خلال عام 2022 الماضي ومطلع العام الجاري شهدت الساحة العراقية العديد من التحركات فيما يخص ملف تنظيم “داعش” الإرهابي، فمن جهة كان ثمة انبعاثات للتنظيم الإرهابي على فترات متقطعة، إذ نفذ هجمات مباغتة، وألحق أضرارا وأعدادا بالضحايا من المواطنين وقوات الجيش الحكومي في العراق، ومن جهة أخرى، لم يتوقف جهاز مكافحة الإرهاب العراقي عن شنّ حملات عسكرية منظمة ضد التنظيم وإلحاق الهزيمة به في كل مرة، الأمر الذي أدى إلى تقلص دوره هناك إلى حد ما.

كانت آخر حملة لجهاز مكافحة الإرهاب قبل أيام، وأسفرت عن مقتل نحو 22 عنصرا من تنظيم “داعش” في محافظة الأنبار العراقية، من بينهم ما يسمى بـ “والي الفلوجة” الملقب برزان حسين علي، ويعد هذا أمرا لافتا ويثير احتمال استنزاف مصادر هذا التنظيم الإرهابي، خصوصا أن عدد عناصر التنظيم في العراق يُقدر بنحو 500 مقاتل فقط، بحسب مسؤول عسكري عراقي كبير. لذلك كان لا بد من طرح بعض التساؤلات حول الأدوات التي أدت إلى نجاح العمليات العسكرية العراقية ضد “داعش” في الفترة الأخيرة.

إضافة إلى أسباب انبعاث ظهور “داعش” في العراق بين حين وآخر، وما إذا كان التنظيم لا يزال لديه القدرة على استقطاب عناصر جديدة وأسباب ذلك. وبحسب تقرير لـ “مجلس الأمن الدولي”، فإن التنظيم يموّل نفسه من خلال عمليات غسيل الأموال عبر استثمارات في أعمال تجارية مشروعة مثل الفنادق والعقارات داخل العراق وسوريا، كما استخدم سرقة المواشي لجمع الأموال، لذا هل تخطط الحكومة العراقية لحصر والحد من هذه المنافذ المالية، أم أن هذا صعب في الوقت الحالي.

ضربة موجعة لـ”داعش”

عبدالوهاب الساعدي، رئيس جهاز مكافحة الإرهاب بالعراق، أعلن يوم الأحد الماضي، عن مقتل 22 عنصرا في تنظيم “داعش” في الأنبار غرب البلاد، في عملية وصِفت بأنها “سرية”.

الفريق أول الركن، الساعدي، خلال مؤتمر صحفي، أعلن عن مقتل 22 إرهابيا بعملية نوعية، مبينا أن من بين القتلى قيادات بارزة في عصابات “داعش”، وفق ما نقلته “وكالة الأنباء العراقية” (واع). كما أوضح أن القائد العام للقوات المسلحة وجه بعملية نوعية في منطقة شمال الرطبة في الأنبار، مشيرا إلى أن “العملية تمت على مرحلتين، فضلا عن أن نقل القطاعات استمر لـ 6 ساعات” وقطاعات الإنزال الجوي كانت مدربة.

الساعدي أردف أن “المنطقة التي يتواجد بها الإرهابيون معقدة ويصعب الوصول إليها، فضلا عن أن أغلبهم كانوا يرتدون أحزمة ناسفة”، لافتا إلى أن “العملية كانت سرية للغاية ولم يعرف عنها سوى خمس قيادات فقط واشترك بها جهاز مكافحة الإرهاب والمخابرات”.

الباحث السياسي العراقي، نبيل جبار التميمي، يقول إن انتشار جيوب الارهابيين من “داعش” هو أمر غير مستغرب، منذ فترة انتهاء سيطرة وتمكن “داعش” من الأراضي العراقية في عام 2017، تحوّلت عناصر التنظيم إلى جيوب إرهابية وخلايا متخفية تنتشر في مناطق معينة أكثر من غيرها.

