الزلزال الذي وقع في تركيا وسوريا مؤخرا، يبدو أنه سيلقي بظلاله على العديد من الجوانب، ولا سيما الآثار السلبية المحتملة التي قد تلحق بالاقتصاد التركي بالتحديد. وفي ما يبدو أن كارثة الزلزال وتداعياته المحتملة يمكن أن تكون نقطة تحول للحكومة السورية وقدرتها على إصلاح العلاقات المأزومة على خلفية المشكلات المتسببة فيها داخليا وعلى المستويين الإقليمي والدولي.

يمكن القول بأن التطبيع مع حكومة دمشق يأخذ منعطفات لافتة منذ الزلزال، فالرئيس التركي رجب طيب أردوغان، قد لا يجد فرصة مواتية للقاء الرئيس الأسد وجها لوجه في الوقت الراهن، لكنه دون أدنى شك يمكن ترتيب اجتماع على مستوى وزراء الخارجية ومن ثم تغيير خطوط الصراع التي قسّمت البلاد، خاصة مع إمكانية استغلال المعارضة التركية الأزمة خلال الشهرين المقبلَين بعد أن ضغطت لفترة طويلة من أجل تخفيف عبء اللاجئين السوريين.

ما يشير إلى هذا التوجه أنه بعد ساعات فقط من الزلزال نشرت مراكز البحوث والدراسات الروسية عبر “تيليغرام” رسائل مماثلة تحث أردوغان على اغتنام هذه الفرصة لتجديد المحادثات المباشرة مع الرئيس السوري بشار الأسد، بدعوى أن هذا سيكون وقتا مناسبا لتنسيق العلاقات التركية الروسية أيضا، وفق مراقبين.

وسط التضامن والتهافت من قبل العديد من الدول العربية صوب دمشق، يبدو أن موسكو وطهران لن تتركا  ثغرة أو مجالا لمأساة الزلزال من أن تنسف أو توقف جهودهم في إطار حدوث تقارب تركي سوري، لأجل تقويض حل الأزمة السورية لنفسيهما. وتأكيدا على هذا الحديث، فقد أفادت وسائل إعلام روسية رسمية بأن موسكو ترتّب اجتماعا لكلّ من وزراء خارجية تركيا والحكومة السورية وإيران بالإضافة إلى روسيا.

من هنا، لا بدّ من طرح بعض التساؤلات حول أهداف هذا الاجتماع وإذا ما يعد بمثابة استغلال روسي إيراني لكارثة الزلزال، بغية تسريع التقارب السوري التركي، وكيف يمكن قراءة هذا الاجتماع وسط التقارب العربي تجاه دمشق، بجانب فُرص تحقيق التطبيع التركي السوري الكامل في هذا الاجتماع الرباعي وكيف يمكن تصوّره وسط كارثة الزلزال.

إعادة الزخم للتقارب التركي السوري

مصادر روسية نقلت عن نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف أن “وزراء خارجية روسيا وتركيا وسوريا وإيران يرتّبون لعقد اجتماع” في موسكو، وفق وكالة “رويترز“. وقال بوغدانوف في مقابلة متلفزة أُجريت معه يوم الأحد الماضي “يوجد على جدول الأعمال الآن تنظيم اجتماع رباعي لمسؤولي الشؤون الخارجية”، مضيفا أن “الاستعدادات جارية له”، من دون أن يحدد زمان الاجتماع والتفاصيل المتعلقة به.

تصريحات بوغدانوف تأتي في ظل خطوات اتخذتها تركيا للتقارب مع حكومة دمشق، بعد عقد لقاء في موسكو نهاية العام الفائت، جمع وزراء الدفاع في تركيا وروسيا ودمشق. ووسط أنباء تتحدث عن عقد لقاء قريب يجمع تركيا وروسيا والحكومة السورية.

