تبدلات وتطورات لافتة تشهدها الساحة السورية، جرّاء الزلزال المدمّر الذي ضرب البلاد في 6 شباط/فبراير الماضي، والذي خلّف أضرارا هائلة بهذا البلد المنكوب منذ أكثر من 10 سنوات. ويبدو أن الظرف الكارثي قد اتخذته بعض الدول العربية كذريعة إنسانية للتحرك نحو استكمال خطوة التطبيع العربي مع الحكومة السورية وإعادة تأهيل الرئيس السوري بشار الأسد، عربيا على الأقل. وقد ظهر ذلك جليّا من خلال تهافت العديد من زيارات وزراء الخارجية العرب، وخاصة وزيري الأردن ومصر، وهناك أنباء غير مؤكدة بأن وزير الخارجية السعودي سيزور دمشق أيضا.

لذا فإن مسألة إعادة دمشق للحضن العربي باتت جليّة للجميع ولم تعد خافية على أحد، ولكن هذا الأمر لن يتم بهذه السهولة والانسياب، فقد بدأت ردود وأصوات دولية خاصة الرافضين لتعويم الأسد، تتعالى وتدور حول ثباتهم على موقفهم الرافض ضد التطبيع مع دمشق، بل والتلميح إلى احتمالية ترتيب آثار سلبية جمة على هذه الأطراف، نتيجة لهذا الاندفاع العربي لإعادة تأهيل الأسد.

هذا الأمر أكده السيناتور الأميركي، جيم ريش، حيث قال إن التطبيع العربي مع الأسد سيفتح الباب أمام عقوبات محتملة سواء على الدول العربية أو دمشق نفسها، وهذا احتمال وارد في الواقع، بالنظر إلى أن الحكومة السورية لا تزال متعنّتة بسياساتها القمعية. ولم تغيّر من سلوكها إطلاقا، وفوق ذلك لا تزال خاضعة بالكامل لكل من إيران وروسيا.

من هنا تبرز بعض التساؤلات حول توقعات الأثر المحتمل للتطبيع بين الدول العربية وسوريا على مستوى علاقات هذه الدول مع الغرب والولايات المتحدة الأميركية، وما إذا كان يمكن لدولة ما التطبيع مع دمشق إلى الحدّ الذي يضعها في مواجهة مباشرة مع واشنطن، وإذا كان التطبيع بين الدول العربية وحكومة دمشق يعني فرض عقوبات مباشرة على هذه الدول، أم أن العقوبات ستكون فقط على أساس التعاون الاقتصادي والتبادل التجاري.

تأثيرات التطبيع العربي مع الأسد

السيناتور الجمهوري، والعضو البارز في لجنة العلاقات الخارجية في “الكونغرس” الأميركي، جيم ريش، أكّد أن موجة التطبيع العربي مع الرئيس السوري بشار الأسد، ستفتح الباب أمام عقوبات أميركية محتملة. وجاء ذلك في تغريدة نشرها ريش على حسابه الرسمي بمنصة “تويتر”، تعليقا على زيارة وزير الخارجية المصري سامح شكري إلى دمشق، يوم الإثنين الماضي.

السيناتور الجمهوري أردف أن “الموجة الأخيرة من التواصل مع الأسد لن تفيد شركاءنا العرب، ولن يكون من شأنها إلا فتح الباب لعقوبات أميركية محتملة”، مؤكدا أن كارثة الزلزال “لن تمحو جرائم بشار الأسد بحق الشعب السوري، ويجب منع إعادة تأهيل النظام أو إعادته إلى الجامعة العربية”.

ضمن هذا السياق، يرى الباحث الأكاديمي والسياسي الأميركي في مركز “لندن” للدراسات السياسية والاستراتيجية، مايكل مورغان، أن التطبيع مع بشار الأسد في هذا الظرف هو بطبيعة الحال فرصة للدول العربية بذريعة إنسانية. ولا يعتقد مورغان أن ثمة عقوبات مباشرة على دمشق من هذا التطبيع العربي المحتمل مع الأسد، لكن ربما سيكون هناك نوع من التقليل للاحتكاك المباشر بين ممثلي الغرب في الدول العربية مع حكومات هذه الدول أنفسهم.