قد يهمك: الزلزال المدمّر.. هل يشكل بيئة خصبة للإرهاب في سوريا؟

التميمي يردف لموقع “الحل نت”، أن المناطق الحدودية الغربية للعراق والمثلث بين محافظات صلاح الدين وديالى وكركوك ضمن تلال حمرين هي مناطق تشتهر باختباء الخلايا الإرهابية هذه، بالتزامن تجري العمليات العسكرية والأمنية مدعومة بجهد استخباراتي بشكل دوري من قبل الحكومة العراقية، وتقدم الأجهزة الأمنية تقاريرها الدورية كل شهر أو شهرين تقريبا عن نجاحها في إتمام القضاء أو القبض على بعض التجمعات الإرهابية.

كما أن العلاقات التعاونية بين الحكومة العراقية والإدارة الأميركية في ملف مكافحة الإرهاب ولا سيما في الجانب العملياتي المشترك وتبادل المعلومات الاستخباراتية، تعتبر نقطة قوة ودافع للقوات العراقية في استمرار محاربة الإرهاب، وفق مراقبين.

فضلا عن الغطاء الجوي والتعاون المستمر وعلى كافة المستويات من قبل “التحالف الدولي” بقيادة الولايات المتحدة الأميركية للقوات العراقية، الأمر الذي أدى إلى انحسار هذا التنظيم الإرهابي.

عليه، فإنه مهما امتلكت القوات العراقية من إمكانات على المستوى الأمني، إلا أنه لا يزال بحاجة إلى الدعم والإسناد من قبل “قوات التحالف الدولي” على مستوى التمويل وإدارة المشهد الأمني، ذلك لأن هذه القوات تمتلك الخبرة والمعلومات لمواجهة التنظيمات الإرهابية في البلاد والمنطقة عموما.

هذا ويعتبر الخبراء المعنيون بالشؤون الجهادية أن عملية “فرسان الحق” التي نفذتها بغداد ضد تنظيم “داعش” الإرهابي، نوعية ولافتة في حربها ضد التنظيم الذي يسعى للملمة شتات خلاياه المبعثرة في المنطقة عامة.

الاستقطاب المجتمعي

في المقابل، قال الفريق أول ركن قيس المحمداوي نائب رئيس قيادة العمليات المشتركة، التي تنظم تعاون القوات الأمنية العراقية مع “التحالف الدولي”، إن مجمل عناصر التنظيم لا يتجاوز 400 إلى 500 مقاتل، في ثلاث إلى أربع محافظات، مضيفا أن “التنظيم فقد القدرة على كسب عناصر جديدة”.

في حين تقوم المجموعات الإرهابية ببعض الحوادث والهجمات المتباعدة والنوعية أحيانا إذ تستهدف المدنيين أو قوى الأمن العراقية. وقد يمتد تعزيز هذه المجموعات من الجهاديين العراقيين أو الأجانب خارج الحدود خصوصا تلك المنتشرة في الأراضي السورية، سواء كانت في الشرق أو الوسط السوري “البادية السورية”، وفق تقدير التميمي.

أيضا قد ترفد بعض الأيديولوجيات في العراق وتؤمن تدفق وانتساب جديد للجماعات وإن كان ذلك بشكل محدود جدا، على حدّ تعبير الباحث السياسي العراقي.

تقديرات ضمن تقرير لمجلس الأمن الدولي في شباط/فبراير الماضي، تفيد بأن لدى التنظيم “ما بين 5 آلاف إلى 7 آلاف عضو ومؤيد ينتشرون بين العراق وسوريا، نصفهم تقريبا من المقاتلين”.

بعض التقديرات تقول إن انبعاث التنظيم في العراق واستقطابه للناس هناك يعود لأكثر من عامل، ولعل أبرزها وجود بعض المناطق تحت سيطرة قوى سياسية محددة، مثل مجموعة الميليشيات التابعة لـ “الحشد الشعبي” وغيرها من القوة التي تسيطر وتتحكم بمصير المنطقة حسب الحاجة السياسية، وبالتالي ثمة أجندات خفية للقوى السياسية تتحكم أو تهيئ الظروف لانبعاث “داعش” من حين لآخر.

