حول أهداف التطبيع مع الحكومة السورية وجدواه مؤخرا، باتت القضية السورية تشكل محور الاهتمام الإقليمي والدولي، في الوقت الذي قطعت فيه بعض الدول علاقاتها بدمشق، بقيت دول أخرى تحتفظ بعلاقاتها معها ، بهدف إعادتها إلى “جامعة الدول العربية”.

تونس ومنذ تولي قيس سعيد لزمام السلطة فيها، بدأت بتغير طريقة تعاطيها مع حكومة دمشق، بعد قطعية تجاوزت العقد من الزمن، من خلال تشريعها لإجراءات من شأنها رفع التمثيل الدبلوماسي بين البلدين، في أوضح إشارة إلى نية سعيد تطبيع العلاقات بشكل كامل مع الحكومة السورية.

وزارة الخارجية التونسية، ذكرت في بيان لها 4 أذار/مارس الحالي، بأن “محادثة هاتفية جرت بين وزير الخارجية السوري فيصل المقداد مع وزير الشؤون الخارجية والهجرة التونسيين بالخارج نبيل عمار، مثّلت مناسبة جدّد فيها الوزيران الرغبة في عودة العلاقات الثنائية الأخوية بين تونس وسوريا إلى مسارها الطبيعي، ولا سيما من خلال الترفيع في مستوى التمثيل الدبلوماسي وتبادل زيارات مسؤولي البلدين”.

وكالة “سانا” السورية، نقلت عن المقداد “تقديره لتضامن تونس، قيادة وحكومة وشعبا مع سوريا في مواجهة الزلزال”، مثمنا “رغبة الرئيس التونسي برفع مستوى التمثيل الدبلوماسي بين البلدين”. ووفق الوكالة فقد “اتفق الوزيران على متابعة تعزيز العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، وإجراء الزيارات المتبادلة في الفترة القادمة”.

بعض الدول العربية، اتخذت من الزلزال الذي ضرب مناطق في سوريا في 6 شباط/فبراير الماضي، غطاء لإعادة تعويم الحكومة السورية في المحيطين العربي والإقليمي، تحت اسم التضامن مع سورية بعد كارثة الزلزال، من خلال إرسال وفود ومساعدات للمتضررين، الذي “أعاد علاقات دمشق مع محيطها العربي”، وفق تصريح للمستشارة في رئاسة الجمهورية السورية بثينة شعبان.

التطبيع التونسي مع دمشق

خلال حكم الرئيس التونسي السابق المنصف المرزوقي في 2012، قطعت تونس علاقتها بشكل كامل مع الحكومة السورية، إذ أغلقت السفارة السورية في تونس، كما قررت تونس إغلاق سفارتها في دمشق، احتجاجا على قمع الأجهزة الأمنية السورية للاحتجاجات في البلاد آنذاك، لكنها فتحت عام 2015 مكتبا لإدارة شؤون التونسيين في سوريا، خلال حكم الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي.

في العام 2017، سقطت لائحة برلمانية تطالب بإعادة العلاقات مع سوريا، بعد تصويت 68 نائبا فقط بالموافقة، في مقابل 6 ضد، فيما امتنع 27 نائبا عن التصويت على مشروع القرار. حيث أن التصديق على القرار يُتخذ بموافقة 109 من 217 نائباً.

قد يهمك: دمشق تذهب إلى أحضان تونس والجزائر.. ما الذي تريده وماذا ستحقق؟

الرئيس التونسي الحالي قيس سعيد، أجرى اتصالا هاتفيا مع الرئيس السوري بشار الأسد، الشهر الفائت، قدم له التعزية بضحايا الزلزال الذي ضرب سوريا وتركيا.

سعيّد سبق ونقل للأسد عبر وزير خارجيته، فيصل المقداد، على هامش احتفال الجزائر في الذكرى الـ60 لاستقلالها، التحية التي جاءت في سياق عرضه التقارب بين الإنجازات التي حققها الطرفان “ضد قوى الظلام”، بحسب سعيد.

الكاتب والسياسي هشام اسكيف، يقول في حديثه لـ”الحل نت” بإن هناك حسابات خاصة بكل دولة، وليس هناك محور صلب أساسي ممكن أن نعتبره قادر على صناعة فارق سيما بوجود معارضة قوية من السعودية والمغرب والكويت وقطر”.

لكن هذه الحسابات، بحسب اسكيف، لا يمكن الاستهانة بها فهي تخص مصالح تستجلبها هذه الدول، وفي حالة  قيس سعيد الذي  يعاني من أزمة حقيقية داخليا، وانفكاك من أهم داعميه وهو “الاتحاد العام للشغل” ويشعر أن هناك من يتحرك ضده، لذلك رمى هذه الورقة على الطاولة ربما تأتيه عروض أسعار تثبته، وفق تعبيره.