مورغان يستبعد بنسبة كبيرة خلال حديثه لموقع “الحل نت”، من أن تكون هناك عقوبات مباشرة ضد تلك الدول العربية، ولكن قد يكون هناك نوع من الانتظار لقيام تبادل اقتصادي وتجاري كبير بين هذه الدول والولايات المتحدة، في حال تطورت العلاقات بين الدول العربية هذه ودمشق بشكل كبير.

أما المحلل السياسي السوري المقيم في واشنطن، أيمن عبد النور، يستبعد خلال حديثه مع موقع “الحل نت”، أن يكون هناك عقوبات غربية جرّاء التطبيع العربي، لكن يرى أن هناك شيء أكثر أهمية، وقد تمت الموافقة عليه يوم الإثنين الماضي في سياق العقوبات على دمشق، وهو مشروع قانون بشأن الزلزال الذي ضرب كلّ من سوريا وتركيا. ومطالبة الغرب بضرورة مراقبة وصول المساعدات لمن يستحقها بشكل مباشر، وزيادة الرقابة على وصول المساعدات الإنسانية إلى سوريا، حتى لا يتم سرقتها من قبل الحكومة السورية أو أي جهة في شمال غرب سوريا، وهذه خطوة مهمة في رأيه.

قد يهمك: قادما من مصر.. حسام لوقا يشرف على زيارة خليجية إلى سوريا؟

رئيس لجنة الشؤون الخارجية في “مجلس النواب” الأميركي، السيناتور الجمهوري مايكل ماكول، الذي أعرب عن “القلق من استغلال بشار الأسد لكارثة الزلزال المأساوية”، داعيا إلى “التحرك لمنع التطبيع مع النظام السوري”. وجاء ذلك في بيان أصدرته لجنة الشؤون الخارجية، بعد موافقة “مجلس النواب” الأميركي، على مشروع قانون بشأن الزلزال الذي ضرب سوريا وتركيا في 6 شباط/فبراير الماضي، ينص على دعم الاستجابة الإنسانية في سوريا وتركيا، ويدين الحكومة السورية ويدعو إلى زيادة الرقابة على وصول المساعدات الإنسانية إلى سوريا.

السيناتور ماكول أردف “يسعدني أن مجلس النواب صوّت بأغلبية ساحقة لصالح القرار”، مؤكدا على أن “الكونغرس” الأميركي “يقف إلى جانب السوريين والأتراك بعد الزلزال المدمر الذي حدث بداية الشهر الماضي”، موضحا أن “القرار الذي وافق عليه الكونغرس يحث الإدارة الأميركية على الاستمرار في التزامها بحماية الشعب السوري، ولا سيما من خلال تطبيق قانون قيصر”، معربا عن قلقه من أن العديد من الدول قدّمت مبادرات دبلوماسية لحكومة دمشق.

رسائل غير مباشرة

الأكاديمي الأميركي، مورغان، يعتقد أنه مع ذلك كله، قد تكون هناك رسائل غربية غير مباشرة لهذه الدول العربية، مفادها أنه لن يكون هناك دعم لخطوة التطبيع العربي هذه مع الأسد وأن هذا الأمر سيؤثر على علاقاتها مع الدول الغربية، وأهمها واشنطن، خاصة والأخيرة لا مشكلة لديها مع دعم الدول العربية لسوريا بالمساعدات الإنسانية، ولكن ليس مع التبادلات التجارية أو الاقتصادية أو الدبلوماسية مع دمشق، التي يمكن للحكومة السورية الاستفادة منها على مستوى كبير.

مورغان أشار أيضا إلى ضرورة التريث قليلا فيما يتعلق بردود الغرب على التطبيع العربي مع الأسد، ذلك لأن الحرب في أوكرانيا تأخذ حيزا كبيرا من اهتمام وأجندات الدول الغربية. لكن إن تم ربط الملف السوري بالملف الأوكراني، فبالتأكيد سيتم فرض عقوبات على جميع الأطراف التي تقف في محور المواجه مع الغرب.

