الديناميكيات المتطورة.. تقييم روسيا للوجود العسكري التركي في سوريا رسائل لمن؟

القراءات والتفسيرات لتصريحات المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط وإفريقيا ميخائيل بوغدانوف، حول طبيعة وجود القوات التركية في الشمال السوري تباينت من قبل المراقبين، ففي حين اعتبر بعض المحللين أن الغرض منها ممارسة الضغط على تركيا بهدف تخفيف شروطها في مسار التطبيع مع دمشق، ذهب البعض الآخر إلى وضعها في إطار التقريب في وجهات النظر بين أنقرة ودمشق.

في حوار مع وكالة “سبوتنيك” الروسية، قال بوغدانوف “بالنسبة لوجود القوات التركية في سوريا، فليس هناك ما يدعو للتشكيك في طبيعته المؤقتة، وقد صرح الجانب التركي بذلك على أعلى مستوى، مؤكدا التزامه بسيادة الجمهورية العربية السورية ووحدتها وسلامة أراضيها، وهذا الموقف مثبت في عدد من الوثائق الروسية التركية، والبيانات المشتركة لـترويكا أستانا”.

بوغدانوف أضاف أن “الخلافات بين دمشق وأنقرة يمكن تجاوزها، وسنواصل مساعدة الطرفين في إيجاد حلول مقبولة لهما من أجل تطبيع العلاقات بين الدولتين واستعادة علاقات حسن الجوار التقليدية السورية التركية”، مبينا أنه “يجب أن تكون استعادة العلاقات الدبلوماسية بين دمشق وأنقرة، واستئناف عمل البعثات الدبلوماسية في كلا البلدين، من نتائج الجهود المشتركة في هذا الاتجاه”.

الوجود العسكري التركي في سوريا

تصريحات المسؤول الروسي سبقت اجتماعا عقد بين وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بنظيره التركي مولود تشاووش أوغلو؛ لبحث تطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق، وذلك على هامش الاجتماع الوزاري لمجموعة “العشرين” في العاصمة الهندية نيودلهي.

بعد الاجتماع الذي عقد في مطلع آذار/مارس الحالي، قالت الخارجية الروسية في بيان، إن “هناك اهتمام خاص موجه لعمل دول المنطقة المهتمة بتطبيع العلاقات التركية السورية، وهذا يجري بالتزامن مع بذل مزيد من الجهد المشترك للقضاء على التهديد الإرهابي”.

تركيا لا تخفي أسباب وجودها داخل الأراضي السورية وارتباط ذلك أولا بالحل النهائي، وثانيا بعدم ظهور أي كيانات انفصالية تهدد وحدة أراضي الجمهورية العربية السورية، حسب الأكاديمي والباحث المختص بالعلاقات الروسية التركية، باسل الحاج جاسم، مضيفا لـ”الحل نت” أن هذا ما تتعهد بها تركيا خلال اجتماعاتها مع روسيا في المسارات المتعلقة بسوريا.

إلى جانب ذلك، يشكل الوجود التركي العسكري في الشمال السوري واحدا من الأعباء التي تتحملها تركيا، كما يؤكد الباحث، ويقول: “لذلك نرى تركيا تتصرف مع هذه المناطق كوديعة فلا إجراءات سياسية أو عسكرية، والمنطقة متروكة للفصائل السورية المحسوبة على أنقرة، فقط تقدم تركيا الخدمات الأساسية للسكان، ومن هذا المنطلق يمكن قراءة دوافع التصريحات الروسية”.

الوجود التركي مؤقت ورسائل لدمشق

مع بدأ الحديث عن توجه تركيا في آب/أغسطس 2022 نحو التطبيع مع دمشق، والأخيرة تتمسك كما يبدو بشرط انسحاب القوات التركية من الشمال السوري قبل المضي في مسار التقارب.

من هنا يبدو أن تصريحات المسؤول الروسي تأتي بغية طمأنة دمشق، في ظل تردد أنباء عن هيمنة النقاش حول مآل الوجود العسكري التركي على اجتماع موسكو الذي عقد نهاية العام 2022، والذي ضم وزراء الدفاع التركي خلوصي أكار، والروسي سيرغي شويغو، والسوري علي محمود عباس.

وهو ما أكد عليه موقع “اندبندنت عربية” حيث كشف في تقرير نشره مطلع كانون الثاني/يناير الماضي، أن اجتماع موسكو كان ثمرة لقاءات أمنية، معتبرا نقلا عن مصادر من دمشق لم يسمها الموقع أن “هذا اللقاء ما كان ليتم من دون أن تكون هناك نقاط عدة تم الاتفاق عليها بين الجانبين وبما يلبي مصلحة دمشق وشروطها، ومن أهمها انسحاب القوات التركية من كل الأراضي السورية”.

الاجتماع خلص وفق المصادر، إلى موافقة تركيا على “الانسحاب الكامل من الأراضي السورية التي تحتلها في الشمال، إضافة إلى تأكيد أنقرة احترام سيادة وسلامة الأراضي السورية”.

من هنا، يقرأ الصحافي عبد العزيز الخطيب، في تصريحات المسؤول الروسي عن آنية الوجود التركي في الشمال السوري، رسائل روسية لكل من أنقرة ودمشق.

حول فحوى هذه الرسائل، يقول لـ”الحل نت”، تريد موسكو تذكير أنقرة بضرورة جدولة تواجدها العسكري في سوريا، نزولا عند مطالب دمشق، وكبادرة حسن نية للمضي في مسار التطبيع، أما بخصوص دمشق، فالتصريح يؤكد للأخيرة أن علاقة موسكو بأنقرة قوية، وأن عليها تأجيل نقاش الملفات الخلافية، وأهمها الوجود العسكري التركي في سوريا.

روسيا تمارس الدبلوماسية

لكن من جانب آخر، يمكن ملاحظة بعض التغيير في الخطاب الروسي من خلال تصريح بوغدانوف، فالخطاب الروسي التقليدي اعتاد على المطالبة بانسحاب كل القوات الأجنبية “غير الشرعية” من سوريا، فما الذي تغير حتى تخفف موسكو من نبرة خطابها.

الأكاديمي والباحث المختص بالشأن الروسي، محمود حمزة، يرد بالقول: إن “تلميح روسيا وحديثها عن وجود عسكري مؤقت، يعبر عن اصطفافها إلى جانب مطالب حليفتها دمشق”، مستدركا: “لكن التلميح هنا يأتي في إطار الدبلوماسية مع تركيا الحليفة أيضا”.

حسب حمزة، فإن تعقيدات الملف السوري، وتداعيات الزلزال المدمر الذي ضرب جنوب تركيا والشمال السوري في 6 شباط/فبرابر الماضي، قد عرقلت المساعي الروسية الهادفة إلى التطبيع بين أنقرة ودمشق، مضيفا: “بالتالي يأتي حديث بوغدانوف للضغط السياسي على أنقرة”.

من جانب آخر، لا يستبعد المختص بالشأن الروسي أن تكون قوات سوريا الديمقراطية “قسد” من بين الأطراف المعنية بالتصريحات الروسية، ويوضح في هذا الخصوص: “تريد روسيا دفع قسد إلى التنازل، من خلال التأكيد لها بأن الوجود التركي في سوريا ليس دائما، وأن مخاوفها ليست مبررة”.

هل تسحب تركيا قواتها من سوريا؟

منذ الإعلان عن أولى خطوات التقارب بين أنقرة ودمشق، والسؤال الأكثر إلحاحا هو هل تنسحب القوات التركية من سوريا.

الوجود العسكري التركي في سوريا

موقع “العربية” طرح هذا السؤال على رئيس تحرير موقع “سينديكا” التركي الإخباري علي أرغين دميرهان، فقال إنه “من المستحيل بالنسبة إلى تركيا سحب قواتها من الأراضي السورية في الوقت الحالي”، مضيفا أن “هذا الأمر لا يتعلق فقط بما وصفها أحلام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان التوسعية، فهو على صلة أيضا بالسياسة الخارجية التركية”.

دميرهان أضاف أن “لدينا أمثلة من الماضي حول صنع الاستخبارات التركية والجيش التركي لواقع جديد في الأراضي التي يحتلانها، مثلما حصل في قبرص وكذلك في شمال العراق وتحديدا في إقليم كردستان.

هذا ما تكرر لاحقا في سوريا، حيث دعمت أنقرة ما تطلق عليها المعارضة المعتدلة التي تتلقى رواتبها من الجانب التركي والتي تعيش تحت حماية القوات المسلّحة التركية داخل الأراضي السورية”.

إلى جانب ذلك، أشار دميرهان إلى معضلات أخرى، قائلا: إن هناك آلاف الجهاديين الأجانب على الأراضي السورية مثل “الإيغور” الذين يتواجدون في ريف محافظة إدلب السورية وليس لديهم مكان يمكنهم الذهاب إليه عند الانسحاب التركي من الأراضي السورية، وهو ما يعني أن تركيا ستكون أمام تدفق هائل ليس فقط للاجئين إلى أراضيها ولكن للجهاديين أيضا عند انسحابها من سوريا، معتبرا أن “مسألة الجهاديين تعد مشكلة كبيرة بالنسبة لسوريا وتركيا معا وهي نتاج التدخل التركي في سوريا”، وقال: إن “استمرار الاحتلال التركي سيزيد من هذه المشكلة تعقيدا وسيجعل حلها أكثر صعوبةً”، على حد وصفه.

لكن في المقابل، لا تستبعد تقديرات أخرى انسحاب القوات التركية من سوريا، في حال التوصل إلى صيغة للحل تعالج مخاوف تركيا الأمنية وملف اللاجئين، حيث تتطلع أنقرة إلى التخلص من أعباء استضافة نحو 4 ملايين لاجئ سوري على أراضيها.

ومن الواضح، أن حسم هذه المسألة “الشائكة” رهن محطات التطبيع بين أنقرة ودمشق، وهو المسار الذي يبدو أنه في طريقه للانفراج أكثر مع دخول إيران، وانخراط أطراف عربية مؤخرا فيه.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة