البرلمان التونسي الجديد، عقد أول اجتماعاته الإثنين الفائت، وهو ما يمهد لتنفيذ الخطة السياسية، التي رسمها الرئيس قيس سعيّد، لإعادة رسم ملامح المشهد السياسي في تونس، بعد أن أقرّ حزمة من التعديلات الدستورية ومنح منصب الرئيس مزيدا من الصلاحيات الخاصة بالتدخل في انتخاب البرلمان وتشكيل الحكومة.

في ظل التوتر السياسي الذي تعيشه البلاد، يواجه البرلمان التونسي رفضا واسعا من قبل الشارع التونسي وأحزاب المعارضة، التي رفضت كثير منها الاعتراف بشرعية البرلمان، وهو الذي نتج عن انتخابات جاءت على مرحلتين خلال شهر كانون الأول/ديسمبر وكانون الثاني/يناير الماضيين، وقد شهدت مشاركة ضعيفة من قبل الناخبين بنسبة لم تتجاوز 11.2 بالمئة للجولة الأولى و11.4 للجولة الثانية.

في تونس بدأت ملامح الصراع على السلطة تظهر بين حلف الرئيس التونسي قيس سعيّد، الذي يسعى لاحتكار السلطات، وبين أحزاب المعارضة التي تعتبر أن إجراءات الرئيس هي تمهيد لصنع دكتاتور في البلاد، هذه الملامح بدأت تظهر عندما منعت السلطات التونسية الإعلاميين والصحفيين من تغطية الجلسة الأولى للبرلمان، في سابقة لم تحدث منذ عشرات السنين، فما هو احتمال تصاعد الصراع على السلطة وكيف سيؤثر على المشهد السياسي في البلاد.

برلمان بدون اعتراف؟

منذ الإعلان عن انعقاد جلسة البرلمان، سارعت العديد من الأحزاب السياسية للإعلان عن رفضها الاعتراف بشرعية البرلمان، وأبرزها حزب “التيار الديمقراطي”، الذي أصدر بيانا أول أمس الثلاثاء، رفض فيه الاعتراف بالبرلمان الجديد، وهو كغيره من أحزاب المعارضة يعتبر أن البرلمان جاء بطريقة غير شرعية، كذلك أصدرت “جبهة الخلاص الوطني” بيانا مشابها ترفض خلاله الاعتراف بالبرلمان الجديد، معتبرة أنه “انبثق عن دستور انقلابي”.

هناك رفض واسع في الأوساط السياسية التونسية، لكل خطوة يعلن عنها سعيّد منذ إعلان إجراءاته الاستثنائية منتصف عام 2021، والتي شملت تعديلات دستورية على مراحل امتدت لأكثر من عام، حيث ترفض المعارضة الاعتراف بشرعية الإجراءات التنظيمية، التي اعتمدت على تعديلات سعيّد للدستور، وكان آخرها تنظيم انتخابات البرلمان، التي جرت بموجب التعديلات الجديدة الصادرة منتصف شهر أيلول/سبتمبر الماضي، بدلا من القانون الانتخابي لعام 2014.

هذا الرفض لا يقتصر فقط على الأحزاب السياسية، بل يمتد إلى المواطنين والشارع التونسي، خاصة مع رفض النسبة الساحقة من الناخبين التونسيين المشاركة في انتخابات البرلمان، ومع ذلك فإن السلطات أقرت نتائج الانتخابات، وقد باشر البرلمان عمله رغم التوتر السياسي في البلاد، والرفض الواسع لسياسة الرئيس التونسي قيس سعيّد في إدارة البلاد على مختلف الأصعدة.

أسباب رفض الاعتراف

المستشار السياسي ورئيس المنتدى الدولي للحرية والديمقراطية المنصف زيد، رأى أن إصرار الرئيس التونسي على تنفيذ الخارطة السياسية التي وضعها خلال الأشهر الماضية رغم رفض المعارضة، يوحي بمزيد من التصعيد السياسي خلال الفترة القادمة، مشيرا إلى أن السلطات لم تعد تعمل بطريقة ديمقراطية، إنما تستخدم الديمقراطية من أجل تثبيت الحكم والسيطرة على مفاصل الدولة.

زيد قال في حديث خاص مع “الحل نت”، “من الطبيعي أن ترفض الأحزاب السياسية منح الشرعية للبرلمان الغير الشرعي لقيس سعيّد، خاصة ظل حالة الانهيار التي تعيشها تونس على مختلف المستويات، وهي استكمال لعملية مقاطعة غالبية أحزاب المعارضة لانتخابات البرلمان قبل أشهر، مثلما قاطعت غالبية الشعب هذه الانتخابات”.

السلطات التونسية اختارت الحل الأمني، للتعامل مع رفض الأحزاب التونسية وفئات الشعب لسياسات الرئيس التونسي، فمنذ مقاطعة الانتخابات البرلمانية، وحركات الاحتجاج الرافضة لسياسة الرئيس، شهدت تونس حملات اعتقالات واسعة استهدفت المعارضين التونسيين والناشطين، ما ينذر بتأجيج الاحتجاجات الشعبية ضد السلطة، خاصة في ظل عدم امتلاك السلطة لأي رؤية واضحة لامتصاص غضب الشارع وتحقيق مصالحه السياسية والاقتصادية.