أما من وجهة نظر عبد النور، فإنه يرى رفض الغرب لهذا التطبيع العربي والتقارب التركي والسوري حتى اليوم، أمر مهم. كما أن مطالبة الغرب بفتح جميع المعابر الحدودية بين تركيا وسوريا من أجل إرسال المساعدات إلى السوريين وعدم حكرها على معابر الحكومة السورية فقط، مهم للسوريين ولجميع العاملين في المجال الإنساني، وأيضا دلالة على عدم الوثوق بحكومة دمشق أو إعطائها الشرعية، على حد تعبيره.

القرار، الذي صُدر يوم الإثنين الماضي، حظي برعاية أكثر من 40 مشرّعا من كِلا الحزبين “الجمهوري” و”الديمقراطي”، من أبرزهم النواب الجمهوريون جو ويلسن ومايكل ماكول وفرينش هيل، ويحتاج المشروع إلى تصويت من “مجلس الشيوخ الأميركي”، كي يصبح قانونا نافذا.

كما ويدين مشروع القانون الجهود التي تبذلها حكومة دمشق لاستغلال الكارثة بسخرية، للتهرب من الضغط والمساءلة الدوليين، بما في ذلك منع “الأمم المتحدة” من تقديم المساعدة عبر المعابر الحدودية المتعددة بين سوريا وتركيا. ويدعو مشروع القانون إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، إلى “الاستمرار في استخدام جميع الأدوات الدبلوماسية، بما فيها مجلس الأمن، لفتح جميع المعابر الحدودية بين تركيا وسوريا لمساعدة الأمم المتحدة”، ويؤكد على “الحاجة إلى المساعدة الدولية للوصول إلى شمال غربي سوريا للمساعدة في الإغاثة في حالات الكوارث”.

التحذير من خرق قانون “قيصر”

السيناتور ماكول شدد أيضا على أن “بشار الأسد مجرم حرب، وأي تطبيع معه هو جريمة أخلاقية وخطأ استراتيجي”، وأنه على الولايات المتحدة تضييق نطاق استثناءات العقوبات للإغاثة من الزلزال، بحيث تنطبق فقط على المساعدات الإنسانية المنقذة للحياة، ويجب أن يشمل تطبيق عقوبات “قيصر” عدم السماح بأي صفقة طاقة للبنان تفيد حكومة دمشق.

المحلل السياسي السوري، يقول إن العديد من التصاريح من الحزبين الجمهوري والديمقراطي و”الكونغرس” الأميركي، تبيّن أن أي دولة وإن كانت حليفة لواشنطن، فإنها لن تستطيع اختراق أو رفع عقوبات “قيصر” على دمشق، من تحويلات مالية أو وضع ودائع بـ”البنك المصرفي السوري” أو شراء وتدعيم الليرة السورية لرفع سعر صرفها، فإن هذا سيؤدي إلى تفعيل قانون “قيصر” ضد شركات هذه الدول ولن تتهاون واشنطن مع هذا الأمر.

طالما أن التطبيع العربي في الإطار السياسي والدبلوماسي والإعلامي. وحتى الآن لم تقم تركيا بفتح سفارتها في سوريا والإمارات لم ترفع مستوى التمثيل إلى وضع سفير لها في دمشق، ما عدا سلطنة عُمان، بجانب عدم قيام وسائل الإعلام العربية بفتح مكاتبها مباشرة في المناطق التي تسيطر عليها دمشق، فإن هذا التطبيع العربي ليس بالمستوى الكبير لتقوم واشنطن بالرد ذاته، حيث استجابت وفقا لهذه التحركات الظاهرية فقط، من حيث التصريحات وتجديد رفضها لتعويم الأسد، حسب تقدير عبد النور.

قد يهمك: الاتحاد البرلماني العربي وتنشيط العلاقات مع دمشق.. الحلبوسي لخدمة أجندة طهران؟

عبد النور لا يعتقد أن ثمة دولة مستعدة اليوم للتطبيع مع دمشق بحيث أن جعلها بمواجهة مباشرة مع واشنطن، فهي لن تستفيد من دولة مفلسة ومتهالكة مثل سوريا، وبالتالي لن تحقق أي مصلحة من هذا التطبيع، بل ستخسر الكثير من علاقاتها وخاصة التجارة والاستثمار في الأسواق الأميركية، خاصة وأن العالم يمر اليوم بعدد من الأزمات الاقتصادية.