قد يهمك: تزايد هجمات “القاعدة” في اليمن.. ما الدلالات؟

غير أن استقطاب “داعش” لعناصر جدد بات صعبا ذلك نظرا للتجارب المريرة السابقة للأهالي في المنطقة مع التنظيم، فإنهم لن يتعاطفوا أو يستقبلوا التنظيم مرة أخرى.

احتمالية انسداد المنابع المالية

عملية الأنبار التي أسفرت عن مقتل “والي الفلوجة” جاءت بعد نحو شهر من إعلان الجيش العراقي نجاح ضربتين نفّذتهما القوة الجوية بمحافظة ديالى شرقا، أسفرتا عن مقتل 7 إرهابيين، منهم ما يسميه التنظيم بـ”والي ديالى” سامي موحان، الملقب بابن عبد الرحمن.

من جانب آخر، كشف تقرير لـ “مجلس الأمن الدولي”، عن أنه لا يزال تنظيم “داعش” نشطا في العراق رغم جهود مكافحة الإرهاب التي نجحت في قتل نحو 150 عنصرا خلال عام 2022 الماضي.

التقرير أردف أن التنظيم عمل في العراق داخل “المناطق الجبلية الريفية، مستفيدا من الحدود العراقية السورية التي يسهل اختراقها”. وتركزت أنشطته في العراق في مسرح لوجستي في الأنبار ونينوى والموصل، ومسرح عمليات يضم كركوك وديالى وصلاح الدين وشمال بغداد.

في منتصف شباط/فبراير الماضي، قتل 4 عسكريين عراقيين خلال عملية لملاحقة مسلحين شمالي بغداد، تزامنت مع زيارة دينية مهمة.

من جانب آخر، تراجعت احتياطيات التنظيم المالية المقدرة حاليا بين 25 إلى 50 مليون دولار، وفق “مجلس الأمن”. لكن في الوقت ذاته يموّل التنظيم نفسه عن طريق غسل الأموال من خلال استثمارات في أعمال تجارية مشروعة مثل الفنادق والعقارات وما إلى ذلك.

تعقيبا على هذا الجانب، يوضّح التميمي أن السوق العراقي تغلب عليها صفة الأعمال غير المشرعة، أي تمثل أسواق غير منتظمة وإمكانية تمرير الأموال بطرق ملتوية أو الانتفاع منها سهلة ويسيرة جدا في الواقع، ومن الصعب جدا تقفي أثر الأموال وعائديتها وإمكانية وصولها للمستفيد النهائي، وتجري عبر هذه الفوضى الكثير من المعاملات غير القانونية التي قد ترفد الإرهاب أو غسيل الأموال وتهريبها، حسبما يوضح ويحلل التميمي.

كذلك، حالة الفوضى والفساد الكبير في العراق نتيجة وجود بعض الميليشيات المحسوبة أو الموالية لإيران في البلاد يؤدي إلى حدوث فجوات وثغرات في الجوانب الاقتصادية بالعراق ككل. وبالتالي فإن التنظيم الإرهابي سيستمر في تمويل نفسه عبر عدة ممرات مالية غير المشروعة.

في حين أعلن العراق الانتصار على التنظيم المتشدد عام 2017، إلا أن عناصره لا يزالون ينشطون بمناطق ريفية ونائية في البلاد ويشنّون هجمات متفرقة، لكن مع استمرار القوات العراقية وبالتعاون مع “التحالف الدولي” بقيادة واشنطن، فإن “داعش” ربما يعيش فتراته الأخيرة في المنطقة وتحديدا العراق، فضلا عن التصريح الأميركي الأخير حول بقاءه في العراق لحين القضاء النهائي على هذا التنظيم الإرهابي.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.