موقف سعيد من حكومة دمشق

للرئيس التونسي، قيس سعيد، تصريحات سابقة، يرى فيها من وجهة نظره أنّ قطع العلاقات الدبلوماسية مع دمشق خطأ، حيث يعتبر أن “قضية إسقاط النظام في سوريا هي شأن سوري داخلي لا ينبغي أن يتدخل به أحد”.

في حوار له مع قناة “الوطنية التونسية” في الـ 26 من أيلول/سبتمبر 2019، قال إن “لدى تونس علاقات تاريخية مع سوريا، لكن قضية النظام السوري هذه قضية تهم الشعب السوري وحده، ولا دخل لتونس بها، ولا دخل لأي كان في اختيارات الشعب السوري” بحسب ما نقله موقع “تلفزيون سوريا”.

اقرأ أيضا: “ترتيب إجرامي“.. من يقف وراء محاولات تغير ديموغرافية تونس؟

لا يستغرب الكاتب هشام اسكيف، من تقارب سعيد مع الأسد، لأن السياسة التي اتبعها في تونس عند توليه السلطة من بطش وتضييق على معارضيه، والشعب بدعوى الإصلاح، مقاربة لما يحدث في مناطق الحكومة السورية، فمن الطبيعي أن يتقارب سعيد، ويصطف مع من يتوافق مع خطاه، وفق تعبيره.

أما بخصوص موقف الشارع التونسي، فهو لديه تحديات كبيرة سياسيا واقتصاديا، وفق اسكيف، فتحرك “الاتحاد العام للشغل”، سوف يطيح أو في طريقه للإطاحة بسعيد، كون له وزنا في الشارع الذي عبر عن رفضه لقيس سعيد عمليا في انتخابات البرلمان في أخفض نسبة مشاركة لم تتجاوز الـ11‎ بالمئة.

في مقابل ذلك، يرى المحلل السياسي التونسي نزار الجليدي، خلال حديثه لـ”الحل نت”، إن “قيس سعيد في طريق مفتوح الآن، فهو يؤسس لعلاقة طبيعية كانت ومازالت وستظل هذه العلاقة دائما مع دمشق، على اعتبار أن قطع العلاقات لا مبرر له منذ البداية، إذ هناك دولا عدة منها عربية وخليجية، عارضت ما يحدث في سوريا لكنها لم تقطع علاقتها بدمشق”، وفق تعبيره.

قرار سعيّد تطوير العلاقات الدبلوماسية مع سوريا، ورفع مستوى التمثيل في دمشق، وفق الجليدي، هو قرار يصب في مصلحة الجالية التونسية المقيمة في سوريا، كما سيكون له تبعات إيجابية عل التعاون الاقتصادي بين البلدين، بحسب رأيه.

الانفتاح العربي على دمشق

عقب وقوع الزلزال، زار دمشق لأول مرة وزيرا خارجية مصر سامح شكري والأردن أيمن الصفدي، إضافة إلى وفد برلماني عربي، في خطوة غير مسبوقة منذ 2011، حين جمّدت “الجامعة العربية” عضوية سوريا، بسبب قمع الأجهزة الأمنية المطالبين بالتغيير السياسي بالبلاد، بحسب موقع “العربي الجديد”.

لكن المعطيات السياسية المتوافرة تفيد بأن جهود بعض الأطراف لتعويم حكومة دمشق مرة أخرى، وخاصة في المحيطين العربي والإقليمي قد يكون محكوما عليها بالفشل، بسبب الرفض الأميركي لأي محاولة بهذا الاتجاه. وتصرّ واشنطن على تطبيق القرار الدولي 2254 الذي رسم خريطة حل واضحة للقضية السورية، إلا أن دمشق ترفض التعامل بإيجابية مع هذا القرار.

الباحث في “المؤسسة السورية للدراسات وأبحاث الرأي العام” رشيد حوراني، قلل في حديث مع “العربي الجديد”، من أهمية ما أسماه “الانفتاح العربي على دمشق، حيث يقول بإن لا قيمة سياسية له”.

لكنه استدرك، بأن هذا “الانفتاح” ربما يتحول إلى فعل مؤثر نتيجة التراكم المتدرج بفعل الملفات المشتركة بين كل دولة وحكومة دمشق، وعلاقة الدول من خارج المنظومة العربية مع تلك الملفات، وفق تعبيره. 

أخيرا، المواقف الإقليمية والدولية تتفاوت من التقارب والتطبيع مع دمشق، كما تختلف التقييمات حول جدوى هذا التقارب، حيث يرى مراقبون بإن ما يقوم به قيس سعيد من توطيد علاقاته مع دمشق، هو مراوغة منه في إطار البحث عن تحالفات جديدة، وعن مساحات أكثر داخل مربع التحالفات السياسية خارج تونس، خصوصا أن نظامه يتخبط في أزمة اقتصادية واجتماعية خانقة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.