“لا تطبيع مع الأسد”

في المقابل، أصدر نائبان في “الكونغرس”، مساء الثلاثاء الماضي، بيانا مشتركا انتقدا فيه زيارة وزير الخارجية المصري إلى دمشق، وطالبا بعدم السماح للأسد الذي وصفاه بـ”القاتل المتوحش” باستغلال كارثة الزلزال لكسر عزلته. وأكد النائبان فرينش هيل، وهو من “الحزب الجمهوري”، وبرندان بويل، من “الحزب الديمقراطي” وهما الرئيسان المشتركان لمجموعة “أصدقاء سوريا الحرة والمستقرة والديمقراطية”، أن لقاء شكري مع الأسد يعزز قدرته على الاستفادة من الزلزال، للتلاعب في طريق عودته إلى “الجامعة العربية” والاستفادة من الكارثة الطبيعية لكسب تعاطف زعماء العالم.

البيان أضاف “لا ينبغي لأي دولة ذات سيادة أن تقع في غرام تواضع الأسد المزعوم أو الحاجة إلى المساعدة، وخاصة إن كانت هذه الدولة حليفا للولايات المتحدة مثل مصر”، مشددا على أنه طوال هذه المأساة، واصلت قوات الحكومة السورية شن هجمات بالمدفعية والصواريخ على المناطق الأكثر تضررا من الزلزال في شمال غربي سوريا.

منظمة “هيومن رايتس ووتش” الحقوقية قالت من جانبها إن العديد من الدول العربية سارعت إلى تطبيع العلاقات مع الأسد، منذ كارثة الزلزال، وذلك من دون الضغط من أجل المساءلة عن جرائم قوات الحكومة السورية أو الإصلاحات الأساسية اللازمة لتحقيق السلام الدائم ومنح البلاد الازدهار بعد الحرب. وجاء ذلك في بيان نشرته المنظمة، مساء الثلاثاء الماضي. مضيفا أنه ينبغي للدول العربية الساعية إلى تطبيع العلاقات أن تدرك أن حكومة دمشق هي نفسها التي أخفت قسرا عشرات آلاف الأشخاص وارتكبت انتهاكات حقوقية خطيرة أخرى ضد مواطنيها حتى قبل عام 2011.

يُشار إلى أن الأسد كان معزولا دبلوماسيا في الساحة العربية، كما الدولية أيضا، إذ ما تزال عضوية سوريا في “جامعة الدول العربية” معلّقة منذ العام 2011، لكن بعد الزلزال المدمّر، استأنفت دول عربية التواصل مع الحكومة السورية التي تستغل هذه الكارثة للخروج من عزلتها الدبلوماسية.

منذ وقوع الزلزال المأساوي الذي ضرب سوريا وتركيا، تلقّى الأسد سيلا من الاتصالات من قادة دول عربية وهبطت أكثر من 223 طائرة مساعدات في مطارات دمشق وحلب واللاذقية، وسنحت الكارثة للأسد فرصة لدفع عملية تطبيع بلاده مع بقية دول العالم العربي، والتي إن كانت تسير ببطء لكنها تتقدم.

لذلك، يبدو أن التطبيع العربي مع الحكومة السورية يأتي في سياق ردع النفوذ الإيراني في المنطقة، خاصة على الحدود الجنوبية السورية مع الأردن، وكذلك لتحقيق بعض المصالح الذاتية لهذه الدول العربية، لكن بوادر التطبيع الكامل مع دمشق وإعادة فتح السفارات وإعادة العلاقات التجارية والتبادلات أمر مستبعد تماما، ذلك لأن العقوبات الغربية المفروضة حتى الآن على دمشق لن تسمح بذلك، طالما أن الدول الغربية ترفض تعويم هذه الحكومة ما لم تغيّر سلوكها الوحشي. ولا يُعتقد أن ثمة دولة عربية، في ظل المتغيرات الإقليمية والدولية، مستعدة لوضع نفسها في مواجهة مباشرة مع الغرب وواشنطن، من أجل إنقاذ حكومة مفلسة ومتداعية على جميع المستويات، كالحكومة السورية اليوم.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.