في الربع الأخير من الشهر الماضي، وفي خطوة ربما لم تلقَ صدى واسع، أعلن “البنك المركزي” العراقي، اعتماد العملة الصينية “اليوان” بالتجارة مع الصين بدلا عن الدولار، وذلك ضمن جملة قرارات أصدرتها الحكومة العراقية منذ مطلع العام الجاري، أملا في دعم الاقتصاد الوطني ومواجهة تحديات عدم استقرار سعر صرف الدينار العراقي أمام الدولار الذي يشهد منذ تشرين الأول/نوفمبر الماضي حالة من التذبذب في الأسواق.

قرار “المركزي” العراقي، جاء في محاولة كما يبدو لتحسين فرص الحصول على العملة الأجنبية وتقليل الاعتماد على الدولار كما تقول الحكومة، في الوقت الذي يحذّر فيه المراقبون من معالجة الإشكالات المالية والاقتصادية من خلال خطوات قد تكون أكثر ضررا، أو توفر مساحة جديدة للمهربين يمكن استثمارها.

في معرض بيانه حول الموضوع، قال “البنك المركزي” إنه سيتم تنظيم تمويل التجارة الخارجية من الصين بشكل مباشر وبعملة “اليوان” الصيني عبر خيارين؛ أولهما تعزيز أرصدة المصارف العراقية التي لديها حسابات مع مصارف صينية بعملة “اليوان” الصيني. والثاني؛ هو تعزيز أرصدة المصارف العراقية من خلال حسابات “البنك المركزي” إلى المستفيد النهائي بعملة “اليوان” الصيني من خلال حساباتنا لدى مصرف “جي بي مورغان”، و”بنك التنمية في سنغافورة”.

في حين سيتم تقديم تسهيلات للتحويلات المالية إلى الولايات المتحدة وأوروبا بالآلية نفسها لاحقا، بيد أن الوثائق المطلوبة للتقديم للتحويلات المالية الخارجية ستتكون من قائمة “فاتورة تجارية فقط”، أو أوليات الاعتماد المستندي، على أن يقدم الزبون للمصرف لاحقا ما يثبت دخول البضاعة، وجاء ذلك في النقطة الثالثة من البيان.

تطلعات عراقية للتعاملات بـ “اليوان” الصيني

من خلال إجراءات الحكومة و”المركزي” العراقي، فإن التعامل بـ “اليوان” مباشرة دون وساطة الدولار الأميركي، سيسهم في تسهيل وتسريع المعاملات المالية، وسيقلّل من تكاليف الاستيراد ويحمي أسعار الصرف داخل العراق من مخاطر التذبذب، غير أن هناك حذر من اعتماد هذه الآلية.

كلّ ذلك في ظل حالة عدم الاستقرار المالي التي يعيشها العراق، نتيجة عدم استقرار أسعار صرف الدولار مقابل الدينار العراقي، على الرغم من إجراءات الحكومة العراقية الطارئة، والتي على ما يبدو هي الأخرى قد فشلت في السيطرة على سعر الصرف، إذ لا يزال سعره في السوق الموازي يتجاوز السعر الرسمي بأكثر من 20 نقطة.

اقرأ/ي أيضا: تسميم الطالبات.. محاولة أخرى لمنع الفتيات من التعلم في إيران؟

وسط ذلك، يشهد العراق أزمة مالية تتعلق بنقص العملات الأجنبية في الأسواق المحلية مما أدى إلى انخفاض سعر الدينار العراقي في السوق الموازية، رغم رفع قيمته الرسمية لدى “البنك المركزي”، ويعزى السبب في ذلك إلى عمليات تهريب العملة الصعبة لخارج العراق، لدول تعاني من نقص الدولار والعقوبات الدولية مثل إيران وسوريا ولبنان.

بناء على ذلك، وفي إطار محاولات السيطرة على سعر الصرف، والحفاظ على الاقتصاد الوطني من خطر تذبذب أسعاره، جاء قرار الحكومة العراقية في اعتماد “اليوان” الصيني في التعاملات مع بكين، إضافة إلى جملة خطوات تهدف إلى مواجهة خطر تهريب العملة من العراق، التي عادة ما كانت تتم من خلال تقديم وصولات شراء بضائع مزورة إلى “البنك المركزي” والحصول على الدولار بالسعر الرسمي المدعوم، ثم إخراج الدولار خارج العراق وبيعه بسعره الأصلي.

حول أهمية وتداعيات ذلك، أوضح الخبير الاقتصاد السياسي عبد السلام حسن، في حديث لموقع “الحل نت”، أنه من المستغرب لجوء “البنك المركزي” إلى مثل هذه الآلية في سياق محاولات التخفيف عن السوق العراقية، وتجنّب مخاطر سعر الصرف، إذ إن هذه الآلية يمكن الالتفاف عليها بسهولة، مبيّنا أن هذه الآلية في اعتماد “اليوان” في التعاملات التجارية لم تختلف عن الآلية السابقة والتي كان المهربون يعتمدون عليها في استنزاف الدولار.