كذلك مطلع شهر شباط/فبراير الجاري، كشف وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، عن التوصل إلى اتفاق حول مشاركة إيران في عملية التقارب التركي السوري التي ترعاها روسيا، مضيفا خلال مؤتمر صحفي في موسكو إنه “جرى التوصل الآن إلى اتفاق من حيث المبدأ على مشاركة إيران في هذا العمل”، معتبرا أنه من المنطقي أن ترافق روسيا وإيران المزيد من الاتصالات لتعزيز تطبيع العلاقات التركية السورية. مشيرا إلى أنه “بالنسبة للتوقيت، والأشكال المحددة للمشاركة، سواء كان على مستوى الجيش، أو على مستوى الدبلوماسيين، فيتم العمل على هذا”.

قد يهمك: “لا جدوى من عزل سوريا”.. خطوة سعودية نحو إعادة العلاقات مع دمشق؟

ضمن هذا السياق، يرى المحلل السياسي والصحفي فراس علاوي، أثناء حديثه لموقع “الحل نت”، أن أهداف الاجتماع لإعادة عملية التنسيق التي بدأت قبل الزلزال وتوقفت نتيجة له قبل نحو شهر، وكذلك إضفاء الزخم والحيوية لها بغية تفعيل المسارات السياسية التي كانت قد بدأت بين الدول الأربعة منذ أشهر عدة.

تنافس عربي تركي؟

هذا الاجتماع الرباعي الذي يُرتّب له بحسب تقدير علاوي، لا يمسّ التقارب العربي مع دمشق في الوقت الجاري، لكنه يسير في نفس الاتجاه. والتقارب العربي الحالي تجاه حكومة دمشق، ربما يكون تقاربا تنافسيا وليس تقاربا توافقيا مع التقارب التركي، حيث إن ذهاب العرب إلى دمشق شكل من أشكال المنافسة مع التقارب التركي، وذلك في إطار المنافسة العربية التركية في العديد من الملفات في المنطقة، بما في ذلك الملف السوري. وبالطبع تستفيد دمشق من هذه المنافسة في سياق إعادة علاقاتها مع المحيط العربي والإقليمي، وفق وجهة نظر علاوي.

إذاً، هذا الزلزال يبدو أنه سيغير مجرى العديد من المسارات المتعلقة بالجانب السياسي فيما تخص علاقات سوريا مع محيطها الإقليمي والدولي.

سيل الاتصالات والزيارات العربية المتعددة ولا سيما المصرية، وهبوط طائرة سعودية في مطار “دمشق” لأول مرة منذ عام 2011، إلى جانب تصريحات وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، في “مؤتمر ميونخ” للأمن، وزيارة الأسد الأخيرة إلى عُمان، كلها دلائل ومؤشرات توحي بأن دمشق قد استفادت من الكارثة للخروج من العزلة العربية إلى حد ما.

بعد الزلزال المدمّر يدرك أردوغان تمام الإدراك أن حظوظه الانتخابية مرتبطة به، ولهذا السبب سيسارع كبداية إلى الاهتمام بالشؤون الداخلية أكثر من الشؤون الخارجية، خاصة أنه لم يتبقَ الكثير لإجراء الانتخابات الرئاسية التركية، وفي الوقت نفسه لن يضيّع على نفسه هذه الفرصة المناسبة للمضي قدما في مسار التطبيع مع الأسد.

وذلك بغية توظيفه في حملته الانتخابية التي من شأنها أن تأخذ حيزا كبيرا فيها وتجعل الأتراك ينسون إخفاقه في إدارة ملف اللاجئين السوريين، لا سيما وأن رئيس أشد الأحزاب المعارضة في تركيا، “حزب الشعب الجمهوري”، كمال كليتشدار أوغلو، لم يحد عن هذا المسار وأرسلَ رسالة تعزية إلى الأسد يعرب فيه عن غاية حزنه لما حلّ من تبعات كارثة الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا، على الرغم من أن هذه الرسالة تتسم بطابع إنساني بما تتضمنه إلا أن ما وراءها أهداف سياسية واضحة المعالم على عدة أصعدة أراد كليتشدار أوغلو إيصالها.

