إفطار اليوم الأول من شهر رمضان له طابعه الخاص لدى المسلمين في سوريا، إذ يأتي اليوم الأول حاملا معه وجبات خاصة، اعتاد السوريون تقديمها لعائلاتهم في أول أيام رمضان، إضافة لبعض المشروبات التي قد تغيب طوال العام عن البيوت لكنها تحضر في هذا الشهر تحديدا.

المدن السورية اعتادت على “تبييض اليوم”، وهي من أبرز العادات الرمضانية في أول أيام الشهر، وتعني أن تبدأ العائلات السورية إفطارها في أول أيام الشهر بإعداد أكلة تحتوي على اللبن، أملا في أن تكون باقي أيام رمضان بيضاء تحمل الخير كما تقول العادات المتوارثة منذ أجيال، لكن الغلاء المستمر لمستلزمات هذه الأكلات قد تجعل خيارات السوريين محدودة.

ومنذ أكثر من خمس سنوات ومع اشتداد الأزمة الاقتصادية، يأتي شهر رمضان في ظل انخفاض حاد بالقدرة الشرائية للمواطنين، ما يجعل من تحضير “الوجبات البيضاء” أمرا غاية في الصعوبة، ويطرح التساؤلات حول خيارات العائلات داخل سوريا في ظل عدم قدرتهم على شراء المستلزمات الرمضانية الكاملة.

الخيارات البديلة

“الشاكرية” هي من أبرز الأكلات الشعبية البيضاء في دمشق، وتقابلها “اللبنية أو الأرمان” في حلب كطبق أبيض يُقدّم في أول أيام رمضان، والأكلات المذكورة تحتوي بشكل رئيسي على اللبن واللحم الأحمر إضافة لبعض الخضروات، وفي ظل غلاء اللحم ومشتقات الحليب اضطرت معظم العائلات إلى إلغاء هذا الطبق عن مائدتهم الرمضانية.

متوسط سعر كيلو اللحم الأحمر سجّل مع أول أيام رمضان ما بين 80  إلى 90 ألف ليرة سورية، بينما تراوح سعر كيلو اللبن بين 4 إلى 5 آلاف ليرة سورية  والبصل 15 ألف ليرة للكيلو الواحد، ذلك ما يجعل تكلفة إعداد “الطبق الأبيض” الرمضاني تتجاوز راتب موظف حكومي شهر كامل.

من النادر أن تجد في سوريا عائلة في المرحلة الراهنة، قادرة على إعداد إفطار وفق العادات السورية القديمة، والمتمثلة بطبخة تقدم كطبق رئيسي إلى جانب العديد من أنواع المقبلات والمشروبات الرمضانية، إضافة إلى أنواع من الحلويات يتم إعدادها خصيصا لتقديمها طوال أيام شهر رمضان.

قد يهمك: قصي خولي ونادين نجيم إلى الواجهة.. لماذا لم يعتد الجمهور على “المشاهد الجريئة” بعد؟

ميساء الآغا، سيدة حلبية وأم في عائلة مكونة من خمسة أفراد، أكدت أنها اضطرت إلى استبدال الطبق الرمضاني في أول يوم بسبب الضائقة المالية التي تعيشها عائلتها، وتستعد لاستقبال أول أيام رمضان بأكلة شعبية لا تحتاج إلى تكاليف عالية، مع إضافة بعض المقبلات والمشروبات الرمضانية.

“في سنوات مضت اعتدنا على إعداد الطبق الأبيض عبر طبخ اللبنية باللحم، لكن منذ عامين غابت هذه الأكلات المُكلِفة عن مائدتنا الرمضانية، اليوم كيلو السمنة فقط يتجاوز سعره 20 ألف ليرة والرز 10 آلاف، ربما طبخة مثل اللبنية تصل تكلفتها إلى نحو 130 ألف ليرة”.

ميساء الآغا لـ”الحل نت”

عن الخيارات البديلة في أول أيام رمضان، شرحت الآغا خطتها في إعداد طبخة “المجدّرة” مع البيض، إضافة إلى عدة أصناف من المقبلات والمشروبات الرمضانية، ذلك ما قد يشعرها بالبهجة الرمضانية بدون الاضطرار إلى إعداد الأكلات المُكلِفة، خاصة تلك التي تحتاج إلى اللحوم الحمراء باهظة الثمن.

إصرار على الأجواء الرمضانية

بعض العائلات بدورها أصرت على “الطبق الأبيض” في أول أيام رمضان، وقد ساعدها في ذلك ارتفاع معدل تدفق الحوالات المالية قبل أيام من رمضان، فاستطاعت تأمين الحد الأدنى من مستلزمات المائدة الرمضانية، لكن ذلك بالطبع لن يكون متوفرا طيلة أيام الشهر.