“اليوان” وآثاره 

إن علميات التهريب كانت تتم عبر الوصولات المزورة، والاستيرادات غير النافعة، وهذا أمر ليس بالخفي وكان رئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني، قد تحدث عنه بصراحة، بالتالي أن العودة إلى اعتماد ذات الآلية في التعاملات الجديدة يعني أنه لن يختلف شيء، بحسب حسن الذي أشار إلى آلية اليوان هي مجرد إيجاد بديل للمهربين بما أنها ذات الآلية السباقة، خصوصا أن هذا الأمر يفترض تم تجاوزه من خلال الامتثال إلى تعليمات “الفيدرالي” الأميركي بإلزام العراق بمنصة “سويفت”. 

الخبير الاقتصادي حذر أيضا من أن هذه الآلية ستترك آثارها على الاقتصاد العراقي الذي سيواجه خطر ارتفاع أسعار السلع والبضائع الصينية المرتبطة مباشرة بارتفاع وانخفاض أسعار الدولار عالميا، مشيرا إلى أن هذا القرار سيواجه تحديات عدم توفر العملة الصينية في المصارف العراقية، بالتالي أن هذا يعني أن البضائع التي سيشتريها العراق من الصين ستُحتسب بعملتها، لكنه سيتم تسديد قيمتها بالدولار، لأن البنوك العراقية لا تمتلك الخزين الصيني فقط الدولار.

اقرأ/ي أيضا: ثلثي موازنة العراق لجيش الموظفين.. ماذا لو اضطرب سوق النفط؟

أزمة العملة العراقية، كانت قد بدأت في أعقاب حرمان وزارة الخزانة الأميركية 14 مصرفا عراقيا من آلية التحويلات البنكية العالمية المعروف باسم “سويفت” في محاولة لمنع تهريب الدولار إلى إيران، حيث كان تهريب العملة الأجنبية إلى إيران قد استفحل إلى درجة أن وزارة الداخلية العراقية أعلنت قبل أقل من شهر عن تركيب أجهزة مسح بالأشعة السينية على الحدود لردع مهربي الدولار، في حين انضم إقليم كردستان العراق إلى الحكومة المركزية في هذا الإجراء.

نتيجة لذلك، تعرّض العراق لقيود أميركية شديدة، وأدت تلك القيود والرقابة الصارمة إلى خفض كمية الدولارات المعروضة في سوق العملة في العراق، وعلى إثرها ارتفاع سعر صرف الدولار أمام الدينار في السوق السوداء، إذ كان أحد الإجراءات التي أصرّ عليها الأميركيون هو فرض قيود على المزادات اليومية لبيع الدولار الذي يحصل عليه العراق من تصدير النفط.

على خلفية ذلك، اضطرت الحكومة العراقية على الرضوخ للاشتراطات الأميركية، لسبب أن “البنك الفيدرالي” الأميركي، يحتفظ بالجزء الأكبر من احتياطي العراق من العملات الأجنبية، مما أجبر العراق على إنشاء منصة إلكترونية يتم بموجبها تحديد هوية المستفيد النهائي من عمليات شراء الدولار قبل إتمام المعاملة.

العراق والاضطراب المالي المستمر

في مقابل ذلك، لا تزال أسعار صرف الدينار العراقي أمام الدولار تمثل معضلة أمام أجهزة الدولة العراقية، إذ يتداول في السوق بأسعار أعلى مما حدده “البنك المركزي” العراقي، حتى بعد أن قرر “المركزي” مؤخرا تعديل سعر الصرف ليصبح 1300 دينار مقابل الدولار الواحد، ولكن سعر التداول في السوق يبلغ أكثر من 1500 دينارا مقابل الدولار.

في أواخر كانون الأول/ديسمبر الماضي أقرّ “المركزي” العراقي حزمة إجراءات لضبط استقرار سعر الصرف مقابل الدولار، من بينها، تسهيل تمويل تجارة القطاع الخاص بالدولار من خلال المصارف العراقية، وفتح منافذ لبيع العملة الأجنبية في المصارف الحكومية للجمهور لأغراض السفر.

فيما دعا “البنك” التجار حينها على أهمية التعامل “مع المصارف مباشرة وعدم اللجوء إلى الوسطاء والمضاربين لتلافي تحميل استيراداتهم عمولات ومصاريف لا موجب لها”، مشيرا إلى أهمية قرار مجلس الوزراء بـ” عدم استيفاء الرسوم الجمركية ومبالغ الأمانات الضريبية مسبقا” خاصة وأن هذا سيؤدي إلى تقليل الإجراءات وإزالة التكاليف الناتجة عن مشاكل الرسوم المسبقة.

وفقا لذلك، فإنه من غير المؤكد ما إذا كان اعتماد “اليوان” الصيني في التعاملات التجارية بين العراق والصين سيساعد في تجاوز مخاطر مشكلة سعر الصرف وتوفّر كمياته، خصوصا في ظل وجود مؤشرات تشي أساسا بشحٍّ في السيولة لدى الجهات الرسمية، الأمر الذي يعني أن القضية تتعلق في السيطرة على تهرّب الدولار أكثر من غيرها من الإجراءات التي ستنقذ الاقتصاد الوطني للبلاد، وتجنبه أي تداعيات مالية. 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.