قد يهمك: سيناريوهات ما بعد الزلزال.. إعادة هيكلة الخريطة الأمنية على الساحة السورية؟

كليتشدار أوغلو، يبدو أنه أراد أن يوضح أنه مستمر على نهجه الذي أعلنه من قبل وهو التواصل والتصالح مع الحكومة السورية، عقب فوزه في الانتخابات التركية، وحل القضايا العالقة بين أنقرة ودمشق. لذلك لن يتراخى أردوغان في موضوع تقاربه مع الأسد، ولن يترك تلك الثغرة أمام خصومه لاستغلال الموضوع ضده، لكن إعادة العلاقات بينه وبين الأسد ليست بهذه السهولة، بل وتعتمد على مدى تحقيق الطرفان شروط بعضيهما. فالأسد يطالب بإنهاء الوجود التركي الكامل من الأراضي السورية، وأردوغان لن يترك فرصة للجانب الإيراني لملء مكانه في الملف السوري، وهذه الشروط بعينها ستُعقّد مسألة التقارب التركي السوري وربما سيطول أمده.

ما فرص التطبيع الكامل؟

تركيا بدأت مؤخرا وقُبيل الانتخابات الرئاسية المقبلة، باتباع سياسة “صفر مشاكل”، مع دول الجوار، مثل السعودية وإسرائيل ومصر ومؤخرا الحكومة السورية في دمشق، ومعلوم أن الهدف هو تلميع صورة الحزب الحاكم قبل الانتخابات الرئاسية.

لكن، القضية السورية، تبدو صعبة، حيث من أصل قرابة 5 مليون لاجئ سوري في تركيا، عاد نحو 11 ألف طواعية فقط إلى سوريا، وذلك نتيجة الزلزال الذي دمر منازلهم وأماكن رزقهم في تركيا، وبالتالي يصعب على تركيا في هذه المرحلة حسم الملف السوري بشكل نهائي بسبب الطبيعة المعقدة للملف والمشاكل التي يعاني منها. لأن ملف سوريا ليس موضوعا تستطيع تركيا التعامل معه بمفردها، فهو يتجاوزها.

المشكلة الحقيقية هي أن “حزب العدالة والتنمية” الحاكم في تركيا، يريد حل المشكلة أو تخفيفها بنفسه هنا. ومع ذلك، لن يكون من السهل على أردوغان أن ينفض يده من اللاجئين السوريين أو يغير سياسته بالكامل تجاه سوريا، بينما لا تزال الولايات المتحدة الأميركية، غير مستعدة لأي تغيير في الوضع الراهن أو فتح قنوات اتصال مع دمشق.

بالعودة إلى المحلل السياسي، علاوي، فإنه يعتقد أن فُرص تحقيق التطبيع التركي السوري الكامل مستبعدة في هذا الاجتماع الرباعي المرتقب، وبالتالي سيكون هذا الاجتماع أحد الأبواب المغلقة التي يمكن فتحها، كما تحدثت بعض الدول العربية. ولا يعتقد علاوي، أن الزلزال مرتبط بالتقارب السياسي، بل قد يكون بوابة إنسانية لإعادة نوع من العلاقات بين الطرفين، وإن كان ذلك بغطاء إنساني، بين أنقرة ودمشق.

إن تعامل أنقرة مع الملف السوري بمفردها غير ممكن، حتى وإن كانت بوساطة روسيا وإيران، ذلك لأن المشكلة الجوهرية هي أن القضية السورية لا يبدو أنها قضية يمكن حلها إلا من خلال المحادثات بين دمشق وأنقرة.

الحل النهائي يبدو صعبا بدون حل سياسي شامل في سوريا، أي دون إقناع المعارضة بإلقاء السلاح، والتوافق على الدستور وقضايا مزمنة أخرى، فضلا عن الرفض والتجاهل الغربي القائم حتى اللحظة تجاه أي مقاربة تحاك مع الحكومة السورية في الوقت الراهن.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.