أحمد أبو أسعد، وهو موظف حكومي يقيم في مدينة حلب قال في حديثه لـ”الحل نت”، إنه جهّز مائدة أول أيام رمضان مع زوجته عبر إعداد طبق “اللبنية”، مؤكدا أنه لولا إرسال ابنه المقيم في تركيا حوالة مالية لما استطاع تحمّل تكاليف مستلزمات إعداد الطعام الذي اعتاد تحضيره مع عائلته كل عام.

أبو أسعد أردف في حديثه، “طبخة واحدة في رمضان لنحو ستة أشخاص زادت تكلفتها عن 150 ألف ليرة، وهذا يشكل نصف راتبي من الوظيفة الحكومية، الحاجات الغذائية أصبحت تشكل العبء المادي الأبرز، وبالطبع لن نستطيع الاستمرار على نفس الوتيرة طوال الشهر الكريم، لكن لليوم الأول أجوائه الخاصة”.

أسعار المواد الغذائية شهدت قفزة غير مسبوقة مع قدوم شهر رمضان، بمتوسط نسبة بلغت 15 بالمئة، وبحسب تقرير لصحيفة “الوطن” المحلية، فإن الارتفاع شمل كذلك كافة أصناف الخضار والفاكهة، فسجّل سعر كيلو كل من الباذنجان نحو 2500 ليرة، والبندورة  3000 ليرة، والبطاطا 2500 ليرة في حين سجلت أسعار الفاكهة الربيعية متوسط أسعار بين 15 و20 ألف ليرة.

تكاليف مرتفعة

بالعودة إلى تكاليف الأكلات الرمضانية، فقد أشار الدكتور في كلية الاقتصاد بدمشق علي كنعان، إلى أن الحد الأدنى لكلفة وجبة الإفطار بشهر رمضان لخمسة أشخاص تتراوح ما بين 40 إلى 60 ألف ليرة سورية، مؤكدا في تصريحات نقلتها إذاعة “شام إف إم” أن “سفرة رمضان قد يتجاوز متوسط تكلفتها يوميا مئة ألف ليرة”.

حتى صحن “الفتوش” وهو من الأطباق الرئيسية في رمضان والأقل تكلفة، يبلغ تكلفته بحسب ما أفادت به تقارير محلية، 15 ألف ليرة سورية، وذلك بعد ارتفاع أسعار معظم مكوناته الأساسية، فقد وصل سعر باقة البقدونس إلى 800 ليرة سورية، والنعناع إلى 1000 ليرة سورية، والبقلة والخيار 4500 ليرة سورية، فيما سجلت الأسواق سعر 20 ألف ليرة لليتر الواحد من زيت الزيتون.

في ظل الأزمة الاقتصادية والغذائية التي تعيشها سوريا، تؤكد تقارير المنظمات الدولية أن نحو 69 بالمئة من السوريين في سوريا تحت خط الفقر، في وقت تساعد فيه الحوالات المالية من أقاربهم وأصدقائهم في الخارج إلى التخفيف من وطأة الأزمة

الحوالات المالية ساهمت خلال الأيام القليلة الماضية، في تحريك المياه الراكدة في الأسواق السورية، ما ساعد الأهالي على إضفاء ما اعتادوه من أجواء على وجبتي السحور والإفطار، ورغم واقع الأسعار التي لا تتناسب مع دخلهم، فقد كانت للحوالات المالية من السوريين المقيمين في دول اللجوء دورا مهما في تجاوز هذه العقبة.

الدخل الشهري لمعظم السوريين لا يسمح لهم بشراء مستلزمات المائدة الرمضانية، فهو في أفضل الأحوال يصل إلى 450 ألف ليرة سورية، أي ما يعادل 62 دولارا أميركيا، وهو راتب لا يكاد يكفي الاحتياجات الدنيا من الغذاء، فضلا عن مصاريف السكن والفواتير وغيرها من الخدمات والاحتياجات الأساسية.

رغم الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعيشها البلاد، إلا أنك تجد العديد من العائلات تصرّ على إضفاء الأجواء الرمضانية في منازلها وعلى موائدها، حتى ولو اضطرت إلى القيام بذلك عبر إعداد أطباق متواضعة، فمع إضافة بعض المقبلات واجتماع العائلة، فإن ذلك سيجعلها تشعر بالبهجة الرمضانية رغم كل العقبات والأزمات.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.