تصريحات المسؤولين التونسيين التي وصِفت بـ”التحريضية” تتواصل لمواجهة الاحتجاجات الشعبية والرفض المستمر لسياسة الرئيس التونسي قيس سعيّد في إدارة البلاد على مختلف الأصعدة، وذلك استمرارا للسياسة الأمنية التي اتخذها الرئيس لمواجهة معارضيه في تونس.

حملات اعتقال واتهامات خطيرة وجهتها السلطة إلى كل رموز المعارضة، وكل من اختلف مع سياسة سعيّد على المستوى السياسي والفكري، حيث يخوض المعارضون مواجهة حقيقية في مختلف محاكم البلاد، وسط مخاوف عن احتمالية أن يلجأ الرئيس للضغط على السلطة القضائية لزج المعارضين في السجن، ما قد يؤدي إلى مواجهة مفتوحة بين السلطة والشعب.

لكن هذه الإجراءات من قبل السلطة، واجهها الشارع التونسي والمنظمات الحقوقية المحلية والنقابات برفض شديد، وتشهد الشوارع التونسية مظاهرات يومية رفضا لتصريحات مسؤولي الحكومة، واحتشد قبل أيام عشرات المتظاهرين في شارع الحبيب بورقيبة وسط العاصمة التونسية، للمطالبة بالإفراج عن قياديين معارضين للرئيس قيس سعيّد، وتمكّن عدد من المتظاهرين من اجتياز حاجز أقامته الشرطة وسط العاصمة، لمنع المتظاهرين من الوصول إلى الشارع المذكور في المدينة.

“تصريحات تحريضية”

مما أثار سخط الشارع التونسي والمنظمات المحلية، تصريح وزير الداخلية التونسي الثلاثاء الفائت، عندما كرر “الخطاب التخويني” للرئيس قيس سعيّد، وهاجم المعارضة و”اتحاد الشغل” ووسائل الإعلام، داعيا التونسيين إلى الاصطفاف خلف الرئيس، وأضاف أن “المعارضين يعرفون صدق رئيس الجمهورية لكنهم لا يريدون إنسانا صادقا ووطنيا، فهؤلاء أشخاص يبيعون ويشترون ولا يساعدهم وجود شخص لا يُباع ولا يُشترى، وهذا ما يبرر محاولتهم تأليب الرأي العام”.

هذا التصريح دفع أكثر من ثلاثين منظمة حقوقية ونقابية الأربعاء الفائت، إلى التنديد بتصريحات رموز السلطة وأبرزهم الرئيس قيس سعيّد ضد كل من يعارض سياسته في إدارة البلاد، وأصدرت المنظمات بما فيها “نقابة الصحافيين” و”الاتحاد العام التونسي” للشغل بيانا مشتركا اعتبرت فيه خطاب الوزير “خطاب تحريضي” ويحرض على الأجسام الوسيطة، “في استعادة لخطاب شعبوي خطير يبشر بالدولة البوليسية”.

مخاوف كبيرة بدأت تظهر خلال الأسابيع الماضية، من جراء لجوء السلطة إلى الحلول الأمنية في التعامل مع رفض الشارع لسياسات الرئيس وحكومته في تونس، ما يعني أن الأمور بدأت ربما تخرج عن السيطرة، وفي حال استمرار السلطة بالتصعيد وارتفاع وتيرة الاحتجاجات، فإن المواجهة أصبحت حتمية بين “سلطة قمعية” وفئة واسعة من الشعب ترفض الانصياع لأوامر ورغبة السلطة.

نهج قمعي للسلطة

الكاتبة والصحفية التونسية عايدة بن عمر رأت أن السلطات في تونس اتخذت منهجا قائما على تشويه كل من يختلف معها بحيث يتم شيطنة المعارضة، مشيرة إلى أن استمرار الرئيس التونسي في هذه السياسات سيؤجج الاحتجاجات الشعبية ضد السلطة، خاصة في ظل عدم امتلاك السلطة لأي رؤية واضحة لامتصاص غضب الشارع وتحقيق مصالحه السياسية والاقتصادية.

قد يهمك: إعاقة الإغاثة الإنسانية لمتضرري الزلزال.. المضاعفات الإيرانية سر اللغز؟

بن عمر قالت في حديث خاص مع “الحل نت”، “الحقيقة أن تصريحات وزير الداخلية التونسي ليست غريبة، فهي تنضوي تحت منهج عام اعتمده الرئيس قيس سعيّد ومن معه من معاونين ووزراء، هو يحاول تشويه صورة كل من يعارضه سياسيا وفكريا، حتى وصل به الأمر إلى اتهام قاضية بقضايا أخلاقية عبر بث مباشر، وقيس سعيّد نفسه وصف المحتجين بالفيروسات والخونة والعملاء، فما بالنا بوزير الداخلية الذي لا عمل حقيقي له سوى تطبيق أوامر قيس سعيّد وتجسيد رؤيته وتطلعاته وتبني خطابه الفوقي تجاه فئة كبيرة من التونسيين”.