هنا أوضح زيد أن “مقاطعة الشعب التونسي لانتخابات البرلمان، جعلت سعيّد يدرك أن مشروعه مرفوض بالكامل، لكنه أصرّ على التنفيذ، واختار إبعاد كل من يعارضه من الواجهة السياسية، ما جعل السلطة التونسية تصل إلى نقطة اللاعودة في مواجهة المعارضة والشعب، خاصة وأن عمليات الاعتقال  شملت كل التيارات السياسية والفكرية، وبيّنت بالواضح والمكشوف للجميع أن قيس سعيّد يستنسخ مشروع بن علي من كذب وخداع وتجويع وتفقير للشعب”.

مزيد من التصعيد؟

حتى الآن لا يبدو أن رفض الأحزاب السياسية منح الشرعية للمجلس، سيؤثر على عمله المفترض، خاصة مع إصرار الرئيس التونسي على أن الانتخابات جرت بطريقة قانونية، وبالتالي يجب على البرلمان بدء أعماله، لذلك فإنه حسب رأي المنصف زيد “لا بد من تحويل هذا الرفض إلى عملية نضال ومقاومة توحّد المعارضة في الداخل والخارج على مشروع وطني، هدفه إنقاذ البلاد من عملية الهدم الممنهجة التي تنتهجها السلطة التونسية”.

فالرفض البياني والكتابي لن يقدم شيئا، إذ لا بد من ترجمة البيانات الحزبية إلى عمل شعبي يبيّن للداخل والخارج الرفض الميداني للبرلمان الذي جاء بطريقة غير شرعية، عبر المقاطعة الفعلية لكل ما يصدر عن البرلمان، ومقاطعة كل الإدارات والمحاكم والوزارات التي تحتكم بأمر السلطات الجديدة.

قد يهمك:  قمة “الفيدرالي الأميركي” الطارئة.. مخاوف من إفلاس الشركات الناشئة بعد انهيار بنك “وادي السيليكون”؟

أزمة البرلمان التونسي، بدأت عندما أقر الرئيس قيس سعيّد للتعديلات الدستورية، والتي أفضلت إلى أن النواب الجدد في البرلمان سيمارسون صلاحيات محدودة، فبعد أن كان البرلمان السابق يتمتع بقوة عرض مشاريع القوانين وفقا لدستور 2014، سيفقد البرلمان الجديد هذه الصلاحية بعد أن استولى عليها الرئيس الذي اكتسب حق عرض مشاريع القوانين مع أولوية النظر فيها، في حين أصبح للنواب حق عرض مقترحات القوانين بشرط أن تكون مقدمة من 10 نواب.

وبذلك غاب دور البرلمان وتقلصت صلاحياته بشكل كبير، إذ يؤكد محللون تونسيون أن البرلمان “تحول إلى عبد مأمور لا صلاحيات له إلا تنفيذ أوامر الرئيس”، كذلك فإن التعديلات الدستورية الأخيرة منحت سعيّد حق تعيين وزراء الحكومة ورئيسها، وبالتالي رسم جميع توجهاتها وسياساتها العامة”، ما يعني بالضرورة غياب التشاركية في السلطة.

مع ازدياد وتيرة الأزمة السياسية، بدأت تونس تفقد هامش الديمقراطية التي كانت تتمتع به منذ سنوات، وهو ما يميزها عن جيرانها شمالي إفريقيا، إذ إن هناك هامش من حرية التعبير كانت تتحرك به أحزاب المعارضة، إلا أن التعديلات الدستورية تهدد ما تبقى من الديمقراطية في البلاد.

منذ أسابيع والمشهد السياسي التونسي، يشهد مزيدا من تصاعد الاحتقان والتوتر، وقد وصلت الاحتجاجات في تونس إلى حد المطالبة برحيل الرئيس التونسي عن السلطة، في وقت تُقابل السلطات هذه الاحتجاجات بمزيد من حملات العنف والاعتقال، ما يعني أن الوضع في تونس مرشح لمزيد من التصعيد.

الاحتجاج الشعبي ضد السلطة التونسية لا يقتصر فقط على الجانب السياسي، فهناك حالة من عدم الرضا على طريقة إدارة البلاد من الناحية الاقتصادية، وقد تصاعدت حدتها منذ إعلان سعيّد عن الموازنة التونسية مطلع العام الماضي، ومحاولة سد العجز عبر فرض المزيد من الضرائب، الأمر الذي لاقى استنكارا واسعا في الأوساط التونسية.

يبدو أن استمرار الوضع على ما هو عليه، سيؤدي إلى تصاعد الصراع على الحكم بين المعارضة والسلطة، وسط مخاوف أن تؤدي السياسة الأمنية التي اتخذتها الحكومة من أجل مواجهة الاحتجاجات إلى مزيد من التصعيد، خاصة مع غياب أي رؤية واضحة من قِبل سعيّد لامتصاص غضب الشارع أو تحقيق مطالبه.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.