته الدبلوماسية، خاصة وأن عددا من الدول الأعضاء في “الجامعة العربية”، وعلى رأسها العراق، ترغب باستعادة الحكومة السورية لعضويتها في الجامعة، التي تشهد انقساما حادا حول ذلك، وربما تكون الخطوة الأولى قد اتُخذت في هذا الصدد، إذ استقبل الأسد في دمشق، يوم الأحد الفائت، وفدا من “البرلماني العربي”، بجانب الزيارة المصرية اللافتة والمهمة.

قد يهمك: سيناريوهات ما بعد الزلزال.. إعادة هيكلة الخريطة الأمنية على الساحة السورية؟

ضمن هذا السياق، يرى الباحث والمحاضر المصري في العلوم السياسية، الدكتور سامح إسماعيل، لموقع “الحل نت”، أن الموقف المصري لا ينفصل عن جملة التّحولات الإقليمية والدولية، ولابد أن تُقرأ هذه الزيارة في سياق التحركات الكلية للفاعلين في المنطقة، في أعقاب كارثة الزلزال الذي ضرب سوريا وتركيا. تقرر في دوائر متعددة، ربما أبرزها في القاهرة وأبو ظبي، رؤية مفادها ضرورة تفعيل الدور السوري في الإطار العربي، بدلا من التضحية بكامل سوريا لصالح إيران.

لردع النفوذ الإيراني؟

الزيارة في مجملها تحمل عدة رسائل مصرية إلى طهران، ولا تنفصل عن التوتر القائم في العلاقات بين القاهرة والرياض، وكذا فإن زيارة رئيس الوزراء المصري إلى دولة الإمارات في نفس التوقيت، ثم الإعلان عن وصول وزير الخارجية إلى تركيا، بعد زيارته لسوريا، ربما كل هذه التحركات تصب في اتجاه ترتيب مفردات تعاون إقليمي جديد، في المنطقة الأكثر تضررا من الحرب الأوكرانية”، وفق تقدير الباحث السياسي، إسماعيل.

هذا وكان وفد من ” الاتحاد البرلماني العربي” ضم رؤساء برلمانات دول عربية عدة، ومنهم رئيس الاتحاد، محمد الحلبوسي ورؤساء مجلس النواب في الإمارات والأردن وفلسطين وليبيا ومصر، إضافة إلى رؤساء وفدي سلطنة عُمان ولبنان، والأمين العام للاتحاد، قد زار دمشق، قادما من بغداد حيث انتهت اجتماعات الاتحاد، والتقى بالأسد، ما عزز احتمالية عودة حكومة دمشق إلى “الجامعة العربية” بعد 12عاما من تجميد مقعدها.

في هذا السياق، قال رئيس “مجلس النواب المصري”، الدكتور حنفي جبالي، إن “سوريا ستعود إلى مكانها الطبيعي في الجامعة العربية”.

بدوره ذكر الحلبوسي، أن الوفد جاء ليؤكد التضامن مع سوريا وأهمية العمل على جميع المستويات من أجل عودة دمشق لممارسة دورها الفاعل في محيطها العربي. بحسب ما نقلته وكالة “سانا”، ونقلت عن الأسد قوله إن زيارة الوفد إلى سوريا “تعني الكثير بالنسبة للشعب السوري؛ لأنها تعطي مؤشرا على وقوف أشقائه العرب إلى جانبه في الظروف الصعبة التي يتعرض لها بفعل الحرب الإرهابية وتداعيات الزلزال”.

الزلزال الذي ضرب سوريا، كثّف الاتصالات والمساعدات من العديد من الدول، لا سيما تلك التي قطعت علاقاتها مع دمشق، نتيجة مواقفها السياسية من الحكومة السورية جراء ما حصل ويحصل منذ أكثر من 11 عاما. وتبدو هذه الكارثة وفق وجهة نظر العديد من المراقبين، قد سرّعت خطوات الدول العربية للتواصل مع حكومة دمشق والرغبة بإعادتها للحضن العربي، بغية عدم ترك إيران من السيطرة على سوريا من دون وجود تكتل عربي للحد من نفوذ طهران، الذي بات يشكل تهديدا استراتيجيا يجب احتواؤه والاستعداد له.

قد يهمك: انعكاسات زيارة الرئيس السوري إلى عُمان.. دلالة على دبلوماسية القـوة الناهضة؟

الزيارات العربية وبما فيها المصرية إلى دمشق وإن كان ظاهرها هو التضامن جراء الزلزال الذي ضرب سوريا؛ ولكنها في الوقت نفسه تعكس رغبة قيادة هذه الدول بفتح صفحة جديدة مع دمشق عبر إيصال المساعدات عن طريق بوابة حكومة دمشق حصرا لكسر الجليد معها، ومن ثم دعوته للخروج من تحت العباءة الإيرانية، حسبما يقدّر الخبراء.

خطوة لا جدوى منها؟

بالاستناد إلى المعطيات والمؤشرات، يبدو أن زيارة شكري كباقي الزيارات العربية، تحمل مضامين سياسية بعيدا عن التضامن الإنساني مع السوريين بعد كارثة الزلزال. ودون أدنى شك كانت الأجندة السياسية موجودة على طاولة الزيارة هذه. وكما هو معلوم فإن العديد من الدول باتت تسير على خُطى الإمارات والأردن في اتجاه حل الأزمة السورية وربما تعتقد هذه الدول أن هذا الحل لا بد أن يمر عبر إعادة تأهيل الأسد وإن كان عربيا على الأقل. وقد عبّر عن ذلك وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان مؤخرا، في “مؤتمر ميونخ” للأمن، حيث قال “سترون أن إجماعا يتزايد ليس فقط بين دول مجلس التعاون الخليجي بل في العالم العربي على أن الوضع الراهن غير قابل للاستمرار”.

الأمير فيصل أردف أنه في ظل غياب سبيل لتحقيق الأهداف القصوى من أجل حل سياسي، فإن نهجا آخر بدأ يتشكل لمعالجة مسألة اللاجئين السوريين في دول الجوار ومعاناة المدنيين خاصة بعد الزلزال المدمر في سوريا وتركيا. وقال أيضا “لذلك، ينبغي أن يمر ذلك عبر حوار مع حكومة دمشق في وقت ما بما يسمح على الأقل بتحقيق الأهداف الأكثر أهمية خاصة فيما يتعلق بالزاوية الإنسانية من حيث عودة اللاجئين السوريين وما إلى ذلك”.

بالنظر إلى أن هذه الزيارات العربية لدمشق تأتي في إطار إعادة تأهيل الأسد كي يكون مقبولا من العالم ومن الداخل، وفق المراقبين، فإن كل هذه المساعي والجهود اكتُشفت بعدم جدواها وتأثيرها، بما فيهم الإماراتيون والأردنيون والعديد من دول المنطقة أنفسهم، لكنهم مع ذلك يحاولون استغلال أي فرصة لعل الأمر ينجح والزلزال كان أمرا لتجديد وتعزيز الرغبة في هذا الاتجاه، وكل ذلك يبدو أنه يأتي في إطار ردع التمدد الإيراني، بجانب العديد من المتغيرات الجيوسياسية الدولية.

بالعودة إلى الباحث السياسي، إسماعيل، فإنه يرى بطبيعة الحال أن الحرب الروسية الأوكرانية، التي دخلت عامها الثاني، بكل ما تسببت فيه من أزمات اقتصادية، وارتباك لدى صناع السياسات في الشرق الأوسط، تفرض على الفرقاء لعب أدوار مغايرة، واتخاذ مقاعد مختلفة، فالحكومة السورية تدين بالفضل للدعم الروسي، وإذا كانت الأوراق المبعثرة تجمع الآن القاهرة ودمشق وأنقرة وأبو ظبي، فإن ذاك ربما يأتي في صالح تفكيك ما سعت إليه واشنطن طيلة العام الفائت، وهو بناء جدار يعزل موسكو عن الشرق الأوسط، وكل هذا يمكن قراءته في ضوء الضغط الاقتصادي، الذي لم يعد محتملا.

قبل أيام حذّرت العديد من المؤسسات المدنية والحقوقية المعنية بالشأن السوري، من استغلال الحكومة السورية لكارثة الزلزال من أجل استعادة العلاقات السياسية والإفلات من العقاب، بذريعة إيصال المساعدات الإنسانية للمنكوبين، كما أن ثمة دولا عربية وغربية تستغل المساعدات التي ترسلها لإغاثة متضرري الزلزال في سوريا، كبوابة للتطبيع مع دمشق.

حتى أن العديد من الباحثين في مراكز الدراسات المعنية في المنطقة يشددون على أن هذه المحاولات تُعتبر بمثابة ضربة انتهازية في ظل أزمة الزلزال المدمّر الذي أضر بالشعب السوري بالدرجة الأولى، وليس الحكومة السورية التي تستغل وتصعد فوق ركام وخراب هذا البلد من كل حدب وصوب، دون أي تغيير في سياساتها وعقليتها القمعية، أو الارتباط والتبعية لكل من إيران وروسيا.

خلاصة القول، لا يمكن التغاضي عن التطورات الملحوظة التي تشهدها الساحة السورية، والتي قد تعقّد وتُطيل من عمر الأزمة السورية، لأن إعادة تأهيل الأسد دون وجود خطط وأطر سياسية ملموسة ترضي جميع الأطراف، وكذلك عدم انفكاكه بكل من إيران وروسيا أو تنفيذه للقرار الدولي رقم 2254، فإن الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية، صحيح أنهم لن يقفوا أمام هذه الخطوة العربية، لكنهم بالتأكيد لن يرحبوا بهذا التعويم، وسيحتفظون بموقفهم من عدم جدوى التعامل مع الأسد، وتغيير سلوكه الوحشي كما تصفه واشنطن دائما، وبالتالي لا يمكن تجاوز العقوبات المفروضة عليه.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.