التحريض المتواصل للمسؤولين التونسيين ضد معارضة السلطة، قد يهدد ربما تماسك المجتمع التونسي وإحداث الفرقة، وهنا توضح بن عمر أن “هذا إرهاب دولة مكتمل الأركان”، لكنها تعتقد كذلك أن هذا لن يؤثر على نسف الاحتجاجات بل سيوسّعها أكثر ويعطيها زخم إضافي لتشمل ربما جميع المدن التونسية خلال الفترة القادمة.

لا يبدو أن السلطات في تونس تملك رؤية واضحة للتعامل مع المحتجين، بما يضمن امتصاص غضب الشارع، فمنذ اليوم الأول لبدء الاحتجاجات، كان واضحا أن القيادة التونسية اختارت الحل الأمني للتعامل مع الرفض الشعبي لسياسة سعيّد في قيادة البلاد، لا سيما على الصعيدين السياسي والاقتصادي.

تونس إلى أين؟

حول ذلك زادت بن عمر بالقول، “السلطة لا تملك رؤية واضحة للتعامل مع الاحتجاجات، وهي تلوّح بالقبضة البوليسية ثم تتراجع وليس لها حلول واقعية لخفض احتقان الشارع، لأنها سلطة مأمورة من أطراف خارجية تتصارع على الكعكة التونسية ضمن مسار الاستلام والتسليم بين القوى الدولية الكبرى، والمتابع للشأن التونسي سيلاحظ بقوة أن ارتماء قيس سعيّد في محور إيران وروسيا، ينذر بالفشل والتأزم وكبح المزيد من الحريات وتهديد سلامة الأشخاص والممتلكات الخاصة والعامة ومصادرة أجهزة الدولة ومواردها لخدمة العصابة الحاكمة”.

“التآمر على أمن الدول” هي أبرز التّهم التي يواجهها المعتقلون من السياسيين والناشطين، في وقت اتهم فيه سياسيون تونسيون أن السلطة بقيادة الرئيس التونسي قيس سعيّد، تسعى لتضخيم تُهم المعتقلين من أجل التغطية على الأزمة الاقتصادية التي فشلت في احتوائها على مدار الأشهر الماضية، فضلا عن التعديلات الدستورية التي منحت الرئيس صلاحيات غير مسبوقة.

يبدو أن المشهد التونسي يوحي بمزيد من التصعيد خلال الفترة القادمة، خاصة مع وصول مطالب الاحتجاجات إلى حدّ المطالبة بتنحي الرئيس قيس سعيّد عن الحكم، وتقاطع التوتر السياسي مع الأمني، فهل تنجح السلطة التونسية في إسكات المعارضين واحتواء الاحتجاجات عبر اللجوء إلى الحل الأمني وتوجيه الاتهامات للمعارضين.

حالة عدم رضى المواطن التونسي تشمل الجانبين السياسي والاقتصادي، إذ إن التعديلات الدستورية الأخيرة التي أقرّها الرئيس، والموازنة العامة للبلاد، كانت سببا مباشرا في نزول التونسيين إلى الشوارع للاحتجاج على السلطة والمطالبة أحيانا بتنحي الرئيس عن السلطة، فضلا عن عزوف النسبة الساحقة من التونسيين عن الإقبال على الانتخابات البرلمانية الأخيرة.

منذ أن اتجه الرئيس للتعديلات في الدستور ومنح نفسه صلاحيات غير محدودة وسحب الصلاحيات من البرلمان، “كان واضحا أنه يريد حكم البلاد بالطريقة الأمنية بعيدا عن الديمقراطية. أصبح الرئيس وحده يختص بتعيين طاقم الحكومة ورئيسها، وهذا يرسّخ الحكم باتجاه واحد بعيدا عن الديمقراطية والتعددية. التونسيون فقدوا الثقة بالسلطة” بحسب معارضين تونسيين.

لا يبدو أن القيادة التونسية تنوي الاتجاه للحلول السلمية، وطرح مطالب الشارع التونسي لحل الأزمة، خاصة مع استمرار حملات الاعتقالات وشيطنة المعارضة، ما يدل على إفلاس السلطة التونسية في التعامل مع الأزمات، بالتالي فإن الأوضاع مرشّحة إلى مزيد من التصعيد بين السلطة والشعب خلال الفترة المقبلة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة