لا تتوقف انتهاكات إيران وأجندتها الخبيثة التي تقودها في سوريا والتي باتت تشكل تهديدا لعمقها وخارطتها الديمغرافية، وذلك لتحقيق أهدافها في التمدد والتغلغل اللامتناهي، رغم الكلفة الباهظة التي تدفعها طهران نتيجة الضربات التي تتلقاها من قبل التحالف الدولي والطيران الحربي الإسرائيلي.

إلى جانب نشاطها المتنامي في معظم المدن السورية، تعمل ميليشيات إيران على إنشاء شبكة واسعة من السجون والمعتقلات، تمارس بداخلها أبشع أنواع الانتهاكات بحق المعتقلين، إذ أصبحت هذه السجون تمثل تحديا كبيرا لحقوق الإنسان المتداعية أصلا في بلد أنهكته الحرب على مدى عقد ونيف.

انتهاكات وتجاوزات ميليشيات إيران في سوريا، دفعت بعديد من المنظمات الإنسانية والحقوقية لمطالبة الجهات الدولية إخراج إيران وميليشياتها من سوريا ومحاسبة كل متورط بتهجير وقتل السوريين وتقديمهم إلى محاكم عادلة.

سجون إيران في سوريا

شبكة واسعة من السجون والمعتقلات أنشأتها الميليشيات الإيرانية في مناطق بسوريا، تركزت في المحافظات ذات النشاط الإيراني المتزايد سواء أمنيا أو عسكريا، حيث تأتي كلا من محافظتي دير الزور وحمص في مقدمة هذه المحافظات في عدد السجون، ثم تتبعهما محافظة حلب فالرقة.

 في السابق، كانت ميليشيات إيران تعتمد على شبكة السجون السورية لإيقاف من تقوم باعتقاله سواء من المدنيين أو من العناصر المخالفين التابعين لها، لكنها مؤخرا بدأت بإنشاء مرافق خاصة بها لاستخدامها كمعتقلات سرّية بعيدا عن أعين السلطات السورية وحلفائها، لا سيّما روسيا.

قديهمك: تُنفذ فيه الإعدامات.. الثوري الإيراني يفتتح سجناً بداخل مطار ديرالزور العسكري

بحسب تقرير حديث لشبكة “نورث برس” هناك عدة معتقلات إيرانية سرّية في سوريا؛ 3 منها في حمص وريفها، و3 في دير الزور، بالإضافة إلى سجن واحد في تدمر، وجميعها محاطة بخنادق و سواتر ترابية وتخضع لحراسة مشددة، وتتوزع هذه السجون بحسب المناطق على النحو الآتي، في دير الزور؛ في داخل المطار العسكري وفي مطار الحمدان” الزراعي في البوكمال، والثالث في منطقة الميادين قرب مزار “عين علي”. أمّا الموجودة في حمص، فالأوّل في بادية السخنة، والثاني في تدمر، والأخير في حقل “زملة المهر”.

بالنسبة لـ”سجن البادية”، أُنشئ في أواخر عام 2019، في أراض زراعية خاصة وسط منطقة “الدوة الزراعية”، غرب مدينة تدمر بمسافة 18 كم. وقد بدأت الميليشيات الإيرانية العمل على بنائه بالتزامن مع مساهمتها في إعادة تأهيل “سجن تدمر” العسكري من جديد، ويتكون السجن من ثلاثة أبنية تحوي 10 زنزانات، ويقع تحت سيطرة وإدارة كاملتين لميليشيات إيرانية، ويرأسه قيادي عسكري يدعى جمعة الظاهر، بحسب تقرير الشبكة.

 

كل من يعارض الميليشيات المحلية والأجنبية التابعة لإيران، سواء في دير الزور أم في البادية، يُساق إلى “سجن البادية”، ولا يتبع السجن للأفرع الأمنية التابعة لحكومة دمشق، بل تمنع الميليشيات الإيرانية أجهزة الأمن السورية من الدخول إليه، ويعتبر هذا السجن الأول لإيران في منطقة تدمر والبادية السورية، إذ كانت الميليشيات الإيرانية ترسل المعتقلين سابقا إلى مطار تدمر وفرع الأمن العسكري أي فرع البادية.

“سجن الرّملة” في الرّقة، والذي افتتحته ميليشيا “الحرس الثوري” الإيراني عام 2021 في حقل غاز “زملة” في ريف مدينة الرقة شمال شرقي سوريا، ينقسم إلى قسمين، قسم مدني والآخر عسكري، إذ يُفرج عن المدنيين فقط من خلال وساطة قبلية أو بكفالة بعد مبايعتهم إيران، كما يُسجن عناصر من ميليشيات “الحرس” أو بقية الميليشيات الأخرى التابعة له أحيانا، بسبب عدم الانضباط، ثم يُعاودن انتشارهم. ويشرف على السجن جنرال إيراني ويضم نحو 20 محققا من جنسيات أجنبية.

بينما “سجن الهنغار”، يقع في ريف حلب الجنوبي في جبل الواحة المطل على مدينة السفيرة، وقد أُنشئ بعد إنشاء قاعدة عسكرية إيرانية قرب معامل الدفاع هناك، وبحسب التقرير، يعتقد أن سبب تسمية السجن هو تحويله من هنغار لتخزين مواد البناء إلى سجن.

انتهاكات داخل السجون

تقارير عدة كشفت ما يدور حول السجون الإيرانية في سوريا من فظاعة ما يجري داخلها من أساليب تعذيب وحشية، تصل أحيانا إلى التنكيل بهم حتى الموت. ووفق شهادة لأحد المعتقلين السابقين في “سجن مطار دير الزور العسكري”، أوردها تقرير شبكة “نورث برس” فأن “هناك سجن سري إيراني في مطار دير الزور العسكري فوقه أعلام للقوات الحكومية، ويشرف عليه ضباط رفيعو المستوى من الجنسيتين الإيرانية والعراقية، كما تحرسه أيضا عناصر من الجنسية العراقية تابعين للواء أبو الفضل العباس”.

اقرأ أيضا: كيف ستبدو إيران ما بعد سقوط نظام خامنئي؟

في هذا السجن تمارس أسوأ أنواع التعذيب، ويتعرض فيه المعتقل للجلد والصعق بالكهرباء والحرق بالنار، والتعنيف الجسدي واللفظي، حيث أن مستويات التعذيب تتفاوت بحسب الانتماء المذهبي للمعتقلين، بحسب شهادة المعتقل.

 “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” سبق وأن وثقت في تقارير عدة الانتهاكات التي ترتكبها ميليشيات إيران تجاه المدنيين ضمن المناطق الخاضعة لسيطرتها، حيث يقول مدير الشبكة فضل عبد الغني خلال حديثه لـ”الحل نت” بأن ميليشيات إيران ارتكبت العديد من الانتهاكات في سوريا منذ بدء الأحداث في 2011  إلى يومنا هذا، من قمع للتظاهرات السلمية وإطلاق النار على المتظاهرين، كما شاركت في اقتحام المدن والبلدات والاعتقالات العشوائية والتصفية على الحواجز أيضا.

إيران اعتمدت في جلب مجموعات تابعة لها إلى سوريا على التجييش الطائفي، بزعم وجود مزارات يحتلها السوريون، حيث احتلت عدة مناطق في سوريا مستندة على هذا الخطاب، وفق عبد الغني، كما تركز ميليشيات إيران مؤخرا على توسعة شبكة سجونها في المناطق التي تحتلها، وخاصة في دير الزور التي تعتبرها عاصمة لميليشياتها في سوريا، كما تقوم ميليشيا “حزب الله” اللبناني مؤخرا على إنشاء شبكة سجون خاص بها أيضا وتخضع لها بدون أي تدخل من أي قوى أخرى، وفق تعبيره.

موقف الحكومة السورية

دمشق ليس لديها القدرة على الوقف بوجه الميليشيات الإيرانية، لأن إيران هي المتحكمة بمفاصل الدولة السورية، من وجهة نظر عبد الغني، حيث إن ميليشيات إيران تتصرف بحرية مطلقة في المناطق السورية التي تحتلها وتمنع دخول أي قوى تابعة للحكومة السورية إليها، مثل ما يحدث بداخل مدينة البوكمال الحدودية شرقي دير الزور.

من جهته يقول الصحفي والكاتب السياسي عمار جلو، في حديثه لـ”الحل نت”، إنه بالنسبة للقانون الدولي يجرم أي فعل عقابي، أو خارج إطار القانون، بعيدا عن العدالة والمحاكمة العادلة، ومنها العلنية وحق تمثيل المتهم، ومن ثم مراقبة السجون وضمان حقوق نزلائها. لذا فجميع سجون إيران في سوريا، هي سجون مدانة في القانون الدولي، من إنشائها الخارج عن سلطة الدولة والقانون، إلى مصير نزلائها المجهول. وبالمختصر هي سجون ميليشياوية خارج إطار القانون المحلي والدولي، على حد وصفه.

لا وجود لموقف حكومي تجاه وجود سجون إيرانية أو تابعة لأي ميليشيا أخرى في سوريا. فالدولة السورية ومؤسساتها، لاسيما الأمنية والعسكرية، أصبحت هي ذاتها خارج إطار مركزية الدولة والحكومة وتدور في الفلكين الروسي والإيراني، بحسب جلو، وهو ما يتم التعبير عنه عادة، بالمخابرات الجوية و”الفرقة الرابعة” اللذين يأخذان قراراهما من إيران، والفيلق الثامن والفيلق الخامس، اللذين يأخذان قرراهما من روسيا. هذا من جانب، ومن الجانب الآخر، الحكومة السورية بجوهرها دولة بوليسية تعتمد على سجون مخفية ومغيب نزلائها. لذا لا تكترث كثيرا بهذا الأمر، وفق تعبيره.

فيما يخص الموقف الروسي تجاه وجود سجون إيرانية في سوريا، يقول جلو، بأن “روسيا وإيران تعتبران أنظمة قمعية مستبدة، لذا لا تكترث موسكو بهذا الجانب، طالما هو بعيد ولا يمس بمصالحها الاستراتيجية أو الحيوية في سوريا. إضافة لحاجة موسكو الحالية، تخفيف تحجيمها للنفوذ الإيراني في سوريا، والتماشي مع بعض المصالح الإيرانية في سوريا، نظرا لحاجة موسكو لإيران بالتهرب من العقوبات وللإمدادات اللوجستية أو العسكرية التي تقدمها طهران لموسكو في حرب أوكرانيا”.

أخيرا، ماتزال إيران تسعى لتعميق نفوذها في سوريا من خلال جميع الأدوات المتاحة لديها، سواء عبر القوة العسكرية أو الشبكات الاقتصادية أو الاجتماعية والثقافية حتى. والتي تطورت جميعها مع تطور الصراع السوري، حيث يرى مراقبون بأن سوريا قد تحولت بفعل الدعم والانخراط الإيراني إلى أداة لمزيد من الوجود الإيراني في الشرق الأوسط.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.